fbpx
المصدر: Yassine Jaï. تحت رخصة المشاع الإبداعي

عرب المعمل.. بورتريه لانفجار محتمل

حي بمدينة السويس محاصر دائمًا، بالفقر والقمامة والجرائم.. ولا يتوقف عن التمرد
18 فبراير 2021

عند دخولك للشارع الرئيسي الكبير، مدخل محافظة السويس للقادم من العاصمة (100 كيلو متر)، تجد في بدايته أكبر هايبر ماركت بالمحافظة والتابع للقوات المسلحة، ثم نادي”بدر” والمستشفى العسكري على اليمين، وفي مواجهتهم على اليسار مباني جامعة السويس، وبعد مئات الأمتار تقابل بعض المدارس الدولية والخاصة ثم مباني كلية الطب.

قبل أن تبدأ في المرور بمحاذاة شركات البترول هناك نقطة أمنية على اليمين تبدو كمدخل لقسم شرطة أو أحد المباني الحكومية المؤمنة، لكن بإمعان النظر تجد أن هذه النقطة الأمنية ما هي إلا بداية لشارع جانبي طويل هو مدخل لمنطقة سكنية. 

من بداية مدخل المحافظة حتى الوصول لتلك النقطة الأمنية توجد مداخل لأكثر من عشر مناطق سكنية ولا يوجد مثل ذلك التواجد الأمني.

لماذا هذه المنطقة تحديداً؟ لأنها.. عرب المعمل.

روائح وأنهار

مع الاقتراب أكثر وتجاوز النقطة الأمنية، يصدمك مدخل المدينة بالرائحة القوية. تستقبلك الرائحة قبل أن يستقبلك المشهد. واحدة من أقوى وأسوأ الروائح التي قد تقابلك في حياتك فقط إن كنت سيء الحظ. تفهم سر الرائحة بعد ظهور التلال، تلال تتطور إلى جبال من القمامة المتنوعة الأنواع، ما بين طازجة ومتحللة ومحترقة، تخترقها أنهار من مياه المجاري والصرف الصحي، بؤر دخانية كل عدة أمتار وجزء من كوبري قديم غير مكتمل في الخلفية لتكتمل عبثية المشهد. 

مبدئياً ستجتاز هذه المغامرة صباحاً، فبمجرد هبوط الليل سيكون دخول هذه المنطقة غير محمود العواقب. في الصباح أيضاً تواجهك بعض المخاطر، الكلاب على سبيل المثال، فكلاب عرب المعمل مختلفة، متسخة للغاية وتبدو كالمحترقة، نحيلة وغالباً مصابة، وعلى قدر محترم من الشراسة والعدوانية.

لماذا عرب المعمل الآن؟

“عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية”، “عيش .. حرية ..كرامة إنسانية”، هكذا كانت هتافات المتظاهرين السلميين في شوارع محافظة السويس في صباح الخامس والعشرين من يناير 2011 ، حيث كانت السويس كعادتها من أول إن لم تكن أول المشاركين في الأحداث الثورية، وحتى المعارك الحربية التي خاضتها الدولة المصرية. “المدينة الباسلة” هكذا تُسمى، طاف شبابها الشوارع مطالبين المواطنين بالانضمام إليهم “يا أهالينا إنضموا لينا” في ساعات الثورة الأولى قبل أن تعرف بعض المحافظات المصرية بداية هذا الحراك الشعبي من الأساس.

***

من قبل 2011، استجاب عشرات من شباب السويس لدعوات حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير منذ 2003 وما تلاها، ثم نشاطات صفحة كلنا خالد سعيد وبعض الأحزاب السياسية، لكن هذه الاستجابة لم تكن وليدة اللحظة كما يؤكد المحامي السويسي أحمد الكيلاني، إذ تظاهر العشرات عام 2005 أمام مديرية أمن السويس ومبنى ديوان عام المحافظة رفضاً لاستمرار نظام مبارك، كما نظمت الجمعية الوطنية للتغيير مؤتمراً جماهيرياً في مسرح الأربعين عام 2010 بحضور قيادات الجمعية ومنهم الدكتور حسن نافعة والدكتور عبد الجليل مصطفى. 

