fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

أين ذهبت الطوابع الملكية؟

الرواية المتداولة، أن هذه الطوابع «سرقت» من مخزن هيئة المساحة بين عامي 1999 و2000 عبر موظف هناك حينها، وبيعت أكثر من مرة، حتى ظهرت مؤخرًا
ــــــــ ماضي مستمر
22 فبراير 2023

بين السابع عشر والواحد والعشرين من أكتوبر الماضي، عقدت دار مزادات «أوكشن شاوس جارتنر» الألمانية، مزادها الرابع والخمسين للطوابع. المزاد الدوري حدث به هذه المرة شئ غير معتاد؛ فقبل موعد المزاد، أصدرت الدار الكتالوج الخاص بالمزاد، والذي احتوى على طوابع بريد من فئات متنوعة ومن حول العالم، بينهم ثلاث مجموعات من الطوابع المصرية الملكية، إحدى المجموعات وضعت على غلاف الكتالوج نظرا لأهميتها، لكن قبل عقد المزاد، سحبت الدار الطوابع المصرية من المزاد، بعد تحذيرات أن مجموعتين من هذه الطوابع «مسروقة». 

المجموعة الأولى بالمزاد كانت لطوابع دمغة تعود لعام 1866، والمجموعة الثانية للملك فاروق في شبابه سنة 1939، والمجموعة الثالثة أيضًا للملك فاروق في شبابه، وهي الموجودة على غلاف الكتالوج، ولكنها تعود للعام 1940. المجموعة الثانية والثالثة من الطوابع «مسروقة»، بحسب عدد من المصادر المتخصصة والمطلعة على الأمر. هذه الطوابع تعد طوابع أثرية وتراثية، مكانها العرض في متحف، وليس البيع في المزادات، حسبما أكدت المصادر. 

قبل سحب المجموعتين من العرض، تلقت الدار الألمانية رسائل تحذيرية بشكل فردي من خبراء في الطوابع، أبرزهم كان جريجوري تود الخبير الإنجليزي المقيم في بريطانيا والمهتم بالطوابع المصرية، وذلك بحسب ما أكده كلا من، كريم الشاذلي، مهندس معماري وهاوي جمع الطوابع مقيم في القاهرة،  وعاطف أرتمان ستامبس، مثلما يفضل أن يسمي نفسه، وهو أيضًا واحد من قدامى هواة جمع الطوابع، مقيم في الخارج.

 راسلتُ تود، لكنه لم يجيب على أسئلتي حتى لحظة كتابة هذه القصة، لكنني اطلعت على محتوى الإيميل الذي أرسله تود للدار الألمانية، وينوه فيه أن «مجموعات الطوابع المصرية هي ضمن الأرشيف الذي سرق من هيئة المساحة المصرية»، مضيفًا أن هذه الطوابع غير مسجلة ولم تظهر بشكل رسمي على الإطلاق، وأن عدد من المزادات الكبرى، بخلاف «ايجيبت ستادي سيركل»، وهي واحدة من أكبر المجموعات المهتمة بالطوابع المصرية في العالم، ومقرها أيضًا في بريطانيا، لن توقع لشراء هذه الطوابع ولن تعرضها في مزاداتها.

استجابت الدار الألمانية وسحبت الطوابع. كانت مجموعة «ايجيبت ستادي سيركل» قد حذرت أعضائها من تداول هذه الطوابع في دوريتها في ديسمبر قبل الماضي، بحسب صورة من هذا التحذير، اطلعت عليها قبل شهور.

ظهور أول

المرة الأولى التي ظهرت فيها سيرة هذه الطوابع «المسروقة»، كانت قبل أكثر من عام. على مدار تلك الفترة، اشتبكت مع تلك القصة وتركتها أكثر من مرة. لكن في رحلتي تلك، وضح أربعة من هواة جمع الطوابع، ليس فقط قصة الطوابع، لكن قصة هذا الشغف الكبير بجمع الطوابع، وهذا العالم المثير للغاية، الذي لا يعرف معظمنا عنه شيئًا. 

