fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

مصحة أم سجن.. كيف يعالج مرضى الإدمان في مصر؟

من يقرر إدخال مريض للعلاج؟ ماذا لو كان دون إرادته؟ ومن يحق له احتجاز مريض قسراً؟ وكيف ولماذا يحدث ذلك؟ وكيف تمضي العملية العلاجية؟ ومن يرقبها؟
ــــــــ جسد
20 أكتوبر 2022

خلال الأيام الماضية انشغل النقاش العام في مصر بدخول فنانة شهيرة للعلاج في مصحة نفسية قسرًا. وبعيدًا عن انتهاك حق الفنانة المطلق في الخصوصية، الذي تجلى في الكثير من التقارير التي تناولت الموضوع، غير أن الواقعة دفعت بالكثير من التساؤلات إلى السطح: من يقرر إدخال مريض للعلاج؟ ماذا لو كان دون إرادته؟ ومن يحق له احتجاز مريض قسراً؟ وكيف ولماذا يحدث ذلك؟

***

قبل تسعة أشهر، توفي شقيق مطرب شهير أثناء هروبه من مصحة لعلاج الإدمان بمنطقة الهرم. قالت الرواية الرسمية أنه قفز من النافذة، انتبه موظفو المصحة فخرجوا ليطاردوه. فر منهم نحو ترعة المريوطية بمحافظة الجيزة، وهناك غرق ومات. شكلت الحادثة صدمة وأعادت التساؤلات حول الظروف التي تدفع أحدهم للمخاطرة بحياته في سبيل الهرب من العلاج. خصوصًا أن بيان النيابة العامة العامة المصرية حينها أكد تتابع الأحداث، لكنه أشار إلى أن المصحة غير مرخصة، والمسؤول عنها ليس طبيبًا.

***

قبل أسابيع، عاد قريب لي من إحدى دول الخليج مدمنًا على تعاطي مادة الكريستال ميث، حديثة الوصول إلى مصر، أو “الشابو” كما يسميه متعاطوه. تدهور الشاب كان سريعًا جدًا مقارنة بأكثر المخدرات المعتادة في مصر فتكًا. حاولنا إيداعه مصحة تناسب الإمكانات المالية الضيقة جدًا، غير أن الأسرة لم تقبل على ذلك بعد نصيحة طبيب صديق: “لو الراجل مش عايز يتعالج وفروا فلوسكم أحسن. لو دخل مصحة وهو مش عايز مش هايتعالج، ومش بعيد يموت بشكل أو بآخر. خدوا بالكم من إنه يسرق حاجات من البيت أو يعتدي على حد من اخواته، وربنا يتولاه”.

***

محاولة الإجابة عن تلك التساؤلات تحيلنا إلى البدء بأقرب متعامل مع مؤسسات علاج الإدمان، المريض وأهله، خصوصًا وأن الجهات المنوط بها إصدار بروتوكول علمي لعلاج الإدمان في مصر لم تقم بذلك، ويترك الموضوع لطبيعة كل جهة علاجية: إما أن تتبع برتوكولًا دوليًا مستلهم من أدبيات زمالة المدمنين المجهولين مثلًا، أو أنه متروك لاجتهاد مقدم الخدمة الكامل.

***

في مدينة ساحلية بعيدة عن القاهرة، لا تصل إليها خدمات الأمانة العامة للصحة النفسية (الجهة الحكومية المختصة بالإشراف وإدارة مستشفيات وأقسام الصحة النفسية الحكومية، بينما يشرف المجلس القومي للصحة النفسية على الجهات الخاصة) ولا يوجد بها أي مؤسسات حكومية تهتم بعلاج الإدمان، عجزت عائلة الشاب أحمد عن مساعدته في الإقلاع عن تعاطي الحبوب الدوائية، كما فشلت كل محاولاتهم في الوصول إلى مصحة خاصة تقبل علاجه بتكاليف مخفضة.

تروي خالة الشاب والمسؤولة عنه، سعاد، أن العائلة حاولت إبعاد الشاب عن المخدرات، لكنه كان دائم التهرب، ولم يكن هناك مفر من تعامل متخصص معه. بقي حل المصحة الخاصة مستبعدًا حتى ظهر أحد معارف الأسرة ليعرض إمكانية علاجه في مصحة في العاصمة مع تخفيض كبير في التكاليف.

«الشخص الوسيط قال أن المستشفى هتاخد 4 آلاف ونص في الشهر (220 دولار تقريبًا)، ودة طبعًا مبلغ معقول جدًا بالنسبة للي بنسمعه. بالفعل كلمناهم ورد علينا شخص اسمه كريم ح. وعرف لنا نفسه أنه طبيب علاج إدمان، وعرض علينا إنه يبعت فريق إحضار لأن الولد مكانش عايز يروح بنفسه»، تقول سعاد.

وصل فريق الإحضار (أو فرقة الشحن كما تعارف على تسميتهم) إلى منزل العائلة، استلموا الشاب ورفضوا الإفصاح عن أي تفاصيل، عنوان المصحة، اسم الطبيب المعالج، أو فترة العلاج. كانت الإجابة الوحيدة: «دكتور كريم هيبلغكم كل التفاصيل».

بدأ القلق ينتاب سعاد عقب دخوله المصحة بثلاثة أيام عندما وصلها طرد من الإدارة فيه موبايل الشاب وكلمة السر الخاصة به. اعتقدت أن الشاب لن يسلمهم متعلقاته الخاصة وكلمة السر طواعية، كما استوقفها انتهاك خصوصيته. طلبت سعاد من الوسيط أن يسهِل لها زيارة الشاب، غير أن المصحة رفضت وأرسلت لها بدلًا عن ذلك مقطع فيديو، يظهِر محادثة بين أحمد والشخص الذي ادعى كونه طبيب. تقول سعاد: «طريقة الكلام مكانتش تدل على أنه طبيب أو حتى معالج نفسي، في النهاية اتأكدت إنه مدمن متعافي وإنه صاحب المكان، ومالوش أي صفة طبية».

أول ما وصلت لقيت أربع أشخاص كتفوني وفتشوني وضربوني جامد. واحد منهم داس على رقبتي بجزمته لغاية ما رضيت اديله الباسوورد. قالولي هنقتلك ونرميك في الشارع ونحط جنبك سرنجة وسخة، ونقول إنك هربت وموتت بجرعة زيادة ومالكش عندنا ديّة

تبدو التفاصيل التي ترويها سعاد الآن، وبعد شهور من انتهاء القصة، واضحة وحاسمة، لكنها لم تكن كذلك عندما تستعيد الظروف حينها. كانت الأسرة قد استُهلكت في رحلة مرض الشاب، والمصحة كانت دائمًا ما ترد على طلباتها بالزيارة بأن هذا في غير مصلحته وقد يعيق العلاج. هذا تحديدًا ما دفع الأسرة للصبر، فليس من المعقول أن تُقطع رحلة العلاج من منتصفها لمجرد شكوك. عمومًا بعد شهر آخر من الإصرار وافقت المصحة على أن يتحدث الشاب مع خالته تليفونيًا عبر هاتف كريم نفسه، لم يقل سوى كلمتين: «تعالوا زوروني».