“هتفنا يسقط يسقط حسني مبارك عام 2007” يقولها الكيلاني والذي كان منسقاً لحركة كفاية بالمحافظة، قاصداً المظاهرة الكبيرة التي طافت شوارع المحافظة بعد إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات وتعديل المادتين 76 و77 من الدستور المصري، مؤكداً أن اللهجة الثورية في السويس كانت أعلى وأعنف ساعتها من العاصمة نفسها.

***
بعد السادسة مساءً بقليل بدأ تعامل الشرطة يأخذ منحنى أكثر عنفاً، فبعد أن كانوا يحاولون فض التظاهر برش المياه واستعمال الهراوات ومع اقتراب المتظاهرين من الوصول لقسم شرطة الأربعين، بدأت عمليات القبض العشوائي وعلا صوت إطلاق الخرطوش، وبعد بداية سماع صوت إطلاق الرصاص الحي بقليل، انطلقت صرخة مدوية من قلب التشابكات، “مكوة مااااااااااات”، ليلحقه شهيدين آخرين بنفس الليلة الدامية، ومع تجمهر الأهالي أمام المشرحة لاستلام جثامين ذويهم، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع للمرة الأولى بثورة 25 يناير 2011.

مصطفى رجب محمود الشهير بـ “مكوة” ابن “عرب المعمل” صاحب العشرين عاماً هو أول شهداء الثورة، بعد وفاة والده ترك التعليم والتحق بالعمل في شركة السويس للأسمنت ليتمكن من الإنفاق على والدته وشقيقاته الأربعة، خرج مع من خرجوا مستخدماً حنجرته آملاً في مستقبل أفضل لهذا البلد، وكانت النتيجة أن يفقد عمره لتصنع دماؤه ودماء من لحقوه لهب أيام الثورة الأولى.

عرب المعمل.. بورتريه لانفجار محتمل

المصدر: Hossam el-Hamalawy. تحت رخصة المشاع الإبداعي.

أسئلة بسيطة

من أجل التغيير قدمت عرب المعمل الشهيد الأول، ليلحقه آلاف من المحافظات المختلفة بين شهيد ومصاب، فما هي أوجه التغيير التي طالت تلك المنطقة العشوائية بعد سنوات عشر، خاصة بعد توجيه مليارات من الموازنة لبند البناء والعمران، منها بناء عاصمة جديدة، مدن جديدة، قطارات جديدة لتربط بين العاصمة الجديدة والمدن الجديدة؟

ماذا حدث لعرب المعمل خاصة بعد تصريح محافظ السويس السابق، اللواء أحمد حامد عام 2017 بأنه سيعلن في مطلع 2018 السويس بلا عشوائيات، وبعد توقيع محافظ السويس الحالي بنهاية 2019 اللواء عبد المجيد صقر مع مدير صندوق تطوير المناطق العشوائية بروتوكول تعاون لتطوير بعض المناطق بالمحافظة ومنها منطقة عرب المعمل بتكلفة 121 مليون جنيه، ومع الكثير من الوعود المعطاة والعديد من المشاريع القومية المليارية التي تم الإعلان عن البدء في تنفيذها؟

ما هو نصيب عرب المعمل من “كيكة التغيير” والتي كانت أول من دفع تكلفتها مقدماً، والتي لا تقدر بثمن؟

من أين يبدأ التغيير؟

التغيير يبدأ من التعليم.. صحيح؟

بمنطقة عرب المعمل مدرسة حكومية واحدة للتعليم الأساسي -المرحلتين الابتدائية والإعدادية- لم تكتفي قيادات التعليم بالمحافظة بكونها مدرسة واحدة وحكومية طالها كل ما طال التعليم الحكومي المصري من انهيار، بل تم تصنيفها كـ “قطاع ريفي ومناطق نائية”، بالرغم من بعدها الشديد عن القطاع الريفي الموجود بحي الجناين. و”عرب المعمل” تقع بحي عتاقة، حيث يصعب تصنيفها كمنطقة نائية لوقوعها على بعد كيلومترات قليلة من قلب المحافظة. 

