fbpx

خارج البيت.. داخل الغرفة

أصف نفسي بأني كثيرة القلق لذا كلما شعرت به أو بالخوف، رجعت إلى غرفتي وأغلقت بابها بالمفتاح.
ــــــــ البيت
4 يناير 2021

أثناء تصويري, لاحظت الحدود التي تفصل المشاعر والحالات الانسانية الخاصة بي، بين الداخل والخارج، وبين الداخل والداخل نفسه، فكرت في حالاتي المتغيِّرة. أصف نفسي بأني كثيرة القلق لذا كلما شعرت به أو بالخوف، أرجع إلى غرفتي وأغلقها بالمفتاح.

خارج البيت.. داخل الغرفة

البيت، هو غرفتي بالأساس والتي لا أغادرها إلا لأوقات قصيرة، أربعة جدران تحتويني وتمنحني مساحة من الحرية أحتاجها وأتوق إليها، لا أحد يراني ولا عيون تتربص بأفعالي وحركاتي، لا أحكام تطلق عليّ سوى التي أطلقها على نفسي وعلى بساطة الشعور لكنني أصفه بالمذهل أحيانًا.

خارج البيت.. داخل الغرفة

حين أكون داخل غرفتي أشعر إني قادرة على التفكير بلا قيود من الآخر، جدرانها تحميني وتحمي خصوصيتي، وبإمكاني داخل سكينتها أن أنزع قفازات حذري، ولا أرى ما أراه خارج المنزل من قمامة مكدسة بشكل عشوائي، أو مباني قد طحنتها الحرب، أو شوارع بنغازي التي قشرها الفساد.

ساعتها، لا أفكر حينها في نصف الوطن الذي أعيش فيه، بل أنساه وأنسى جرائمه ضدي، وأهدر وقتي في التفكير في تفوق شعرية شِعر النساء مثلًا، أو إذا ما كان فصل الفن عن الفنان فعل أخلاقي؟ وكيف يسامح العالم بيتر هاندكه -الأديب الذي أُحب- على آرائه أوقات الحرب؟

خارج هذه الجدران الأربعة، أكاد لا أمتلك رفاهية التفكير في شيء عدا الدمار، ضحاياه، أسبابه، والسؤال الملح الذي لا يفنى “كيف ننجو؟”

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

تتغير غرفتي مثلما أتغير، أعيد طلاءها، أغير أماكن الأثاث، أغضب فاكتب على جدرانها بخط كبير ” الحب مقاومة ⵜⴰⵢⵔ ⵉⵏⴰⵎⵙⵏⴽⴰⵔ ” وأعيد الطلاء.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

لطالما كانت غرفتي فوضوية والأثاث غير مهذب التنظيم، مملوءة بكتب الشعر التي أقرأها لمن أحب وبعض الروايات وكتب عن التصوير، من شهر أحضرت أمي طلاءً ناصع البياض لغرفتي والذي لم أكن أريده لكن بعد طلائها بدت الغرفة أكثر سلامًا فيه وربما هذا ما كنت احتاجه، من شهر إلى الآن لم أُرجع إلى غرفتي شيء إلا الفراش وطاولة صغيرة قابلة للطي وبعض الكتب التي أعيد قراءتها.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خلال الوباء، صرت أغادر غرفتي أكثر لأن أهلي -بسبب الحجر الوقائي وحظر التجول- يبقون أكثر من المعتاد في المنزل، نأكل سويا على غير العادة، نتبادل الأحاديث عن أشياء مختلفة، وأغلبها نضحك عليها رغم طبيعتها الكارثية.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

في هذه الفترة، تقطع الكهرباء لساعات طويلة، تجاوزت في بعض الأيام 17 ساعة من غياب الكهرباء، خلال النهار وبدايات الليل تكون غرفتي ساخنة جدًّا، لأنها في الطابق الأخير من المنزل، وبيتنا أعلى من المباني المجاورة، لا يحجبه شيء عن شمس شمال إفريقيا الصيفية طوال النهار، اضطر في أوقات الحر أن أبقى في الطابق السفلي، هو الأكثر برودة، وهادئ -أغلب الوقت-مثل بقية المنزل.

ورغم اضطراري للنزول بسبب الحر وانقطاع الكهرباء إلا أنني أحب أن منزلنا هو الأعلى على امتداد النظر جهة الغروب ولا أحب الشمس إلا أوقات الغروب الوديعة، أحبها حين تغيب.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج غرفتي وبقية البيت، مملوء بآلات الموسيقى التي يملكها أخي، ولوحات تشكيلية وكتب، حين أمشي في المنزل أجد أشياء تشعرني بالراحة أحيانًا، وهو شعور مؤقت.

الفن مقاومة، صور ولوحات فنية وكتب، ما يجعل البيت بداخل البيت أقل اضطرابا، داعيا برقة إلى إرخاء دفاعاتي التي أبنيها حول نفسي خشية أشياء كثيرة، ولا أطيل البقاء خارج غرفتي الفارغة والفوضوية، بالنسبة إلي، هي ملاذي حيثما أكتب، أحب، أغضب وأفكر وحيثما أكون منسية ولا ظلال تلاحقني.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت، فوضى وبقايا بيوت مدمرة نتاج الحرب التي أتمنى أن تكون الأخيرة، هناك البحر الذي يبدو دائمًا أنّه يخفي غضبه، الخارج عندي يمثل السيارة، كل شيء اختبرته خارج المنزل كان من خلال السيارة، الحرب والأعياد والتنزه ومواعيدي الغرامية، هي غرفتي خارج المنزل، تعطيني شعورًا زائفا وشحيحًا بالأمان، لكنه يكفيني لأنجو.

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة

خارج البيت.. داخل الغرفة