fbpx

والآن.. أين سأضع هذا البيت؟

لأن التغيرات العمرانية سريعة الإيقاع  في كل مكان بالإسكندرية، أعرف أني سأصحو يومًا لأجد البيت كوم تراب، لذا قررت أن أذهب في زيارة وداع
ــــــــ البيت
23 ديسمبر 2022

لماذا أنا هنا؟ هل هو لقاء جديد أم وداع أخير؟ رغبة في إقامة علاقة جديدة أم هروب من واقع محمل بالضغوط إلى زمن اللامسئولية؟ ولكن هل سأجد هذا الزمن؟هل كل قديم ثمين؟ غالبًا الثمين هو الذكريات. 

كل هذه الأسئلة وأكثر كانت تدور في رأسي وأنا أتأمل الواجهة البائسة لبيتنا القديم بحي المنتزه، يومًا ما لم تكن بائسة وقديمة هكذا، أفكر أن مصيرها إلى زوال مثل أشياء كثيرة قديمة تختفي من حولي.

ملامح الإسكندرية كما أعرفها تختفي، بيوت وشوارع ومناطق بأكملها تأخذ أشكالًا جديدة لا أعرفها، مشاهد الطفولة تتهاوى وأكيد سيأتي الدور على بيتنا القديم.

من 1979 إلى 1995 عشت في هذا البيت قبل أنتقل إلى بيوت أخرى، عشت وانتقلت بين بيوت مختلفة ومدن متعددة، لكن لسبب ما يبقى بيت المنتزه يحمل أكبر قدر من الذكريات والمشاعر، بداية الحياة الزوجية لوالداي، طفولتي أنا و أختي، المراهقة، عشرة الجيران، أعياد الميلاد، عزومات الأهل، وبداية الشباب.

سافرنا وانتقلنا لأماكن أخرى، أخذنا القليل من أشياءنا لنبدأ في أماكن جديدة حياة جديدة، وتركنا هذا اليبت يحتضن أشياءنا القديمة وذكرياتنا، ظل مهجورًا لسنوات طويلة، تجنبت الذهاب إليه لفترة طويلة.. ولماذا أذهب وقد رحل الجميع؟ لم يبقى من السكان القدامى غير عائلة أو اثنتين، أما الباقي فقد رحلوا ومنهم أبي، وآخرين انتقلوا إلى بيوت أخرى، أو مدن أخرى مثل أمي.

ولأن التغيرات العمرانية سريعة الإيقاع  في كل مكان بالإسكندرية، أعرف أني سأصحو يومًا لأجد البيت كوم تراب، لذا قررت أن أذهب في زيارة وداع وربما ألتقط بعض الصور، لكن زيارة الوداع تبعتها أكثر من زيارة ، كأن رحلة جديدة تبدأ. 

بدأت أتأمل أثار الزمن و الهجر على الأشياء والحوائط. في كل مرة أذهب للبيت يتغير إحساسي بالمكان، مررت بمرحلة الحنين والذكريات، ثم إحساس بالدهشة من أثر ورائحة الزمن في البيت، ثم.. غربة.

بتكرار الزيارة تجددت العلاقة، حتى مقبض الباب أصبح أكثر مرونة في يدي عند الفتح والغلق، ورائحة الشقة صارت أقل ثقلًا.

أوراقي القديمة، بعضًا من كتب أبي، لعبي.. تساءلت ماذا سأفعل بهذه الأشياء؟ لن أستطيع أن أنقلها إلى بيتي الحالي، ورميها يبدو لي فعل قاس.. إلى متى سأظل أتعلق الذكريات؟ ألم أكبر بما فيه الكفاية كي أتعلم أن أفك أسر الذكريات، أن أتخلى عن الأشياء، لما التشبث؟

أغلق الباب خلفي وأفكر.. الأفضل أن تبقى الذكرى ضحكة، صورة في ألبوم، وربما غصة في القلب افتقادًا لمن رحلوا.. وهذا يكفي.