fbpx

الضوء يأتي من النافذة، و كذلك الرصاص‎‎ (صورة قبل التخريب)

تسعة وتسعون اسماً لحلب

لمرة واحدة فقط قمت بتخريب الصور كي أجرّد نفسي والمُشاهد من كل أسلحتنا أثناء رحلة الألم.. لمرة واحدة فقط، أريد أن أقول إن الأمر لا يتعلق بنا دائماً
6 مايو 2022

كيف لي أن أروي حكاية عن حلب دون أن تتعرض لمقاطعة أيديولوجية مسبقة من عقل المشاهد؟ وألاّ تكون مؤدلجة من طرفي أنا أيضاً؟ ربما يكون لدى كل واحد منّا حكايته الخاصة عن حلب، ليس السوريون فقط وإنما حتى الذين لم يزوروا المدينة قط.

يكفي أن تعرض صورة واحدة من حلب لأي أحد في هذا الكوكب وسيحكي لك حكاية عن حلب، في أقل تقدير سوف يقول لك رأيه، لكن أحداً لن يقول لكَ: “أخبرني .. احكِ لي“ فالكل يعرف.

بدا لي أن استخدام الصور فقط في السرد خيارٌ مثالي كي أحمي المدينة من روايتي الخاصة عن العيش فيها سنتي 2012 و2013 وأترك لها هي أن تحكي، ولكن هل سيفعل المشاهد المثل ويحمي المدينة من روايته الخاصة؟ فصورة وثائقية ملونة واحدة تحمل الكثير من التفاصيل والمعلومات، ويكفي تفصيل واحد فيها فقط كي يستثير ذاكرة المشاهد.

هذه العملية التي أطلق عليها رولان بارت اسم punctum والتي يمكننا ترجمتها بتصرف إلى “الوخز”، هي شيء ما في الصورة يخِز المشاهد، قد يؤدي به إلى بناء علاقة خاصة وطويلة الأمد مع الصورة.

يبدو هذا الـ punctum مفيداً ومرغوباً في الحالات الاعتيادية ولكن مع صور توثق الصراع فإن الـ punctum ذاك يجلب معه كل الآراء والافكار المسبقة لدرجة قد تصل لأن يبني الُمشاهد سياقه الخاص على صورة ليست خاصة به.

هذا في أسوأ الاحوال، أما في أحسنها قد يكون الـ punctum تفصيلاً جمالياً بسيطاً يلجأ اليه المشاهد من أجل استحضار ذاكرته الجميلة هرباً من لحظة الألم ودفاعاً لاواعياً عن النفس لحمايتها من الأذى. ومن تفصيل إلى آخر ومع تتابع الصور يصل المشاهد إلى سياق مختلف كلياً عن السياق الأصلي. 

وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة، ألا وهي فقدان السياق الاصلي للصور.

الكثير من أنواع الفنون تشجع على هذه النوع من التفسير الشخصي للعمل فهو ضامن أساسي لنجاح العمل تجارياً، ولكن هل يتعلق الأمر بنا دائماً؟

من أجل ذلك لجأت إلى تحويل الصور إلى ما يشبه صور الكاميرا البدائية camera obscura، حيث لم يبقَ من الصورة سوى لحظة الفعل الأصلية التي حرضتني لالتقاطها. يمكن أن أقول أن ما بقي من الصورة هو ما أطلق عليه السيد بارت اسم studium، شعور الدهشة الأولى الذي تحمله أي صورة ويزول سريعاً.

ولضمان استمرار المشاهد في الاستماع لما تقوله المدينة، كان لابد من عدم انقطاع الـ studium، لذلك قمت بعرض الصور دون فاصل بينها، وقد ساعدتني الحواف السوداء على خلق علاقة وهميّة بين الصور، لكن تلك العلاقة حقيقية أيضاًَ فيما لو نظرنا إلى الصور المتصلّة على أنها تجربة كلية واحدة عاشها سكان المدينة.

لقد قمت بتخريب الـ punctum في الصور كي أجرد نفسي والمشاهد من كل أسلحتنا أثناء رحلة الألم هذه، لمرة واحدة فقط. لمرة واحدة فقط، أريد أن أقول إن الأمر لا يتعلق بنا دائماً.