كان عليّ عبور الصحراء في طريقي من الهرمل إلى مدرستي في بلدة الفاكهة. كنت أتأمّل يوميًّا فراغها الشاسع الذي، وبالرغم من سحره، يثير في الناظر شعورًا بالرهبة وعدم الارتياح. مع الوقت والتكرار، ألفتُ هذا المشهد حينما تصالحت مع فراغه كأنّه خلفية بصرية لما يدور في رأسي من تخيّلات. تحوّلت الصحراء تدريجيًا من خلف شباك الباص إلى شاشة عرضٍ تلتقط ما يفرزه اللاوعي عشوائيًا وهو يحاول التخلّص من أثر النوم في الصباح. بعد أكثر من عقدين، لا تزال الصحراء على حالها تقريبًا اليوم، حين أعبرها في زياراتي المتباعدة إلى الهرمل. فقط تلك الأشجار التي أسقطت بشكل نافر على أطراف الطريق في محاولة لإضفاء بعض الحياة على المشهد، بالإضافة إلى بقع زراعية خضراء متناثرة هنا وهناك تعتمد على الآبار الارتوازية، التي تُحفر عشوائيًّا غالبًا وتؤثّر على نسبة مخزون المياه الجوفية المحيطة بنهر العاصي.
مساحة شاغرة تُعلن نهاية “لبنان الأخضر”
على الخريطة تبدو الصحراء جزءًا طبيعيًا من سهل البقاع، وعلى الأرض تُعلن مساحتها الجافة بقسوةٍ عن نهايته. ما إن تخرج من مدينة بعلبك، سترافقك الصحراء والأراضي الجرداء نحو الهرمل. تمتلك المناطق الصحراوية جماليات خاصة لا نجدها في لبنان، بل إنّها تناقض صورته “الخضراء” وتعلن عصيانها له. تُعدّ صحراء الهرمل المساحة الأكثر جفافًا بين سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية. إنّها أشبه بثقبٍ أسود يقبع ضمن نطاق الهرمل، ويفصل بين نهاية البقاع اللبناني وسهل حمص السوري، محتلًّا اللامكان الحدودي والهامشي.
في طريقي إلى المدرسة كنتُ أرى فرق التصوير والمعدّات في أمكنة متفرّقة منها. عدد من المغنين صوّروا فيديو كليبات هناك. يمتطي عاصي الحلاني الحصان في “يا ميمة“ ويحارب الأعداء دفاعًا عن حبيبته بينما ترقص مايا دياب قرب القاموع في “يابا يابا“ مع فرقة ترتدي أزياء قبائل بدائية. فعلت فرقة “مشروع ليلى الأمر نفسه في أغنية “رومان“ التي قدمتها في آخر ألبوم قبل اعتزالها. الفارق أن الثيمة نسوية هذه المرة، فظهرت امرأة تركب الحصان وأخريات يرتدين ثياب قريبة من أزياء البدو والغجر في بيك آب يمشي وسط الصحراء.
استفادت هذه الفيديوهات من جمالية الفراغ، لكي تسقط فانتازيا البداوة والحب على الصحراء. ولم تكن مدينة الهرمل تظهر في هذه الأعمال. في الواقع تمنّينا عدم ظهورها حتى كجزء من الخلفية، إذ إنّنا لم نكن يومًا متصالحين مع هذه الأرض الجافّة أو الأساليب التي كانت تُصوَّر بها.
تبدو الهرمل كابن غير شرعي يطلب الاعتراف من أبٍ لا يريده، رغم أنّها انضمّت منذ عهد المتصرفية إلى لبنان، وتعود أصول غالبية عائلاتها إلى جرود كسروان. يقع جزء كبير من قراها التي تسكنها العشائر ضمن سلسلة الجبال الغربية، بينما المدينة نفسها تقع في السهل الصحراوي وتبدو كأنها واحة في البادية.
