fbpx

عمالة إعلانات

قام طاقم الإخراج الفني بوضع زهور اصطناعية وزينوا أطباق نزهتنا بطعام غير صالح للأكل، صالح فقط للتصوير، مثلنا نحن العارضات مجرد إكسسوار مهم فقط لحظة التصوير
ــــــــ العمل
جيلان حفني
15 مارس 2023

كان عمري 8 سنوات عندما أخذتني خالتي إلى مسابقة تجربة أداء من أجل الظهور في أحد الإعلانات التليفزيونية، لكن لم يقع عليّ الاختيار، وفي عامي السادس والعشرين عرضت عليّ صديقة الظهور في إعلان تليفزيوني، حضرت تجربة الأداء مرة أخرى، ونجحت هذه المرة.

ساعتها كنت أريد فقط تحقيق حلم من أحلام طفولتي، نشأت في التسعينيات العصر الذهبي للإعلانات التليفزيونية المصرية، لم تكن القنوات الفضائية قد تضاعفت بعد، وكان من الممكن متابعة فتيات الإعلانات، واكتشافهن فيما بعد في أعمال فنية من مسلسلات وأفلام، وكنت استمتع كثيرًا بمشاهدتهن وهن يرقصن ويغنين مع ابتسامات عريضة.

كساذجة كنت أرى هذا العالم متلألئ وممتع، لكن بعد أن عملت كموديل إعلانات بشكل متقطع لمدة عامين تقريبًا، أدركت أن الواقع قاتم، وممل أيضًا.

الأساس هو سوء معاملة فتيات العرض، وعرفت أنه لا وجود لقانون عمل أو حتى نقابة أو رابطة يمكنها تنظيم وحماية العاملات في مجال العرض، فقط؛ مكتب يوفر فرص عمل غير دائمة بأجور متدنية، مقارنة بعدد ساعات العمل والضغط الذي تتعرض له العارضات.

بعد أعوام قررت العودة مرة أخرى، لكن من أجل التصوير، كنت أريد توثيق كواليس هذا العالم ولو ليوم واحد؛ ذهبت في مارس الماضي لمكتب الكاستنج بعد غياب سنوات عن آخر ظهور لي في إعلانات. 

كانت الوسيلة الأفضل للتصوير أن أدخل كعارضة، وبالفعل تمكنت من الحصول على فرصة للظهور في إعلان مدته يومين تصوير، كان عجيبًا بعض الشيء أن تيمة الإعلان الربيع بملابسه الكليشيهية المشجرة بالورود والأقمشة الخفيفة، لكن الجو ساعتها كان شديد البرودة.

في أول يوم تصوير، ذهبت بسيارة أوبر برفقة ثلاثة موديلز، منهن اثنين إضافيات أو «اكسترا» كما يطلق عليهن، واثنين من ممثلي مكتب الكاستنج إلى موقع التصوير في حديقة فيلا قديمة. المشهد هناك فوضويًا، فريق من طاقم الإنتاج يصيحون في استعجال، والعارضات يهرولن وراء التعليمات.. لم تتغير الأجواء إذن عما كانته من قبل.

دخلنا إلى الفيلا وانتظرنا دورنا في تصفيف الشعر والمكياج قبل أن نرتدي ملابس التصوير الخفيفة، كانت الأجواء عكس تمامًا ما يحدث في حديقة الفيلا، أكواب القهوة الفارغة وأعقاب السجائر أكثر من الكراسي، البعض يجلسون، يتفحصون هواتفهم، أو يترقبون على حافة مقاعدهم، وآخرون واقفون يدخنون ويتجاذبون أطراف الحديث.

السؤال الوحيد المتكرر الذي طرحته العارضة هو: متى سينتهي كل هذا؟ وكان لدي سؤالًا إضافيًا يدور في ذهني: ما الذي أفعله هنا؟

بدأتُ أدردش مع الموديل الرئيسية والاثنتان الإضافيات اللاتي ذهبت معهن، أخبرتهم أنني هنا من أجل مشروع قصة مصورة عن عالم الموديلينج، دانا (25 عامًا)، تعمل كراقصة باليه بدوام جزئي وموديل من حين لآخر.  ميار طالبة جامعية والأكثر تصالحًا مع المهنة على الرغم من التوتر الذي يدور حولنا. وميرنا (23 عامًا)، كانت في يومها الأول في عالم الإعلانات، وكانت شديدة القلق وأخبرتنا أنها جاءت إلى هنا دون علم زوجة أبيها، تتشابه دوافع الراغبات في الدخول للمجال.. الإعلانات هي الخطوة الأولى على طريق الشهرة.