بعد شهر آخر وافقت إدارة المصحة أخيرًا على الزيارة بضوابط: لا تتعدى نصف الساعة، وتتم في حضور المعالج كريم ح. وصلت سعاد إلى ترعة المريوطية حيث المصحة: «وصلت فيلا كأنها مهجورة. مفيش عليها أي لافتة توضح طبيعة المكان. كانت الجنينة متهالكة وفيها كراسي مكسورة، المسؤولين هناك حرصوا إني ما اشوفش أي نزيل في المصحة والأبواب كلها كانت مقفولة. 

خلال نص ساعة شفت فيهم الولد في حضور كريم، مقالش ولا كلمة، وبمجرد إن كريم انشغل عننا دقيقتين انطلق في الكلام: احنا بنفطر ونتعشى فول منقوع في المياه والغدا بيكون رز أو مكرونة فقط. فيه ناس محجوزين معانا بيدفعوا 40 جنيه بس في اليوم»، عاد كريم وعاد الصمت لأحمد.

انقلب أثر الزيارة من الاطمئنان إلى مزيد من القلق. تقول سعاد: «بمجرد عودتي إلى المنزل اتصلت بكريم وهددته لو الولد اتعرض لأي اعتداء فأنا مش هسكت. قاللي: أنا ممكن آخد الولد وأمشي واللي يجي يشوف المصحة يلاقيها فاضية. فضلت 20 يوم بحاول أضغط عليهم من غير ما أخليهم يردوا الضغط بأذية الولد. في الآخر كريم إداني رقم مجهول وقاللي كلميه وتعالي على المكان هتلاقي ابنكم في الشارع ومعاه شنطته. وده اللي حصل، طردوه في الشارع من غير ولا جنيه، واحنا أغراب عن القاهرة، وروحنا جبناه من هناك».

عقب خروج أحمد من المصحة، بعد قضاء ثلاثة شهور فيها، انكشفت المزيد من التفاصيل القاتمة، وهذا ما رواه: «أول ما وصلت لقيت أربع أشخاص كتفوني وفتشوني وضربوني جامد. واحد منهم داس على رقبتي بجزمته لغاية ما رضيت اديله الباسوورد. قالولي هنقتلك ونرميك في الشارع ونحط جنبك سرنجة وسخة، ونقول إنك هربت وموتت بجرعة زيادة ومالكش عندنا ديّة. فضلت بعد كده ساكت وقعدوني في أوضة مع 40 شخص تانيين لغاية ما خرجت».

سمعت سعاد كلام أحمد قائلة: الحمد لله ابننا رجع عايش، عمرنا ما نوديه مصحة للعلاج أبدًا، قبل أن تشير إلى أنها واصلت إرسال الشكاوى في حق المصحة لكل من الأمانة العامة للصحة النفسية والمجلس القومي للصحة النفسية (مجلس حكومي يتولى مراقبة تطبيق القانون في منشآت الصحة النفسية الحكومية والخاصة)، ومديرية أمن الجيزة. «زمايل أحمد قالوله بعد كده إنهم نقلوهم فيلا تانية، الحكومة لما راحت الفيلا الأولى لقيتها فاضية، وبعد كام أسبوع رجعوهم تاني ولسه شغالين لحد النهاردة في نفس المكان».

مصدر الصورة: Internet Archive Book Images. تحت رخصة المشاع الإبداعي

إخضاع وسيطرة

«يِكرِتلُه»، هذا اسم حفلة التعذيب والضرب التي وصفها أحمد. بحسب مدمن متعافي يعمل كمشرف علاج في مصحة في ضاحية التجمع الخامس، فأن «تِكرِت» مريض يعني «أن تديله كارت إرهاب. تعرفه مين المسؤول. وإن أي محاولة للهرب من العلاج أو الاعتداء على المعالجين مش هايقابلها إلا بكارت إرهاب».

كارت الإرهاب المُصدر لمرضى الإدمان لا سقف له، والرقيب الوحيد عليه هو المشرف على العلاج نفسه، وهو في هذا السياق متهم بأكثر من انتهاك وجريمة. قصة أمير تفسّر أكثر.

أمير شاب ثلاثيني يعيش في مدينة قريبة من القاهرة، يدخن الحشيش من وقت إلى آخر ولديه انحيازات فكرية وسياسية يسارية، غير أن جيرانه المحافظين في المدينة اتهموه بالإلحاد والكفر. أحد الجيران لديه جمعية إسلامية، عرض على والدة أمير نقله إلى مصحة على طريق مصر إسكندرية الزراعي لعلاجه، على أن تتكفل الجمعية بتكاليف العلاج.

يقول أمير: «صحيت من النوم على 4 واقفين فوقي على السرير، كتفوني وسحبوني معاهم ومكانوش بيردوا على أي حاجة حتى لما شتمتهم. وصلنا المكان وكان عبارة عن عمارة 3 أدوار عليها سور كبير. لما وصلت شفت طبيب قعد سألني عن بياناتي وكان بيملا ورق قدامه. مقاليش أي حاجة ومكتبليش أي علاج وما شوفتوش تاني أبدًا إلا قبل خروجي عشان يرجع يسألني عن نفس البيانات».

يكمل أمير: «المشرفين هما الوحيدين اللي كنا بنشوفهم باستمرار، كان فيه حوالي 10 مشرفين كلهم مدمنين سابقين وبعضهم كان نزيل في نفس المكان. هدف المشرف إنه يكسرك ويعلمك إنك هنا عشان تمتثل للأوامر بس. خلال الشهور الثلاثة اللي بقيتهم في المكان محدش عمل معايا جلسة علاج واحدة، محدش اتكلم معايا عن أي موضوع، كان المشرف بس بيوقفنا طابور ونعدي ناخد منه حبايتين دوا مانعرفش اسمه، ناخد الدوا قدام المشرف ويشوف بقك يتأكد إنك بلعته».

ويستطرد: «لما بتوصل المكان بتكون بس عايز تفهم إيه الموضوع. أي سؤال منك بيقابله ضرب واعتداء من المشرفين. شفت ناس قدامي اتكتفت وانضربت عشان يفكوا إضرابهم عن الطعام بسبب سوء المعاملة. شفت ناس كل يوم بيتكتفوا من ورا وشفت ناس بتتلف في سجادة يعلقوها في السقف».

ظروف الإقامة في المصحة، التي تحمل ترخيصًا من وزارة الصحة المصرية، لم تكن أفضل من مثيلتها في المريوطية بمحافظة الجيزة. كل طابق في المصحة يعيش فيه حوالي 70 نزيل. ينامون على الأرض متجاورين، وكأنهم في سجن كما وصف أمير. الفطار والعشاء كما في مصحة المريوطية، فول منقوع في الماء والغداء أرز أو مكرونة مسلوقة. 

يقول أمير إن المتفائلين من زملائه عبروا عن اطمئنانهم في وقت مبكر إذ أن المصحة، بعكس الشائع في مصر، تحمل ترخيص من وزارة الصحة، ومن المفترض أن تخضع للرقابة والتفتيش. غير أن ذلك الاطمئنان لم يدم طويلًا. يشرح: «في أوقات متفاوتة كان المشرفين يطلعوا عندنا بسرعة ويأمرونا نلم كل حاجتنا ونرتب المكان بسرعة ونطلع على السطح. بنطلع فوق ونقعد مقرفصين وممنوع تتكلم أو تتحرك حتى لو عايز تروح الحمام، وبعد ساعة ولا حاجة بنسمع صوت عربيات تبعد عن المكان وبعدها يرجع المشرف ياخدنا تاني تحت».

