«كنت أظن أنني نجوت بنفسي وبأطفالي، وأن الحياة المشحونة المليئة بالصراعات ستنتهي بحصولي على الطلاق، لكن معارك أكثر حدة انفجرت أمامي، واكتشفت أن طريقاً وعرة طويلة مليئة بالأعباء والحرمان بانتظاري». هكذا بدأت تمارا (37 عاماً) حديثها لنا عند سؤالها عن كيفية سير حياتها بعد الطلاق.
هذه الكلمات تكاد تكون لسان حال معظم الأمهات المطلقات الحاضنات لأطفالهن في الأردن اللواتي يواجهن بعد الطلاق واقعاً صعباً نتيجة الممنوعات الكثيرة التي ترافق حضانتهن للأطفال وتكبدهن عناء رعاية الأبناء وتسيير جميع شؤونهم دون امتلاكهن أي درجة من الولاية عليهم تمكنهن من التصرف بشؤونهم أو حتى المشاركة باتخاذ القرارات بشأنها.
السفر، الزواج، العمل خارج البلاد، اختيار نوعية تعليم الأبناء، وغيرها، كل ذلك مرهون بموافقة الولي الذي يكون أبُ الأطفال عادة، ويمتلك الحق منفرداً في التصرف واتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الأبناء بشكل يتيح له في أحيان كثيرة التعسف في استخدام ذلك الحق، بما يتعارض مع مصلحة الأبناء ويضيق على أمهم لدرجة تصل في بعض الأحيان إلى نزع الحضانة عنها، وبحماية القانون.
يعطي قانون الأحوال الشخصية الأردني الأم حق حضانة الأبناء ما لم تختل أي من شروط الحضانة المنصوص عليها في القانون وتستمر حضانة الأم إلى عمر 15 سنة يعطى المحضون بعدها حق الاختيار في البقاء في يد الأم الحاضنة حتى بلوغه سن الرشد، حيث نصت على ذلك الحق المادة 170 والمادة 173 من قانون الأحوال الشخصية رقم 15 لسنة 2019.
لكن ذات القانون يُبقي الولاية كاملة على الصغار في يد الأب ثم من يليه من الأوصياء، وفقاً للمادة 223، مما يجعل الأم بلا أي صلاحيات متعلقة بإدارة شؤون أبنائها الذين هم في حضانتها وتحت يدها، الأمر الذي ينادي بتغييره منذ سنوات حقوقيون ومؤسسات معنية بالأسرة وحقوق المرأة والطفل، من خلال المطالبة بمنح الأم حق الولاية المشتركة مع الأب على الأبناء، دون أن يلقَ هذا النداء آذانًا صاغية لدى الجهات المشرعة.
بلغ عدد حالات الطلاق في الأردن 25887 حالة عام 2023، بمتوسط سنوي مستقر عند قرابة 2.5 حالة طلاق لكل ألف نسمة من السكان سنوياً خلال السنوات التسع الماضية، 73% منها بعد الزفاف والدخول، وفقاً للبيانات الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان.
هنا، نروي قصص عدد من الأمهات المطلقات الحاضنات لأطفالهن اللواتي تمكنا من مقابلتهن، معظمهن طلبن الإشارة إليهن بأسماء مستعارة، بالإضافة إلى قصص عدد من القضايا أطلعنا عليها – مع التحفظ على ذكر الأسماء – محامين شرعيين زرنا مكاتبهم الممتلئة بملفات مطالبات الأمهات بحقوقهن وحقوق أبنائهن في المحاكم الشرعية.
السفر مع الأبناء.. ممنوع
بحسرة شديدة تتحدث “منال” (32 عاماً) المطلقة والأم لطفلة، عن خسارتها منحة تعليمية لإكمال دراستها العليا في إحدى الدول الأوروبية لمنعها من اصطحاب ابنتها ذات الثلاثة أعوام والإقامة معها في الخارج للدراسة، ولم يكن بإمكانها في ذات الوقت تركها لعدد من السنوات بعيداً عنها لصغر سنها وحاجتها للرعاية.
تقول منال: “حصلت على المنحة لتفوقي، وكنت في غاية الحماس حيث لا يوجد برنامج للدكتوراه بتخصصي في الجامعات الأردنية، ولكنني تفاجأت بأن عليّ الاختيار بين أمرين أحلاهما مرّ، إما التخلي عن حضانة ابنتي، أو التخلي عن حلمي في الدكتوراه”.
