fbpx

-أهلا نهى إزيك؟

سموحة إزيك؟ الحمد لله

-اتفضلي – إيه أخبارك؟ عاملة إيه؟ -كويسة تمام.

-إيه الكيس اللي معاكي ده؟

-أنا جاية عشان اعترفلك، أنا خنتك إمبارح، نزلت في لحظة يأس، وطبعا إنت عارفة لحظات اليأس؟

-جبتي إيه؟

-اسكتي، من يومين كنت في المول باشتري شبشب، مش ليا. لجوزي

البنت بقولها معلشي أنا مش متأكدة من المقاس قوي يعني، فلو في مشكلة في المقاس ممكن ابقى آجي أبدله؟

قالت لي آه طبعا يافندم ما حضرتك على طول هنا في المول

قلت للدرجة دي الناس لاحظوا إني بآجي كتير.

كان لحظة مؤثرة قوي في مسيرتي، قلت أنا إيه شكلي مفضوح قوي

فقلت طالما الواحد شكله مفضوح، فلقيت دول في الـ sale حبيبك. بصّي بقى وقولي لي رأيك؟

من وقت ما اتخرجت واشتغلت وأصبح لي دخل مستقل

كنت أحيانا لما أشعر بضيق أو ألم أو أمر بلحظات ضعف ثقة في النفس

أنزل اشتري أي حاجة.. لبس.. جزمة.. شنطة

أي شيء ممكن يشعرني بالبهجة ويبدو كل هذه المشاعر السلبية

لكن في الحقيقة هذا السلوك كان نادر جدا

إنما النهاردة وأنا على مشارف الأربعين أصبحت أعاني من هوس بالشراء

ورغبة ملحة شبه يومية إني أقتني أي شيء جديد

تزول زهوته بعد مجرد كام ساعة من شراه

سلوك مؤذي ومخجل خصوصا إنه بيتعارض مع قناعاتي اللي دائما كانت رافضة

ثقافة الاستهلاك والبذخ والتكنيز وغيرها من الممارسات البرجوازية

مؤخرا بدأت أحاول أفكر أنا ليه بتصرف بالشكل ده

مع بعض دراسات علم النفس بالـ Retail therapy

أو العلاج النفسي من خلال الشراء والاستهلاك

طيب وإيه المشكلة؟! طالما ده شكل من أشكال العلاج وتخفيض الألم النفسي

لكن الحقيقة مع مزيد من البحث واللجوء للمتخصصين

وجدت إن هذا السلوك لا يمكن أن يندرج تحت اسم العلاج النفسي

-لأ احنا معندناش حاجة اسمها Retail therapy.. ما نعرفهاش

احنا عندنا بنقلق لما يبقى الألم النفسي

بيتعالج بإننا نروح نشتري جاجات

ده عندنا دلالة إنه ممكن يكون في نوع من الاضطراب

فهو نوع من التخدير للألم الحقيقي أو الفضاء الحقيقي أو الحاجة الناقصة

فهو أكيد مش علاج

-للأسف لما بصيت حوالي لقيت كثير من صديقاتي وأقاربي بيمارسوا نفس السلوك

وعندهم نفس الهوس بالشراء

وعلى رأسهم صديقة الطفولة اللي أصبحت لقاءاتنا كلها في السنين الأخيرة في المولات

واللف على المحلات وتبديد الفلوسات

(صوت رنة موبايل)- أيوة يا سموحة

-معلشي يا نهى أنا باتأكد بس أنا مشية صح ولا غلط.

-قوليلي – أنا عند accessorize

-كملي على طول حتلاقي المكان على اليمين عند أول صينية يلا سلام باي باي

-سموحة

-إزيك يا نهى

-تعالى اقعدي من بعيد لبعيد، كورونا كورونا

-إيه خطتنا العلاجية النهاردة

-عاوزة أجيب make up مع إن عندي، بس عاوزة تاني وعاوزة أعدي على ماكس أجيب حاجات لنادية، Clarks عايزة أشوف بووت.

-احنا مش جايبين 3 بوتات السنة اللي فاتت؟

-آه آه نجيب تاني وبس

-الفيزا متعمرة ولا سالفين؟

-آه تستحمل وإن شاء الله تستحمل نزلتين كمان.

-آه ما أنت لسة قابضة، أنا لسة ما قبضتش.

-مش مشكلتي.

-فاكرة أكثر وقت خالص كان لما بابا اتوفى، قبل كده كان في طبعا، علاقتنا كانت مش علاقة أب ببنته، لأ كان صديق، وكان أقرب صديق لي تقريبا

وكان هو من النوع اللي كل ما أجيب حاجة يقولي ليه وعشان إيه وبكام؟

ودلوقتي لما مشي حسيت إني حرة، حرة ومتضايقة، فالاتنين اختلطوا ببعض، طبعا متضايقة إنه مشي، فبقيت أنا اللي باقول لنفسي طيب ليه جبتيه؟

ماكنش له لازمة، بس ساعتها كنت باحس باشباع ما، يعني أنا مش حاسة بإشباع في الشغل ومش حاسة بإشباع في البيت

دي الحاجة الوحيدة اللي باطلع فيها همي، الخمس دقايق اللي اشتريت فيهم الحاجة باحس إني مالكة الدنيا. 