وسط كل هذا لا يبقى للمريض سوى زيارة أهله ليخرجوه مما بات مرادفًا للسجن. غير أن المصحة تعلم جيدًا كيف تغلق هذه الفرصة. على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، تخاطب المصحة نفسها ذوي المرضى وتقول: «يجب أن تكون هناك يد حازمة تمنع الاستماع إلى نداءات الشفقة، والتمثيل الذي يقوم به المدمن أثناء الزيارات العلاجية للوصول إلى خروجه وترك العلاج لأن معنى ذلك أننا نقول له: نحن موافقون على إدمانك وموتك، وسوف نساعدك على قتل نفسك».

خلال الشهور الثلاثة التي أقام فيها أمير في المصحة، استطاعت والدته زيارته ثلاثة مرات. الأولى لم تلتقيه ورأته من كاميرات المراقبة. رأته في الثانية دون أن يتبادلا أي حديث، وفي الأخيرة كان أمير قد انهار تمامًا.

«قلعت هدومي كلها قدام أمي، وريتها التقرحات اللي ملت جسمي من وساخة المكان، خدتني معاها وروحنا»، هكذا خرج أمير من المصحة.

مصدر الصورة: marco magrini. تحت رخصة المشاع الإبداعي

التعاطي داخل المصحات

في قصة كل من أحمد وأمير أشارا إلى أن بعض النزلاء كانوا يستمرون في التعاطي داخل المصحات، حتى أن بعضهم كان يشتري المخدرات من ممرضين عاملين في المصحات نفسها، المشترك بين كل هؤلاء أنهم لم يكونوا راغبين في العلاج. هنا، تأتي قصة إبراهيم التي يرويها عن والده.

يحكي إبراهيم: «الوالد كان له تاريخ مع مرض الإدمان، يمكن من قبل ما اتولد، لكنه وقف تعاطي سنين كتير لغاية ما جت لحظة فقد فيها شغله. بدأنا نكتشف اختفاء العربية وحاجات تانية غالية من البيت. عرفت بعد كده إنه باعهم وأنه بيضرب مع صحابي كوكايين».

والد إبراهيم وبعض من أقربائه كان لديهم تاريخ قديم مع المصحات ومحاولات العلاج، ولم يمانع الوالد في المواجهة مع أسرته أن يعالج في مصحة يعرفها في التجمع الخامس. يقول إبراهيم «قعد هناك شهر ونص، زورناه وكانت حالته أسوأ مما دخل بكتير، فقد وزن كتير وعرفنا أنه كان بيشتري مخدرات جوا المصحة ويضربها».

لم تستسلم عائلة ابراهيم للأمر، خاصة وأن بعض الأقرباء نصحوهم بمصحة أخرى في منطقة حدائق الأهرام، يديرها مدمن متعافي اسمه كريم. م، أودعوا فيها قريبًا آخر من العائلة، وأن المصاريف الشهرية لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه (حوالي 1000 دولار) من دون مصاريف الكانتين والمشتريات.

هكذا دخل الوالد إلى المصحة الجديدة، والتي أبلغت إبراهيم بعد أسبوعين إن الزيارة ممنوعة في الشهر الأول. يقول: «تحت ضغط مني أقنعت الادارة بالزيارة، لقيت والدي وكان عمره وقتها 60 سنة خاسس جدًا وطقم سنانه مكسور وفيه علامات ربط وتكتيف على ايده. مكانش بيقول أي حاجة غير كلمتين اتنين بيكررهم: بيضربونا، بيعذبونا».

يكمل إبراهيم: «لما واجهنا الإدارة بالكلام ده قالولنا إن كل المدمنين بيقولوا كده عشان الأهل يخرجوهم ويكملوا تعاطي. الإدارة كانت عارفة كويس تقولنا إيه وعارفين كويس إحنا عدينا بإيه. كان صعب جدًا ننقله من المكان بعد ما قطع شوط كبير وخلص الجزء الصعب من العلاج. سبناه لما قالولنا إنهم هاينقلوه مكان للإسترخاء».

لما بنتكلم عن العملية العلاجية للإدمان فاحنا ما بنتكلمش عن التعامل مع المادة المدمنة بس، احنا قدام مريض مش مجرم ولا شخص فاسد، والمريض بيكون عنده مميزات في الشخصية بتخليه شخصية إدمانية، يتعلق بشئ ما ويتحول هذا الشيء لمركز اهتمامات المريض

اكتشفت عائلة إبراهيم أن الإدارة عاقبت الوالد بسبب شكواه، وأن المكان المخصص للاسترخاء هو في الحقيقة مخصص للعقاب بالاحتجاز تحت ظروف أسوأ بكثير. وعلى كل حال، طمأن نفسه بأنه في الزيارة المقبلة سيتأكد من الموقف وسيتخذ إجراءات لحماية والده، لكن قبل يوم واحد من موعد الزيارة تغير كل شيء للأبد.

يقول: «تلقيت اتصال من كريم صاحب المكان قالي والدك تعبان جدًا وهنروح بيه مستشفى الهرم. قبل ما أوصل المستشفى كلمني تاني قاللي هنروح معهد السموم في القصر العيني لإن عنده تسمم. اتحركت على القصر العيني وقبل ما أوصل كلمني تاني قالي: لا، رجعنا الهرم مرة تانية».

عندما وصل إبراهيم إلى مستشفى الهرم كان والده ممددًا على السرير ويخضع لمحاولات إنعاش بالصدمة الكهربية. بعد 3 دقائق أعلن الطبيب الوفاة، وقبل أن يكتب محددًا سبب الوفاة بأنه هبوط حاد في الدورة الدموية، كان إبراهيم استفاق من صدمته على نصيحة بعض الواقفين بألا يترك كريم يغادر المستشفى وأن يطلب تشريح الجثة.

يكمل إبراهيم: «تحت ضغط وتخوف من بهدلة والدي تراجعت عن الطلبات بس كانوا بالفعل سحبوا عينة دم. كانت رواية كريم إن والدي كان طبيعي جدًا وتعب فجأة. جابوه فورًا المستشفى ومات. لكن، وبما إن كان عندي قرايب بيتعالجوا في المصحة نفسها، وصلتنا رواية تانية، وهي إن والدي تعب الليلة السابقة، وفضل يتقيأ طول الليل والمصحة لم تتعامل مع الموضوع أبدًا غير تاني يوم إنهم جابوه المستشفى».

بشكل غير رسمي، صاحَب إبراهيم صديق له يعمل ضابط شرطة مع قوة من المباحث وتوجهوا للمصحة. لم يلتقوا هناك سوى باثنين من الموظفين، اللذين أكدا رواية النزلاء. لم يجد أي من متعلقات والده الشخصية، حتى أنه كان قد اشترى جهاز لوحي Tablet للوالد ولم يجده. اكتشف إبراهيم أن كل المتعلقات سرقت، وعن طريق الإنترنت وجد أن الجهاز مفتوح ويستخدم في منطقة الزاوية الحمراء.