كان التحذير الأول حول هذه الطوابع، بعد ظهورها في الأسواق، وبدء تداولها بشكل غير رسمي، في نوفمبر 2021، على صفحة مجموعة «المغامرون الخمسة» على موقع فيسبوك، وهي مجموعة تضم آلاف هواة جمع الطوابع في مصر، وأحد مؤسسيها هو المهندس كريم الشاذلي، أحد مصادر هذه القصة.

 قال تحذير نوفمبر «كان هناك الكثير من الشائعات في مجتمع هواة جمع الطوابع في مصر في الشهرين الماضيين عن وجود عدة صناديق في السوق المحلي والتي تحتوي على شيتات غير مكتشفة /غير مسجلة غير معلومة المصدر، ومعظمها ينتمي إلى العهد الملكي»، مضيفًا أنه علم أن هذه الطوابع بعضها يعود إلى عام 1925، حين كانت هيئة المساحة المصرية هي التي تقوم بطباعة الطوابع، قبل إنشاء هيئة البريد بداية الستينات، وأن هذه الطوابع، على الأرجح تنتمي لأرشيف مطابع البريد المصري، أي الحكومة المصرية، محذرا من تداولها لحين إثبات خروجها للسوق بشكل قانوني. 

لاحقًا شرع التداول لهذه الطوابع في التوسع، وفي المقابل أيضًا بدأ عدد من الهواة في إثارة الأمر على مواقع التواصل الإجتماعي، فأصدرت الجمعية المصرية لهواة جمع طوابع البريد، وهي جمعية أهلية تمثل الهواية، بيانًا رسميًا، في منتصف نوفمبر 2021، كان القصد منه نفي أن الطوابع «مسروقة»، لكن مع ذلك أكد البيان، بشكل غير مباشر، أن طريقة ظهور هذه الطوابع في الأسواق «غير واضحة».

أكدت المصادر الأربعة من الهواة أن الطوابع ليست مسجلة في أي كتالوجات رسمية أو مستقلة للطوابع المصرية، ورجحوا جميعا أن مجلس إدارة الجمعية لديه معلومات أكثر عن الأمر، لكنه لا يفصح عنها ..

أكد البيان على عدة أمور: أن الطوابع المتداولة فعلا طبعت في هيئة المساحة المصرية، وأنها تعود للعهد الملكي، وأنه حين أجري الجرد لنقل ملكية الطوابع من هيئة المساحة لهيئة البريد، لم تدرج هذه الطوابع. ورجح البيان: «إن حدث فإنه من المرجح أن تاريخ هذا التسرب (ان كان قد حدث) من زمن بعيد.. احتمال أن يكون أحد الهواة الكبار (أو المسئولين) قد استطاع الحصول عليها (بطريقة ما) فى تاريخ قديم يعود إلى زمن بعيد، وقام بطرحها للبيع الآن  بنفسه أو عن طريق الورثة، لكن عن طريق وسطاء وبدون ذكر اسم المالك الحقيقى». 

صدر البيان باسم رئيس مجلس إدارة الجمعية شريف سمرة. والذي قال لي في اتصال هاتفي لاحقًا -متحفظًا بشدة على تسمية الطوابع المتداولة في الأسواق بالـ «مسروقة»- «احنا لسة بنجمع معلومات.. ومانقدرش نعرف هي طالعة منين (الطوابع المتداولة)»، مضيفًا أن الجمعية ليست جهة تحقيق، لكنهم سيصدرون بيانًا رسميًا بعد جمع المعلومات. هذا البيان لم يصدر حتى لحظة كتابة هذه السطور. 

أكد شريف سمرة، في مكالمتنا الأولى قبل شهور، أن الطوابع «طالعة من أرشيف طبعاً، لكن طلعت ازاي؟ هل طلعت عن طريق البيع؟ هل الهيئة باعت كراتين؟ هل حد حط ايده عليها خلسة؟ هل فيه جهة عملتلها جرد؟». بحسب سمرة، الجمعية خاطبت هيئة البريد حول إن كانت تلك الطوابع خرجت من أرشيفها، وقامت هيئة البريد بجرد المطابع والمتحف ونفت خروجها من جهتهم، لكنها لم تخاطب هيئة المساحة، رغم أن هيئة المساحة هي الجهة المتداول اسمها بالفعل في هذا الأمر.

