fbpx

إنتهى الدرس، وأنا هلق راجع عالبيت

وعم فكّر بياللي قلته لتلميذتي 

بعد ما خلّصت عزف

نبهتها، إنها تجاوزت طول إحدى النغمات

وعزفت مطرح ما كان في سكتة

والسكتة بالموسيقى

هي مدة محسوبة من الصمت

 

لذلك قلتلها .. إنه الصمت،

لما بيبقى مقصود خلال المقطوعة

بيكون جزء من الموسيقى  

 

بس ياترى، شو هو الصمت في الموسيقى؟ 

شو يعني، ومن شو معمول (مصنوع) ؟ 

وهل هو فعلاً صمت؟ 

 

بما أن الموسيقى فن قائم على الصوت

وللصوت بالموسيقى متل أبجدية؛

ياللي هيه عبارة عن رموز 

عن طريقها مندوّن الأصوات

 أو .. النغمات، 

لنقراها، ونغنّيها أو نعزفها، منسمّيها: نوطة 

– بقى كمان للصمت، أو السكتة، 

مكان ضمن هالأبجدية، 

ياللي بيعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر 

وبيختلف شكل هالسكتة 

بحسب المدة الزمنية المقصودة للصمت من خلالها. 

 

إلا إنه الصمت كمان 

مو بالضرورة يكون مكتوب 

وإنما من الممكن أنه يكون مُرتجل

 

 

ممكن يستعمله موسيقي متل عازف العود منير بشير

كوسيلة للتعبير.

 بنسمع كيف أنه هالموسيقي الموصللي الشهير

 عم يخلق عن طريق الصمت، 

مساحات بين النغمات

من خلالها، 

عم بيقدم دعوة للمستمع إلى التأمل، 

أو عم بيحفّز عنده حالة من الترقب ..

 

قبل ضربة الريشة القادمة!   

 

كمان، في الصمت 

ياللي بيسبق بداية أي عزف حيّ 

لمقطوعة خلال حفلة من الحفلات الموسيقية

 

أول شي، 

منسمع الآلات عم تدوزن سوا

 قبل ما بيدخل على الصالة قائد الفرقة،  

وبعدها منسمع لحظات من الصمت، 

ممزوجة بمشاعر التأهب  

قبل ما يعطي المايسترو إشارته! 

بالواقع إنه حتى السكتة، 

أو الصمت بعالم الأنغام، 

مثله مثل الصمت والسكون

 بالعالم ياللي منعيشه جواتنا وحولينا،

 ما ممكن يكون عبارة عن صمت مطلق، 

وإنما هو صمت نسبي 

 

يعني:

أثناء السكتة الموسيقية، 

أو سكوت الجمهور ببداية المقطوعة 

أو خلالها 

(إذا في حال تألفّت من فقرات بيسمّوها حركات) 

الصمت هون .. بيكون إله صوت بس واطي، 

يا دوب بكون مسموع، 

أو بكون مجموعة أصوات كتيرة

خافتة متداخلة بين بعضها البعض، 

ممكن نسميها: “أصوات سالبة” 

مثلاً، الصوت الصادر عن هدير المواصلات، 

لمّا منكون عم نعزف أو نسجّل بغرفة قريبة من الشارع 

بمدينة صاخبة متل دمشق 

في كمان الأصوات السالبة داخل المكان، سواء

إذا كان غرفة أو قاعة، 

متل صوت محرّك آلة منزلية،

أو جريان الماء ضمن أنابيب التمديدات، 

أو حتى الأصوات الصادرة عنا، 

نحنا الموجودين بهالمكان، 

كنفس أو تنهيدة، 

أو إذا حدا سعل خلال الحفلة من بين الجمهور ..

إذاً، 

الصمت هو مثل قماشة اللوحة البيضا 

ياللي منرسم عليها؛

 إلها لون، 

هو الأبيض على الأغلب، 

وإلها نسيج، 

ياللي هو الخامة ياللي مصنوعة منها. 

هالنظرة الموضوعية للصمت 

حكى عنها واتبناها

 المؤلف الأميركي الحداثي جون كيج. 

حتى إنه بزمانه،

ألف معزوفة سمّاها (أربع دقايق وثلاث وثلاثين ثانية) 

ما فينا نسمعها ..

لأنه خلالها، الفرقة ماراح تعزف ولا نغمة،

وإنما راح نحس من خلال الصمت، 

بكل الأصوات السالبة ياللي عم تصدر عن القاعة،

وإذّ كأنها صارت فجأة موجبة يعني : مسموعة ! 

