بقايا أصوات من مشاوير البارحة

وهي صار ماضي عشر سنين 

على حياتي برّة (خارج)

ليكني، مقيم ب برلين 

مدينة كبيرة وحديثة.

بتخطر على بالي الشام 

من فترة لفترة؛

مدينة صغيرة، 

وعتيقة 

فيها، ولدت وكبرت، 

ودرست.

 

الصراحة،

كنت حسّها.. مدري كيف 

مفروضة عليّ

يعني … مدينتي، 

بس .. 

مو بقراري، ولا اختياري 

لذلك، ما بعرف حالي

كنت حبها 

ولا ما حبها 

والشام، 

مالها مدينة جميلة

… عالأقل، أنا 

ما كنت شوفها جميلة 

تبدولي مدينة، خجولة 

مستحيّة. 

كأنها، لمّا بيندق بابها، 

قبل ما تفتح بتتخبّى خلف الباب 

وبتسأل: مين؟ 

لما كنت لسّا عايش فيها، 

ولأنها صغيرة، كنت حب إمشيها كلها،

إحسن إقطعها،

من غربها لشرقها،

بيوم واحد.

كان هالمشوار بالنسبة إلي، 

طقس شبه أسبوعي؛ 

شكل من أشكال المسير،

أو الحج. من خلاله،

حاول صالح بين مشاعري المتعارضة، تجاهها.

ولأني موسيقي،

أذاني كانت تظلّ مفتّحة، 

على الأصوات، ياللي بشوارعها وحواريها. 

كان المشي يبدا من “حديقة الجاحظ”:

هالحديقة العامة ياللي بغرب المدينة،

إلها عندي ذكريات بترجعني لطفولتي؛ 

صوت رشاشات الميّ 

عم تروي الخضار بحرّ الصيف،

والبطة بالبحرة ولدانة بطات صغار

 بعدها، وكونه يبقى حرّ،

كان لابد من وقفة،  

وكاسة برتقان وجزر من عند “أبو عبده”،

بياع العصير.

صوت الخلاطات هيّ وعم تدوْر،

وتدوّر الموز مع الحليب والحليب مع الفريز لسّا حاضرة بذاكرتي،

كأنه امبارح    

غمضت عيوني، وحاولت إسمع.

لمّا فتحتهن، رحت دوّر عالمحل، بالغوغل.

كتبت بمحرك البحث؛ 

“عصير أبو عبده، دمشق”

قام لقيته .. عاليوتيوب! 

شفت المعلم أبو عبده، صاحب المحل.

كبران، شعراته وشواربه صاروا بيض

بس عينتينه (عيناه)،

لسّا عم تلمع، زرق، متل الياقوت.  

بعدها، رح إتحرك باتجاه، ساحة “السبع بحرات”،

ومتل ما بيدلّ الإسم، 

الساحة بتزيّنها بحراتها السبعة. 

كنت فوت بعجقة السيارات،

وإمشي بين البشر، 

ياللي عم تقطع الساحة.

 

وإسأل حالي، 

ياترى أصوات الضوضاء 

بساحة، غير أصوات الضوضاء، بساحة تانية؟ 

ياترى كبر حجم الساحة، 

والأبنية ياللي حواليها

إذا كانت واطية ولاعالية، 

قديمة ولا جديدة،

والشوارع ياللي بتصبّ فيها 

إذا كانت ضيقة ولا عريضة،

ممكن تغير من أصوات الساحات

هل ياترى فيه هوية صوتية للساحات الدمشقية؟ 

وإذا فيه، ممكن نميّزها ونحفظها بالذاكرة؟

حكيت مع الصديق وائل سمهوري 

هو معماري، وأستاذ بالجامعة 

وكان رأيه إنه: 

إنه الأصوات بالساحات الحديثة عنا 

مثل الساحات بكل العالم 

يعني بالحقيقة، ساحة السبع بحرات 

مالها هوية صوتية خاصة 

وإنما إذا بدك خواص، أو بصمة صوتية خلينا نقول، 

مافينا نميّزها عن مثيلاتها بالساحات الثانية بالبلد وبرّاتها  

وخبرني إنه الشيخ الأكبر بن عربي، بزمناته قال:

(الزمان مكان سائل والمكان زمان متجمد)

من ساحة “السبع بحرات” لساحة “بوابة الصالحية” 

رح إنزل بنزلة “المحافظة” وأعمل محطة صغيرة 

كاسة شاي، بقهوة “الكمال” 

بالعادة، ما كنت طوّل بالقهوة.

راح احمل حالي وكمّل مشي من تحت جسر “الرئيس” 

ومر بمحطة إنطلاق السرفيس

ياللي هي باصات أجرة صغيرة بتخدّم الشام وضواحيها 

تحت الجسر، وبين السرافيس إسمع أصوات البياعين مسجّلة

عم تنادي والناس حوليهم ياللي بده يشتري 

وياللي عالسرفيس راكض بدّه يلحّق مقعد مريح جنب السائق، 

قبل ما يعبّي راكب ويمشي  

  ياترى معقول إنه، كل الاصوات ياللي عم تدور براسي

وأنا عم إتذكّر الشام، 

معقول بقيانه متل ما كانت لما اسمعتها آخر مرة 

من عشر سنين؟ 

وحتى لو فعلا ضلّت بذاكرتي 

متل ما اسمعتها من زمان، 

ياترى شو علاقة أصوات امبارح، 

بياللي عم يصير اليوم؟ 

أمي، لسّاتها بالشام

سألتها عالتلفون،  

شو ياللي اتغيّر بالأصوات حواليها؟

جاوبتني :

“والله ياماما، بعد عشر سنين بسورية

عشناهم حرب وحصار،

ماعدنا عم نسمع بالشام، إلا مولدات الكهربا”.