تم إرسالنا أخيرًا إلى غرفة الشعر والمكياج، أو «غرفة التعذيب» كما سميتها، بسبب التصفيف الحراري المفرط والمكياج الثقيل. لكن لم تكن التجربة بهذا السوء هذه المرة لحسن الحظ، فالماكير كان لطيفًا، وغير مكترث في الوقت نفسه، وسمح لي بالقيام بوضع ماكياج خفيف، ووضع مصفف الشعر بعض اللمسات البسيطة.

ذهبت دانا مباشرةً على عكس ميار وميرنا نحو المرآة حاملة حقيبة ماكياجها ولم تعطي فرصة للماكيير للإدلاء بأي تعليقات. بعد ذلك طُلب منا التوجه إلى شارع جانبي بجوار الڤيلا، حاملين حقائبنا التي تضم قطع ملابس أساسية لمقابلة مسؤولة الملابس (الستايلست). كانت ملصقات الأسعار وماركات الملابس التجارية ملقاة على الأرض في طريقنا إلى هناك، حيث يقف كرڤان ضخم بداخله الستايلست ومساعدوها وسط مئات الشماعات الحاملة لملابس التصوير الربيعية. كنا قد جلبنا معنا ملابس خاصة بنا علّها تصلح للتصوير، عرضنها على الستايلست، لم يعجبها شيئًا وبدت متعالية علينا.

يتمتع الموديلز الرئيسيين عادةً بمعاملة خاصة، تترك لهن الأولوية في ارتداء أفضل الملابس، لكن لم يكن لدى أي منا غرفة تغيير ملابس. كان علينا إما تبديل ملابسنا داخل الكرڤان أو الحمامات، لذلك اختار معظمنا الحمامات. ذكرتنا الستايلست ونحن نغادر بالحفاظ على الملابس، وأنهت كلامها بأن ثمن هذه الملابس أغلى منا. جعلتنا هذه العبارة عاجزين عن الكلام، لم أعرف ما إذا كان ذلك لأننا لم نتوقع منها هذا المستوى المتدني، أم لأن طاقتنا بدأت تنفذ قبل التصوير.

شعرت ساندرا (21 عامًا) بالصدمة والسخط من تعامل الستايلست، ومن أداء الجميع، كانت في يومها الأول ولم يكن لديها أي تجارب في الموديلينج. انتظرنا في الشارع لمدة ثماني ساعات تقريبًا لحين تصوير مشاهدنا، أخبرتني ساندرا حينها أنها ليست متأكدة من استمرارها في هذه المهنة. في الأخير وبعد كل هذا الانتظار، لم يتم تصويرها.

الساعة الثامنة مساءً وبدأنا نتعب من الإحساس بالجوع، لم نحصل على استراحة الغداء، ولم يقدم لنا الطعام، طلبنا بيتزا لاحقًا وأكلناها ونحن واقفات في الشارع.

بعد ساعة انتقلنا إلى فيلا أخرى لتصوير مشاهدنا. كنت أنا ودانا وميار بحاجة إلى استخدام الحمام، لكنهم كانوا يصورون مشاهد أخرى في الداخل، ولم يُسمح لنا بالدخول. قيل لنا أن نستخدم التواليت المتنقل الخاص بالفنيين. اشتدت برودة الجو، ولتدفئة يديها؛ لجأت دانا إلى الضوء المنبعث من مصباح التنجستن الخاص بالتصوير.

يوم التصوير الثاني كان مثل اليوم الأول لكن أسوأ. وصلنا في الصباح الباكر إلى حديقة عائلية فارغة وبقينا داخل صالة ملاهي بدت كأنها مخبأ حرب قديم بجدرانها الرمادية وعارضون وعارضات نائمون على الكراسي، وتعلو علامات التجهم ملامحهم.

قضينا ما يقرب من عشر ساعات في حديقة نمثل كما لو كنا في نزهة. من شدة البرد، أزّرق لون ذراعي فأصبح مطابقًا للزهور الصغيرة المطبوعة على فستاني. رغبت في الوصول إلى سترتي لأتدفئ قليلًا، لكنها تكدست تحت سترات أخرى على طاولة خلف موقع التصوير. نظرت بغضب إلى طاقم التصوير في ملابسهم الدافئة وأردت أن أصرخ في وجوههم. لماذا يهتمون بك وأنت داخل الكادر فقط؟

قام طاقم الإخراج الفني بوضع زهور اصطناعية وزينوا أطباق نزهتنا بطعام غير صالح للأكل، صالح فقط للتصوير، مثلنا نحن العارضات مجرد إكسسوار مهم فقط لحظة التصوير.