في المقابل، أكدت المصادر الأربعة من الهواة أن الطوابع ليست مسجلة في أي كتالوجات رسمية أو مستقلة للطوابع المصرية، ورجحوا جميعا أن مجلس إدارة الجمعية لديه معلومات أكثر عن الأمر، لكنه لا يفصح عنها. 

في بداية الأمر، بحسب الشاذلي، عقدت الجمعية عدة جلسات استماع، وعدوا بتوصيل الأمر لجهات مسؤولة، بالذات بعد ظهور الطوابع في دار مزادات سويسرية. وتقدم بالفعل عدد من الهواة بشكاوى وبلاغات لهيئة الرقابة الإدارية، بحسب الشاذلي وعاطف، والأخير أكد أن أفراد من الهيئة تواصلوا معه بشأن تلك الطوابع، وبالتالي هم على علم بالأمر.

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

جولات بحثية

الطوابع المتداولة هي طوابع نادرة، ويرجح أن الكراتين التي سربت تحتوي على آلاف الشيتات، والشيت الواحد قد يحتوي على ما بين 50 – 100 طابع، وقيمتها ملايين الدولارات، حسبما رجحت ثلاثة مصادر من الهواة. واحد من قدامى الهواة، فضل عدم ذكر اسمه، قال أنه وفي أثناء مهمة رسمية قام بها في السابق، اطلع بالفعل على أرشيف الطوابع الذي كان في مخزن هيئة المساحة، قبل 14 عامًا، وأكد أن بعض الطوابع المتداولة في السوق السوداء كانت ضمن هذا الأرشيف، وأنه كان هناك نية لتوثيقها، لكن ذلك لم يحدث. 

كلما كانت الطوابع نادرة كلما ارتفعت قيمتها، فمثلًا الطوابع غير المشرشرة عالية القيمة، وكذلك النسخ التجريبية من الشيتات السابقة على الطباعة، والتي ربما تحتوي على أخطاء أو ملاحظات أو إمضاءات الموظفين للموافقة أو الرفض، هكذا أوضح الشاذلي، ومصدر ثاني من الهواة فضل عدم ذكر اسمه، سبب ارتفاع قيمة الطوابع «المسروقة». هذه الطوابع لم تصدر أبدًا للبيع بشكل رسمي في حينها، وربما صدر كثير منها في صورة هدايا، ما يجعلها نادرة، لكن في نفس الوقت غير صالحة للتداول، بحسب المصدرين. 

الهاوي الثاني الذي فضل عدم ذكر اسمه، وهو أيضًا عارض دولي ومحكم معتمد في مسابقات الطوابع، ما يعني أنه لديه خبرة كبيرة في مجال الطوابع، قال:«الأرشيف بتاع هيئة المساحة راح فين؟ لو مراحش لهيئة البريد؟» مؤكدًا على القيمة المالية والتاريخية الكبيرة للطوابع «المسروقة». 

المصدر الأول من الهواة، الذي سبق واطلع على كراتين هيئة المساحة، التي وجدت طريقها للسوق السوداء، أكد في السابق أن أرشيف هيئة المساحة يضم، بخلاف الطوابع، أوراق وخرائط، وأن كل ذلك له مدد حفظ قانونية، وبعد انتهاء تلك المدد، إما تباع بشكل علني ورسمي، أو تعرض في المتحف، مؤكدًا أن هذه الطوابع المتداولة، هي ممتلكات دولة وأموال عامة، ولا يجب عرضها للبيع أو شرائها. 

كان حديث سمرة وبياناته الرسمية تقول أنه لا يوجد دليل مادي على وجود الطوابع، «ماحدش مسكها بايده»، مثلما أوضح في اتصالنا السابق، وأن كل المتداول هو بشكل الكتروني، فقررنا أنا والمهندس الشاذلي البحث عن الدليل المادي، ربما نجد الطوابع تباع في الأسواق المعروفة ببيع الطوابع.