ريثما انتهى مشوار إبراهيم وصديقه الضابط إلى المصحة، كانت نتيجة تحليل عينة الدم قد ظهرت، لتؤكد أن الوالد كان لا يزال يتعاطى المخدرات حتى يوم وفاته. 

«إيه اللي حصل؟ ولا حاجة، سحبنا قرايبنا من المصحة وعمرنا ما هنوديهم أي مكان للعلاج تاني»، يختم إبراهيم كلامه.

من يعالج من؟

لا تجيب تلك الشهادات عن أي من الأسئلة المطروحة، ولكنها تضيف المزيد: أين الأطباء والمعالجين النفسيين في كل ذلك؟ ما مدى أهلية المريض وقراره بالعلاج أو استمراره في التعاطي؟ من المفترض أن تراقب وزارة الصحة والمجلس القومي للصحة النفسية هذه المراكز والمصحات، فأين هما؟

تحدثنا مع خمسة أطباء عاملين في علاج الإدمان في محاولة للبحث عن إجابات.

أول ما تطرحه هذه الشهادات هو فراغ مكان الطبيب في العملية العلاجية المفترضة هذه، في مقابل اتساع مساحة مشرف العلاج، وهو عادةً ما يكون مريض إدمان متعافي، بمعظم الأدوار العلاجية.

يشرح طبيب علاج الإدمان مينا فارس ذلك، «لما بنتكلم عن العملية العلاجية للإدمان فاحنا ما بنتكلمش عن التعامل مع المادة المدمنة بس، احنا قدام مريض مش مجرم ولا شخص فاسد، والمريض بيكون عنده مميزات في الشخصية بتخليه شخصية إدمانية، يتعلق بشئ ما ويتحول هذا الشيء لمركز اهتمامات المريض لدرجة تفقده كل حياته وما يبقاش فيها الا التعاطي. 

بالتالي العلاج هو التعامل مع الشخصية الإدمانية ومش مجرد سحب للمادة أو المخدر. بدليل أن فيه إدمان جنس أو قمار مثلا. وبناءً عليه فإن المشرف، اللي هو بيكون مدمن سابق، هو أهم شخص في العلاج. مفيش مريض إدمان بيتعالج في عيادة مثلًا، أنا دوري كطبيب هو التشخيص وكتابة الدوا».

بحسب بيان سابق لمساعد وزيرة التضامن ومدير صندوق مكافحة الإدمان عمرو عثمان، فإن المواد الأكثر تعاطيًا في مصر عام 2021 هي الحشيش بنسبة 51٪ من إجمالي المستخدمين، والهيروين بنسبة 41٪ والترامادول بنسبة 31٪ والمخدرات المصنعة (الاستروكس والشابو أو الكريستال ميث) بنسبة 18.8٪. وتتصدر محافظتي القاهرة والجيزة نسب التعاطي بواقع 33.4٪ و 12.4٪ على التوالي. ( تعود الزيادة عن نسبة الـ 100٪ إلى تعاطي المستخدم الواحد لأكثر من مادة).

يكمل فارس: «العلاج يتضمن مرحلة تعايش وحضور اجتماعات ينظمها المشرف نفسه، وهذا بالمناسبة بروتوكول عالمي معمول به في معظم دول العالم. بالطبع المسألة دي لازم تحصل تحت إشراف الطبيب، للتأكد من صحة التعامل ولأن المشرف نفسه بيكمل علاجه وبيحضر اجتماعات لنفسه لأنه معرض لاحتمال الانتكاسة في نهاية الأمر، لكن مش بالضرورة ده اللي بيكون بيحصل على أرض الواقع، وطبعا فيه انتهاكات كتيرة بتحصل وبيكون المعيار في النهاية هو ضمير المشرف والتزامه بالأكواد الأخلاقية».

نعود قليلًا لإبراهيم: «طوال مدة وجود والدي في المصحة مكانش عندنا مشاكل في التعامل مع مشرف علاج كان مدمن سابقًا أو أن صاحب المكان كان مدمن سابق. في أول لقاء استقبلوا فيه والدي كان صاحب المكان موجود ومعاه والده. والده قال إنه فتح المصحة كنوع من الفخر بابنه اللي قدر يتعالج، وإنه مش مستني من المكان مكسب مادي قد ما مستني يساعد ناس إنها تتعالج. كان صاحب المكان عارف كويس احنا بنفكر في ايه ومرينا بإيه وخسرنا قد إيه. كان فاهم إن أهل المريض بيكونوا واصلين لمنطقة إنه لو المريض ده هيموت فتمام ده قضاء ربنا، حتى لو ما قالوش كده بلسانهم».

طبيب آخر يعمل في مصح خاص في منطقة التجمع الخامس يستفيض في شرح الموضوع: «بشكل مبدئي لا غنى عن دور المشرفين، المشرف بصفته مدمن سابق بيكون عارف حاجات عن الإدمان احنا نفسنا ما نقدرش نحس بيها أو نوصفها، المريض نفسه هيتقبل كلام من المشرف ممكن جدًا يرفضه لو سمعه من طبيب أو أخصائي نفسي. لكن اللي بيحصل على أرض الواقع مختلف عن كده تمامًا».

خلال بحثنا عن وضع المصحات الخاصة في مصر، كان من المستحيل الوصول إلى عدد دقيق لها أو توزيع جغرافي أو سكاني. ومن جهته، لا يفصح صندوق مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعي إلا عن المراكز التي يتعامل معها، وهي إما مستشفيات عامة، أو مستشفيات جامعية، أو مستشفيات تابعة للقوات المسلحة..

في التطبيق العملي لا يتوقف دور المشرف على العلاج عند حدود الدعم النفسي والتقني الذي قد يقدمه للنزيل في المصحات، لكنه يصل إلى تنفيذ أدوار تقع في اختصاصات أخرى، كما يذوب الحد الفاصل بين العمل الوظيفي كشريك في العملية العلاجية وبينه كأحد مصادر دخل المصحات باعتباره يعرف الكثير من المرضى المرشحين للعلاج.

يفسر الطبيب: «من ناحية فيه فراغ في وظيفة المعالج النفسي في مصر. عادة العملية العلاجية لازم تتضمن شق طبي بيقوم بيه الطبيب وشق علاجي أو سلوكي بيقوم بيه الأخصائي النفسي، اللي بيحصل إن دور المشرف توسع وبقى بيقوم بوظيفته وبوظيفة المعالج النفسي وبالتالي أصبح هو اللي بينفذ كل الخطة العلاجية».

يكمل الطبيب: «من ناحية تانية أغلب الأماكن اللي بتقدم الخدمة في مصر بقى أصحابها من المدمنين المتعافين اللي اشتغلوا في موضوع الإشراف، وده عمل خلل في العلاقة بين الأطباء والمشرفين، العلاقة بدل ما هي علاقة بين طبيب وآخر مشرف على العلاج، بقت علاقة طبيب بصاحب العمل. 

