fbpx

الهروب من لعنة الأسماء

كان ظهور لعبة البندول المفاجيء بين أصابع الأطفال المصريين في نهايات 2017 محفوفاً بالمخاطر
6 أبريل 2023

منذ أيام، قبل غروب الشمس بساعة تقريباً، بينما كنت منهمكًا في خضم محاولة بائسة لترتيب سطح مكتبي الذي تتكوم فوقه الأشياء من جميع أنحاء الشقة كل عدة أيام قبل أن أقوم بإعادة ذلك الفعل التنظيمي، سمعت الأصوات تتعالى في شارعنا الهاديء الذي كان يلعب به صغيري يوسف ذو السنوات الثماني مع صديقين له يكبرانه بعامين بكرته الصفراء الجديدة، وفي الثواني التي انقضت بين انتقالي من المكتب لشباك الغرفة رسم خيالي سيناريو بناءًا على بعض الكلمات التي التقطتها أذناي مفاده أن أحد الجيران قد تشابك مع الأطفال لانزعاجه من لعبهم بالكرة أو أن الكرة قد اصطدمت بسيارته كما يحدث أحياناً. 

أفتح النافذة لأجد الأطفال الثلاثة يمررون الكرة بينهم في هدوء على بعد عدة أمتار من مصطفى، ساكن الدور الأرضي في العمارة المواجهة للعمارة التي أسكن بها، يقف حافي القدمين أمام مدخل العمارة يصرخ بوجوه خمسة أطفال يطالبونه بشيء يخصهم وهو يرفض إعطاوه لهم إلا بحضور أحد آبائهم، كانت زوجته المنتقبة وطفلتيه المحجبتين يتابعن صامتات من الشباك المطل على المشادة، أنادي على يوسف فيصعد.

أفهم من يوسف أنه وأصدقائه والكرة ليس لهم علاقة بالأمر، وأنهم فوجئوا بانقضاض الجار على هؤلاء الأطفال اللذين كانوا يلعبون بالبندول بجوار شقته، تلك اللعبة التي انتشرت بشوارع مصر انتشارًا سرطانيًا في الأشهر الأخيرة، تلك الطقطقة التي تسمعها في كل مكان والتي تنتج عن اصطدام كرتين بلاستيكتين صغيرتين متصلتان بحبل قصير بوسطه قطعة من البلاستيك، ينقض الجار على المجموعة المارة بالصدفة والتي قررت أن تقف بمنتصف رحلتها للقيام بذلك الطقس الغريب والمزعج ليخطف من بين أيديهم ثلاثة من البندولات ويخبرهم أنه قد حذرهم من اللعب بها بجوار شقته من قبل، وإن كانوا يريدون اللعب بها فليلعبوا بها أمام منازلهم وليس أمام منزله، يطلب يوسف معاودة النزول لإكمال اللعب مع صديقيه.

أن تنتهي الحكاية فور بدايتها  

في حال الاتفاق على تصنيف ذلك الجهاز أو التكوين باللعبة، فاللألعاب مسارات إذا جاز التعبير؛ تظهر، فتنتشر بمنحنى صاعد، ثم يهبط المنحنى حتى يصل لنقطة تأخذ فيها اللعبة الجديدة مكانها بين الألعاب القديمة إن حالفها الحظ، أو يهبط المنحنى لنقطة الصفر فتختفي. لكن الظهور المفاجيء لها بين أصابع الأطفال المصريين في نهايات 2017 كان محفوفاً بالمخاطر، ظهرت وبدأ منحنى الانتشار في الصعود، لكن ما تسبب في الهبوط السريع والحاسم لذلك المنحنى كان ذلك الغلاف السياسي المباشر المصاحب للأمر، التسمية وحدها كانت كفيلة بإزعاج السلطة المتربصة بأي تحرك معارض متوقع بعد بداية الإجراءات الإقتصادية العنيفة 2016، والتي أطلق عليها حينها أولى خطوات برنامج الإصلاح الشامل الاقتصاد المصري.