أول طابع بريد طبع في العالم كان في بريطانيا في 1840، وأول طابع مصري كان في 1866. الجمعية المصرية لهواة جمع الطوابع، هي الأقدم والتي تأسست في عام 1929، ونظمت أول معرض لطوابع البريد في 1946، وحظت الهواية والجمعية على اهتمام كبير، حينها، نظرًا لحب الملك فؤاد ووريثه فاروق بجمع الطوابع النادرة

السوق الأشهر لبيع الطوابع، وهو ليس سوقًا بالمعنى الحرفي للكلمة، هو أقرب لمكان لتبادل الطوابع وليس بيعها، ويقع في شارع الألفي، أحد الشوارع المتفرعة من شارع عماد الدين، في وسط القاهرة. في هذه المنطقة المحيطة بسينما ديانا والقريبة من مقهى «الأمريكيين» في شارع 26 يوليو يوجد سوق كبير للأنتيكات والتحف، يعقد يوم السبت من كل أسبوع، يحتوي هذا السوق أحيانًا على طوابع قديمة، لكن مركز الطوابع في الجهة المقابلة في الثلاث مقاهي المتجاورة في شارع الألفي. 

كل سبت، يأتي التجار والهواة، الذين اتفقوا بالفعل عبر الهواتف والإنترنت لبيع واستلام الطوابع، الجالسون يحملون حقائب سامسونايت أو أظرف لحفظ الطوابع، نادرًا ما تعرض الطوابع للبيع في هذه المقاهي، وبالتالي لم يكن هذا مكانًا نجد فيه الطوابع المسروقة. بشكل عام، مقارنة بسوق الأنتيكات المقابل له، سوق الطوابع هادئ، ليس له ولتجاره أو زبائنه حس. 

اقترح علينا أحد الهواة البحث في سوق الجمعة، بالطبع كل شئ يمكننا أن نجده في سوق الجمعة بحق. حين سرقت دراجة صديقتي، قال لها الضابط وهي تحرر محضر شرطة، أن تذهب لسوق الجمعة لتجد دراجتها، حيث تباع كل الدراجات المسروقة. قررنا أنا والمهندس الشاذلي زيارة سوق الجمعة. المدخل يبدأ من ناحية ميدان السيدة عائشة، وسط المباني والمقابر المزالة في «خطط التطوير». كان السوق قد أزيل معظمه، ونقل بعضه إلى سوق التونسي، الذي أنشأته الحكومة، في موقع قريب، لباعة سوق الجمعة الجائلين. البعض ذهب للسوق الجديد بالفعل، لكن سوق الجمعة استطاع أن يجد طريقه من جديد. 

سرنا نسأل ونبحث عن سوق الأوراق والكتب والطوابع، كـ «تمويه». قال لنا أحد الباعة أن الطوابع تباع في نهاية السوق. في الطريق وجدنا اثنين من البائعين فقط لديهم طوابع قديمة، لم يكن من بينها ما نبحث عنه. كان هذان البائعان هما من تبقى من باعة الطوابع عند فض السوق. لكن ربما نجد طوابع في سوق التونسي الحكومي، ركبنا توك توك ووصلنا السوق المنظم بعناية في محال تبيع كل شئ من أثاث قديم وأجهزة الكترونية قديمة وتليفزيونات وتليفونات مستعملة ودراجات. كلما سألنا عن الطوابع، كانت الإجابة «أم مصطفى» في البلوك الأول. 

أم مصطفى «معلمة» كما يقول الكتاب، شخصية قوية ولها طلة، مخيفة بعض الشئ لكنها في نفس الوقت ظريفة، قبل أن تأتي أم مصطفى عرض علينا البائع في محلها ما لديه من طوابع، لم نجد الطوابع المنشودة، لكنني بالصدفة قابلت صديقة تشتري الأنتيكات، واشتريت أنا اعلان كوكا كولا قديم على شكل غطاء زجاجة. كان جليًا أننا لن نجد الطوابع بهذه السهولة في الأسواق، وأنها تباع فقط على الإنترنت.

