fbpx

محطة على الطريق إلى.. البيت

إذا استطعت الإمساك بالضوء، فسأتمكّن من إيقاف الزمن، وإذا تمكّنت من ذلك، سأجعل هذا الشعور العابر يبقى لمدّة أطول قليلاً.
ــــــــ البيت
رامية وزواز
31 مارس 2021

خلال طفولتي، كنت أوصف بالأكثر هدوءا أو العاقلة، كنت غارقة في خيالي، النضوج هو تجربة غريبة تتحوّل بسرعة إلى تجربة مُربِكة، وكلما تقدمت في السن ابتعدت عمّن حولي، حتى أتلاشى، وأغرق في خلفية ضجيج كل لقاء عائلي.
أنظر إلى ابنة أختي الآن، عبر الشاشة، كيف كبرت بسرعة وكيف صارت القلب النابض للمنزل، وأتساءل أي مغامرات تخوضها الآن، وهل سيأتي الوقت الذي ستشعر بنفسها تغرق في الخلفية.

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

في منتصف الطريق إلى البيت

شعرت بالخيانة عندما أدركت أن البيت ما عاد بيتاً، الأمر الذي جعل من السهل عدم التعلّق بالأشياء مرة أخرى، وعلى الرغم من ذلك بدأت رحلة مطاردة هذا الشعور، الذي لا يظهر سوى في مواقف عشوائية، ويصير عابراً ومستقلاً عن أي إطار زمني.
خلال السنين الثلاثة التي درست فيها بقسنطينة، اعتدت الذهاب من بلدتي إلى الجامعة كلّ نهاية أسبوع. نفس رحلة السيارة كل نهاية أسبوع، نفس قائمة الأغاني ونفس الأفكار مرة أخرى، أينما كنت.

دائمًا ما كان البيت هو الوجهة، ولذا مع كل بداية أسبوع، أصل إلى السكن الجامعي، محمّلة بالوجبات والملاءات النظيفة والرغبة في غرفة لنفسي، وكل نهاية أسبوع، أعود بالغسيل المتسخ، علب الطعام الفارغة ومشاعر مُستنزَفة، وفي بعض المرّات كنت أشعر أن لا السكن ولا “البيت” هما بيتي، بل الرحلة ما بينهما.

محطة على الطريق إلى.. البيت

جئت إلى ألمانيا في منحة لمدة عام، وأعطى هذا للبيتَ بُعدًا مختلفاً، في الأشهر الأولى، لم يكن البيتُ المكانَ الذي أعيش فيه، بل كلُّ ما وقع خارجه. كان هناك الكثير لاكتشافه في بلدة غريفزفالد، والكثير لتعلمه.

ذلك جعلني أدرك أن البيت ليس سوى كوكبة متغيّرة من الأفكار، والمواقف، الأزمنة والأمكنة، التي قد تضيع وأنا أحاول البحث عنها، لذا استمتع بالرحلة.

محطة على الطريق إلى.. البيت

الجوّ دائما مشمس في شونفالد

عندما اجتاح الوباءُ الأرضَ، وصار الجميع مجبرًا على البقاء في البيت، اجتاحني السؤال مرّة أخرى : ما هو البيت؟ على أمل الإبقاء على أقل قدر من التعقّل، ولأجل التحكّم في الخوف، العزلة والحنين إلى البيت، حاولت أن أجعل من هم حولي يشعرون قليلا مثل كأنهم في البيت، لا يهم ماذا يعني هذا، ربما تلك العادات اليومية المتضمّنة وجبة صحية، والكثير من حمامات الشمس، والرقص، لتفريغ القلق وإبعاده.. ربما تخلق بيتًا.

في وسط كل هذه الشكوك، أردت الإمساك بالضوء، وإذا استطعت الإمساك بالضوء، فسأتمكّن من إيقاف الزمن، وإذا تمكّنت من إيقاف الزمن، سأجعل هذا الشعور العابر يبقى لمدّة أطول قليلاً.

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

النهاية؟

مثل كل شيء جميل، وصلت رحلتي في هذا الملجأ الآمن إلى نهايتها. وكان عليّ أن أواجه حيرة إيجاد طريقي مرّة أخرى، ولكن بسرعة اصطدمت بشيء غريب.

سترازا، أو 10 شارع سترازندر، هذا البيت الضخم و الزاخر بالتاريخ، كان بيتًا قديمًا انتمى مرة لعائلة ذات أصول ملكية، ثم أصبح مأوى للاجئين الهاربين من الحرب.

كان القلب النابض للبلدة، حتى اشتراه مستثمر ما وتركه يتعفّن. حارب مجموعة من الناس، بأسنانهم وأظافرهم، لاستعادة المبنى وجعله بيتًا مفتوحًا للثقافة كما كان دائمًا. وبمساعدة مئات الناس، تقدّم مشروع الترميم، باستعمال وسائل وقطع قديمة، وقريبا ستفتح أبوابه المغلقة كي يصير بيتًا لمختلف المشاريع والمبادرات في المدينة، والمنطقة.

ولكن حتى قبل هذا، كان هذا المبنى بيتًا لمن تطوّعوا لبنائه. بدأت في الذهاب إلى هناك أكثر من مرّة في الأسبوع للمساعدة، ولكن أيضا للملاحظة والتفكير.

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

 

محطة على الطريق إلى.. البيت

بداية.. ربما

أول ما عليك القيام به هو أن تجد “ناديا”، وعندها ستجد اسمك ومعه المهمة التي ستقوم بها، كل يوم ستعمل مع وجوه جديدة، أغلبنا لا يعرفون كيف يقومون بالمهمات، بل نجد أنفسنا نتعلّم ونحن نقوم بها، وفي بعض الأحيان بعد أن ننتهي منها.

الثقة هي التي تجعل كل شيء يتماسك مع بعضه، تثق “ناديا” بالسقالات المتمايلة، نثق نحن بالمتطوعين الجدد للمهمّات، أثق بالشخص الذي نظّف فرشاة الطلاء قبل أن أستعملها، ويثق شخص آخر بطلائي المرتبك ويتابع الخطوة التالية. يختفي قلق عدم إتقان العمل أو التأخر فيه عندما تعي أن الأمر لا يتوقف عليك وحدك، بل على أمر أكبر بكثير.

بعد الغداء والقهوة، يغادر البعض، في حين يلتحق آخرون بموقع البناء، وهكذا تنطلق الدورة من جديد. عرق، غبار، ضجة وقلق ولكن أيضا موسيقى وضحك وتناغم مع أشخاص غرباء تماما. الذهاب إلى هناك كل يوم منحني هدفًا ما. ربما لا يمكنك إيجاد البيت، ولكن يمكنك خلقه، أو حتى بناؤه.

وهكذا انتهيتُ إلى هذا البيت الضخم، لأجد نفسي وسط موقع بناء، والناس الذين يعيشون هناك، وخطط التنظيف، ورفوف الأحذية، والغسيل. ضخامة البيت تجعل لكل شيء منظورا خاص.

ماذا يعني أي شيء في المخطط الضخم للأشياء؟ معظم الوقت لا أفعل شيئا سوى الضياع في جزء من البيت، ولكن في نفس الوقت، أشعر بذلك، وسط كل هذه الفوضى، وجدت نفسي، على الأقل الآن.

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت

محطة على الطريق إلى.. البيت