 ترتب بشكل مباشر وكنتيجة أولى لتعويم سعر صرف العملة المصرية أمام باقي العملات أن ينام المواطن ليلة الثالث من نوفمبر بذلك العام وسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري يتراوح بين الثماني والتسع جنيهات مصرية، ليجد نفسه صبيحة اليوم التالي أمام سعر صرف بين الثماني عشر والتسعة عشر جنيهاً.

الآن يناطح الدولار الواحد والثلاثين جنيهًا أثناء كتابة الموضوع بالمناسبة، وسبق قرار تحرير سعر الصرف الأخير وقف استيراد الكثر من السلع “الترفيهية” ومنها لعب الأطفال، الأمر الذي يبدو أنه دفع بالبندول مرة أخرى للظهور.

هل سيكون مفيدًا تذكر عصر مبارك الذي استلم السلطة عام 1981 وسعر صرف الدولار لا يتجاوز الثمانين قرشاً أي أقل من جنيه واحد وسلمها بعد ثلاثين عاماً وسعره خمسة جنيهات وثمانون قرشاً، خمسة جنيهات في ثلاثين عام، حقق النظام الحالي ضعفها في عامين، ربما لا، لأن المشكلة الأساسية تكمن في قيمة الدولار وليس فقط سعره، وقيمته التي أقصدها هنا هو حجم الاعتماد عليه، نسبة الاستيراد مقابل التصنيع، والترجمة الفعلية لهذه التفاصيل الرقمية الكثيرة، هي كارثة المواطن تلك الليلة في 2016 هي أنه نام، وعندما صحا كانت مدخراته في البنوك كما هي بالجنية المصرى، لكن قيمتها الشرائية قلت لأكثر من النصف.

ومع التخويف الإعلامي والمجتمعي وإحكام القبضة الأمنية ظل الغليان مكتوماً – ولازال – وتم نسب أي فكرة اعتراض على ما يحدث فوراً لسلسة التهم الجاهزة؛ نشر أخبار كاذبة بهدف تضليل وبلبلة الرأي العام وزلزلة الأوضاع المستقرة والإنتماء للجماعات الإرهابية المحظورة، من رحم تلك التفاصيل ظهرت اللعبة تحت إسم يشير لعضو جنسي بجسد الرئيس المصري، وكأنها تميمة سحرية كعرائس الفودو الشهيرة المرتبطة بالديانات الأفريقية القديمة التي كان السحر جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من طقوسها الغامضة، بينما يغرس الساحر الدبابيس بجسد تلك الدمية يعتقد أنه يقوم بتوصيل الألم لنفس الجزء من جسد الشخص المرغوب إيذاءه. 

هل كانت طقطقة الأطفال المستمرة بتلك اللعبة محاولة للإنتقام العاجز من ممثل السلطة اللذي أوصلهم لذلك الحال وهم لا يستطيعون الإعتراض ولو حتى بكتابة منشور على أي من وسائل التواصل الاجتماعي؟

بمجرد أن وصل اسم اللعبة إلى مسامع السلطات، أطلقت وزارة التربية والتعليم حملة موسعة بجميع مدارسها لجمع وحظر اللعبة ومعاقبة حامليها، ثم تدخلت وزارة الداخلية عبر إداراتها المختلفة لشن حملات موسعة لضبط وجمع وحظر آلاف القطع من اللعبة، بالإضافة لحامليها وبائعيها وموزعيها ..

على أي حال لم يستمر الأمر طويلاً، ويبدو أن أحد دبابيس الفودو قد بلغ هدفه بالفعل، فبمجرد أن وصل اسم اللعبة إلى مسامع السلطات، والذي يعني الشخص السخيف ثقيل الظل في ثقافة الإهانة الشعبية بالمناسبة، أطلقت وزارة التربية والتعليم حملة موسعة بجميع مدارسها لجمع وحظر اللعبة ومعاقبة حامليها، ثم تدخلت وزارة الداخلية شخصياً عبر إداراتها المختلفة لشن حملات موسعة لضبط وجمع وحظر آلاف القطع من اللعبة، بالإضافة لحامليها وبائعيها وموزعيها، ثم تم تعميم رواية خاصة انتشرت عبر منابر إعلامية مختلفة بإن هذه اللعبة يستخدمها الإخوان المسلمين في مسيراتهم المحدودة لتحذير بعضهم البعض من قدوم الشرطة من إتجاه معين ليتمكنوا من التفرق والهرب قبل مداهمة السلطات لهم.

