fbpx

حليب الأطفال.. بالنسبة للوضع اللبناني العام 

تأخذ قصة حليب الأطفال في لبنان منذ بداية الأزمة الاقتصادية حتى اللحظة التي تقترب فيها احتمالات انعقاد الانتخابات أبعادًا مختلفة.. قضية من السهل استغلالها ومن الصعب حلها
ــــــــ الطعام
31 مارس 2022

خبر قديم (1)

14 حزيران/ يونيو 2021

جرى إتلاف عشرين ألف طن من عبوات حليب «نستله» المخصص للأطفال من عمر صفر حتى ثلاث سنوات، في الموقع الرسمي لإتلاف الأغذية منتهية الصلاحية في الكارنتينا. بحسب بيان الشركة انتهت الصلاحية بسبب التأخر في الحصول على موافقات إلى جانب ظروف الوباء والوضع العام في البلد.

بسرعة ولا مبالاة، يظهر عمّال وهم يلقون عبوات حليب نستله المخصّص للرضّع على الأرض الإسمنتية في الكارنتينا في بيروت. أحدهم صوّر عملية الإتلاف بالفيديو، آخرون التقطوا الصور، وسرعان ما تناقلها الناس على وسائل التواصل بحنق. تلك العلب الصفراء المعدنية بأغطيتها الملونة تتكوّم فوق بعضها، بينما في الخارج، ربما على بعد شارع أو مدينة أو قضاء، أمهات يجُبْن الصيدليات منذ أشهر بحثاً عن علبة لأطفالهن، ونادرًا ما وجدنها.

صحيح أن الصور والفيديو من العام الفائت، وأن العمال الذين ظهروا فيها انصرفوا إلى أشغال أخرى، وأن العلب فُتحت ورُميت بينما تتكوم بودرة الحليب مثل تل صغير في خلفية الصورة، لكن الأمر يبدو كما لو أنه يحدث الآن وأن عبوات الحليب ستظل تُلقى على الأرض دائمًا، وتقهر كل من يشاهد هذه اللقطات، خاصة الأمهات. هؤلاء أسّسن مجموعات خاصة على فيسبوك يتبادلن فيها الحلول التي وصلن إليها للحصول على علبة حليب، وأسماء الصيدليات التي يمكنها المساعدة.  

كان الحليب موجودًا.. ولكن أين

أمضت تغريد الزيناتي أيامًا تجول في قرى الجنوب اللبناني ومدنه تفتش عن علبة لطفلها ابن الثمانية أشهر. تقول «شعرت أنني عاجزة ومكبلة اليدين، أعلم أن الحليب موجود، ولكن لا يمكنني مطالبة أحد». 

عندما وضعت مولودها في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، كان سعر الصرف يومها بحدود ثمانية آلاف ليرة مقابل الدولار. في البداية، كان الحليب متوفرًاً، وما أن بدأت الأسعار في الارتفاع بعد شهرين حتى أصبح سعر العبوة بحجم 400 جرام يتراوح ما بين 18 و25 ألفًا. عمدت صيدليات كثيرة إلى إخفاء الحليب لبيعه بسعر أعلى، لكنه في المنطقة التي تسكن تغريد فيها جنوب لبنان، حيث الكثافة السكانية قليلة، بقي متوفرًا بكميات محدودة إلى حين.

تفاقمت أزمة الحليب في بيت تغريد مع تقدم الرضيع في أشهر سنته الأولى، إذ بات بحاجة إلى كمية مضاعفة شهرًا بعد آخر. تتذكر وهي تطرق أبواب الصيدليات كيف كانت اللامبالاة سمة مشتركة للعاملين فيها، باستثناء صيدلية واحدة كانت تساعدها أحيانًا على إيجاد البديل. «خفت كثيراً من بكاء طفلي، من أن يجوع أو يمرض، مئة فكرة خطرت لي في تلك اللحظة، فطلبت من أشقائي التفتيش عن الحليب في مناطق مختلفة، وسألت صديقاتي كيف يؤمنّ ما يحتجنه منه، بعضهن تخلط نوعين أو علبتين لأعمار مختلفة كي يتقبّله الرضيع».

اتصلت تغريد بالطبيب الذي قال إن الشركات توقفت عن توزيع عينات الحليب على أطباء الأطفال، وأعطاها أسماء أنواع يمكن خلطها ريثما تتبيّن حدود الأزمة.

