بين السويداء ودمشق.. طريق مثل حبل السرة

صوت: أصداء مظاهرات/سوشيال ميديا/شوارع دمشق

أنا في العاصمة دمشق، الحياة شبه طبيعية،

كل المظاهرات يلي شعلان فيها الجنوب السوري،

الناس بس بتشوفها على مقاطع التواصل الاجتماعي،

وبظل الحديث عنها محبوس  جوات الغرف المغلقة.

صوت: كراج محافظة السويداء

أنا واقف بكراج سويدا جنوب العاصمة،

بستنى باص ينقلني للمدينة ياللي انولدت بيها

وقضيت فيها جزء من طفولتي.

الكراج فارغ من الباصات،

مليان بتجمعات ناس في وضعية الانتظار…

برجع بذاكرتي للما كنت ولد صغير، كان الوضع معكوس:

الباصات موجودة وفاضية، والسائقين عم يندهوا:

سويدا ..سويدا.. أخر راكب على السويدا.

منشان يقدروا يحصلوا راكب إضافي قبل ما يمشي الباص

 بوقف بنص الكراج وعم حاول بفراسة اختار قطيع البشر يلي لازم كون معون،

وهذا بيحدد المكان الوضع الجغرافي داخل أرض الكراج،

وين بتخيل لازم وقف منشان أقدر حصل مقعد بالباص.

الركاب بقدر حددهم بثلاث فئات:

فيه الموظفين الحكوميين ومعظمهم عساكر.

كل يوم مع بزوغ الضو بيطلعوا من قراهم باتجاه عملهم،

وبيرجعوا على الكراج بس يخلصوا.

معظمهم بكون حامل كياس كعك من الشام،

يلي هو كعك العاصمة وأطيب من  كعك باقي المحافظات…

الشريحة الثانية بتكون طلاب الجامعة،

بتقدر تميزهم من كمية الأغراض يلي بكونوا ناقلنها

من وإلى المدينة الجامعية بالشام،

بما فيها الفرش المحزومة وغراض المونة…

والشريحة التالتة هي الناس يلي جاية تتسوق من الشام،

وهذول بتقدر تعرفهم من عيونهم المليانة بريق عيون سياح،

وبكون مقصدهم عادة سوق الحميدية والجامع الأموي…  

بتذكر كيف بيت جدي بالسويداء كانوا يحكوا عن الشام…

كانوا دائما بشوفوها حل، اي شي بيخرب بيروح على الشام ليتصلح…

بما فيها البني أدمين يلي بيراجعوا مشافي العاصمة…

وكمان أي شي بينشرى من الشام هو بنظر الكل أفضل،

لتكون الشام هي الرئة يلي بتتنفس منها السويداء جنوب سوريا…

بتستند بظهرها على حدودها مع الأردن، لكن ووجهها عم يتطلع باتجاه دمشق.

هاي العلاقة بين العاصمة والمحافظة الجنوبية

حصل فيها اضطرابات وإعادة حسابات من الـ 2011 لليوم،

وصولا للمظاهرات والحراك غير المسبوق بالأسابيع الأخيرة.

لكن بيضل الطريق الواصل بين الشام والسويدا هو المنفذ الوحيد من وإلى محافظتي بالجنوب.

طريق مثل حبل السرة. 

وكأنو ترجمة حرفية لواقع سياسي غير متكافئ.   

ما في طريق مباشر من الأردن أو من أي مكان ثاني بيوصل لهنيك.

إذا بدك تروح على السويداء –  بدك تاخد طريق الشام. بعد ساعة بتوصل –

هيك طبعا إذا عرفت تجتاز التدقيق الأمني بسلام. 

لما بلشت الاحتجاجات بالسويدا،

كان قطع الطريق بينها وبين الشام هو السؤال والخوف الأكبر.

إذا حصل واستخدم النظام الطريق كورقة ضغط –

بتصير السويداء ببساطة معزولة عن العالم. 

لهلق الطريق بعدوا مفتوح، لكن فيه إحساس عام إنه ممكن يصير فيه تصعيد بأي وقت. 