لم يجرؤ أحد وقتها على الاعتراض أو حتى تحليل ومناقشة الأمر، التجرؤ على ذكر اسم اللعبة أصلًا كان مخاطرة غير مأمونة العواقب، مما دعا اليوتيوبر وليد عبد الرؤوف في الفيديو الذي نشره من سنوات خمس على صفحته الرسمية على موقع يوتيوب وحصل على عدد من المشاهدات يتجاوز السبعمائة وثلاثين ألفاً ليناقش الظاهرة – قبل الحملة الأمنية بالطبع- أن يناقش ظاهرة لم يمتلك الشجاعة الكافية –ولا يمكن لومه- لذكر اسمها، فذكر ان اسم اللعبة “ميدان السيسي” وأكد أن الجميع يعلم أن اسمها ليس كذلك. 

موقع “فرانس 24” نفسه قام بتغيير عنوان موضوع صحفي قد يكون الوحيد الذي تم نشره لملاحظة تلك الظاهرة في 2017 بعد أقل من 24 ساعة من نشر الموضوع، إذ نُشر تقرير فرانس 24 مساء الثامن من نوفمبر وقبل الثانية عشر ظهر التاسع من نوفمبر تم تعديل العنوان. بعدها بساعتين احتفى موقع القاهرة 24  المصري بما قام به فرانس 24 من تغيير للعنوان: “فرانس 24 يغير عنوان تقريره ذي الإيحاء الجنسي عن لعبة البندول بعد تعرضه لانتقادات حادة”، وكأنه تأكيد على انتصار الحملة الأمنية فرع اللجان الإليكترونية، اعتبر القاهرة 24 ذكر الموقع الفرنسي لإسم اللعبة المتداول في الشارع بالعنوان تصرف غير مهني صحفياً، لكنه لم يذكر على مقياس المهنية ما الذي حدث بعد تغيير الكلمة بالعنوان إلى كلمة “الطقطيقة” بدلاً من الكلمة المسيئة، لكنه أبقى عليها كما هي بنفس عدد مراتها بمتن التقرير، بالإضافة إلى الإبقاء على عدد من الفيديوهات المُتضمنة بالموضوع من موقع اليوتيوب لأطفال بأعمار مختلفة يستخدمون نفس اللفظ المسيء المقترب بشكل شديد الحساسية، من الذات الرئاسية.

أمريكا تسمح .. أمريكا تمنع

 اتضح أن الموضوع قديم، وله أصول، ومسار، وأن النقطة التي كنت أظنها إنطلاق أول لم تكن إلا محطة، إعادة إحياء لظاهرة كادت تختفي، ولا أحد يعرف بالتحديد لماذا عاودت الظهور بمصر خصوصاً وبذلك التوقيت بالتحديد، ولإن الكرتين البلاستيكتين المتصادمتين لم تكونا في الأصل من البلاستيك كما هو الحال الآن، بل كانتا من الزجاج فكان اصطدامهما يصدر صوتاً شبيهاً بالأجراس الكنائسية ويتم استخدامها أثناء بعض المناسبات الدينية وبشكل محدود للغاية قبل أن تتحول لظاهرة واسعة الانتشار بين أيدي أطفال المدارس بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا في ستينيات القرن العشرين انطلاقًا من ولاية أوهايو الأمريكية وتحديداً من مدينة ديلاوير، قبل أن يتم تجريمها و منع بيعها وصناعتها وتداولها وحيازتها 1970 من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية المنشأة من قبل تيودور روزفلت 1906 لتكون واحدة من أهم الإدارات الفيدرالية التنفيذية بالولايات المتحدة والتي تهتم بالخدمات الصحية المختلفة ومجالات حقوق الأنسان، بعد ورود عدة شكاوى وخطابات من ولايات مختلفة بإصابات متنوعة قد حدثت لأطفال في أعمار مختلفة لتناثر قطع الزجاج الناتجة عن تكسر الكرات عند زيادة السرعة المستخدمة في عملية طقطقة الكرات لإحداث الصوت.