واللي بيزيد صعوبة الأمر أن أصحاب المصحات والأطباء ما بيتعاملوش مع المشرفين على أنهم مشرفين فقط، لكن كمان بيكون منتظر منه إنه يجيب مرضى للعلاج في المكان، لدرجة إن بعض المصحات الخاصة ما بتديش المشرفين رواتب ولكن نسبة من فاتورة علاج المرضى اللي دخلوهم المصحة».

خلال بحثنا عن وضع المصحات الخاصة في مصر، كان من المستحيل الوصول إلى عدد دقيق لها أو توزيع جغرافي أو سكاني. ومن جهته، لا يفصح صندوق مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعي إلا عن المراكز التي يتعامل معها، وهي إما مستشفيات عامة، أو مستشفيات جامعية، أو مستشفيات تابعة للقوات المسلحة، وفي كل الأحوال فإن عددهم يبلغ 28 مركزًا في الجمهورية.

مدمن متعافي يملك مصحة خاصة قال لنا: «موضوع العدد صعب جدًا، القاهرة لوحدها ممكن يكون فيها 500 أو 600 فيلا معمولين مصحات خاصة وبدون أي ترخيص طبعًا.. هتعرف العدد ازاي؟».

إذن كيف يصل المريض إلى المصحة؟ يقول طبيب علاج إدمان وشريك في مصح خاص، طلب عدم ذكر اسمه: «المريض بيوصل للمصحة الخاصة بطرق مختلفة، على الأغلب يا إما محول من طبيب خاص أو عن طريق مشرف، أو المعارف».

تقع المصحة التي يشارك الطبيب في إدارتها في إحدى المدن الجديدة، ويبدو عليها مظاهر الطبقة العالية التي تستفيد منها. يوضح الطبيب: «20٪ من النزلاء عندنا من المصريين من الشرائح العليا والشرائح العليا من الطبقة الوسطى، و80٪ من النزلاء هم من غير المصريين خصوصًا من بلدان الخليج».

تختلف تكاليف العلاج في المستشفى بحسب درجة الإقامة، إذا كانت غرفة فردية أو مزدوجة أو جماعية أو جناح كامل، وتتراوح بين 10 آلاف (500 دولار تقريبًا) وحتى 60 ألف جنيه (4آلاف دولار تقريبًا) في الشهر، وذلك دون احتساب مصاريف الكانتين واستخدام ملحقات أخرى كحمام السباحة أو صالة الألعاب الرياضية. أما بالنسبة لغير المصريين فالتكاليف تتضاعف ثلاثة مرات وتدفع بالدولار.

تكاليف العلاج لا تذهب للمصحة وحدها، ففي حال حُولت الحالة من طبيب خاص في الخارج فإنه يحصل على 25٪ من فاتورة العلاج مهما بلغت، كما يحصل الطبيب الخاص في الداخل على نسبة متفق عليها، تختلف حسب درجة الطبيب وتكاليف العلاج تتراوح بين 10 و50٪.

مصدر الصورة: Internet Archive Book Images. تحت رخصة المشاع الإبداعي

العلاج قسرًا أم طواعية؟

تطرح مسألة أهلية المريض وإرادته نفسها على الموضوع خاصة مع انتشار ما بات يُسمى بـ«فرق الشحن». يوضح الطبيب العامل في مستشفى خاص الأمر: «أغلب حالات الإدمان ماتدخلش المستشفى بإرادة حرة، وعادة نقل المريض للمستشفى ممكن يصاحبه مظاهر عنف، هنا الحل الأمثل هو فريق الإحضار. هم باختصار مجموعة شباب صحتهم كويسة كده على صلة بمصحة أو جمعية مهتمة بالموضوع، تنتقل لإحضار المريض وممكن جدًا يكتفوه أو يدوله حقنة مخدرة، ويُدفع لهم إما من ضمن فاتورة العلاج أو بشكل مستقل».

تتشابك مسألة إيداع المرضى في المصحات دون إرادتهم مع عدة مسائل أخلاقية وإدارية ومهنية، بعضها لا يزال محل خلاف. نستعرض هنا بعض من ملامحه.

يقول الطبيب مينا فارس: «عندما يأتيني أهل مريض لاحتجازه في المستشفى أقول لهم: حاولوا تجيبوه العيادة، لو رفض فأنا مش هقدر اساعده».

يوضح فارس الأمر: «هناك عدة أسباب لذلك، أولًا القانون المتعلق بحقوق المرضى النفسيين يمنع ذلك. السبب الثاني في الحقيقة هو سبب مهني وعلاجي. مريض الإدمان لو اتحجز في مصحة 20 سنة وهو مش عايز يتعالج، أول ما يطلع هايضرب تاني.. عشان كدة من الشائع جدًا إنك تلاقي الديلر (بائع المخدرات) واقف قدام مستشفى، عشان عارف إن اللي هايخرج من جوا يمكن يشتري منه. وفي الحقيقة دي مش المشكلة الوحيدة، الموضوع مش مجرد تكاليف مالية باهظة بتتدفع من غير علاج حقيقي، الأسوأ إن السياسة دي بتؤدي إلى الوفاة في حالات عدة».

ويكمل «لما بتدخل مريض غصب عنه ايه اللي بيحصل؟ بيتسحب منه المخدر ويرجع نضيف تمامًا، هنا أنت كمان نزلت حد الجرعة اللازمة للتأثير فيه لأنه غالبًا كان وصل لمرحلة ياخد فيها كميات كبيرة عشان تأثر. وبالتالي تبقى مدة اقامة المريض في المستشفى بيحصل فيها إنك بتعلي لهفته للمخدر وبتنزل درجة تحمله، أول ما يخرج يرجع يضرب المخدر بلهفة وبالجرعة اللي كان متعود عليها واللي بقت أكبر بكتير من درجة تحمله، ويموت بتأثير الجرعة الزائدة. السيناريو ده شفته كتير للأسف».

بالطبع احتمالية استمرار المريض في تعاطي المخدرات قائم، وطول الوقت فيه طرق جديدة بنتفاجئ بيها.. في المستشفى الخاص لو ممرض مثلًا أو عامل هرّب مخدرات لجوه فدي قصتها سهلة، بيتفصل من العمل تمامًا، المشكلة بتكون في المستشفيات الحكومية..

ينظم قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 دخول المرضى إلى المؤسسات العلاجية بحسب مادتين، المادة رقم 10، والتي تنظم الدخول الإرادي للمريض البالغ 18 سنة أو أكثر وتمنحه حق الخروج دون قيد، والمادة رقم 13، التي تنظم الدخول الإلزامي للمريض، في حال شكل المرض خطر على سلامة المريض أو الآخرين.

في الحالة الثانية فإنه يجب إخطار كل من أهل المريض والأمانة العامة للصحة النفسية والمجلس الإقليمي للصحة النفسية ومكتب الخدمة الاجتماعية، خلال 24 ساعة من الدخول.

الطبيب الشريك في المستشفى الخاص يختلف مع رأي فارس، ويوضح «تبعية مريض الإدمان للمادة 10 او المادة 13 هي مسألة خلافية أصلًا. يعني ممكن تلاقي أمين عام للصحة النفسية شايف إن مريض الإدمان يستحق الدخول الإلزامي، وبعد سنتين تلاقي أمين عام تاني شايف إنه يستحق الدخول الإرادي».