يعرّف لبنان نفسه من خلال لون شبه غائب عن المنطقة؛ “لبنان الأخضر”، ولأسباب مختلفة، تنفي الهوية اللبنانية الهرمل من نطاقها، وتهمشها الدولة بشكل فاقع، ما ينطبق أيضًا على منطقة بعلبك والبقاع الشمالي بشكل عام. تغيب عن أجزاء كبيرة من جبال المنطقة وأوديتها سلطة الدولة لتصبح أرضًا للعصابات ومساحة مثالية للنشاطات الخارجة عن القانون مثل التهريب وتجارة المخدرات.
آثار معاصرة تذكّر بحلمٍ لم يتحقّق
لدى أهل منطقة الهرمل حلم واحد هو اختفاء الصحراء. أن نستيقظ يومًا ونجد أنّنا أصبحنا جزءًا من البقاع دون أن يضطرّ الواحد منا لعبور الفراغ قبل الوصول إلى الهرمل. ما أذكى هذا الحلم الجماعي وجود مصدر مياه يخرج من أحشاء الصحراء لم يُستغلّ يومًا بطريقة فعّالة. يُعتبر نهر العاصي أحد أكبر الأنهر في لبنان و سوريا لكن يبقى تأثيره محدودًا جدًّا في الأراضي اللبنانية على عكس حاله في الأراضي السورية. طالب سكان الهرمل لسنوات طويلة ببناء سدّ يبتلع الصحراء ويمنع تمدّد البادية السورية. أرادوا حصتهم من مياه النهر كي تُروى المناطق الجافّة المحيطة بالبلدة.
بدأ التداول بالمشروع منذ ظهور مشاريع سدود ضخمة في العالم العربي خلال الخمسينات والستينات، ربّما أبرزها السدّ العالي في مصر. لطالما تحدّث أبي عن ضرورة قيام السدّ لتوليد الكهرباء وتحسين أوضاع الفلاحين. آمن الجيل السابق أن الحداثة قادرة على إنقاذنا. لا أعرف إن كان السد مشروعًا مجديًا من الناحية الإقتصادية أو إن كانت تترتّب عليه أضرار بيئية، لكن بكل حال أتذكّر أبي كلما رأيت القنوات الضخمة الملقاة في الصحراء.
كاد مشروع السدّ أن يُبصر النور في الستينات لولا خلاف سياسي على الحصص. يحمّل أهل البلدة ما حصل لصبري حمادة وهو ابن الهرمل الذي ترأس مجلس النواب لفترة طويلة منذ الاستقلال. عام 2005 ظهر مشروع آخر لبناء سدّ صغير قرب النبع، وشرعت بتنفيذه شركة صينية، إلّا أنّ حرب تمّوز التي شنّتها إسرائيل على لبنان عام 2006، أدّت إلى توقّف العمل عليه إلى غير رجعة.
منذ ذلك الحين، لا تزال مواد البناء والقنوات الضخمة وبعض المعدات مهملة على كتف النبع. ومع الوقت، بدا أنّ حجم الأتربة يتناقص عامًا بعد آخر، بينما تحوّلت القنوات المعدنية تدريجيًا أمام أعين الأهالي إلى ما يشبه الآثار المعاصرة التي تملك وظيفة وحيدة؛ تذكير أبناء منطقة الهرمل بأنّ حلمهم لم يتحقّق.
في النهاية ابتلعت الصحراء السدّ عوضًا عن أن يبتلعها.
السد غير المكتمل
السدّ
نهر العاصي
منام غادر معي
بعد عقدين تقريبًا على مغادرتي الهرمل، صار حضور البلدة أقلّ تواترًا في أحلامي. تبخّرت أحياؤها وبيوتها وبساتينها من مناماتي التي ركنت إلى الأمكنة المُشرفة عليها، وتحديدًا الصحراء المحيطة بها. بدا خروج الأحلام من البلدة، كخروجي أنا منها، والذي أدّى في النهاية إلى ولادة كائن هجين يقف على مشارف المكان من دون أن يتمكّن من مغادرته نهائيًا أو العودة إليه مجدّدًا. في أحد الأحلام، زرت مدافن البلدة بعد غيابٍ طويل عنها.