من الزجاج إلى البلاستيك

بعد عشرين عاماً من المنع والمصادرة والتجريم وتحديداً عام 1990 كانت إعادة الإحياء الأولى من قبل بعض مصنعى الألعاب الأمريكيين اللذين قاموا بتغيير مادة صنع الكرات من الزجاج إلى البلاستيك، لتعاود ” الكليك كلاك” -وهو أحد أشهر أسماء لعبة البندول- الظهور في الأسواق وبين أيدي الأطفال، لكنها لم تلقى الرواج المطلوب لاعتبارها مصدرًا للإزعاج فعاودت الاختفاء، إختفاءاً لم يخلو من بعض المهووسين والمخلصين للعبة، ممن تركت في طفولتهم أثراً لم يمكنهم نسيانه فظلوا حتى وقتنا هذا يبحثون عن بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبادلاً للذكريات وعرضاً لبعض القطع النادرة المتبقية من الستينات، وحتى إقامة المزادات لإقتناء نوادرها.
ثم عاودت الظهور بقاهرة 2017 والذي تم السيطرة عليه لأسباب سياسية وليست صحية كما حدث بالولايات المتحدة وانجلترا، قبل أن تتحول الكليك كلاك عام 2022 في اندونيسيا إلى ” كاتو كاتو” أو ” لاتو-لاتو” لتشهد بعثها الجديد هناك، حيث يمكنك أن تجد عشرات الفيديوهات لمؤثرين أندونيسيين على يوتيوب تعلمك بسهولة شديدة وفي أقل من خمس دقائق، كيف يمكنك صناعة اللاتو-لاتو الخاصة بك في المنزل، وحتى على اليوتيوب المصري ستجد فيديوهات تعلمك كيف يمكن اللعب بالبندول، والذي يعرف أيضاً الآن بالبنادول والطقطيقة.

قرابة الستين عاماً هو فرق التوقيت بين انتشار اللعبة بأمريكا وبين انتشارها بمصر 2023، وخمسون عاماً هو عدد السنوات اللذين كانوا يخبروننا به ونحن أطفال بالمدارس أنه عدد السنوات التي تسبقنا بها دول الغرب علمياً وتكنولوجياً، رقمين قريبين، لكننا عندما كبرنا وفهمنا، عندما تجاوزنا المدارس والجامعات وسوق العمل وبعدما كنا أطفالاً صرنا مسؤلين عن أطفال، أدركنا أن الفجوة اتسعت، ولم تعد خمسين ولا ستين أرقاماً كافية لوصف الفجوة الزمنية التي تحولت لفوهة شاسعة.

كم أنت جميل يا لوكا

مساء الأمس، وقبل الصعود للبيت بعدة أمتار كان يسير في مواجهتي عدة أطفال، ستة أو سبعة في حوالي العاشرة أو أكبر بقليل تبدو من هيئتهم أنهم في طريق الذهاب أو العودة من درس تعليمي ما، أربعة منهم يحملون البنادولات ولا يكفون عن الطقطقة، لا أصعد وأغير طريقي نحوهم، بهدوء شديد أحاول بدء الحوار: ” يا شباب، كنت عاوز أسألكم عن اللعبة دي”، يبدأ الانسحاب التدريجي حتى لا أجد غيره في مواجهتي،” إسمها البنادولة يا عمو”، ” ملهاش إسم تاني؟”، “لأ”،”وانت اسمك ايه؟”، “لوكا، إسمي مالك، بس قولي يا لوكا”. 