صوت: كراج محافظة السويداء

بيجي الباص وبتبلش الناس تتدافع،

بانحشر معهن وبقدر احجز كرسي.

بعد  هاي اللحظات من الخناق والتدفيش بيرجع كل الركاب يلي قدرو يحصلوا كرسي لمنظرون الرزين…

ببلش دفتر يمر على الباص، كل ورقة فيه مقسمة لعدد من الخانات…

بسجل كل راكب بيناتو الشخصية،

وبس نخلَّص التسجيل بيروح الدفتر بإيد السائق على المفرزة الامنية

يلي بتدقق بالاسماء وبتعطي الموافقة على الخروج.

 بعد لحظات بيرجع السائق،

بيطلع بالباص وبيقول: “يلا شباب مثل العادة، بدناش نتأخر، إعطونا هوياتكن”.

بيقولها بلهجة أهل السويدا، لإنه مثل كل السائقين هون هو من هاي المحافظة. 

بتظل الهويات معه طول وقت الرحلة منشان يعطيها لحواجز التفتيش.

الباص مخنوق بالركاب، مكبوسين،

فيه منون ياللي فضّل يطلع على الواقف أحسن من الانتظار بالكراج،

ومن المسجلة يلي عند الشوفير بنسمع موسيقى…      

هلق طلعنا على طريق المطار، باتجاه الجنوب، بتبلش السرعة تزيد… 

هاي قصر المؤتمرات على اليمين، واحد من القصور الرئاسية يلي كنا نشوفها كثير بكل استقبال رسمي

كنا نوقف على الطريق على الجانبين ونحن طلاب مدرسة،

نهتف هتافات طلائعية للحزب وللقائد، أثناء زيارة أي وفد رسمي.

ونرجع على البيت بحناجر مبحوحة بعد ما يمر الموكب الرئاسي من أمام عيوننا مثل البرق.

قصر المؤتمرات حالياً مسكر،

طول العشب المصفر يلي طالع على الأبواب الأمامية للقصر،

بيعكس بشكل كبير العزلة الدبلوماسية يلي عم تعيشها البلاد. 

صوت: فرامل الباص/ خفض صوت الموسيقى

وجنب القصر، بنوقف على أول حاجز. 

قبله بأمتار، بيعطي السائق الأمر يلي منسمعوا دائما عند هاي النقطة:

“ضبوا الجوالات”…

وفورا كل حدى ماسك تليفونو بحطو بجيبتو،

والجميع بياخوذ وضعية المزهرية، بيتحولوا لجماد، لحتى نمرق

هذا الحاجز هو الأشهر في المنطقة الجنوبية،

تحديداً عند أهل السويدا،

معظم حالات الاعتقال كانت بتصير هون…

هاد كان قبل الحراك الاخير.

هلق، الامن بيتعامل بحذر اكثر.

بس كمان فيه احساس انه الوضع ممكن يتغير باي وقت

من عشر سنوات منعرف إنو لازم نخبي موبايلاتنا،

لسبب مجهول دون أي إيضاح،

بس الكل بيلتزم إنو ممنوع

على اعتبار إنه الحاجز منطقة عسكرية “ممنوع الاتصالات والتصوير”

بيجمع الشوفير الهويات بإيدو وبقدمها للعسكري،

مع رشوة منشان تسريع الإجراءات،

بيسألوا : مين معك، وبكون رد الشوفير : مثل العادة… 

هون بقرر العسكري انه يحتفظ بالرشوة ويرجع الهويات للشوفير، وبقول بصيغة الأمر، طلاع.

في الأيام إللي مضت، عملت مقابلات كثيرة مع ناس أصلهم من السويدا،

سواء ساكنين بالمحافظة او بأماكن ثانية.

في هاي المقابلات، كان الخوف من قطع طريق الشام هو موضوع بيظهر بشكل متكرر. 

 بخاف لأنو أهلي هنيك يعني، بخاف إنو يكون صعوبة وصل شوف قرايبيني شوف رفقاتي يلي ساكنين هنيك،

بضايقني انو هذا المكان يلي كنت وصل عليه بثلاث أرباع الساعة

ما عاد أقدر وصل عليه،

صير بدي موافقات أو الأجهزة الأمنية تصير تدقق على هذا الموضوع،

هذا الشي يلي بخوفني أكتر شي.