استغربتُ وجود اسمي مكتوبًا على أحد القبور. كان مطابقًا للقبور التي تمدّدت حوله. كنت متفرّجًا، أنظر من بعيد كأيّ غريب. استولى التراب والحصى على مخيلتي أكثر من وجوه أهل المنطقة. وهذه الغربة منحتني مجالًا جديدًا للرؤية. بينما ارتفعت في أنحاء مختلفة من الصحراء قبور ضخمة صمّمت بالشكل المألوف ذي الشاهدين الموجودة في مدافن الهرمل. الفارق الوحيد أنها كانت أكبر بأضعاف وتبدو حجارتها كأنّها مأخوذة من صروح أثرية، فيما كان بعضها مغطّى بطبقةٍ ملونة من السيراميك بَهُت وتآكلت أجزاؤه بفعل الزمن.
فترة تقاعد إله المطر
على بعد مئات الأمتار من القنوات المائية المُهملة، يقف نصب جنائزي ضخم يُعرف بين أهل المنطقة بـ “القاموع”، وكان يسمى سابقًا “بيت إيل”. يتربّع المبنى على رأس التلّة المطلّة على الهرمل، وحده في الفراغ يُضفي بعض السحر والغرائبية على المساحات الخالية المحيطة به. اليوم لا توجد نظرية تحسم بشكل قاطع سبب بناء القاموع، خاصة مع غياب أي نص مكتوب على جدرانه الخارجية. الفرضية الأكثر ترجيحًا أن يكون قبرًا بسبب تصميمه على طراز المقابر البرجية التي كانت شائعة في المنطقة (هناك نماذج شبيهة في حمص والقدس وتدمر). وعند ترميمه خلال حقبة الانتداب الفرنسي لم يُعثر على مدفن داخله لذلك بقيت الفرضية معلّقة.
يتألّف القبر الأثري من مكعّبين على رأسهما هرم، ويبدو بمثابة حارس متقاعد يحمي الهرمل ونبع العاصي من الأعلى. تشير الضخامه إلى سلطة كانت سائدة في المنطقة، حاولت تمثيل القوة والهيمنة السياسية في الحجم المهيب بينما بقيت معترفة بسلطة عليا حدودها السماء يرمز لها الشكل الهرمي. أمّا موقعه، فيشكّل الحدّ النهائي للصحراء قبل الوصول الى جسر العاصي الذي تبدأ من بعده الهرمل. ربما كان في الماضي حارسًا من لعنة الصحراء، قبل تحوّله إلى حجر صامت لا معنى واضح يشير إليه سوى كتابات الغرافيتي التي شوّهت جدرانه.
في الواقع، تشير بعض الروايات المتداولة إلى أنّ الهرمل أخذت اسمها من تسمية أخرى للقاموع هي “حرم إيل” الذي يصبح “هرمل” حين تُلفظ الحاء هاءًا وتحذف الألف والياء في اللسان العاميّ.
إيل هو رئيس مجمع الآلهة الكنعانية وخالق الأرض والسماء الذي استمرّت عبادته في بلاد الشام منذ الألف الثالث قبل الميلاد حتى العصور الكلاسيكية المتأخرة خلال حقبة مملكة تدمر (استمرت حتى القرن الثالث بعد الميلاد). كان يُمثّل المطر ويسكن قرب ينابيع الأنهار. زوجته الأساسية عشيرة (من أسمائها الأخرى اللات الذي بقي مستخدمًا حتى ظهور الإسلام) وهي الإلهة الكنعانية الأم وريثة إلهة الأرض “أدمة”. من عشيرة ينجب إيل سبعين إلهًا على رأسهم بعل وعناة اللذان سيرثان مقام إيل وعشيرة لاحقًا وفق ما يشير خزعل الماجدي في كتابه “المعتقدات الكنعانية” (2001).
