fbpx

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

صرت أشعر أن الجمال شيء مؤذ ومرهق. كنت أريد أن أعرف إن كان هناك من يشعر بـ "ضغط الجمال" في لبنان مثلما أشعر
ــــــــ المـكـانــــــــ جسد
لارا شاهين
23 يناير 2022

كل يوم تلتقط آلاف مؤلفة من الصور للنساء الجميلات، وأقل منها بكثير للواتي لا يملكن مسطرة الجمال المتفق عليها. أن تُعتبر المرأة جميلة فهذا يمنحها مزايا فورية، لكن ألا يوصف الجمال بأنه سريع الزوال وهش، مثلما أنه غريب ومتعدد. عندما بدأت في مقابلة مجموعة من اللبنانيات كنت أفكر في صناعة ألبوم صور غير عادي، يبدأ من قبل أن أمسك الكاميرا، من مشاركتي مشاعرهن حول أجسادهن واستكشاف الدور القوي الذي تلعبه الأفكار التي نحملها حول الجمال في تشكيل حياتنا كنساء في لبنان.

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

المرأة موضوعًا للفوتوغرافيا

“عشرة أسباب لتصاحب لبنانية”، عنوان لمقال نشر منذ بضع سنوات على أحد المواقع، قرأته بدافع الفضول ووجدت أن سبعة من بين هذه الأسباب متعلق بشكلها وجسدها وملابسها وعنايتها بجمالها ومهارتها في الطبخ. 

أتذكر الآن أنني سألت نفسي: كيف يرانا الناس؟ هذه الكتلة التي نطلق عليها “المجتمع”؟ كيف تضع هذه الكتلة محددات تعرّف بها هوية المرأة؟ ثم كيف تنصاع المرأة لسياسات الشكل التي تعني بالضرورة الانتماء لهذه الكتلة والاندماج فيها؟ 

نتعلم مبكرًا أن على شكل المرأة اللبنانية أن يكون هكذا؛ مثل الصور في المجلات المليئة بقمصان النوم، فوتو كوبي عن صورة العارضة الأوروبية على لوحة الإعلانات في الطريق، مثل صورة الموديل على الحائط في عيادة التجميل. 

لم يكن مضحكًا بالنسبة لي، مثلما كان لكثيرين، احتجاج تلك المرأة في مظاهرات أكتوبر 2019 حين سألتها المذيعة لماذا خرجت للتظاهر، قالت أمام الكاميرا: “عيب.. ما معي مصاري أعمل فيلر” وأشارت إلى شفتها العليا الضامرة. تخضع هذه المرأة لإملاءات الشكل اللبناني، تشعر بذلك الثقل الذي تشعر به معظم النساء في هذا البلد، حيث التكبير والتصغير والملء والشفط والرفع والشد هي طريقة حياة وضرورة من ضرورات الاستمرار في المجتمع.

الإعلانات وبرامج التووك شو تضخ الشكل المشتهى في أذهاننا، في الوقت التي تظهر فيه جسد المرأة هشًا وسريع العطب، بحاجة إلى إشراف مستمر، بحاجة إلى جراح (رجل غالبًا) مستعد للعناية به، والإبقاء عليه جميلًا لأطول فترة ممكنة من الزمن بمقاييس أكبر فئة ممكنة من كتلة الناس (المجتمع).

يستخدم الطب كصنعة للسيطرة على جسد المرأة، لتكوين قالب تتشابه فيه النساء، ومن ثم تحويل هذا القالب إلى سلعة؛ حتى أن مصارف لبنان، قبل الأزمة طبعًا، كانت تقدم قروضًا خاصة لإجراء عمليات التجميل ومع بروشور القرض صورة لامرأة جميلة نحيفة مثالية وشقراء… كلما كانت الفوتوغرافيا متعلقة بجسد المرأة، كلما كانت أقل واقعية وصدقًا لأن عليها أن تكون موحية وتعبيرية ومربحة.

يقترح فوكو أن التصوير ليس إلا إحدى وسائل تمكين السلطة والحفاظ عليها، وبينما نتوهم أننا نستعمل التصوير كأداة تحت سيطرتنا تظهر فردانيتنا وفرادتنا، فإن الحقيقة أن التصوير يتحكم بنا وتتحول الصور التي ينتجها إلى وسيلة هيمنة، الكاميرا بهذا المعنى ليست إلا آلة للتجانس والانضواء تحت الشكل نفسه.

