سكان جبل مرّة: لا تبكِ هذه أرضنا

للوصول إلى جبل مرة لا بدّ من أن تجتاز ممرات صخرية شديدة الانحدار، الحمير فيها أسرع من السيارات. نفس الممرات التي تتحول في الخريف إلى قنوات لما يفيض من الأنهر من ماء، ليجري بين أشجار البرتقال والتفاح والليمون المحاطة بغابات الصنوبر.

بعيدًا عن كونه فردوسًا، لا يزال الجبل يحمل ندوب الحرب، وقصف طائرات والمنازل المدمرة، والكهوف المنحوتة في سفح الجبل التي كان المدنيون يلجؤون إليها هربًا من مناطق القتال. تحت الحصار منذ عام 2003، أصبح هذا المكان جيبًا لمقاومة جيش تحرير السودان.

لطالما تعايشت في دارفور مجتمعات مختلفة: الفور والمساليت والزغاوة والبرتي والتنجر والعديد من القبائل العربية البدوية، ولا سيما الرزيقات. في أوائل الثمانينيات، دفعت موجات الجفاف المتتالية السكان الرحل، ومعظمهم من العرب، إلى التطلع إلى أراضي الفلاحين المستقرين. وبدأ نظام عمر البشير، منذ وصوله إلى السلطة عام 1989، بإثارة واستغلال هذه الصراعات على الأرض، مما شجع على تشكيل ميليشيات مسلحة من أبناء القبائل العربية.

في المقابل شكل الفور والزغاوة والمساليت مجموعات للدفاع عن النفس، ولدت من بينها حركة جيش تحرير السودان. وعندما سيطرت هذه الجماعات على عدة بلدات في دارفور في فبراير 2003، قام عمر البشير بتنفيذ عمليات إنفاذ القانون والتطهير العرقي ضد السكان الأصليين والمتمردين.

لم تستعد دارفور إلى اليوم، وبعد عشرين عاما من اندلاع الصراع، السلام. فشلت جميع محاولات حل النزاعات على الأراضي والسماح بعودة قرابة ثلاثة ملايين نازح وأخذ حق أكثر من 300 ألف قتيل. في أبريل (نيسان) 2019، أعطى سقوط نظام البشير بصيص أمل لسكان دارفور. ظنوا أن صفحة العنف طويت. لكن المنطقة لا تزال مسرحًا لاشتباكات دامية.

في ديسمبر(كانون الأول) 2021، سافر الفوتوغرافيان عبد المنعم عيسى (27 عامًا) وإدوارد إلياس (31 عامًا) إلى جبل مرّة، والتقطا صورًا، على فيلم أبيض وأسود بكاميرا ميدانية، لمدنيين ولأفراد من جيش تحرير السودان.

يجمع هذا العمل الثنائي بين خبرات المصورين ومهاراتهما الشخصية، عيسىى الذي انتقل إلى الخرطوم في ديسمبر 2020 لتغطية الأخبار في السودان. أما إلياس فسافر إلى السودان في فترات متقطعة قبل بدء هذا المشروع، الذي قدم فيه خبرته بالتصوير الحرفي ما قبل الرقمي والتعامل مع المواد الكيميائية لتطوير الصور.

في كل صورةٍ طلب المصوران من الأشخاص الوقوف في مكان مألوف لهم، لالتقاط لحظة في حياتهم اليومية. بعد كل تصوير ، التُقطت صورة ثانية بكاميرا Instax الفورية (Polaroid) وأعطيت إليهم.

أتيحت الفرصة لكل من التقطت له صورة كتابة ما يريد: حاضره، ماضيه بعد سنوات من الحرب. أو ببساطة آماله. معظمهم كتبوا بالعربية، البعض كتب بلغة الفور، والبعض ممن لم يتمكنوا من الكتابة أملوا ما يريدون نقله. هذه النصوص هي جزء لا يتجزأ من الصور. الفكرة كانت في إعطاء دور لأولئك الذين يقبلون الوقوف أمام العدسة. وهكذا، لم يعودوا مجرد موضوعات للتصوير بل لاعبين في صورهم الخاصة.

هذا العمل هو نتاج تعاون وثيق بين المصوِرين والمصوَرين.

* النص مقتطف من موضوع للصحفي الفرنسي إليوت براشيه