يكمل «مريض الإدمان بالطبع يخضع للمادة 13، وبالتالي عدم توفر الإرادة لديه مش مانع من العلاج أو الإيداع في مستشفى. مريض الإدمان طول الوقت محاط بالخطر، إما السرقة مثلا أو إنه يموت بجرعة زيادة».

ويستطرد «عدم توفر الإرادة مش بالضرورة علامة على الفشل. في العلاج إحنا بنشتغل على موضوع رفع الإرادة عنده وده نجح في حالات كتير. المشكلة الحقيقية مش في إحضار المريض بغير إرادته إنما إحضاره تبع الأصول. المشكلة إنه بيحصل في بعض الأحوال تكتيف مثلا أو تخدير للمريض، لكن احنا كمان لازم نتفهم مخاوف المشرفين، شفت مرضى بيناموا في بيوتهم وحاطط سكينة تحت المخدة عشان لو الفريق جه يضربهم، شفت فريق إحضار تاني اتضرب عليه رصاص حي».

يوضح الطبيب الإجراءات التالية لإحضار المريض، موكدًا أن حالات الإدمان لا تستوجب التقييد أبدًا «مسألة التكتيف دي مش المفروض تحصل خالص لمريض الإدمان، هي محتملة في حالات تانية مرتبطة بالأمراض النفسية وليها أصول وليها دوافع ولازم تحافظ فيها على كرامة المريض». على العموم، يخضع المريض للتفتيش الذاتي الدقيق، ويتم عمل محضر إداري داخلي بأي مواد مخدرة مضبوطة، على أن يتم التخلص منها بمعرفة الطبيب.

مع كل هذه الظروف تبقى احتمالية استمرار المريض في تعاطي المخدرات داخل المؤسسات العلاجية. يقول الطبيب الشريك في المستشفى «بالطبع ده احتمال قائم، وطول الوقت فيه طرق جديدة بنتفاجئ بيها.. في المستشفى الخاص لو ممرض مثلًا أو عامل هرّب مخدرات لجوه فدي قصتها سهلة، بيتفصل من العمل تمامًا، المشكلة بتكون في المستشفيات الحكومية، هناك الممرض نفسه ممكن يكون قاعد في العنبر بيشرب حشيش، وعلى الأغلب مش هيتعاقب لأن لازمله بديل، والبديل ده يعني تعيينات حكومية ودي مسألة في إيد الوزارة والأمانة العامة للصحة النفسية».

يؤكد الطبيب أن مستشفاه تمنع حيازة الأموال السائلة داخل المصحة لهذا السبب، وتفتش الزيارات الآتية من الأهل، ومؤخرًا باتوا يفتشون طلبات الطعام الآتية مع عمال التوصيل بعد أن اكتشفوا أحدهم يهرّب المواد المخدرة إلى الداخل.

في هذا السياق، لا يبدو أن حالات هرب المرضى من المؤسسات العلاجية أمرًا غريبًا. يقول الطبيب: «مع المريض المصري ده بيحصل كتير جدًا ولما بيهرب مريض بنكلم أهله لأنه غالبًا في الآخر هيرجع البيت، والمعتاد إن الأهل يطلبوا فريق إحضار يروح يجيبه تاني».

الطبيب مينا فارس يشرح هنا: «مسألة الهرب مرتبطة بالأساس بدخول المريض بشكل إلزامي. إخضاع مريض الإدمان للمادة 13، بيحصل بالاتفاق مع الأهل اللي بيكونوا في حالة إنهم بس عايزين الابن ده يتعالج، وعليه هم بيكتبوا إقرار، وفي الآخر لما الأمانة العامة أو المجلس القومي للصحة النفسية يروح المستشفى يراقب بيلاقي كله تمام».

سياسات سوق

الرقابة الحكومية على المصحات، للتأكد من صحة الترخيص ومراعاة حقوق المرضى وصحة قرارات الدخول الإلزامي، لا يواجهها فقط الخلاف المهني المتواصل عن خضوع مريض الإدمان للمادة 10 أو المادة 13 من القانون، لكنها تصطدم بسياسة السوق كذلك.

يقول طبيب يعمل في مستشفى حكومي، ويداوم في آخر خاص: «القانون في الآخر بيحطك تحت إشراف ومراقبة طبيب مستقل جاي من قبل المجلس أو الأمانة، هنا المشكلة الحقيقية. الطبيب المستقل ده في النهاية عنده عيادة أو مستشفى تانية، يعني طرف في السوق وينفع يكون فيه مصالح مشتركة مع أي مستشفى خاص، على الأقل بيحولهم حالات. يعني بييجي يشرف عليك دكتور وبكرة يحولك مريض، وياخد نسبة على التحويل. طبعًا الموضوع مالوش نتيجة».

يكمل الطبيب حديثه: «المراقبة مهمة طبعًا، لأنها بتكشف عن عدد ضخم من المصحات غير المرخصة، ودي ممكن يحصل فيها بلاوي وعددهم كبير جدًا، لدرجة أن المفتش معاه صور عن محاضر مكتوبة وجاهزة بيحط فيها البيانات».

يشير الطبيب إلى المحاضر التي تُحررها إدارة الطب الحر، المعنية بالمراقبة والإشراف على العيادات والمستوصفات والمؤسسات العلاجية الخاصة، والتي تحتوي على أربعة مخالفات ثابتة: المركز غير مرخص بالمخالفة لقانون المنشآت الطبية، إدارة منشأة بدون الحصول على موافقة الأمانة العامة للصحة النفسية، مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، وعدم اتباع سياسة مكافحة العدوى والتخلص غير الآمن للنفايات الخطرة.

يكمل الطبيب: «لكن لو المراقبة على مستشفى كبير ومرخص، على الأغلب هيفضل في المكتب ويشوف الإقرارات بتاعة المرضى الإلزامي، وممكن كمان يكون معاه فريق للمراقبة على إجراءات الحماية المدنية، يعني يتأكد من طفايات الحريق وسلم الطوارئ ويشرب قهوته ويمشي».

الصورة الأصلية: مستشفى حلوان العام. خاص خطــــ ٣٠

مستشفى حلوان العام نموذجًا

بالانتقال مع الطبيب نفسه للحديث عن العمل في مستشفى حلوان للصحة النفسية، وهي الوحيدة الملحق بها وحدة لعلاج المراهقين من الإدمان، نجد الصورة تتغير تمامًا، تستلزم استعراض أحوال تلك المستشفى كنموذج عن الجهات الحكومية التي تقدم الخدمة العلاجية لمرضى الإدمان.

يقول الطبيب عن فكرة الاحتجاز داخل المقار العلاجية: «التعامل مع المرضى في كل الأمور بيختلف طبعًا لما بنتكلم عن المستشفى الحكومي.. مثلًا لما بييجي أب مع ابنه عشان يعالجه من ادمان الحشيش، في عيادة المستشفى الحكومي أنا شخصيًا هانصحه إنه ما يعالجش ابنه، الحشيش ادمانيته بسيطة وتأثيره على جودة الحياة مش كبير، أحيانًا بيكون الحشيش علاج أصلا لبعض الامراض زي الاكتئاب والقلق. الكلام ده لو في المستشفى الخاص هيتغير تمامًا طبعًا، تُقبل الحالة ويدخل يتعالج عادي كأي مدمن، الفرق بالطبع هو فلوس العلاج اللي بتدفع في الخاص».