يخبرنا الأستاذ أحمد فرحات مدرس اللغة العربية في إحدى مدارس محافظة السويس عن تصنيف “قطاع ريفي ومناطق نائية”.. “هو مخصص للمدارس التي يتم تكليف المدرسين -أي لا يمكنه تغيير مقر عمله- بها في عدة حالات، أولها حديث التخرج، حيث يقضي الخريج الجديد عامه الأول من عمله كمعلم تابع لوزارة التربية والتعليم في إحدى مدارس القطاع الريفي والمناطق النائية، أو في حالة اتخاذ مديرية التربية والتعليم بالمحافظة قراراً بعقاب أحد المعلمين ممن ارتكبوا أخطاء جسيمة، فيتم نقله لإحدى مدارس القطاع الريفي والمناطق النائية لمدة أقلها شهر وأقصاها ستة أشهر قبل العودة لمدرسته الأصلية”.

يبدو إذن أن المنفذ الوحيد لتعليم أبناء هذه المنطقة هو بمثابة سجن للمعلمين، يذهبون إليه مُكرهين ويحسبون الأيام والساعات المتبقية قبل العودة لمدارسهم الأصلية، أو حقل تجارب لحديثي التخرج عديمي الخبرة والممارسة.

ربما الصحة..؟

في عرب المعمل مركز طبي وحيد، يخبرنا عنه الدكتور أحمد وحيد الذي عمل به لمدة عام كامل بعد تخرجه من كلية الطب مباشرة. “المركز الطبي بمنطقة عرب المعمل عبارة عن مبنى من دورين، الدور الثاني عبارة عن استراحة للأطباء غير مجهزة ولا تصلح للمعيشة، أما الدور الأول فتجد به عدد من الغرف، عيادة بشرية وعيادة أسنان وصيدلية ومعمل تحاليل وغرفة لتسجيل المواليد كانت هي الوحيدة التي تعمل بشكل فعلي ومنتظم”.

مما لاحظه دكتور أحمد أن “الموظف المسئول عن تسجيل شهادات الميلاد كثيراً ما كان يتشاجر مع أهل المنطقة ممن يقدمون إلى المركز لتسجيل مواليدهم الجدد لأن الأسماء التي اختاروها لأبنائهم وبناتهم لم تكن تعجبه وكان يقترح عليهم أسماء بديلة، وكثيراً ما كانت تلك المشاجرات تتطور مع مشاجرات أخرى بين الأهالي من ناحية والفريق الطبي من ناحية أخرى بسبب نقص الإمكانيات إلى حدوث إصابات وتدخل الأمن لحماية العاملين بالمركز من فتك الأهالي”.

الدكتور وحيد لا يرى أن الأمر كان مقتصراً على المشاجرات، “في الأيام التي كانت تمر بسلام كانت سيدات المنطقة يتجمعن في باحة المركز، مصطحبات أطفالهن في تجمع عائلي يبدو بهيجًا.. أكثر من خمسين سيدة وما يناهز المائة طفل، السيدات يتحدثن جميعاً في نفس الوقت والأطفال بملابسهم القذرة وأيديهم ووجوهم المتربة، بألفاظهم النابية ومخاطهم المتدلي من أنوفهم يلعبون ويمرحون ويسبّون الدّين لبعضهم البعض ويدمرون كل ما تطاله أيديهم”.

عرب المعمل.. بورتريه لانفجار محتمل

منطقة عرب المعمل. المصدر: google maps

صعوبة العمل في أجواء مثل هذه لم تكن في التحدي الذي يواجهه الطبيب لإنقاذ حالات خطرة من الموت، بل كان في محاولة إنهاء تجمع كل هذا العدد من البشر في نفس الوقت في نفس المكان.. من يعلم ما الذي من الممكن أن يحدث؟

يكمل الدكتور أحمد وحيد “في ظل تعطل معظم أجهزة المركز والنقص الحاد في توفير الأدوية الأساسية وعدم وجود أطباء متخصصين بالمركز توصل العاملين بالمركز الطبي مع الأهالي لصيغة أكثر مسالمة للتعامل، وهي أن يدفع الأهالي التذاكر اللازمة لإجراء الكشف، ويقومون بالدخول للطبيب الذي يسمع الأعراض نفسها كل يوم من نفس الحالات، ليقوم بكتابة نفس المضاد الحيوي والمسكن، تصرف السيدة التذكرة من الصيدلية، تلقي بالمُسكن بالمنزل تحسباً لأي استخدام طارئ، وتقوم باستخدام كبسولات المضاد الحيوي عن طريق فتحها وتفريغها في غذاء الحيوانات المنزلية التي تقوم بتربيتها في حالة مرضها، البط والدجاج والحمام بجرعات قليلة، الخراف والجديان بجرعات متوسطة، والحمير و الأحصنة بجرعات كبيرة”.

