fbpx

موت طبيب نفسي

أين يذهب الكلام؟ المحادثات الطويلة التي جرت على المقعد المريح في عيادته؟ الكلام الذي قلته وأنا أفتش عن شيئ يؤلمني داخل ذاتي وهو يساعدني في العثور عليه؟ 
ــــــــ البيت
دزوفيك أرنيليان
11 أبريل 2022

في 21 أكتوبر 2020، رحل طبيبي النفسي، كان فاسيلي بوجي الشخص الذي استمع إلي بهدوء مرة كل أسبوع ولمدة ثلاث سنوات.

يظل الحزن على موت المعالج النفسي تجربة معزولة، إنه حداد لا تعلن عنه ولا تشاركه الآخرين، فقدان مركّب مثله مثل العلاقة بالطبيب النفسي ذاتها. أنت حين تخسره تسأل نفسك أسئلة كثيرة أقلها إن كان الراحل طبيبك أم صديقك؟ قد يختلط الأمر على المريض الذي يسرّ لطبيبه النفسي بأكثر أسراره التي يخجل منها وأفكاره الدفينة، ويبني هذه الثقة العمياء المحروسة، ليس بالصداقة، بل العهد الذي أخذه الطبيب على نفسه. رغم ذلك لا يخلو الأمر من شعور لدى المريض بأن ثمة صداقة من نوع ما، علاقة ذات خصوصية، رغم أنه قد لا يعرف عن حياة طبيبه شيئًا وأنه يدفع ثمن كل دقيقة يقضيها في عيادته.

موت طبيب نفسي

 كان تأثير وفاة الدكتور فاسيلي هائلاً عليّ. من الصعب التأقلم دون وجود ذلك الشخص الوحيد الذي اعتدت منه أن يصنع لك مساحة آمنة للتحدث والتعبير عن نفسك. عرفته أول مرةٍ من خلال صديقة مقربة لي كانت أيضًا مريضته. هي ذاتها التي نقلت لي خبر وفاته. كانت ضائعة بينما تخبرني بكلمات قليلة كيف خسرنا نحن الاثنتنان الشخص الذي كان يضيء العتمة الثقيلة التي بدت لنا قبله محتومة.

في المرة الأولى التي زرته فيها كنت في حالة صعبة، وكان فاسيلي خلف مكتبه يتكلم كأنه يمشي في شارع باتجاهين، يؤكد أن بمقدوره مساعدتي ويتأكد أنني أثق في هذه المساعدة، كان يسميها مساعدة لأنه يعطيني الأدوات فقط، يكشفها لي ويقول إنني أنا الوحيدة التي أستطيع أن أستخدمها. قطعنا رحلة طويلة ومعقدة قبل أن أستعيد توازني وذاتي. شاركت معه أشياء لم أشاركها أبدًا مع أحد. بكيت وضحكت ورأيت بوضوح أكثر.

موت طبيب نفسي
موت طبيب نفسي

رحل طبيبي النفسي من مضاعفات كورونا. لا أذكر في أي صحيفة قرأت أن عددًا من الأطباء النفسيين الكبار في العمر في أميركا كتبوا ما يعرف بـ “الوصية المهنية” عند حلول الوباء في 2020، وكانت هذه تتضمن الخطوات التي يجب على مرضاهم اتخاذها عند وفاتهم مع توصيات بأسماء أطباء ينصحون بهم. كانوا يوزعون مرضاهم بحسب معرفتهم بحالاتهم على أطباء يثقون بأنهم قادرين على فهم الحالة ومتابعتها في وقت مناسب. محاولين أن يوفرّوا على مرضاهم القلق والخوف وتمهيد الطريق للثقة بطبيب آخر أوصى به الطبيب القديم الراحل، فالكشف عن أنفسنا لمعالج جديد قد يكون مخيفًا للبعض.

خطر لي وأنا أقرأ ذلك أن لا أحد يأبه لحزن المريض على طبيبه النفسي مثل طبيبه نفسه. يقول أحدهم ببساطة أن علينا العثور على طبيب آخر، لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فالوصول إلى العلاقة الوطيدة مع المعالج النفسي طريق يقطع بالكثير من الخوف والتشكك، بالثقة وعدم الثقة، ليس بالطبيب نفسه وحسب بل وأيضًا بجدوى الجلسات برمتها، بكسر الكثير من الحواجز وبناء الكثير من الجسور. بساعات وساعات من الزيارات والتردد والتلعثم والمواعيد التي نتهرب منها في البدايات، نلتزم ببعضها ونؤجل بعضها قبل أن تصبح مواعيد ننتظرها بفارغ الصبر.

بعد عدة أشهر من رحيله، في مارس 2021، أخذت الكاميرا وبدأت ألتقط الصور. ما الذي كان في بالي وقتها؟ الكلام. أين يذهب الكلام؟ المحادثات الطويلة التي جرت على المقعد المريح في عيادته؟ الكلام الذي قلته وأنا أفتش عن شيئ يؤلمني داخل ذاتي وهو يساعدني في العثور عليه؟

رغبةً في إعادة شيء من هذه الأحاديث، مرة أخرى وأخيرة على الأقل، كتبت كلمات وعبارات خاصة وهشة كنت شاركتها معه. أنشأت مساحة من التعابير باستخدام الضوء أولًا، ثم عبر كتابتها بيدي على الجدران لاحقًا.

صوّرت هذا التباين بين الأسود والأبيض الذي يشبه الحياة والموت، حيث لا يزال أحدنا هنا والآخر على الطرف الآخر.

أظن أنني من خلال الصور ابتكرت شيئًا أهدئ به نفسي، صحيح أن كل مواعيدنا ملغاة الآن، لكنني على الأقل وجدت طريقة لأقول لفاسيلي وداعًا.

موت طبيب نفسي