عند بداية العمل على هذا التقرير كانت مستشفى حلوان فارغة من المرضى ومغلقة إداريًا، كان المرضى المقيمين في المستشفى قد نقلوا منها إلى مستشفى الخانكة بمحافظة القليوبية في أغسطس 2021 وأغلقت معظم الأقسام مع الإبقاء على العيادات الخارجية للعمل، وقبل الانتهاء من التقرير كان المرضى قد عادوا وعادت معهم المستشفى للعمل بكامل طاقتها، دون أي تغيير يذكر.

يقول طبيب مقيم في المستشفى: «خلال السنوات الماضية تعرضت مبان المستشفى لعدة حرائق بسبب الأحمال الزيادة في الكهرباء، كمان فيه مباني طالعلها قرار ازالة، وبالتالي كانت حياة المرضى وكل العاملين في المستشفى عرضة لخطر حقيقي. وبناءً على قرارات إدارية ورسمية تم نقل المرضى في أغسطس 2021 للخانكة وغلق معظم أقسام المستشفى، خلال يومين فقط كنا مجهزين ملفات 90 مريض ومحضرين كل الأمور. ثم فجأة بعد 7 شهور لقينا قرار من الأمينة العامة للصحة النفسية منن عبد المقصود بعودة المرضى والعمل بكامل طاقة المستشفى وده بدون تصليح فيشة كهربا واحدة».

للتأكد من حالة المستشفى حصل «خط30» على عدة تقارير صادرة عن مستشفى حلوان للصحة النفسية، الإدارة العامة للحماية المدنية التابعة لقطاع أمن القاهرة، وزارة التنمية المحلية، شركة كهرباء جنوب القاهرة، محافظة القاهرة، وكلية الهندسة في جامعة عين شمس، والتي أكدت جميعها رواية الطبيب.

في منتصف فبراير الماضي، وقبل أيام من قرار أمينة عامة الصحة النفسية منن عبد المقصود بعودة العمل في المستشفى بكامل طاقته، أصدرت اللجنة العليا للمنشآت الآيلة للسقوط بالمنطقة الجنوبية في محافظة القاهرة تقريرها عن المستشفى، وجاء فيه: «تمت المعاينة الظاهرة لمباني المستشفى في حضور مهندس حي حلوان حيث تبين أن المستشفى تتكون من 16 مبنى مستقل عبارة عن: أولًا: مباني تحتاج إلى ترميم شامل وطبقًا لأصول الصناعة وهي (مكتب الأمن والبوابة، مبنى مراهقين إدمان وقسم ثاني ممتاز، المعهد الفني للتمريض وعيادات الأطفال، المسجد، خزان المياه الأرضي، مبنى الأقسام الداخلية، مبنى الإدارة الجديد، مبنى الخدمات، مبنى المغسلة، غرفة الكهرباء، السور المحيط بالمستشفى والممرات الداخلية بين المباني) وقد تلاحظ بها سوء الصرف الصحي ودورات المياه وسوء عزل الأسطح وهبوط ببعض الأرضيات وسوء حالة الأسقف ودراوي الأسطح».

وأكمل تقرير اللجنة تفصيل باقي المباني: «ثانيًا: مباني تحتاج للهدم الكلي حتى سطح الأرض وهي: مبنى الكافتيريا القديم، مبنى عنابر رجالي مجاني، مبني رجالي ممتاز. وذلك لما تلاحظ بها من سوء حالة المباني وهبوط الأرضيات وصدأ حديد التسليح. ثالثًا: المبنى الإداري ومبنى الخدمات صادر بشأنه قرار تنظيم رقم 197 لسنة 2020 بهدم المبنى حتى سطح الأرض، ويحتاج القرار للتنفيذ (لم ينفذ حتى اللحظة)».

أما اللجنة المشكلة من كلية الهندسة في جامعة عين شمس، والمسؤولة عن فحص اللوحات الكهربية في المستشفى فقد توصلت إلى عجز إمكانيات المستشفى عن تحمل أي أحمال إضافية، وجاء في تقريرها: «بمعاينة اللوحات الكهربية الخاصة بكل قسم يلاحظ أن كل قسم مقسم لعدد 2 لوحة كهرباء إحداهما مغذاة من المصدر الأصلي والأخرى من مصدر الطوارئ وهي تعمل بصورة مقبولة وتغذي مخارج الإنارة والمخارج الاعتيادية القائمة فقط (..) دون إضافة أحمال أخرى».

شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء كان لها نصيب كذلك من التقارير السلبية عن حالة المستشفى. وورد في تقرير صادر في نوفمبر الماضي: «ردًا على الخطاب بشأن مقايسة اختبار صلاحية 12 كابل جهد منخفض (..) بالاختبار تبين أن جميع الكابلات المذكورة بها خلل».

أما الادارة العامة للحماية المدنية، فكان لها الرأي التالي في ديسمبر الماضي: «تلاحظ لنا عدم توفر اشتراطات الوقاية من أخطار الحريق بالموقع طبقًا لما هو وارد بكود الحريق المصري».

بينما يُقرأ هذا التقرير يبقى 88 مريض وأكثر من 400 طبيب وموظف في مستشفى حلوان، في انتظار حريق أو انهيار مبنى ما، أو في انتظار موجة حر جديدة يستحيل مواجهتها بتشغيل مكيفات الهواء فيتعرض عدد يصعب تقديره من المرضى لخطر الوفاة

وأخيرًا، أصدر مكتب السلامة والصحة المهنية في حلوان في نوفمبر الماضي قرارًا بإغلاق المستشفى جاء فيه: «بناءً على القرار الصادر للعقار/ مستشفى الصحة النفسية قرار هدم رقم 197 لسنة 2020 يفيد بهدم مبنى الإدارة حتى سطح الأرض وترميم باقي مباني المستشفى ترميمًا شاملًا. وبالتفتيش على المستشفى بتاريخ 22 نوفمبر 2021 تبين سوء حالة باقي مباني المستشفى (..) لذلك (نرى) ضرورة تنفيذ ما ورد بشأن قرار هدم رقم197 لسنة 2020 وضرورة وقف النشاط فورًا وإخلاء المستشفى فورًا وغلقها إداريا للخطورة الداهمة على العاملين وعددهم 492 وعلى المرضى المترددين».

طبيبنا الشاب حاول شرح الصورة الأكبر قليلًا، لافتًا إلى أن تلك التقارير الفنية، والتي تتحداها الأمانة العامة للصحة النفسية على حد تعبيره، تتناول وضع مباني وتجهيزات المستشفى، لكنها لا تتحدث عن المرضى. 