***

وبالرغم من عدم فاعلية هذا المركز الطبي للغرض الذي تم إنشاؤه، إلا أنه قد يكون ذا فائدة على الأقل في أجواء الكورونا، على سبيل المثال في التوعية الطبية لسكان مثل تلك المناطق العشوائية ومكافحة العدوى وسط بؤرة سكانية يعمل معظم قاطنيها في فرز القمامة وتجارة الخردة.

لكن القائمين على الأمور كان لهم رأي آخر، بينما العالم يعاني من نقص أسرة العلاج وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب أعداد المصابين، تقرر وزارة الصحة هدم جميع المراكز الطبية على مستوى الجمهورية وإعادة بنائها بنية تطويرها. 

كأن المرضى قد قدموا الشكاوى و التظلمات في نوع السيراميك ولون دهان الحوائط ومقابض أبواب الغرف، توقيت مثالي لهدم وبناء، تحت ما يسمى “التأمين الصحى الشامل”، والذي سيزود المراكز الجديدة بكاميرات مراقبة وتكييفات مركزية وشبكة واي فاي تتيح للعاملين والمرضى الدخول على الإنترنت طوال فترة تواجدهم بالمكان.

مهن خطرة.. بطبيعة الحال

وبالرغم من تخصص معظم سكان المنطقة بمجال المخلفات، إلا أنه بمرور الوقت بدأت بعض المهن الأخرى تأخذ مكانها بالمنطقة، مثل السرقة وتجارة المخدرات. لا يحتاج الراغب وقتاً أو مجهوداً كبيراً للحصول على أي نوع من أي مخدر وبأي كمية، حتى بالمواسم التي تنشط فيها حملات أجهزة مكافحة المخدرات كالأعياد على سبيل المثال، ويصعب الحصول على المخدرات لراغبيها على مستوى المحافظة بأكملها، فإن كلمة السر هي عرب المعمل

بالتأكيد يحتاج الأمر قدراً كبيراً من الشجاعة لخوض مثل تلك مغامرة، ليس الأمر كما يتراءى لك من الوهلة الأولى مرتبطاً بوجود نقطة تمركز أمني على مدخل المنطقة، إطلاقاً، فعند دخولك وخروجك من المنطقة تكتشف أنه لا يتم تفتيش أحد، ولا حتى التحقق من هويته. هذا التواجد الأمني، لا يختلف كثيراً عن المدرسة والمركز الطبي. بوكس شرطة بجواره كرسيان من البلاستيك، أحدهما فارغ والآخر يشغله أمين شرطة يلعب في تليفونه المحمول، تلقي السلام، فيرد السلام، عند الدخول والخروج.

***

السرقة أيضاً تنضم لقائمة المهن التي تتمركز واحدة تلو الأخرى بهذه البؤرة والتي لم تظل عشوائية فقط، بل تحولت لعشوائية وغير آمنة أيضاً.

مكان عشوائي موبوء مليء بالكلاب المسعورة وتلال القمامة ومخازن الخردة والمخدرات والمسروقات أيضاً، ما الذي من الممكن أن يمنعه أن يتحول لمسرح جريمة يومي؟ وبالفعل تصبح الجرائم روتيناً يومياً عادياً بتلك المنطقة. عاطل يقوم بدهس جاره ثم يطعنه بسلاح أبيض حتى الموت بسبب خلافات بينهما وسط الطريق وسط النهار وسط المواطنين مثلاً، هذا ليس مثال تخيلي لكنه حادثة حقيقية حدثت بالفعل يوم 18 نوفمبر 2018، واحدة ضمن حوادث قتل كثيرة تحدث بالمنطقة. 

هذا غير حملات السرقة التي تخرج فيها عربات الكارو قاصدة منطقة معينة بحجة فرز القمامة وجمع قطع الخردة، ليتم اكتشاف إحدى السرقات الكبرى في صباح اليوم التالي.