بقي إيل محافظًا على مكانته عند شعوب المنطقة حتى صعود نجم بعل “راكب الغيوم والعواصف” الذي علّم الناس يومًا الزراعة. يبدأ بعل إلهًا صغيرًا، مزارعًا وفارسًا رومانسيًا، قبل أن يخوض معركة مع “موت” إله الجفاف والموت”، وفق ألواح أوغاريت (كما نقلها سايروس غوردن) التي جاء فيها “حين يكتشف إيل مقتل بعل، يغطي وجهه بالقماش والرماد ويبكي بحرقة. خلال الليل يحلم أن دموعه نزلت عسلًا و وزيتا على الأرض وغطت الوديان”. أنذر هذا الحلم بقيامة بعل الذي تحوّل بعدها إلى إلهٍ ذي مكانة رفيعة في بلاد الشام، لديه معابده وتُقدّم إليه القرابين. تتراجع مكانة إيل بعد صعود أسطورة بعل، فأصبح كبير الآلهة بمثابة ملك بلا حكم، عاطل عن العمل، منصرفًا إلى حياته في بيته البعيد الواقع في السماء السابعة.
عند حصول ظروفٍ مناخية قاسية ظل الناس يلجؤون إلى معبد إيل ولو بعد انقطاع طويل عنه، ظنًا منهم أنه الوحيد القادر على إعادة بعل إلى رشده بعدما أصبح منغمسًا في الشهوات وناسيًا لشعبه كما يشير فراس السوّاح في كتابه “عبادة الأحجار عند الساميين وأصل الحجر الأسود” (2021).
في النهاية، تجرّد إيل، إله المطر، من ألوهيّـته. بقي منه قبر مجهول يحمل اسمه فحسب، وجفاف رهيب أبقى الصحراء على حالها.
القمع
الهرمل
الطريق الى الهرمل خط أخضر
قنوات مائية لصيد الحمام
إلى جانب رسومات الغرافيتي، تُظهر حجارة القاموع رسومات منقوشة لصيادين مع كلابهم، ولحيوانات كالغزلان والخنازير البرية. كانت المنطقة خلال العصور القديمة مركزًا مهمًّا لصيد أنواع مختلفة من الحيوانات ولا بدّ أنها جذبت أبناء الممالك القريبة. يُحكى أنّ قطعانًا من الغزلان والجواميس البرية كانت تهاجر كلّ خريف من المناطق الشمالية الباردة نحو المناطق الدافئة في الجنوب مرورًا بالعاصي وسهل البقاع.
لم يتبقّ اليوم أي أثر لهذه الحيوانات بسبب عمليات الصيد المكثفة التي استفادت من انبساط الصحراء، ومكّنت الصيّادين من ملاحقتها في استراتيجية تستخدم فيها الكلاب المدربة لمحاصرة القطعان في زرائب مبنيّة سلفًا لا تزال آثارها موجودة في بعض المواقع حتى اليوم.
تتّفق غالبية المصادر على أنّ بناء القاموع حصل خلال القرون الأخيرة قبل الميلاد التي شهدت فيها المنطقة ازدهارًا من ناحية بناء السدود وشبكات المياه أبرزها سدّ حمص الروماني (يُرجّح أنه شيّد في 284 م) الذي نتج عنه بحيرة ضخمة كانت تعتبر من أكبر الخزانات المائية في التاريخ عند تشييدها. استمر هذا الازدهار حتى حقبة صعود مملكة تدمر التي حاولت مدّ أقنية مياه ضخمة لأكثر من 150 كلم من نهر العاصي حتى المدينة الصحراوية. لا تزال آثار الأقنية المخفية تحت الارض موجودة على كتف العاصي، ويُطلق عليها اسم “أقنية زنوبيا” كإشارة إلى الملكة التدمرية التي يُعتقَد أنها تقف خلف المشروع الطموح. من غير المعروف إن كانت وصلت فعلًا الى تدمر بسبب عدم وجود تنقيب في المساحات الصحراوية الشاسعة التي تفصل المنطقتين.
تشير الأقنية الى زمن كانت فيه السهول الصحراوية المحاذية للهرمل أرضًا زراعية خصبة. من الصعب عدم المقارنة بين المعدات والقنوات المعدنية المهملة والمستسلمة لقدرها على كتف نهر العاصي اليوم، وتلك القنوات الضخمة التي قاومت الصحراء لقرون طويلة قبل تقاعدها.
