“رحبة هاواي”.. أحلام مستعملة

يحمل الطفل قفصًا حديديًا بداخله عصفور صامت، ويُعلن أنه يبيعه لأنه يبحث عن عصفور آخر يغرّد ويصدر صوتًا
ــــــــ العمل
18 ديسمبر 2025

تمتدّ «رحبة هاواي» كسوق شعبي تتدفّق إليه وجوه كثيرة، بعضها مألوف، وبعضها يأتي ليعثر على غرض مستعمل. الاسم بحد ذاته يحمل دلالته؛ «هاواي» ليست مجرّد استدعاء فارغ لمكان بعيد، بل محاولة لغوية للقبض على حركة السوق، وعلى فوضاه اليومية التي تشبه رياح الأعاصير في الجزيرة الأميركية. 

هكذا يصبح الاسم مبرّرًا للسوق اليومي في مدينة آفلو الواقعة عند أطراف الهضاب العليا الجزائرية. هواء خفيّ يرمي بكلّ أنواع البضائع المستعملة في هذا الفضاء المفتوح، يبيعها الأطفال في العادة.. يتحرّكون بثقة لا تشبه أعمارهم ويفرشون ما استطاعوا جمعه من ألعاب قديمة، دفاتر مستهلكة، أحذية تجاوزها الزمن، أو أجهزة إلكترونية كانت يومًا مصدرًا للمتعة. 

يجلس طفل القرفصاء أمام صفّ من الأحذية المستعملة، بينما ينتعل حذاء مهترئًا. حين سألته لماذا لا تحتفظ بها لنفسك، أجاب ببساطة «ليست مقاسي، أبيعها كي أشتري حذاء للمدرسة». بالقرب منه، طفل يفرش دفاتر وكتبًا مستعملة، وآخر يعرض على قطعة قماش باهتة جهاز «بلاي ستيشن2» للبيع، كي يشتري كتبًا مدرسية للعام الجديد. وبالقرب منهم، يحمل طفل قفصًا حديديًا بداخله عصفور صامت. يُعلن أنه يبيعه لأنه يبحث عن عصفور يغرّد «خير من هذا»، كأنه يحاول أن يشتري لنفسه أذنين جديدتين للفرار بهما من زحمة السوق.

هواء هاواي يهبّ هنا فيحوّل الألعاب والأحلام إلى سلع أخرى راكمتها الأيام والحاجة. يبدو كمن يبدّل الأدوار، فينتقص من أعمار الباعة الذين يصبحون فتيانًا خصوصًا في فترة ما قبل بدء العام الدراسي. صور أخرى تظهر أطفالًا يدفعون عربات محمّلة بما يشبه أثاثًا منزليًا متنقلًا، أو يجلسون في مجموعات صغيرة أمام بضاعتهم، كأن السوق أصبح مدرسة أخرى، يتعلمون فيها البيع، والصبر، والخسارة.