لهيك، 

عم يخطر ببالي شو قال كيج لمّا سمعته مرة عاليوتيوب،

عم يحكي عن علاقة الصمت بالصوت، 

ويقول إنه: 

 

“التجربة الصوتية ياللي بفضّل إني عيشها، 

عن كل التجارب الأخرى هي تجربة الصمت

والصمت اليوم وبكل مكان تقريباً، 

تحوّل لصوت ضوضاء الشارع 

إذا إستمعت لموسيقى بيتهوفن أو موزارت،

راح تسمعهن دائماً ذات الأصوات،

أما ضوضاء الشارع، فبتسمعها عم تتغير كل مرة”   

طيب .. 

إذا الصمت بالأساس هو صوت،

إنما بالحد الأدنى، 

أو الأوطى،

بحيث .. 

بيخلّينا نقدر نركز سمعنا تًجاه صوت 

أعلى وأشد بيحمل معنى متل الكلام، 

أو مشاعر متل الأنغام

إذاً ليش ما يكون الصمت، 

مو بس جزء من الموسيقى مثل ما خبّرت تلميذتي،

وإنما بحد ذاته موسيقى؟ 

ليش ما حاول لحّن الصمت؟ 

إتخيل إنه عم إزرع الصمت بالألحان؟ 

ياترى هيك، ممكن إنه الموسيقى تعبّر عن الصمت؟ 

خليني إتصوّر مثلاً حوار بين شريكين، 

بلحظة حرجة خلال العلاقة بيناتهن، 

الحب ياللي جمعهم كل هالسنين بخطر، 

والجفا بلّش يهددهم بالفراق 

بس راح يحاولوا يحكوا مع بعض، 

راح يشكو لبعض ويعاتبوا بعض، 

أملاً بأنه يكون لسا في إلهم مع بعض فرصة أخيرة! 

الحديث بيناتهن حميمي وخاص، 

وفيه فواصل من هاد الصمت الطويل، 

هون بقى، 

راح حاول إتخيل مطرح الصمت 

إني عم إسمع موسيقى، 

< وبعدين نحنا؟ هيك، كيف فينا نكفّي؟ 

<  عم حسِّك صرلك فترة مدري كيف، 

بعيدة عني وغريبة

> ليش من إيمتى كان يهمَّك كيف أنا بحسّ؟ 

< كيف، شو هالحكي؟ معقول؟ كل ياللي بيناتنا، 

وعم تسأليني من إيمتى .. لك وإذا بيهمني؟ 

> أنا حاسة إني غريبة هيك،

غريبة حتى عن حالي

حاسة إني مخنوقة، بدّي إصرخ، 

بدي إطلع من جلدي، بس ما فيّي  

< هلق هيك؟ 

يعني، بفهم إنه أنا ياللي آسرك؟ 

< شو؟ ما بستاهل حتى إنه تجاوبيني؟ 

ولا هزة راس، لا إيه، ولا حتى لا؟

< طيب وبعدين، إذا هيك، يعني خلص؟ 

> (تنهيدة) والله ما بعرف؛ الله يخلّصني لإرتاح! 

<الله يخلّيكِّ لاتحكي هيك! 

خلص، قولي، إذا بدِّك ياني روح، بروح 

< لا خلّيك هلّق، لاتروح

مقدار الصمت في الموسيقى

يخلق الصمت، أو السكتة، في الموسيقى مساحات بين النغمات، يقدّم من خلالها الموسيقي للمستمع دعوة إلى التأمل أو يحفز عنده حالة الترقب
ــــــــ رُبع صوت
1 أغسطس 2022

مثل النور والظلام، يمكننا أن نطرح سؤال أين يذهب الصمت عندما تبدأ الموسيقى؟ قد يكون حاضرًا ولا يذهب إلى أي مكان، بل يعود بين النغمات وفي السكتات، يلفّ الموسيقيين والمستمعين.

يخلق الصمت، أو السكتة، في الموسيقى مساحات بين النغمات، يقدّم من خلالها الموسيقي للمستمع دعوة إلى التأمل أو يحفز عنده حالة الترقب.

الصمتُ هو القماشة البيضاء التي يرسم عليها الموسيقيون نغماتهم وأصواتهم.

* ساهم في أداء الأصوات لواء يازجي ومحمد أبو لبن

* الصورة: موسيقى جنازة رجل أطرش، تأليف Alphonse Allais عام 1897. المصدر ويكيبيديا