تتشابه قصة منال مع قصص العشرات من الأمهات اللواتي اضطررن للتخلي عن حلم السفر للدراسة أو للعمل، حيث تمنع المادة 176 من قانون الأحوال الشخصية الأردني لسنة 2019 الحاضنة من الإقامة بالمحضون أردني الجنسية خارج المملكة إلا بموافقة الولي.
ويستطيع الأب الولي استناداً على ذلك الحصول على حكم بنزع حضانة الأطفال عن الأم إذا أقامت بهم خارج المملكة، وتبعاً لذلك يتم إصدار تعميم أمني يقضي بحبس الأم بمجرد دخولها الأراضي الأردنية ما لم تقم بتسليم الأبناء لأبيهم أو العودة للإقامة بهم داخل المملكة، وهذا ما يخيف شذى من دخول المملكة ولو لأيام لزيارة أهلها.
تقول شذى (41) عاماً وهي مطلقة وأم لطفلين: “منذ خمس سنوات لم أتمكن من رؤية أهلي في الأردن، والدي كبير في السن وقد أعياه المرض، وأخشى أن يصيبه مكروه دون أن أراه، إذا دخلت البلاد سوف يتم حبسي!”.
كانت شذى قبل الطلاق مقيمة مع زوجها وطفليها في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد احتدام الخلافات بينهما قرر الزوج أن يتمم إجراءات طلاقهما في الأردن، ولم يكن لديها مشكلة في الطلاق حسب قولها.
لكن أزمتها الكبرى بدأت قبل نحو خمس سنوات عندما زادت الخلافات بعد الطلاق بينها وبين طليقها، فقرر مناكفتها برفع قضية نزع حضانة الأطفال عنها لتصميمها على البقاء معهم في أميركا حيث مدارسهم وحياتهم. حصل الأب على حكم بنزع الحضانة عنها، وهذا ما يمنعها من الاقتراب من حدود المملكة منذ ذلك اليوم.
لا يمنع القانون الأب إذا كان هو الحاضن للصغير أن يسافر به وأن يقيم به خارج المملكة حسب ما نصت عليه المادة 177- ب، وهو ما أجمع حقوقيون أردنيون على عدم عدالته وانطوائه على تحيز كبير ضد الأم
تصف المحامية لطيفة خويص المختصة بالقضايا الشرعية سلوك هذا الأب بالكيدي والتعسفي، مؤكدة أن هناك كثيراً من الآباء يقومون بمثل هذا الإجراء ويتمكنون من الحصول على أحكام بنزع الحضانة عن الأم رغم أن مصلحة الصغار تستدعي وجودهم مع أمهاتهم وينبغي دائماً تغليب مصلحة الصغار على أي مسألة أخرى.
يروي المحامي عمر أبو بكر المستشار في القضايا الأسرية، قصة سيدة مطلقة أم لطفل يعيش مطلقها خارج البلاد، وعندما حاولت الأم تنفيذ أحكام النفقة التي حصلت عليها للصغير لم تتمكن من تحصيل أي مبالغ أو اتخاذ أي إجراءات بحق الأب لوجوده خارج الأردن. اضطرت هذه الأم للسفر خارجاً بصحبة الصغير للعمل للحصول على دخل تنفق منه على صغيرها، فقام الأب بتوكيل محامي داخل المملكة ونجح في نزع الحضانة عن الأم رغم أنه لا يرى صغيره ولا يتكفل بنفقاته منذ سنوات، ما جعلها غير قادرة على دخول المملكة للزيارة وإلا سيتم إلقاء القبض عليها أو ستجبر إما على التخلي عن ابنها أو التخلي عن عملها والعودة بالصغير إلى المملكة.
في المقابل لا يمنع القانون الأب إذا كان هو الحاضن للصغير أن يسافر به وأن يقيم به خارج المملكة حسب ما نصت عليه المادة 177- ب، وهو ما أجمع حقوقيون أردنيون على عدم عدالته وانطوائه على تحيز كبير ضد الأم.
سفر مؤقت بشروط شاقة
اضطرت “ريم” (42 عاماً) الأم لطفل وطفلة إلى إلغاء سفرها للمرة الرابعة، وكانت في المرة الأخيرة تنوي السفر لأيام قليلة مصطحبة أبناءها لحضور حفل زفاف ابن خالهم في دولة مجاورة، لكنها لم تتمكن من توفير الضمانات التي طلبتها المحكمة خلال المدة المحددة.