صارت اكتير يعني من ال2011 لهلق،

مناطق تتحاصر وكذا…

بس التعامل حاليا مع محافظة السويداء كأنه… فيه ترابط يعني بين بمحافظة السويداء،

أهلها منتشرين بكل سوريا… في سفر من دمشق لسويدا يومياً،

في بضائع في حياة كاملة عم تمر،

ما بتوقع يصير هيك،

واذا صار هيك فهنن عم يقطعوا شريان الحياة عن هي المحافظة.

وحتى الناس يلي بدها تشوف أهلها، تروح على جامعتها،

كتير موضوع ضخم، إنك تقطع طريق على المحافظة.

لكن في النهاية، مو ضروري يكون فيه قطع كامل للطريق لحتى يأثر النظام على الحركة من وإلى الجنوب.

أو تحديدا: لساحة الكرامة في مدينة السويدا، مكان التجمع الرئيسي للمحتجين كل يوم جمعة.

فيه طرق ثانية، مثل الاعتقال أو على الأقل الانتظار لساعات طويلة على الحواجز.

أو طرق أقل فجاجة، لكنها كمان مؤثرة.

لما بلشت رحلتي بالكراج بدمشق، كنت بتعجب من قلة عدد الباصات الموجودة.

كان لازم انتظر لنهاية الرحلة لحتى أكتشف إن هاي المسألة مانها صدفة إطلاقا.   

صوت: داخل الباص/طريق/ موسيقى بالباص؟

بس قبل ما نوصل لهاي النقطة، فيه بعد مسافة لازم نقطعها… 

مسافة على طريق طوله 110 كيلومتر هو مو بس بيحكي قصة علاقة السويدا بدمشق… 

كمان كثير من المحطات الموجودة عليه ممكن نعتبرها تلخيص لأكثر من عشر سنين من الثورة والقمع والحرب.  

صوت: فرامل الباص/ خفض صوت الموسيقى

فجأة، بيوقف الباص. 

بنتبادل نظرات قلقة أنا والركاب الآخرين.

بيسأل واحد السائق: شوفي، حاجز طيار؟

بجاوبه السائق: هيك شي…

وكلنا عم نراقب من زجاج الباص أرتال عسكرية عم تدخل باتجاه مقبرة نجها،

أو خلونا نقول إسمها الكامل: مقبرة الشهداء بنجها

المقبرة على يسارنا، حواليها أشجار طويلة بتحجب شوفي جواتها، 

ونحن بس منشوف العبارة المكتوبة على البوابة:

“ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون”

شو بتسوي القافلة العسكرية بالمقبرة؟ ما حدا بيعرف بالضبط.

الملفت إن هاي المقبرة ما بتأوي بس الشهداء يلي بتوصفون الحكومة إنون شهداء…

كمان بتضم ضحايا المعتقلات…

هيك بتقول شهادات الناجين من سجون النظام ياللي اتحدثت معهم،

إنو هون فيه كمان مقابر جماعية للمعتقلين يلي ماتوا تحت التعذيب…

بتم دفنون جنب الشهداء الرسميين،

لكن… لإنهم سر يجب إخفاء كل تفاصيلو…

بيدفنوهم في مقابر خاصة لإلهم، عليها أرقام دون وجود أي أسماء. 

يتحرك الباص مرة ثانية..

مع مرور المسافة التراب الأصفر اللي على جنبين الطريق

بيتحول لتراب أحمر

حجر الصوان كمان يتحول لحجر بازلت أسود

هاد الحجر ياللي بيقولوا إن السويداء اتسمت على إسمه.   

بس بطلع ع السويداء… بتحس بالهواء اتغير.