حضارة في 2 سم

طوال رحلة الطوابع تلك كان لدي سؤال دائم في رأسي: ما سر كل هذه الجلبة حول هواية جمع الطوابع هذه. أجاب المهندس الشاذلي عن هذا السؤال، قال «أنا بابقى ماسك جزء من التاريخ في ايدي.. ورقة 2 سم في 2 سم، الدول بتبذل مجهود وعناية عشان تحط أفكار في الورقة دي.. حضارة وثقافة وفن». أضاف الشاذلي، الذي يجمع الطوابع منذ أكثر من ثلاثين عامًا، شأنه شأن جميع المصادر التي تحدثت في هذه القصة، أنه عرف عن العالم من خلال الطوابع، «تاريخ وجغرافيا وأحداث مهمة». 

أول طابع بريد طبع في العالم كان في بريطانيا في 1840، وأول طابع مصري كان في 1866. الجمعية المصرية لهواة جمع الطوابع، هي الأقدم والتي تأسست في عام 1929، ونظمت أول معرض لطوابع البريد في 1946، وحظت الهواية والجمعية على اهتمام كبير، حينها، نظرًا لحب الملك فؤاد ووريثه فاروق بجمع الطوابع النادرة. بخلاف الجمعية، شبه الرسمية، هناك نوادي أصغر للهواة، منها نادي الرواد المصري

«بنسبة ما كل الهواة يعرفوا بعض، ولو أنا معرفش حد، هابقى عارف حد يعرفه. أنا مثلا عارف الهواة في المستوى المحلي وعارف عدد من الهواة البارزين في الدول العربية وفي العالم، بالذات الدواير اللي بنتقاطع فيها مع بعض، زي مجموعة المغامرون الخمسة عليها أكتر من 7 آلاف عضو.. الهواة اللي مهتمين بنفس نوع الطوابع، بيعرفوا بعض، زي مثلًا الهواة المهتمين بالطوابع المصرية، أو المهتمين بالطيور أو الجمال أو السكك الحديد.. أنا مثلًا مهتم بجمع طوابع في موضوعات مختلفة». يشرح الشاذلي، مضيفا أنه لديه على سبيل المثال، اهتمام بالطوابع التي صدرت بمناسبة حملات معينة، بعضها دولي، فمثلًا الأمم المتحدة توجه الدول كل عام بإصدار طوابع في إطار حملات معينة، مثل مكافحة الملاريا أو ضد التمييز العنصري.

يتم تداول الطوابع عبر ثلاثة طرق: الطريق الطبيعي العادي بشراء طوابع للمراسلات من مكاتب البريد، أو مكاتب البريد الإقليمية أو الدولية، وهناك الطريق الأكثر استخدامًا وهو مواقع التواصل الاجتماعي، والطريق الثالث هو أندية المراسلة بين الهواة في دول مختلفة

يحب الشاذلي جمع الطوابع كهواية، لكن بعض الهواة يجمعون الطوابع كوسيلة للادخار أو للاستثمار، خاصة أن هناك من الهواة من يضع ملايين في الطوابع، لبيعها مع الوقت أو توريثها، حين يزيد عمرها وندرتها وبالتالي قيمتها، لذلك تعرض الطوابع في المزادات. الطوابع أنواع، الطوابع العادية التقليدية والطوابع الجوية والطوابع التذكارية الخاصة بمناسبات معينة، مثلما وضح لي الشاذلي. 

أحد الهواة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أعطاني أمثلة أخرى على الطوابع التذكارية، مثل طوابع أصدرتها اليونسكو تحذر من تهجير النوبة ومن غرق الآثار في أثناء بناء السد العالي في الستينات، أو طوابع تحمل صور شخصيات بارزة في مناسبات تخصهم، مثل الطوابع التي حملت صورة سيد درويش في مئويته.  