فبالإضافة إلى منع التشريعات إقامة الأم مع أطفالها الأردنيين خارج الأردن إلا إذا وافق الولي على ذلك، لا تسمح التشريعات بسفر الأم المؤقت مع الصغار دون سن الثامنة عشرة إلا بموافقة وليهم أيضاً.
لكن القانون بموجب المادة رقم 177-أ يعطي الحق للقاضي في أن يأذن للأم بالسفر بالمحضون إذا كان لمدة مؤقتة ولغاية مشروعة ولم يوافق الولي، بعد التحقق من مصلحة الصغير وبيان مدة الزيارة وأخذ الضمانات الكافية لعودته. وتتضمن هذه الضمانات تقديم كفالة من أحد أقارب الحاضنة يستعد فيها هذا الكفيل للحبس حتى إذعان الحاضن بعودة المحضون مع منع سفر الكفيل حتى عودة المحضون إلى المملكة.
تقول ريم: “لم أجد شخصاً من أقاربي من الدرجة الأولى لا يمانع في أن يتم منع سفره ليكون كفيلاً لي ريثما أعود بالصغيرين، جميع أقاربي كانوا يحتاجون للسفر معي لحضور حفل الزفاف، الهدف من السفر أساساً أن يجتمع شمل العائلة في هذه المناسبة”.
أما “سهاد” (48 عاماً) وهي أم لثلاث طفلات، فتقول: “أصبحت إحدى أمنياتي أن أسافر للسياحة مع بناتي، للأسف بناتي ممنوعات من السفر وأنا بالتالي ممنوعة منه لأنني لا يمكن أن أسافر وأتركهن وحيدات، ولا يمكنني في الوقت ذاته أن أوفر الضمانات التي تطلبها المحكمة، إنها عملية مضنية وتحتاج وقتا طويلا، وأنا أم عاملة ولدي الكثير من المسؤوليات، ولا يمكنني المجازفة بدفع تكاليف السفر من طيران ومبيت ولست متأكدة من أنني سأتمكن من السفر بالفعل”.
في مقابل حالات كثيرة مثل ريم وسهاد، اعتبرت مروة نفسها محظوظة، لأنها تمكنت من الوفاء بالشروط والضمانات التي طلبتها المحكمة، فوافقت المحكمة على إعطائها إذناً مؤقتاً بالسفر لزيارة أقاربها مصطحبة طفليها خلال وقت يعتبر قياسياً رغم أنه استغرق نحو 4 أشهر، ومقابل توفير كفالة مالية كبيرة وحضور كفيل شخصي من أقاربها وافق على أن يتم منع سفره حتى عودتها بالصغيرين مقابل حبس الكفيل إذا لم تعد بهما في الوقت المحدد.
تصف المحامية خويص الضمانات التي تطلبها المحكمة لإعطاء الأم الحاضنة الإذن بالسفر مع الصغير إذا لم يوافق الأب، بأنها ضمانات صعبة وشروط شاقة لا يمكن لغالبية الأمهات توفيرها، خصوصاً وأن المحكمة عادة تتشدد في أن يكون الكفيل قريباً من الدرجة الأولى كالأب أو الأخ رغم أن القانون نص على أن يكون من الأقارب حتى الدرجة الرابعة، مشيرة إلى أن هذا يقلل الخيارات المتاحة أمام الأمهات، حيث يمكن أن يكون القريب مقيماً خارج البلاد أو تتطلب طبيعة عمله السفر أو غير ذلك من الاحتمالات الواردة.
وتضيف خويص بأن الحصول على إذن سفر من المحكمة ليس مؤكداً، حيث يُترك الأمر في بعض الأحيان إلى تقديرات القاضي، كما يتم في أحيان كثيرة طلب كفالة مالية بالإضافة لكفالة أحد الأقارب، وهذا ما لا تتمكن كثير من الأمهات من تقديمه بسبب الخوف من اضطرارهن لدفع الكفالة المالية أو حبس الكفيل في حال التأخر عن الموعد المحدد من المحكمة للعودة بالصغير لأي سبب، مشيرة إلى أن المدة المحددة تكون عادة من أسبوع إلى أسبوعين ولا يمكن أن تتجاوز الشهر.