بتحس إنه برغم إنه مفيش دولة، مفيش أمان بمعنى النظام…

بتحس إنه امان أكثر من أي مكان بتروح عليه…  

أول ماتفوت السيارة ع السويداء صراحة…

بحس بشعور بالأمان…

إنه خلاص يعني إنه هون السويداء، هون أمان…

ما راح يصير شيء من إللي متعودين عليه… 

صوت: داخل الباص/طريق/ موسيقى بالباص؟

وأخيرا: عبارة “محافظة السويداء ترحب بكم” على لافتة كبيرة على الطريق…

إحساس بالارتياح، مو بس لإننا تقريبا  صرنا رح نوصل… 

كمان لأنو قوة المجتمع المحلي هون، والمستندة على روابط عائلية بالأساس،

قدرت في السنوات الماضية إنها تقلص من القبضة الأمنية للنظام إلى حد كبير.

صار إشي معروف مثلا إنه ياللي بدو يهرب من الخدمة العسكرية، بظل بسويدا هون بيكون بأمان. 

هاي الاستقلالية النسبية للمحافظة صارت على المحك بعد الاحتجاجات الأخيرة. 

لإنه فعليا        

ما حدا بيعرف كيف رح يكون رد فعل النظام بالفترة الجاية

بعد في حاجز أمنى أخير لازم نمرق منه – حاجز شهبا،

أول وآخر حاجز في المحافظة من هون للحدود الأردنية.

واحنا عم بنقرب على الحاجز، فورا بلاحظ إن هاي المرة فيه إشي اتغير.

الحاجز من زمان شكله متواضع،

هو عبارة عن صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد 

قدامها محرس بيقعد فيه عسكري وحيد.

بأغلب الأحيان بتمر السيارات من قدامه بسلاسة

وهو عم يلعب على الموبايل أو عم يحكي تليفون وكأنوا غير موجود.

هاي المرة الجنود أكثر، أكثر بكثير، خمسة بدل واحد مثل ما اعتدنا.

بس كمان بنمر بشكل اعتيادي وبدون ما يحكينا حدا فيهم شي.

هدول العساكر الجداد، هيك بنكتشف، ما إجوا لغرض التدقيق الأمني على الحاجز… 

هم فقط حراس شخصيين لصورة الرئيس،

يعني “بدي غاردز”… عاملين صندوق مفتوح حوالينها ليحموها من أي ااعتداء –

لأنه بالأسابيع الماضية، صار تمزيق صور الرئيس وتحطيم تماثيله مشهد اعتيادي في المحافظة كلها.

مشهد الحاجز بيرسم بسمة سخرية على شفايف الركاب،

وبيكسر جليد الصمت يلي كان مرافقنا من لما طلعنا من الكراج بالشام…

وهون بيرجع السؤال ياللي كان فارض نفسه من بداية الرحلة،

لكن على ما يبدو ما حدا كان بيسترجي يطرحه.

بيسأل واحد من الركاب “شو خيي، ليش ماعم تنزل الباصات، ولا مأضربين؟”

الناس بسويدا تعودت على إضراب السائقين،

كل كم شهر بأضربوا حتى يضغطوا على الحكومة ترفع تسعيرة الراكب.

السلطات ما عندها تخوف من إضراب السائقين طول ما هو مطلب خدمي،

وبتخضع للضغوط بحل كثير سهل، إنو بترفع التسعيرة من جيوب الركاب.

كانت عم تتعامل مع الموضوع بشكل مختلف عن أي إضرابات ثانية إلها طابع سياسي… 

بس هلق السائق برد بغضب: “لا يا معلم مش نحن مأضربين، الدولة يلي مأضربة.     

الدولة هي يلي بتحرم الشوفريية يلي بينقلوا المحتجين يوم الجمعة من مخصصاتهم من المازوت”

السائقين ياللي بيشتغلوا على طريق دمشق-السويدا

هم نفسهم ياللي بينقلوا المتظاهرين كل يوم جمعة

من القرى والمدن جوات المحافظة، لساحة الكرامة بمدينة السويدا. 

فبلش النظام يلغي مخصصاتهم من المازوت، كنوع من  الضغط عليهم،

وكمحاولة منه للحد من تدفق الناس لساحة الاحتجاجات.  

وهيدا أثر كمان، وإن كان بشكل غير مباشر، على الحركة على طريق السويداء-دمشق. 

هاي الطريق ياللي بيربط قلاع السلطة الحصينة في العاصمة… بساحة التمرد والتغيير 

في أقصى الجنوب.