ما تبقى من ثورة ومدينة

الإنسان يقدر يميز التغيير اللي بيحصل حواليه من حاجات كتير

والصوت واحد من الحاجات دي.

لو تصورنا فكرة خيالية إننا قاعدين في صندوق مقفول لمدة عشر سنين،

وعلاقتنا بالعالم الخارجي، هي بس أصواته،

ياترى هنقدر نقول إيه اللي حصل؟ إيه اللي اتغير؟

أنا هدير المهدوي.

اليومين دول اتفرجت على فيديوهات كتيرة قديمة للثورة،

وأكتر من الصور، أصوات الفيديوهات دي رجعتني لـ ٢٠١١. 

سلمى: أعتقد الأصوات قطعاً حاجة محفزة للذاكرة،

يمكن هي أسهل، يعني التأثير بتاعها أسهل أو أقرب حتى  من الصور..

الصوت فيه حاجة بتخترق كدة، فيه حاجة بتهزك كدة،

زي الشم مثلا، زي الروايح، يعني هي حاجة بتغمرك تماما.

أعتقد إن الصورة لازم تبقي فجة قوي عشان تعمل نفس الـ trigger اللي الصوت ممكن يعمله ببساطة.

سلمى: هاللو

هدير: هاي إزيك

سلمى: سوري البيت مبهدل شوية

هدير: لأ خالص، أقلع هنا الجزمة؟

سلمى: يعني نظريا آه. 

أنا سلمى الطرزي بعمل حاجات، بعمل أشياء.

أشياء تتراوح من صناعة الأفلام لصناعة الصورة، للكتابة وكل ما هو بينهما يعني.

يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، كنت ساكنة في بيت قريب من شارع القصر العيني.

كنت نايمة في البيت الصبح لما سمعت صوت الثوار،

فتحت الشباك، شفت الشابات والشباب صامدين قدام مدرعات المياه والغاز،

نطيت جوة هدومي ونزلت، الصوت هو اللي صحاني، الصوت هو اللي نزلني. 

لأ من ٢٠١١ لحد ٢٠١٣ كانت الأصوات المميزة أكتر

هي الفترات اللي فيها اما مليونيات في الميدان، كان طول الوقت فيه ميكروفونات،

فيه أصوات الهتافات، فيه كمان أوقات الاشتباكات،

فيه صوت حجارة فيه صوت غاز، فيه صوت سراين، فيه صوت الشماريخ. 

النشاز بتاع أصوات المنصات وهي داخلة في بعضها،

٢٤ ساعة كدة، انتي لو انتي من بعيد مش سامعة أي حاجة،

سامعة سبع الاف حد بيهتف ببيتشات مختلفة في ميكروفونات وحشة،

ودوشة كتيرة جدا، ومع مثلا أصله معداش على مصر في الخلفية.

في ميدان التحرير كان عندي القدرة أميز الصوت اللي بتطلعه المدرعات قبل الهجوم مباشرة،

صوت السرينة المعين، كنت انبه صحابي. 

أصوات.. معرفش لو فاكرة، التخبيط على،

وقت الاشتباكات بالذات في موقعة الجمل،

لما الناس بدأت تخبط على الـ ..عواميد النور، كأنها طبول حرب، للتحفيز. 

مثلا في ماسبيرو،

في المظاهرة بتاعة الأقباط لما كانوا بيجروا،

بعدين عدوا على ما كانت رملة بولاق،

اللي هي مبقتش مثلث ماسبيرو،

بس هم كانوا بردو طالعين عالمحلات، لأنه كان فيه اللي هي اسمها رشا مجدي بتقوا انزلوا الحقوا الأقباط بيحاربوا المش عارفة ايه،

فكانوا واقفين كل واحد عالمحل بتاعه، عارفة البتاع الحديد،

الباب الحديد اللي بيتجر ده،

كانوا بعواميد معدن بيمشوها عالباب الحديد، فكانت بتعمل أصوات طرررررك..

كمان هي أصوات مميزة لأنها ماطلعتش كنتيجة ثانوية لفعل آخر، هي فعل معمول بقصد إنه يطلع صوت.

فيه أحداث في الثورة سمعتها ماشفتهاش، زي موقعة الجمل،

بعد ما اتحبست مع أصدقاء في مكان في وسط البلد.

بعد ما الهجوم على ميدان التحرير ابتدى،

اتحاصرنا في واحد من الممرات، وأنقذنا صاحب محل في الممر ده،

دخلنا وقفل. لساعات وساعات أنا بسمع زعيق وصريخ وضرب وتأوهات وبعدين صمت.

٣٠ يونيو ده كانت امتى؟

اه  ٢٠١٣ كانت بقت ملحمة الألعاب النارية.

من ٢٧ لـ ٣٠ يونيو كان فيه ألعاب نارية لا تنقطع.