عادة ما يتم تداول الطوابع عبر ثلاثة طرق: الطريق الطبيعي العادي بشراء طوابع للمراسلات من مكاتب البريد، أو مكاتب البريد الإقليمية أو الدولية، وهناك الطريق الأكثر استخدامًا وهو مواقع التواصل الاجتماعي، والطريق الثالث هو أندية المراسلة بين الهواة في دول مختلفة. ويعتمد بيع الطوابع القديمة على سمعة التجار في السوق وخبرتهم، يؤكد الشاذلي على أن ليس كل الباعة تجار، فالتاجر يجب أن يكون ذو خبرة وسمعة طيبة، لكن الهاوي عدته ملقاط (لمسك الطوابع بحرص) وعدسة مكبرة (للتمكن من رؤية الفنيات والكتابات الصغيرة على الطوابع) وألبومات حفظ الطوابع.  

كلما ندرت الطوابع كلما زادت قيمتها، يحكي الشاذلي مثالًا غريبًا على هذه الأمر، أنه حين افتتحت مصر قناة السويس الجديدة في 2015، صدرت طوابع بريد خاصة احتفالًا بهذه المناسبة، وتبين أن المرسوم على الطوابع هي قناة بنما بدلا من قناة السويس، «كانت فضيحة واضطروا يسحبوا الطوابع. المصمم نزل صورة من جوجل وعمل الطابع.. بس دلوقتي الطابع ده عشان ندرته تبلغ قيمته 500 جنيه». 

تُصدر دول العالم عبر أجهزتها الحكومية كتالوجات لكل الطوابع التي أصدرتها، أما في مصر، أصدرت هيئة البريد كتالوجات محدودة، لكنها ليست كاملة. أما الكتالوجات الكاملة، والمسجل فيها جميع الطوابع التي صدرت في تاريخ مصر، هي كتالوجات خاصة من خبراء في مجال الطوابع. يضيف الشاذلي أنه بسبب وجود الكتالوجات، وبسبب المجتمع المحدود نسبيًا للهواة، كان من السهل تمييز الطوابع الملكية «المسروقة».

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

السقوط من الدفاتر

عاطف، هاوي جمع الطوابع المقيم في الخارج، لديه أربعين سنة من الخبرة في الهواية، ورصيد من ملايين الطوابع، على حد قوله، كان أحد الأشخاص الذين حذروا دار المزادات الألمانية من بيع الطوابع المشبوهة. حكى عاطف أن الجمعية المصرية لهواة جمع طوابع البريد، هي التي في يدها حسم هذا الأمر، لكن الجمعية تبرر صمتها بأن هذا الأمر قد يؤثر على سمعة مصر في بيع وعرض الطوابع دوليًا.

الرواية المتداولة، بحسب عاطف، أن هذه الطوابع «سرقت» من مخزن هيئة المساحة بين عامي 1999 و2000 عبر موظف هناك حينها، وبيعت أكثر من مرة، حتى ظهرت مؤخرًا. اطلع عاطف شخصيًا على قائمة احتوت على مئات الشيتات المسروقة، بغرض عرضها للبيع، وكثير من هذه الشيتات كانت تجارب أولية بغرض عرضها على الملك فاروق، مضيفًا أنه رفض شراء هذه الطوابع، وحذر من بيعها، لكنه تحفظ على مشاركتي هذه القائمة.

في نهاية العام الماضي، وبعد حادثة دار المزادات الألمانية، اتصلت مجددًا بشريف سمرة، الذي أكد لي أن الطوابع ظهرت في أكثر من مزاد ثم تم سحبها. وأضاف سمرة أن الجمعية لم تصدر نتائج التحقيق الخاص بهم، لأنه لا يوجد دليل حتى الآن يثبت أين كانت هذه الطوابع، وبالتالي يتيح محاسبة المسئولين. مضيفًا أن كلا من هيئة البريد وهيئة المساحة قاما بإجراء جرد، ولم يجدا شيئا ناقصًا. 