فيما يقرب من ربع ساعة شرح لي فيها لوكا صاحب الشعر البني والثقة السابقة لعمره بأعوام أن المكسب يكون بمن يستطيع الإستمرار في الطقطقة المستمرة لمدة أطول، وحسب الإتفاق، أحيانًا يكون المكسب بحساب النقاط، وقد يجمع الفائز البنادولات الخاسرة في أوقات أخرى، ثم ابتسم بخبث فظهرت غمازتيه وخفض صوته فاضطررت للإنحناء أكثر حتى أسمع الكلمات النابتة بخفوت من بين شفتيه الشاحبتين: “عندي خمسة ف البيت غير دي، مخبيهم من أبويا”، سألته إن كان بإمكانه تعليمي اللعبة فطلب الرحيل كي لا يتأخر على موعد الدرس ووعدني أنه في المرة القادمة عندما نتقابل سيعلمني، نقل بنادولته الزرقاء من يمناه ليسراه ليصافحني بيمناه الصغيرة، وبعدما تحرك ظللت في مكاني أراقبه، وقبل أن يختفي من الشارع توقف دون أن يستدير، وبدأ في تحريك البنادولة.

الجينات تحكم.. ربما!

نفسياً الممنوع مرغوب، تمنع البيع تظهر فيديوهات التصنيع، والأمر لا يحتاج أكثر من حبل قصير وكرتين من البلاستيك، تطفو في عقلى المقولة الشعبية : ” مش فيزيا يعني ” كدلالة على سهولة الموضوع، لكن الحقيقة أن القصة كلها فيزياء، الفكرة الأساسية، البندول البسيط، قوانين السكون والحركة، ساد اعتقاد خاطيء لفترة أن الإنجليزي نيوتن هو المنفذ الأول للبندول، تدحضه العديد من المصادر التي تؤكد أن الهولندي كريستيان هوجنس، هو أول من طبق أفكار الإيطالي جاليليو جاليلي النظرية عملياً، لكنه أطلق  على النموذج خماسي الكرات اسم “مهد نيوتن”، وعلى ذكر المهد، يبدو إذن مهد البندول ليس أمريكياً كما قيل عندما انتشرت اللعبة في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، لا ليست مدينة ديلاوير هي مهده، ولا انجلترا ولا هولندا ولا حتى ايطاليا.

لم يكن ابن يونس المصري (950- 1009م) يتخيل، بالرغم من كونه الكاتب و الشاعر والموسيقى والمؤرخ وعالم الرياضيات وواحد من أهم علماء الفلك على مر العصور والذي يعتقد أنه قد سبق جاليليلو في الوصول للفكرة نفسها بأكثر من ستمائة عام، بل قام بتطبيقها عملياً بتنفيذ البندول أو رقّاص الساعة كما كان يسمى حينها، أنه بعد أكثر من ألف عام من وفاته سيدور أطفال نفس البلد، حاملين كل هذا التاريخ وأكثر في جيناتهم الإجبارية الموروثة، يلعبون بتلك اللعبة، فرادى وفي جماعات، هل كان عاديًا استعمالها سياسيًا بهذه الطريقة؟ ربما لا لكن أحيانًا تبدو تلك الأصوات التحذيرية كأنها تعبر عن عد عكسي لقنابل موقوتة بدواخلهم أوشكت على الإنفجار، ناقوس خطر أو طبول حرب تؤكد على تغيير فوضوي قادم، لينتشر ذلك الصوت حولك في كل مكان بأي ساعة من اليوم، ناشراً النشوة العجيبة لمحدثيه، ومسبباً الدهشة والإزعاج والحيرة، من حجم الانتشار المتزايد، بين أطفال الشوارع والمدارس والبيوت، الصوت في كل مكان، دقق السمع، انتظر، سيصلك لامحالة.

***

فتح يوسف الباب ليعاود النزول لصديقيه، وقبل أن يغلق الباب قام بمناداتي:
” بابا ، عارف البندول ده ؟ ”
” ماله يا حبيبي ؟ “
” أنا عارف إسمه الحقيقي ”
وأغلق الباب، وانطلق.