الفوضى العارمة والإهمال الجسيم يتسببا في جرائم لا تقل بشاعة، حيث لقي الطفل محمد محمود البغدادي البالغ من العمر عشرة أعوام مصرعه بصباح الرابع عشر من يوليو 2017 صعقاً بالكهرباء خلال قيامه بشرب المياه من “كولدير” بالمنطقة بعد تلامس أسلاك كهربائية مكشوفة بالكولدير.

غليان مستمر

على الرغم من كل ذلك ستجد من أبناء عرب المعمل من تحدى كل ذلك، فدرس واجتهد حتى أصبح طبيباً أو مهندساً أو موظفاً بإحدى شركات البترول. بالرغم من كل ذلك تجد رجلاً بدوياً يطهر الشوارع بنفسه ويشرح للمواطنين أهمية الإجراءات الاحترازية في أيام الوباء. 

أيضًا تجد الوعي التمردي عند قطاعات من الشباب الجامعي المتعلم بالمنطقة، يجمعون أنفسهم ويجهزون اللافتات والشعارات وينزلون لميدان الأربعين بعد الدعوة لتظاهرات 20 سبتمبر 2019، لتكون النتيجة 182 معتقلاً من منطقة عرب المعمل وحدها مازالوا رهن الاعتقال حتى الآن من أصل 603 معتقلاً من الجمهورية كلها.

عرب المعمل.. بورتريه لانفجار محتمل

مظاهرات 20 سبتمبر 2019 في ميدان الأربعين. المصدر: يوتيوب

نفس الأمر بعد عام كامل، فقبل 20 سبتمبر 2020 بأيام يتم بث فيديو على الانترنت لمجموعة من الرجال يتحدثون عن كونهم غير منتمين لأي حزب أو فكر أو جماعة يدعون المصريين للخروج على السيسي بسبب الأوضاع الاقتصادية الضاغطة وأنهم من أبناء منطقة عرب المعمل بالسويس، ليتسبب ذلك الفيديو في حملة من الاعتقالات العشوائية بالمنطقة.

شملت الحملة كل من ظهر بالفيديو ومن لم يجدوه أثناء حملة الاعتقالات تم القبض على نساء عائلته، زوجته، أمه، شقيقاته من أجل الضغط عليه لتسليم نفسه، وكنتيجة لهذا الفيديو أيضاً كان التشديد الأمني بمحافظة السويس في تلك الأيام كثيفاً جداً وغير مسبوق، لدرجة تقليل فارق المسافة بين الكمين الأمني والذي يليه بعدة أمتار مما أدى لصعوبة الحركة.

هذا التشديد الأمني لم يمنع التحركات الثورية لأهل منطقة عرب المعمل عندما دخلت معدات الهيئة الهندسية للمنطقة لتنفيذ عقوبات المخالفات العقارية عن طريق الإزالة، فوقف الأهالي أمام البيوت لمنع هدمها، وتدخلت الشرطة في الأمر وبعد محاولات الفض واشتباكات الكر والفر انسحبت الشرطة وانسحبت المعدات وتم تكرار الأمر في عدد من المحافظات مثل دمياط و الإسكندرية وبورسعيد، ليتم بعد ذلك مد مهلة التصالح عدة مرات وتخفيف قيمتها وتأجيل أعمال الإزالات بباقي مناطق الجمهورية.

سلام ورحمة

والآن، بعد عشر سنوات من مقتل مصطفى رجب.. هل يبدو السؤال عن سبب قتله سؤالًا ساذجًا؟ هل لو كان يعلم ابن عرب المعمل ذو العشرين ربيعاً ما كان سيؤول إليه الحال بعد عقد من الزمان كان سيظل عند نفس قراره لينزل للشارع وينادى بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية؟

على كل حال حان الخروج من عرب المعمل، وقبل أن تخرج لا تنسى الترحم على روح مصطفى ورفاقه، وعند المرور بنقطة التمركز الأمني على بوابة عرب المعمل لا تنسى إلقاء السلام على أمين الشرطة الجالس هناك، لأن رد السلام هو الفعل الوحيد الذي يقوم بأدائه، طوال ساعات عمله، بذلك المكان.