حليب الأطفال.. بالنسبة للوضع اللبناني العام 

الصورة الأصلية: غادة حداد

لم تقرر تغريد الإنجاب بسرعة، كان التفكير في الأمر يتطلب ميزانية، فللقرار بُعد اقتصادي وليس عاطفيًا وحسب: «في ظل الأزمة الاقتصادية ربما يكون من الظلم الإنجاب في لبنان اليوم، ولكن من الظلم أيضاً جعل الإنجاب وتكوين الأسرة أمرً صعبًا لأسباب خارجة عن إرادة الزوجين»، حيث يحتاج الطفل من عمر السنة إلى أربع سنوات إلى خمسة ملايين ليرة في الشهر، في وقت كانت تكلفة شراء الحليب بحدود 400 ألف في الشهر. وضعت الأم الشابة أمر الحمل مرة أخرى جانبًا إلى أجل غير مسمى «في الظروف الحالية لا أتجرأ حتى على التفكير في الموضوع، حتى اللقاحات انقطعت». 

تشير الأم إلى لقاحات السداسي والخماسي والشلل والحازوق والكزاز واليرقان، المخصصة للأطفال من عمر شهرين إلى أربعة، والتي فقدت من الصيدليات في تموز/ يوليو 2021، بعد أن رفض المستوردون تأمين اللقاح قبل أن يؤمن مصرف لبنان الاعتمادات اللازمة. ومع تخلّف الأخير عن سداد المبالغ المطلوبة لسبعة أشهر أصبح توفير اللقاحات صعبًا. الانقطاع طال الأطباء حصرياً، فيما تمتلك وزارة الصحة كمية تكفي لعامين.

اليوم، ترفض الشركات تسليم اللقاحات قبل رفع الدعم، إذ أن اللقاحات لا تزال تحسب على سعر صرف الدولار قبل الأزمة والذي يعادل 1515 ألف ليرة، بينما يعادل سعر الدولار حتى لحظة كتابة هذه السطور 24,500 ألف ليرة. حاولتُ التواصل مع هذه الشركات فتهربوا من إعطاء أي إجابة أو تصريح. أما وزارة الصحة فاعتبرت أن اللقاحات المفقودة «التي تصل إلى الأطباء هي خارج الروزنامة، وأن الوزارة تؤمن  اللقاحات الستة الضرورية».

اختفاء وظهور واختفاء: سيناريو احتكار عادي

خبر قديم (2)

25 حزيران/ يونيو 2021 

داهم فريق تابع للتفتيش الصيدلي منزلًا، بعد منشور على مواقع التواصل الإجتماعي، يعلن عن بيع حليب أطفال دون السنة بسعر يفوق السعر المدعوم خمسة أضعاف على الأقل. تبين أن الشخص المعني سيدة تقوم بشراء وتجميع كميات كبيرة من الحليب والمواد الغذائية المدعومة في منزلها وتبيعها بأضعاف سعرها.

***

خبر قديم (3)

24 آب/ أغسطس 2021

داهم وزير الصحة اللبناني السابق حمد حسن مستودعات في مناطق لبنانية عدة، خُزّن فيها دواء وحليب أطفال.

سيطر الخوف على كوزيت عازار، إذ أن صحة طفلها على المحك. يوم فقد الحليب من السوق في منطقة المتن الشمالي، ذهب زوجها إلى البقاع ليبحث عن عبوات بقليل من النجاح. يبلغ طفلها اليوم عامين، ويحتاج الى حليب يبلغ سعره 506 آلاف ليرة، فيما يصل معدل نفقات رعاية الصغير إلى مليون و200 ألف في الشهر. تقارن بينه وبين شقيقه الأكبر، حين لم تكن تعبأ لامكانية إيجاد فورميولا، ولم تكن التكلفة هكذا، فاليوم يصل فرق نفقات حاجيات الأطفال قبل الأزمة وبعدها إلى خمسة أضعاف.  