-طيب ادخل المحل ده ممكن؟

-عاوزة تشوفي الجزم؟ -آه -يلا معانا وقت

-ده حلو برضه، اللي قلت عليه في الأول الـdouble semelle بس عاوز budget، عاوز جمعية. 

-قعدت أفكر إيه وجه النقص اللي ممكن يكون هذا السلوك المضطرب بيعبر عنه في حالتي

ومع مزيد من البحث والقراية وجدت إن الهوس بالشراء في كثير من الأحيان بيعبر عن رغبة الشخص في الشعور بالتحكم

التحكم من خلال اختياره لنوعية أو شكل أو سعر أو لون الحاجة اللي بيشتريها من على الرفوف

وده بيكون نتيجة لافتقاد الشخص لقدرته على التحكم في حياته بالشكل اللي يرضاه

-حتيجي طرح برضه؟ -آه

-هو احنا كل مرة نيجي نجيب طرح؟ -أيوة

-الطرح ده كلها بتلبسيهم امتى؟

-بالبسهم فوق بعض

-لو قلنا في الاسبوع مثلا بتعملي shopping كام مرة؟ 

-لأ، انا ما بانزلش كتير، لكن النازلة بمبلغ، بهبده بالفيزا كلها، سواء ليا، هدايا، أي حاجة، المهم إني أشبع، يعني لما الفيزا تخلص بإحس إني عملت حاجة.

-ارتاحتي؟ -آه ارتحت

– طيب أنا باحس بشعور بالذنب فظيع، بيجيلك الشعور ده؟

آه بيجيلي لما أحس إن الحاجات اللي أنا جبتها ملهاش لازمة بقى،

.. أفكر أرجعها، بعدين أكسّـل، فتفضل معايا في أراييزي كل ما أشوفها أحس بالذنب

بس ما باعملش حاجة تجاه الذنب ده، مش باتحرك

مش باقول لأ خلاص مش حشتري تاني

لأ برضه باشتري عادي و بـــ go on

– انت كده حسابك كام يا سميحة؟ -3599

– تعيشي وتجيبي .. – الله يخليك

وبعد تفكير طويل إن الهوس بالشراء في حالتي هو محاولة غير واعية

للتخفيف من شعور شبه دائم بعدم السيطرة أو التحكم في تفاصيل كثيرة في حياتي

وجدت إن الشعور ده مرتبط بالتحديد بلحظتين فارقتين أنا مريت بيهم

وهما وفاة والدي من حوالي 8 سنين اللي تزامنت مع دخولي عالم الأمومة

فقد إنسان غالي عليك هو تجلي واضح وصريح

لانعدام قدرتك على السيطرة على أي شيء في هذا الكون

الموت حتمي وعجزنا قدامه.. برضه حتمي

– هل شراء حاجات معينة هو اللي بيشبعك ولّا في تنوع في الأداء؟

– هي بتبقي يا إما هدية لنادية لعبة، بنتي، 7 سنين ..

يا جزم وشنط من محل معين

يعني حتلاقي عندي هنا جزم ممكن افتح محل

ممكن لما بـــ stress في الشغل قوي

بانزل مكتبة جنب الشغل اشتري أقلام كتير قوي و notebooks

عندي كتير قوي ممكن أفتح مكتبة مع البيزنس بتاع الجزم

ممكن أعمل Business مكتبة برضو

– كويس أهو .. آه، يعني حاجة للزمن .. الحمدلله 

– أنا قعدت اقرأ، ولقيت إن من ضمن الحاجات اللي بتقول إن الشخص ده

بيمارس العلاج النفسي بالشراء.. إنه بيشتري حاجات وينسى إنه اشتراها، فيشتريها تاني ..

والحقيقة، أنا لقيت إني بعمل ده .. انتِ بيحصل معاكي ده؟

– آه بيحصل معايا، ساعات فعلاً أنسى إني مثلا جبت مرة طقم  mug ـات

بعدين لقيته تاني في حتة جبته تاني..  ورجعت لقيته عندي

– حسيتي بإيه يوميها؟

– بالضياع، يعني إزاي وصلت لكده؟ لهذه الدرجة ؟

بتجيبي حاجات.. وانتِ مش عارفة إنها عندك !