وأكد سمرة أن المتداول في السوق هي مسودات طوابع وليست الطوابع النهائية، مرجحًا أنها ربما كانت «مركونة أو مهملة» في مخزن ما، فأخذها موظف سابق أو حالي وباعها دون علمه بقيمتها الحقيقية، ثم أعيد بيعها لاحقًا من ورثته. «الطوابع دي طوابع من الفترة الملكية.. هي انطبعت في هيئة المساحة، لكنها مش متسجلة.. مفيش حصر. في التلاتينات والأربعينات مكانش فيه تسجيل، دلوقتي فيه عشان الناس ابتدت تفكر في أهمية الموضوع ده. لو حاجة مش متسجلة في الدفاتر، هتثبتيها ازاي؟»، هكذا أوضح سمرة.

في اتصالات هاتفية بأكثر من مسئول بهيئة المساحة، أكد اثنين منهما، بشكل غير رسمي، أن تحقيقًا قد أجري داخليًا، قبل حوالي عام، وأُرسلت نتائجه إلى «الجهات المعنية»، وأكدا أن الهيئة لم تحتفظ أبدا بالطوابع التي قامت بطبعها لصالح أي جهات أخرى، بل كانت تسلم كل الطوابع والتجارب والمسودات

المصدر الأول من الهواة، الذي أكد أنه اطلع على الأرشيف حين كان بحوزة هيئة المساحة، أوضح أن الطريق الطبيعي للتعامل مع الطوابع أو أي وثائق رسمية، بعد انتهاء مدد الحفظ القانونية وهي تترواح ما بين 10 أو 15 أو 50 سنة، هي أن الجهة المالكة للأرشيف تشكل لجنة فحص، لتقرر أي محفوظات تبقى في الأرشيف وأيهم يباع، على أن يتم البيع في مزاد علني رسمي عبر وزارة المالية، وربما تقرر لجنة الفحص التخلص من المحفوظات عبر حرقها، وقد تقرر نشرها للعامة.

في عهد الملك فاروق، كانت هيئة المساحة تطبع إصدارات خاصة، له فقط وليست للبيع، وحين طرد «الضباط الأحرار» فاروق من مصر، صودرت الطوابع التي كانت بحوزته، وبيعت في مزادات رسمية، بحسب الهاوي المطلع على الأرشيف، ما يرجح أن الطوابع المتداولة، غير المسجلة «مسروقة». ورجح المصدر أيضا خروج هذه الطوابع «عبر موظفين في هيئة المساحة». 

في اتصالات هاتفية بأكثر من مسئول بهيئة المساحة، أكد اثنين منهما، بشكل غير رسمي، أن تحقيقًا قد أجري داخليًا، قبل حوالي عام، وأُرسلت نتائجه إلى «الجهات المعنية»، وأكدا أن الهيئة لم تحتفظ أبدا بالطوابع التي قامت بطبعها لصالح أي جهات أخرى، بل كانت تسلم كل الطوابع والتجارب والمسودات. لكن موظفي الهيئة أكدا أنهما ليسا مصرح لهما التصريح للإعلام بشكل رسمي، لذلك اتصلت بمكتب مدير الهيئة المهندس أيمن عبد السلام، وتركت اسمي وهاتفي وجهة نشر التقرير، وموضوعه وموضوع سؤالي الصحفي، لكن لم يرد منه أي تعليق حتى نشر التقرير. 

في ردهم على إيميل مني لسؤالهم عن سبب سحب الطوابع، قالت السيدة ستيفاني فاكلمان، من إدارة دار المزادات الألمانية، أن الدار حصلت على الطوابع من زبون دائم لديهم، لم تسميه، وأنهم لم يشتروا تلك الطوابع، لكنهم فقط كانوا سيعرضونها للبيع. وأضافت، أن سبب سحب الطوابع هو علمهم بأن «مصدرها مشبوه». 

«لو فيه جوابات من جهة حكومية هيتمنع بيع الطوابع دي في المزادات»، هكذا أكد أحد هواة جمع الطوابع. لم تصدر هيئة المساحة المصرية أي بيان رسمي بنفي أو تأكيد حوزتها السابقة للطوابع، وسرقتها من مخازنها، ولم تعلن أي جهة رسمية، حتى الآن، فتح تحقيق في الطوابع «المشبوهة».