خلال الستينات بدأت الدولة اللبنانية مشروعًا لترميم هذه القنوات وتنظيفها، شارك فيه عدد كبير من أبناء الهرمل. يقول الأهالي الذين نزلوا إلى الأسفل إن شاحنة يمكن أن تمرّ داخل القنوات للتدليل على مدى ضخامتها. لكن لسببٍ غير واضح أيضًا لم يُستكمَل العمل على المشروع. يستخدم الصيادون اليوم القنوات لصيد الحمام البري الذي ينام فيها ليلًا. خلال الربيع، ينزل البعض في الحفر الموصلة اليها من أجل التقاط الحمام حيًّا عندما يضع أعشاشه داخلها. في النهاية، ظلّت القنوات جافّة، لم تصلها أبدًا مياه نهر العاصي الذي ظلّ عاجزًا عن التصدّي للصحراء. أقسى ما استطاع السكان فعله هو جر المياه بموتورات تعمل على الطاقة الشمسية التي يمكن رؤية ألواحها في مواضع مختلفة من كتف النهر اليوم.
على مشارف الهرمل
تنظيف الصورة بالليفة
يُحبّ أهل البلدة نهر العاصي الذي يمتلك معظمهم أراضٍ عند ضفافه. قضى أبي جزءًا من طفولته وشبابه قرب النهر، في الأرض التي امتلكها جدي هناك، وكان يزرعها موسميًا أو يضمّنها لفلّاحين. لكن الناس فقدوا تدريجيًا العلاقة السابقة مع النهر بصفته مساحة زراعية، بينما ازداد استثماره منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين ضمن قطاعي تربية الأسماك والمطاعم اللذان تترتّب عليهما تكاليف بيئية باهظة. ظلّ أهل المنطقة يجدون طريقًا إليه ويفضّلون رؤيته على النظر إلى الصحراء التي تحيط به.
احتفظ أبي بالنهر في بيتنا في الهرمل. علّق صورةً كبيرة لشلّالات العاصي المعروفة بـ “الدردارة” في غرفة الجلوس. في الواقع، اختارها مدفوعًا بمشاعر الفخر تجاه النهر وشلّالاته.
بقيت الصورة مكانها لسنوات، رغم تعرّضها للتشويه بفعل مبادرة غريبة من عاملة الخدمة المنزلية التي قررت تنظيفها بليفة الجلي. تركت هذه الحركة حفرًا وخطوطًا صغيرة على الشلالات ما أدّى الى ظهور الطبقة البلاستيكية التي الصقت عليها الصورة. ولو كان ذلك عن غير قصد، فإن هذا التنظيف بدا كأنّه يسعى إلى محو النهر تدريجيًا من الصورة ومن فضاء بيتنا المحدود، تمامًا مثل محاولات المحو التي تعرّضت له الصحراء لسنوات. فحتى اليوم، تسوّق الإعلانات الجديدة على وسائل التواصل الإجتماعي للمنطقة من خلال نشر صورًا لنهر العاصي وشلّالاته فحسب، دون إظهار جوانب أخرى من المنطقة أو من صحرائها. تخسر منطقة الهرمل جزءًا من نفسها في هذه المقاطع والصور التي تبدو مليئة بالأشجار والمساحات الخضراء فحسب، كأنها منطقة أخرى، أو كأنّ الأرض الجافة التي يمرّ العاصي ضمنها في مجرّد تشوّهٍ يجب تنظيفه وطرده من المشهد. لكن إن استخدمت منظارًا أوسع قليلًا للرؤية، سيظهر النهر مجرّد خط أخضر في وادٍ جافّ، لن يستطيع الرائي تمييز ما إن كان نهرًا أو نبعا صغيًرا. المساحة الخضراء محدودة جدًّا في الوادي، مع ذلك هي شديدة المرئية للسكان بينما الصحراء بحر شاسع لا يريد أحد منا رؤيته.
صورة في غرفة الجلوس
صورة نهر العاصي في غرفة الجلوس