أنا الحقيقة الألعاب النارية لغاية دلوقتي بتعملي بانيك كدة،

يعني مبتمتعش خالص بيها بل بـ cringe

فيه جزء من الحاجات له علاقة بالاشتباكات، 

لأن الألعاب النارية كانت بتستخدم كمان من الطرفين كأسلحة يعني، 

بس كمان بالنسبة لـ ٣٠ يونيو، اللي هي كانت من ٢٧ لـ ٣٠، 

كانت وقت مكثف من  الألعاب النارية التي لا تنقطع لمدة أربعة أيام، 

ورا بعض كتير، 

ودي كانت الخلفية بتاعة واحدة من أبشع موجات الاعتداء الجنسي في التحرير، 

ففي وسط ماحنا عمالين نطلع ناس وناس بتجري وناس بتقع مننا، 

وفيه ناس مننا بتتصاب وناس مننا بتتعور، 

وفيه ستات بنجيبهم من الأقسام متقلعين، 

وكل ده في الخلفية بتاعته ألعاب نارية لا تتوقف. 

بقالك قد ايه ساكنة في البيت ده يا سلمى؟ 

١٨ سنة، من ٢٠٠٣ 

واو، أوكيه. من أقدم سكان وسط البلد اللي أنا أعرفهم 

يعني اه.. من القدماء الجدد.

القدماء الجدد أوكيه  

من عشر سنين كان دايما فيه ثوار وفيه قوات أمن، 

كان سهل نسمع صوت مين بينتصر في كل معركة، 

كان سهل نسمع صوت القمع وصوت المقاومة. 

كان دايما فيه شد وجذب. 

أنا قعدت سنين بعدها بيتهيألي دايما إن فيه صوت مظاهرة جاي من الشارع، 

كأن صدى أصوات الثوار لسة بيرن. 

بعد عشر سنين اطردوا الثوار وفضلت الداخلية. 

بقى فيه بس صوت السراين، مش صوت الناس. 

صوت الصمت مكان كتير من القهاوي اللي اتقفلت، لأسباب أمنية. 

صوت المدينة اللي اتغيرت. 

احكيلي عن السراين 

حاجة بشعة جدا 

ولسة مش متعودة عليها؟ 

لأ هي مش مسألة اني مش متعودة عليها، هي مسألة إني متعودة عليها بزيادة، 

هي بالنسبة لي صادمة، 

يعني دي سرينة اسعاف، انما ساعات بيقى فيه سرينة المدرعة، بتبقى حاجة موترة جدا، 

يعني أنا أعتقد إن الصوت ده أكتر حاجة بتوترني في الدنيا 

بس هو زاد يا سلمى عن من عشر سنين؟ 

عن ٢٠١١؟  لأ أكيد..

يعني خلاص بقى هيعملوا سراين ليه؟ 

بيبقى فيه سراين في سبتمبر، مواسم كدة. 

السراين بتيجي في مواسم، يعني عندك آخر يناير كدة بيبقى فيه سراين، 

بيبقى فيه موسم السراين.

بس هي الفكرة ان السراين دي مش هتسمعيها في الزمالك مش هتسمعيها في الدقي،

مش هتسمعيها في جاردن سيتي، لأ جاردن سيتي طبعا جنبهم

مش هتسمعيها في المهندسين، مش هتسمعيها في المنيل، بس هتسمعيها هنا هوة. 

كان فيه الناس في ظرف معين جدا، كان فيه ثورة، 

مكانش فيه ناس في السياق اليومي 

هو كان فيه حدث كبير حاصل ومستمر، والحدث ده مبقاش موجود.

ومش مفترض إن الحدث ده يفضل موجود،

بس الحدث ده لما مشي مسابش مكانه غير الأصوات بتاعة الأمن، 

وأصوات طبعا مواكب المومياوات. 

يعني الشعب اتطرد من مصر، عشان الصورة الجميلة..

الصورة المشرفة هي صورة من غير شعب.

يعني الميدان ده مبقاش فيه شعب إطلاقا، 

وبقى فيه جثث مومياوات وناس عاملين كدة اهو، ومزيكا جامدة جدا،

وموكب والشعب قاعد في البيت ممنوع من النزول عشان فيه حرفيا حظر تجول في المنطقة 

هو بالنسبة كان حدث عاطفي جدا، 

بمعنى بالظبط الجزئية بتاعة إن الحدث ده من غير شعب، 

هي كانت حاجة بالنسبة لي مؤلمة جدا في الوقت ده. 

بس برغم الصمت والطرد، فيه جيل صغير بيكارك 

ويحاول يخلق مساحة من وسط الركام. 

مساحة للعب، للعجل، للسكيت بورد، للباتيناج. 

علاقة جديدة، أكثر خفة، مع المدينة وشوارعها.