يقول الطبيب: «بالنسبة للكهرباء مثلًا إحنا ما بنتكلمش عن مسألة رفاهية عشان الطقس الحار صعب، لأ احنا بنتكلم عن إن الطقس الحار مميت. بالنسبة للمرضى النفسيين المقيمين في المستشفى مسألة التهوئة والتبريد هي مسألة حياة أو موت، لإن في موجات الحر لو مكانش فيه تبريد جيد بيحصل مضاعفات للمريض مرتبطة بنوع الأدوية وتؤدي في النهاية لوفاته دون أي فرصة حقيقية لإنقاذه. يعني لو المريض ما ماتش لأن حصل حريق في العنبر، هيموت عشان مفيش تكييف لأن طاقة المستشفى ما تستحملش. ودي مسألة حصلت قبل كده، كل صيف لازم يحصل حريق في المستشفى، ومن سنوات وفي موجة حارة بالفعل مات مرضى من العباسية وحلوان والخانكة وبعد الحوادث دي كان ضروري اعتماد تشغيل مكيفات الهواء في عنابر المقيمين».

ونشرت في أغسطس 2015 العديد من الأخبار التي كشفت موت عدد من المرضى في مستشفيات تابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، وذلك بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، دون وجود إمكانيات لتشغيل مكيفات الهواء.

منذ أغسطس 2021 وحتى مارس 2022 لم تشهد المستشفى أي إصلاحات أو إزالات أو إنشاءات، فقط تناوب على فحصها اللجان الفنية المشار لها، وجميعها تابعة لجهات رسمية حكومية، وجميعها خلصت إلى أن تشغيل المستشفى أمر مستحيل. فجأة علم أطباء المستشفى من زملائهم في مستشفى الخانكة أن 88 مريض (توفى اثنين أثناء إقامتهم في الخانكة) سيعودون إلى حلوان، بعد ساعات. رفض الأطباء استقبال المرضى وتسكينهم تحت ظروف مميتة، إلا إذا أصرت الأمانة العامة فليكن الأمر على مسؤوليتها. 

هكذا راسلت مديرة مستشفى حلوان زملائها على مجموعة تواصل على تطبيق واتساب يضم الأمينة العامة للصحة النفسية مع مدراء المستشفيات التابعين لها. طلبت الطبيبة أن تتحمل الأمانة مسؤولية قرارها بعودة المرضى، فردت الأمينة العامة برسالة نصية (اطلع عليها خط30) تشكر فيها الطبيبة على فترة إدارتها لتعفيها من منصبها.

بالعودة للطبيب: «بالشكل دة فوجئنا أن اوتوبيس اتحرك من الخانكة وفيه المرضى. اتحركنا فورًا وطلبنا النجدة اللي رفضت تعمل محضر بالواقعة، كل الأطباء رفضوا التوقيع على تسلم المرضى دون تحميل الأمانة العامة مسؤولية القرار، فكان تصرف الأمانة العامة انها تسلم المرضى لواحدة من الممرضات وتسكنهم في الأقسام… حصل الاستلام فعلًا بدون أي إشراف طبي».

ويضيف الطبيب: «اللي خلانا كمان نصر على عدم التسلم إن المرضى رجعوا بحالة سيئة جدًا.. 2 منهم ماتوا، 4 مريضات عندهم قرح فراش، على مدار شهور إقامتهم في الخانكة محدش اهتم بيهم يوم واحد. 5 مريضات تانيين عندهم تسلخات شديدة، مريضة عندها كدمة في صدرها من أثر ضربة ممرضة لها في الخانكة، ومريضتين تانيين عليهم آثار عض».

لم تنته الأزمة بتسليم المرضى لطاقم التمريض، فبحسب الطبيب الشاب، سيشهد اليوم التالي انتقام من الأمانة العامة في حق الأطباء: «فوجئنا اليوم الثاني بالأمينة العامة للصحة النفسية جاية المستشفى ومعاها لجنة تحليل مخدرات للأطباء والطبيبات.. كانوا عدوانيين جدًا وسألوا على طبيبات بعينهم لإنهم كانوا الأكثر تشددًا في رفض استلام المرضى تحت الظروف دي، دخلوا على الطبيبات السكن وصحوهم من النوم، أجبروهم يعملوا التحليل قدام الطبيبات اللي في لجنة التحاليل بشكل مهين جدًا وفيه انتهاك واضح لحرمة الجسد.. طبعًا كانت نتايج التحليل للأطباء والطبيبات كلها سلبية».

إداريًا، استندت عودة المرضى إلى المستشفى وإعادة تشغيلها إلى تقرير وحيد صادر عن لجنة شكلتها الأمانة العامة نفسها، ضمت اللجنة كل من الإدارة المركزية للمشروعات، الأمانة العامة للصحة النفسية، ومستشفى حلوان نفسها (وجميعها ليست أطراف فنية أو هندسية)، بالاضافة لمكتب هندسي خاص هو ECG، والذي رأى بحسب التقرير: «هناك بعض الأقسام تحتاج فقط إلى أعمال نظافة وصيانة».

بالنسبة للأطباء لم تنته القصة كذلك، يوضح الطبيب: «توجهنا لقسم شرطة حلوان لتحرير محضر إثبات حالة لكن القسم رفض وقالولنا مش اختصاصنا. روحنا النيابة الإدارية في حي 15 مايو قالولنا مش اختصاصنا روحوا نيابة الصحة في الوزارة. روحنا هناك قابلنا المستشار طارق بدر وشرحناله الموضوع، الحقيقة السيد المستشار هزقنا وشتمنا وطردنا من مكتبه.. قالنا انتو سايبين شغلكم وجايين تضيعوا وقت! احنا عايزين ننقذ حياة المرضى وحياتنا من خطر داهم».

بعد انتهاء هذه الرحلة سجل الأطباء شكوى إلكترونية في مجلس الوزراء وفي الرقابة الإدارية (شكوى رقم 52ZMBD1KDITE8C6) ضد كل من الأمانة العامة واللجنة التابعة لها وكذلك ضد المستشار طارق بدر، كما تقدموا ببلاغ لدى هيئة النيابة الإدارية في منطقة 6 أكتوبر، والتي بدأت تحقيقات لا تزال جارية حتى اليوم.

من ناحية أخرى، حاولنا التواصل مع الأمينة العامة للصحة النفسية، ومع المكتب الإعلامي في وزارة الصحة والمكتب الإعلامي للأمانة العامة للصحة النفسية، وبعد أيام من تقديم طلب للتوضيح، رفضت الأمينة العامة منن عبد المقصود التعليق، قائلة إن الأمر الآن في عهدة النيابة.

بينما يُقرأ هذا التقرير يبقى 88 مريض وأكثر من 400 طبيب وموظف في مستشفى حلوان، في انتظار حريق أو انهيار مبنى ما، أو في انتظار موجة حر جديدة يستحيل مواجهتها بتشغيل مكيفات الهواء فيتعرض عدد يصعب تقديره من المرضى لخطر الوفاة. كذلك، يقبع عدد غير معلوم من مرضى الإدمان في ظروف مأسوية يتشكك الكثيرون في جدوى الرقابة الحكومية معها، لا يقيهم سوى ضمير المعالج – المدمن السابق، ووسط خلافات مهنية وإدارية لا تضع في حساباتها مرضى يغرقون أكثر في مرضهم، أو يتجهون بثبات نحو الموت.

 

* أسماء أصحاب الشهادات كلها مستعارة