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

المرأة منتجة للفوتوغرافيا

طيلة مراهقتي لم أكن أحب شكل ساقيّ، ولا أحب أن يصورني أحد. ومع الوقت صرت أشعر أن الجمال شيء مؤذ ومرهق. كنت أريد أن أعرف إن كان هناك من يشعر بـ “ضغط الجمال” في لبنان مثلما أشعر. تلك الفترة، 2020، أغلقت المدينة وقبعنا كلنا في بيوتنا أمام أجهزتنا مع الحظر، وضعت سؤالًا على انستجرام عن ذلك، وبدأت أتلقى إجابات من نساء وفتيات، كل واحدة كان لديها قصة تجميل مؤذية أو قصة جسد لم يرض عنه أحد، لكنني لم أستطع الوصول إليهن بسبب الحظر.

شرعت بتصوير من استطعت الوصول إليها: أمي، ستي، صديقاتي، صديقات أمي. وحصلت على منحة للعمل على المشروع. كلما أذهب لتصوير إحداهن كانت تنشأ ثقة عفوية أمام الكاميرا لا أعرف مصدرها، أعني أنهن كن يشعرن بالخجل من أجسادهن ويرفضن التصوير سابقًا، مع ذلك تركتني كل واحدة ألتقط المزيد من الصور بينما نتحدث عن ألم وعبء محاولة أن تكوني جميلة طيلة الوقت، ورغم ذلك يرى كثيرون أنك فشلت في ذلك.

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

في الشارع ثمة من يؤكد لك على وزنك الزائد، طبيب النسائية يخبرك أن مهبلك واسع ويحتاج لتضييق، الأنف يمكن تصغيره، الحواجب يمكن تكثيفها، إلى آخر قائمة الاحتمالات المؤلمة التي اكتشفت من التجربة أن غالبية النساء من مختلف الأعمار والمدن والأديان يتفقن على ضرورتها حتى وإن كانت حملًا أثقل حيواتهن، لكنهن ينقلنه إلى الأجيال التالية كنوع من التقاليد التي غدت راسخة. 

بكاميرتي يمكنني أن أكون المصورة والموضوع. ألتقط الصور وأثناء ذلك أعثر على طرق مختلفة للتحديق في الجسم، وتمثيله، وتصنيفه، والنظر إليه كدليل على تفكير مجتمعي أوسع. أستكشف بالفوتوغرافيا نظرات عن الهوية والحميمية والتلصص والأداء، والهياكل الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على تمثيل النساء. 

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

كنت خائفة من  أن تواصل صوري قول ما هو معروف، وأن تُرى كلقطات من العري أو أنها تقديم الجمال من زاوية نظر غير تقليدية، أو حتى أنها تقويض للجمال نفسه. على الإطلاق، أرى هذه الصور لقطات عن الجمال كشيء مؤذي، وبدا لي أن الجسد هو الموضوع في صوري لكنه في نفس الوقت العقبة التي يجب تجاوزها لأصور موضوعي.

تظهر النساء في صوري منفردات يسقط الضوء والظل على وجوههن وأجسامهن بعفوية. وأظهر أنا. أخيرًا صورت ساقيّ اللتين لم أكن أحبهما، فقط لأنني كنت أريدهما أنحف. بدأت التصوير من ساقيّ، من كرهي القديم لهما، بينما تحملاني من مكان إلى آخر، إلى أن وجدت لدى كل امرأة أخذت لها صورة لومًا على جزء أو عضو من جسمها.

رغم ذلك، كانت جلسات التصوير مليئة بالفكاهة واللعب والأداء. في هذه الصور سواء أكانت لوجه جدتي المتجعد أو لصديقتي الممتلئة تدير ظهرها للعدسة، أو لامرأة تكشف عن ترهل بطنها للكاميرا، كان الجسد الموضوع يتخلى عن التحكم في صورته، ولا يحاول أن يظهر على غير طبيعته، يقدم الموضوع نفسه للتصوير بكل أحجامه وطاقته وإحراجه واكتماله ونقصانه، يترك لكل علامات الحياة التي عاشها أن تظهر في الصورة.

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي

محاولة التقاط صورة لجسد واقعي