شراء كوزيت لهذه الكمية يعني أن أمًا أخرى ستدخل الصيدلية ولن تجد علبة حليب واحدة على الأرجح.. عند الغرق يحاول كلٌ أن يبقي رأسه فوق الماء أطول وقت ممكن 

بعد أشهر من انقطاع الحليب، عاد ليتوفر فجأة مع تضخم في سعره. رغم ذلك، اشترت كوزيت خمس عبوات من كل صيدلية دخلتها، لتخزّن ما يكفي صغيرها لسنة كاملة، خوفًا من أن يفقد مرة أخرى أو يزداد سعره أكثر. يبدو أن احتكار الشركات يقابل باحتكارات صغيرة من المواطنين أنفسهم، شراء هذه الكمية يعني أن أمًا أخرى بعد كوزيت ستدخل الصيدلية التي دخلتها ولن تجد علبة واحدة على الأرجح. عند الغرق يحاول كلٌ أن يبقي رأسه فوق الماء أطول وقت ممكن. 

في قريتها في شمالي لبنان، كانت بيرت فاضل وزوجها وعائلتيهما يتوزعون على الصيدليات بحثًا عن عبوة حليب لطفلتها ذات الستة أشهر. تغصّ بينما تصف لي ما مرّت به يومها «اتصلت بطبيب طفلتي مستنجدة، فأوصى بإيجاد أي نوع حليب لكن من الرقم نفسه».

طفلتها هي الرابعة بين إخوتها، تكبرها شقيقتها باثني عشر عاماً. يومها كان الخوف من الحمل متعلقًا بصحة الأم والجنين خلال الحمل، أو من فيروس قد يلتقطه الطفل، أو حادثة خارجة عن سيطرة الأهل، إنما أن يكون القلق مرده العجز عن إيجاد طعام الأطفال فهذا ما لم يكن في الحسبان. اليوم تخصص العائلة ثلاثة ملايين ليرة لمستلزمات طفلتها، بين حليب وغيارات وأدوية ولقاحات، في حال وجدت.

حليب الأطفال.. بالنسبة للوضع اللبناني العام 

الصورة الأصلية: غادة حداد

سفينة، عسكر، ممرض وطبيبة

خبر جديد (1)

21 آذار/ مارس 2022

وصلت سفينة الإحسان التركية إلى مرفأ مدينة طرابلس شمال لبنان، محملةً بـ 524 طنًا مساعداتٍ غذائيةٍ مخصصةٍ لأفراد الأمن وعائلاتهم. المساعدات تحتوي على حليب الأطفال وأغذية تلبي الاحتياجات الأساسية لأفراد الأجهزة الأمنية اللبنانية وعائلاتهم. 

حتى الآن ما زال 90% من حليب الأطفال غير متوفر. يقول أحد العاملين في القطاع الصيدلي مفضلًا ألا يُذكر اسمه، ويضيف أنه انقطع لفترة طويلة، وعاد الى السوق مع رفع الدعم، كان سعر العبوة يتراوح بين 12 و14 ألفًا، وبات يتراوح بين الـ 90 والـ 100 ألف.

«انقطع الحليب بعد أسبوعين مرة أخرى، خاصة الفورميولا المخصصة للأطفال حديثي الولادة حتى عمر السنة، ذلك لأن المؤسسة العسكرية توجهت الى شركات الأدوية، صادرت ما يملكونه من حليب ووزعته على عناصرها» بحسب الصيدلي. لا أجد سندًا لهذه المعلومة في أي مكان، ولا يؤكدها أو ينفيها أحد، تظل «خبرية» معلقة في كلام متناقل بلا براهين.  

شاهدتُ البدائل التي لجأت اليها العائلات الفقيرة، من العصير الى خلط النشا مع ماء الأرز، وهي عناصر لا يمكن لمعدة الطفل هضمها، أذكر طفلًا وصل إلى الطوارئ بعد معاناته من سوء تغذية، إذ لجأ ذووه إلى استبدال الحليب بالعصير، كاد أن يموت

قابلت الممرض كارل فريحة بعد أن عرفتُ أنه يتطوّع بتقديم خدمات صحية واجتماعية، مما يضعه على احتكاك مباشر مع المرضى في منازلهم. «شاهدتُ البدائل التي لجأت اليها العائلات الفقيرة، من العصير الى خلط النشا مع ماء الأرز، وهي عناصر لا يمكن لمعدة الطفل هضمها، أذكر طفلًا وصل إلى الطوارئ بعد معاناته من سوء تغذية، إذ لجأ ذووه إلى استبدال الحليب بالعصير، كاد أن يموت». من باب اليأس لجأ الفقراء إلى حلول خطرة، وحتى من يملكون المال لم يجدوا الحليب أصلًا لشرائه. 

