كم رجلًا يرى أن أمه أو زوجته أو أخته "ربة المنزل" كامرأة عاملة بدوام كامل وبلا أجر مدفوع، أم عادة يُطلق على هذه الأفعال "حبًا" كي لا يشعر ذلك الذكر بالذنب؟
قبل الدخول في التجربة، تمر الكثير من الأفعال، والكلمات دون أن ينتبه لها المرء، وربما يردد أو يفعل بعضها دون إدراك ما يمكن أن تحمله من ثقل أو تجاهل لما تعنيه تلك الأفعال والكلمات على الآخرين، وبشكل أكثر دقة على الأخريات، وخاصة في مجتمعاتنا التي تحكمها قوالب راسخة تحدد ما يجب على المرأة دون أن ترى ما تعنيه ثقل هذه الأفعال “الواجبة”.
بشكل أكثر مباشرة، كم رجلًا يرى أن أمه أو زوجته أو أخته “ربة المنزل” كامرأة عاملة بدوام كامل وبلا أجر مدفوع، إذا كانت تقضي ساعات طويلة تشغل معظم يومها في المطبخ أو في الأعمال الرعائية؟ أم عادة يُطلق على هذه الأفعال “حبًا” كي لا يشعر ذلك الذكر بالذنب؟
بعد مروري بتجربة الحمل والولادة ورعاية طفلة، بدأت انتبه لتلك الجمل التي تتردد يوميًا في ملايين البيوت بصيغة ما أو بأخرى، وفقط حاولتُ وضعها ضمن سياق أوسع.
“قاعدة بتعملي ايه طول النهار؟”
حسب منظمة العمل الدولية، تساهم النساء ب 12.5 مليار ساعة تقريبًا من الأعمال الرعائية غير مدفوعة الأجر، وهو ما يشكل نحو 10.8 تريليون دولار سنويًا، ويساوي ثلاثة أضعاف القيمة المالية التي تضيفها صناعة التكنولوجيا العالمية إلى الاقتصاد.
“أنا بشقى بره وأنتِ مسؤوليتك البيت والعيال”
في تقريره الصادر عام 2015، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، أن 79% من الخدمات الرعائية غير مدفوعة الأجر تؤديها النساء.
“أنا بساعد في البيت رغم إنها مش شغلتي”
تقضي المرأة المصرية تسعة أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجل في الأعمال المنزلية، حسب تقرير للأمم المتحدة، وهذه النسبة تعد الأعلى من حيث التفاوت في العالم بين الرجال والنساء.
“الست مكانها المطبخ”
وفقًا لأرقام البنك الدولي عام 2023، نسبة القوى العاملة النسائية في مصر 15.4%.. ما يعني أن نسبة 85% تقريبًا من المصريات يعملن بوظيفة “ربة منزل”.
هذه الأرقام لا تنفي العمل عن الغالبية من السيدات المصريات بل تؤكدها، فكل النساء عاملات، الفرق أن النسبة الأضخم تعمل بلا أجر مقابل مجهودها الذهني، والبدني، والعاطفي.
“تعبانة؟ مدام ما موتيش.. أرجع آلاقي أكل”
تقوم المرأة بالأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر دون غطاء تأمين صحي، ودون راحات منتظمة أو إجازات مرضية أو عارضة.. وبالتالي مع انتهاء مدة خدمتها، حال انتهت بشكل آمن، تخرج “من المولد بلا حمص“.. بلا معاش يضمن لها حياة كريمة مع تقدمها في العمر، وبلا مدخرات أو ممتلكات يحق لها التصرف بها. بالإضافة إلى ذلك، فهذا النوع من العمل غير المقدر، يفقدها أيضًا القدرة على اتخاذ قرارات مالية مستقلة رغم المشقة المدفوعة مقدمًا.
“البيت يضرب يقلب علشان حتة بت مش عارفة ترضعيها”
بحسبة بسيطة لعدد ساعات الرضاعة الطبيعية التي تقضيها الأم في الأشهر الأولى لرضيعها والتي تصل إلى ثمان رضعات يوميًا، فإن سنة واحدة من الرضاعة الطبيعية المنتظمة تعادل 1800 ساعة عمل.. وهو رقم يقترب جدًا من ال 1960 ساعة عمل بنظام الدوام الكامل لمدة سنة أيضًا ولكن مع فارق أن قانون العمل الدولي يسمح بثلاثة أسابيع عطلة مدفوعة الأجر للعامل في السنة.
أعمال النساء المنزلية، لا تُرى، هي أعمال غير مرئية، رغم أنها تبتلع أعمارهن، طاقتهن، أحلامهن. تؤثر سلبًا على تقديرهن لذواتهن وعلى تقدير الآخر لهن. يتركهن بلا ضمانات أو تأمينات ويستبدلها بالندوب والجروح والجفاف، وبأنوثة مدفونة.
*أنجزتْ هذا المشروع خلال شهور طويلة، أم مصرية تعيش صراعًا يوميًا في محاولات خلق فرصة للإنتاج بينما تؤدي أعمالًا رعائية لا نهائية غير مدفوعة الأجر.