ماذا لو تخيلت كيف يكون العيش بجوار جسر ضخم، ماذا لو صممت تركيبات من صور مختلفة (كولاجًا)، أشخاص وعائلات تعيش حياتها المنزلية، ثم نوافذ وشرفات مفتوحة على الوضع الحالي، كيف ستكون النتيجة؟
مرة، في طريقي اليومي إلى وسط القاهرة عبر كوبري 6 أكتوبر، أطول جسور القاهرة والممتد لأكثر من عشرين كيلومترًا، لمحت سيدة مسنّة تنشر غسيلها الأبيض على سطح منزل ملاصق للكوبري. مشهد أصبح عاديًا، ففي السنوات الأخيرة -بحسب أرقام وزارة النقل المصرية- تم إنشاء ما يقرب من 1000 جسر، ومد مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة.
الكثير من تلك الكباري امتد في مناطق لم يكن مخطط لها أن تحمل كيانات مثل هذه بين جنباتها، الأمر الذي جعل مشهد اقتراب سور كوبري من شرفة منزل أمرًا متكررًا، فكرت في غسيل المرأة العجوز، هل سيجف ويصبح نظيفًا؟ أم سيحمل غبارًا وروائح أكثر سوءًا من قبل؟
يومها كشف لي المشهد كيف اقتحمت الطرق السريعة بيوت الناس، واغتصبت فضاءهم الحميمي، وغيّرت بيئتهم بتلوث بصري وصوتي وهوائي.
وكمصور، فكرت كيف يمكنني أن أعبر عن ذلك الوضع، كيف يمكن توثيقه بصريًا؟ لكني عجزت عن تنفيذ أي من الأفكار لأسباب عدة، فكان مصيرها التأجيل لحين إشعار آخر.
بعد وقت، تم قبولي في ورشة تصوير وثائقي تحت إشراف المصور نبيل بطرس، شعرت أن الورشة ربما قد تكون فرصة لمعاودة العمل على المشروع الناقص، في البداية حاولت الالتزام بمعايير العمل الصحفي التقليدي، بدأت التصوير مرة أخرى، والبحث عن مصادر يمكنها الحديث عن ظروف الحياة بنوافذ تفتح على طريق سريع أو جسر علوي، لكن للأسف لم استطع إيجاد أشخاص أو عائلات يمكن بناء الثقة بيننا وفتح بيوتهم للتصوير.
ساعتها قررت أن أتحرر من القواعد، ماذا لو تخيلت كيف يكون العيش بجوار جسر ضخم، ماذا لو صممت تركيبات من صور مختلفة (كولاجًا)، أشخاص وعائلات تعيش حياتها المنزلية، ثم نوافذ وشرفات مفتوحة على الوضع الحالي، كيف ستكون النتيجة؟ هل تعبر عما أريد الحديث عنه؟
بدا الحل معقدًا على المستوى النظري، لكن أيضًا تنفيذه لم يكن سهلًا، كنت أقوم بتصوير نفسي وأصدقائي داخل منازلنا بالقرب من النوافذ والشرفات، ثم التقط مشاهد للكباري من منظور هذه النوافذ لتكون أقرب شئ للحقيقة، وقمت بتركيب الخارجي والداخلي سويًا، وهناك لقطات أخرى تظهر مدى قرب المنازل من الطرق والكبارى وهو جزء واقعي تمامًا وخالي من التركيب.
تجاور هدوء البيوت مع صخب الطريق أو ظهر الجسر في تركيب واحد، يظهر مدى استحالة الحصول على هذا الهدوء في الواقع، لا أعرف لأي مدى نجحت في نقل ذلك الظرف، لأن الحياة مع شارع يعبر داخل البيت هي حياة منزوعة الهدوء والخصوصية وربما إمكانية التنفس بالأساس.