حاول كارل مساعدة العائلات في الحصول على الحليب الذي انقطع أيضًا من السوق السوداء، فكانت وجهته صيدليات يعرف أصحابها. يعتبر فريحة أن هذه الأزمة ستؤثر على صحة جيل كامل من الأطفال، ويقول «هذا أمر دقيق وحساس في الغذاء. لا بديل عن حليب الأطفال، في حال انقطع تمامًا، نكون أمام كارثة حقيقية». 

في المقابل، لا ترى طبيبة الأطفال دانيال سعادة أي علاقة بين الأزمة الحالية وصحة الأطفال على المدى البعيد، إذ أن الأمر يتطلب مراقبة ودراسات لتبيان حدوث خلل طبي. تقول «تلجأ الأمهات إلى حليب الأطفال بعد شهرين من الولادة، خاصة عند عودتهن إلى وظائفهن». من جهة أخرى، «يخفّ حليب الأم مع القلق والتعب والتوتر، فالرضاعة بحاجة الى هدوء». هناك حالات أخرى يكون حليب الأم فيها غير كافٍ، إذ لا يمكن للأم أن ترضع بعد الولادة فورًا، حيث يكون حليبها قليلًا في الفترة الأولى، لهذا تُعطى للأمهات عبوة حليب من المستشفى قبل أن تبدأ الرضاعة.

حاولت الطبيبة مساعدة العائلات خلال اشتداد الازمة، وعملت مع مراكز طبية ومستوصفات على تأمين حليب من نوعٍ مختلفٍ عمّا كان يستخدم سابقًا. وتمكنت عبر إحدى الجمعيات من تأمين صندوق لكل طفل يتضمن 12 علبة. بدأت الأمهات في إطعام الأطفال غذاءً عاديًا من عمر أربعة أشهر، وهناك من اعتمدت حليب البقر الذي أدى إلى وفاة أحد الرضع بسبب الحساسية للبروتين الحيواني، بعض الرضع الذين تناولوا هذا الحليب نجوا بأعجوبة، تذكر سعادة.

في الحقيقة إن معدل الرضاعة الطبيعية في لبنان منخفض بالعموم كما توصلت دراسات كمية ونوعية متفرقة، منها بحث أجرته منى نابلسي، وتذكر فيه أن معدلات وفاة الأطفال الرضّع في أشهرهم الأولى مرتفع في لبنان، وتعزو ذلك إلى سوء التغذية كسبب أساسي، وتحت هذا السبب يأتي عنوان الرضاعة الطبيعية التي تنفر منها كثير من النساء.

ويبدو أن هذا الميل يعود إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والولادة القيصرية، والإقامة في المناطق الحضرية، ودين الأم، وممارسات المستشفى التي تعيق الرضاعة الطبيعية مثل تقديم الجلوكوز والماء أو اللبن الصناعي كأول رضعة بدلًا من حليب الأم. إلى جانب الخوف أن لا تكون الرضعات الطبيعية مشبعة، وفوق كل هذه العوامل هناك السبب الجمالي، فهناك نساء كثر يتجنبن الرضاعة الطبيعية لتجنب الترهل والبدانة، والتعب من الاستيقاظ ليلًا وباكرًا للإرضاع.

ولكن إلى أي مدى يحتاج الرضّع فعلًا إلى فورميولا؟ 

تتعرض الأمهات بشكل خاص إلى ما تطلق عليه دراسة استقصائية دولية «التسويق العدواني وغير الأخلاقي والمضلل» الذي يقوّض أهمية الرضاعة الطبيعية، ويستغل عواطف ومخاوف وطموحات النساء لصحة أطفالهن. 