– صباح الخير إزيك؟  – الحمدلله، انتِ عاملة ايه؟

– سامعة صوتك أقول هِيَّ ولا مش هِـيَّ !  – لأ، هِـيَّ

– نفسي في جيب سوداء، ما فيش جيب سودا؟

– لأ نزلوا جلد بس .. – جلد، بس أخضر …

– الحقيقة من أهم الأمور اللي بتشعرني وبتشعر ستات كتير بعدم القدرة على التحكم في حياتهم

.. و السيطرة على أي شيء هي الأمومة

على قد ما هي بتشبع الست عاطفيا على قد ما هي بتجردها من فرديتها 

وأبسط أشكال التحكم.. سواء في جسمها أو شكلها أو نومها أو بالأخص وقتها

وبرغم إن كل ما ابني بيكبر باشعر باسترداد جزء ما من فرديتي

لكن بيظل هو المتحكم الأساسي في تفاصيل يومي وتحديد ساعات شغلي برا البيت

وده طبعاً بحكم اعتماديته عليا، والتزامي تجاهه ..

– الالتزام في كثير من الأحيان بيضع ضغط عصبي على الأم

شبه دائم، حتى وإن كان بسيط ..

– تعالي نروح عند الصبيان،.. -حتبدلي حاجات و …

– ده حيحره شوية .. – بيحب البرتقالي والأزرق

– من الحاجات اللي كتير بتشعرني بالذنب

هو إنه إيه ده أنا بأرسّــخ وبأدعــم وجهة النظر اللي بتقول

إن الستات تافهة، وبتروح تشتري حاجات طول النهار مالهاش لازمة

تفتكري إن الموضوع ده بالبساطة دي يا سميحة؟

– لأ هي ممكن يكون لها عمق ثاني ..

إن الستات مش عارفين يتحكموا بحاجة، مش عارفين يتحكموا بيومهم

في حياتهم، فبيضطروا يتحكموا بالطريقة دي ..

رحت للدكتورة النفسية اللي أنا بتعامل معها بقالي سنين

عشان أخد رأيها في القصة ديه، فقالتلي لأ الموضوع مش بالبساطة ديه

لأنه له تأثير على المدى الطويــــــل

فأنا عاوزة اسمّعك جزء من الكلام اللي قالته لي، وتقوليلي إيه رأيك ..

احنا عندنا دايرة بتاعة الاحساس بالنشوة

الإفراز بتاعها بيكون Dopamine

الدايرة ديه هي اللي بتُستخدم في الإدمان

المشكلة إنها بتتفرز لمدة معينة، لما بعمل الحاجة اللي بتسبب النشوة ديه

لكن مع الوقت، الخلايا العصبية بتبقى متعودة عليها ..

فما بتديش نفس الاحساس بالنشوة، عشان كده بيحصل إدمان

إن أنا محتاجة أزوّد الجرعة بتاعة الشراء، أو الشيكولاتة، أو بتاعة المخدرات.. عشان أحس بنفس الحاجة

– مش عارفة، ما قلقتش برضه، أصل حاسة إن المخدرات حاجة والـ shopping حاجة تانية

ما بنضرش بيها حد غير نفسنا بس، وساعات بنطلع منها بحاجات لطيفة

يعني انت شايفة نفسك في موضوع الـ shopping لسة ما وصتليش لمرحلة الخطر

مش مديونة قوي، ما بتدينيش عشان الـ shopping ؟

– لأ مش واصلة لدرجات عالية، لأ مش باتدين عشان الــ shopping

– طيب والفيزا اللي بتخلصيها؟ – اه، الفيزا ديه مديونية طبعاً

.. أنا لا اتملص منها بس مديونية محكومة، حتعرفي تسديها بالأقساط بالـ …

حتتسدد كده كده إن شاء الله، لكن مش بتستلفي من ناس.. لسة الموضوع محكوم

– اللحظات اللي ما بيكنش فيها فلوس وما بتقدريش تعملي shopping بتعوضي النقص ده إزاي؟

– بالشيكولاتة أو أكل زيادة .. بآكل

– الحقيقة أنا لا أشارك سميحة نفس الشعور بالأريحية أو التعايش مع هذا السلوك المضطرب

لكن في الوقت نفسه مش قادرة أحط ايدي على برنامج علاجي واضح

رغم إدراكي لأبعاد الأزمة وخطورتها، وتداعياتها

يمكن أكون محتاجة وقت أدرب نفسي فيه

على تقبل ما لا يمكن تغييره أو التحكم فيه

ويمكن أكون برضه محتاجة وقت إني أغير

ما يمكن تغييره لإنقاذ نفسي من هذا السلوك

– انبسطي؟

– إنت مرضية؟ – أنا مرضية قوي ..

خلاص، كده تمام، كان نفسي أفرتك أكتر بس لولا الــ ..

التخن، خلاني أبقى limited شوية، بس معلش

– طب وبعدين يا سميحة، حنفضل نفترك كده لغاية إمتى؟

– والله ما أنا عارفة، مش عارفة

– ولا أنا ..

– يعني أنا باحس اني satisfied  لما بجيب حاجة

راضية كده

عن الهوس بالشراء وفقدان السيطرة

أنا محتاجة أزوّد الجرعة بتاعة الشراء، أو الشيكولاتة.. عشان أحس بنفس الحاجة
نهى الحناوي
20 مايو 2022
7 دقيقةاستمع