في الدراسة نفسها التي أجرتها منظمة الصحة العالمية ونشرتها في شباط/فبراير 2022، توصي المنظمة بالرضاعة الطبيعية الحصرية للأشهر الستة الأولى من الحياة واستمرارها لمدة تصل إلى عامين أو أكثر. فبدائل حليب الأم لا بد أن تكون متاحة عند الحاجة الصحية فقط والتي يحددها الطبيب. «نستله» نفسها كانت قد تعرضت للمقاطعة عام 1981 بسبب هذا الضخ الإعلاني المكثف الذي رأت منظمتا الصحة العالمية ويونيسف أنه دفع النساء لهجر الرضاعة. اليوم عاد هذا الضخ من قبل شركات مصنعة للفورميولا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم خوارزميات البيانات لاستهداف الأمهات، أو عبر االلجوء إلى الأمهات الـ «إنفلونسرز». 

ونظرًا لأن حليب الأطفال يتم ترويجه كمنتج غذائي وليس كدواء، فإن هيئات مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لا تتطلب نفس المستوى من البيانات العلمية للتأكد من ادعاءات الشركات حول التأثيرات الصحية لمكونات الفورميولا، تلك التي تقدم بوصفها مكافئة لحليب الأم بل وتتفوق عليه أحيانًا. لكن جزء أساسي من الخداع الإعلاني هو بيع هذه الفورميولا في الصيدلية مما يعطيه قيمة صحية وهمية، رغم أنه ليس دواء ولا يخضع للفحوصات التي يخضع له الدواء للتأكد من جدواه.

تقدر صناعة حليب الأطفال بمئات المليارات في العالم، ولكن لا توجد معلومات دقيقة حول قيمة هذه الصناعة في لبنان، ولا يوجد حتى الآن أبحاث حول استهلاك الحليب في البلاد. وربما تكون مثل هذه الدراسات التي تستطلع دوافع وطبيعة وشكل وحجم استهلاك حليب الرضع أمرًا ملحًا اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أزمة احتكاره.

حليب الأطفال.. بالنسبة للوضع اللبناني العام 

الصورة الأصلية: غادة حداد

فورميولا للأنشطة الاجتماعية من بين أشياء أخرى

خبر جديد (1)

23 آذار/ مارس 2022

قدم نادي روتاري البترون كمية من حليب الأطفال من عمر يوم حتى عمر سنة، من ضمن الهبة المقدمة من بلجيكا. وقام أعضاء النادي بتوزيعها مباشرة على العائلات، في إطار نشاطاته الاجتماعية والإنسانية.

 الاحتكار سمة قديمة من سمات الاقتصاد اللبناني، لا سيّما وأنه يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، وحين يتعلّق الأمر بالقطاع الصحي والدوائي فإن الأمر معقد جدًا.

هناك خمس شركات من بينها “فتال” و”أبيلا” تسيطر اليوم على استيراد حليب الرضّع.. هؤلاء الكبار يتحكمون في حياة أضعف فئة في البلد

حتى قبل الأزمة كانت الأسعار في هذا القطاع باهظة، في 2010 أجرت وزارة الصحة اللبنانية مقارنة بين أسعار الأدوية في لبنان وبينها في الأردن والسعودية فتبين أن الأسعار في لبنان تفوق الكلفة في البلدين بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 170%. في البلاد التي تسيطر فيها خمس شركات على أكثر من 50% من سوق الدواء، وقد أدّت خلطة الاحتكار وغياب الرقابة والهيمنة على السوق إلى فشل تصنيع المستلزمات الدوائية محليًا (فواز طرابلسي، “الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان”، ص. 97).

من بين الشركات التي يذكرها طرابلسي “فتّال” و”أبيلا”، وهما اثنتان من خمس تسيطر اليوم على استيراد حليب الرضّع إلى جانب “مرساكو”، و”مستودع أدوية الاتحاد” وشركة “أومنيفارما”. هؤلاء الكبار يتحكمون في حياة أضعف فئة في البلد. 

تأخذ قصة حليب الأطفال في لبنان منذ بداية الأزمة حتى اللحظة التي تقترب فيها احتمالات انعقاد الانتخابات أبعادًا مختلفة، تتشابك فيها وجوه السياسي والاقتصادي والصحي والاجتماعي. قضية من السهل استغلالها ومن الصعب حلها، تمارس فيها النوادي الأرستقراطية إحسانها مثلما تفعل الدول، أرض مناسبة ومجدية لممارسة الاحتكار والضغط والدعاية والحملات. وهل من شيء مخيف أكثر من صراخ رضيع يتضوّر جوعًا إلا العجز عن سدّ جوعه؟