ترى نهى محريز رئيسة الهيئة الإدارية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني أن القانون تعامل بعدم إنصاف مع الأم في موضوع السفر حيث يسمح للأب بالسفر بالمحضون سواء للإقامة به خارج البلاد أو لمدة مؤقتة، ويمنع الأم من هذا الحق، وهذا حرم كثير من الأطفال من البقاء في رعاية أمهاتهم، وحرم كثير من الأمهات من السفر، والأصل أن يتم التعامل مع الوالدين بمساواة في الحقوق، وبما يلبي مصلحة الطفل قبل أي شيء آخر.
عقاب بمجرد الزواج
تظل المخاوف من الوحدة عند تقدم العمر تطارد روان (28 عاماً) التي وقع الطلاق بينها وبين زوجها في سن مبكرة بعد أن أنجبت منه طفلاً. وتتمنى روان أن تعيش في كنف أسرة تستند عليها وأن تنجب أخاً لابنها زيد البالغ من العمر (5 أعوام) من خلال الزواج مرة أخرى بعد طلاقها، إلا أنها تخشى أن يكون فقدانها لحضانة ابنها زيد ثمناً لتحقيق هذه الرغبة، فتعود وتعدل عن فكرة الزواج كلما فكرت بها.
يقول المحامي أبو بكر إن هناك عشرات السيدات اللواتي لجأن إليه لإيجاد أي مخرج يمكّنهن من الاحتفاظ بحضانة الأبناء في حال الزواج بعد الطلاق، لكن يبدو الأمر مستحيلاً وفقاً للقانون، فبمجرد عقد قران الأم تسقط حضانتها لأطفالها مهما بلغت أعمارهم، واصفاً ذلك بالعقاب!
يضيف: تضطر معظم أولئك السيدات للاختيار بين خيارين لا يقل أحدهما صعوبة عن الأخر: إما التخلي عن الأبناء من أجل الزواج وتكوين أسرة، وإما التخلي عن فكرة الزواج في سبيل الاحتفاظ بحضانة الأبناء.
إذ تشترط المادة 171 – ب من القانون في مستحق الحضانة إذا كان من النساء ألا تكون متزوجة بغير محرم من الصغير، ويسقط حق الحضانة إذا اختل أحد الشروط المطلوب توافرها في مستحقها بموجب المادة 172 – أ، بمعنى أن حضانة الأم لأطفالها تسقط بمجرد زواجها من أي شخص باستثناء عم الصغار، حيث أن شقيق الوالد هو الوحيد المحرم على الصغار قبل زواجه من أمهم.
ويشير المحامي أبو بكر إلى أن أسباب إسقاط الحضانة حسب التفسيرات التشريعية هي لانشغالها ولأن الزوج أجنبي عن الأبناء، ولا يوجد للأم في هذه الحالة أية دفوع يمكنها استخدامها للحفاظ على حضانة الأبناء فهي مسألة محسومة بشكل قطعي بالقانون، في المقابل يتيح القانون للأب الزواج بعد الطلاق وتكوين أسرة والاحتفاظ بحضانة أبنائه من الزواج الأول رغم انشغاله هو الآخر، مؤكداً أن في ذلك نسفاً لمفهوم العدالة.
يتسبب الوضع التشريعي الحالي وتطبيقاته الذي يحرم الأم من الاحتفاظ بحضانة أبنائها عند الزواج، و يمنعها أيضاً من اصطحابهم إلى المنزل بين الحين الآخر في تشوهات كثيرة في شكل العلاقة بين الأم وأبنائها التي ينبغي أن تكون سلسة ومتصلة ..
وتصف المحامية خويص ما نصت عليه مواد القانون من إسقاط حضانة الأم بمجرد زواجها بأنها مجحفة في حق الأبناء وفي حق الأم، بينما يُسمح للأب بالزواج والاحتفاظ بحضانة أبنائه إن كانت الحضانة في يده دون أي قيود، وفي ذلك تمييز واضح ضد الأم، مشيرة إلى أن المشرع يتذرع في ذلك بالشريعة الإسلامية على الرغم من وجود دليل على أن الأصل هو إباحة بقاء الطفل في حضانة أمه بعد زواجها في الآية القرآنية «وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخلْتُمْ بهن».
توضح خويص أن الآية تدل أولاً على أن ابنة الزوجة تتربى في حجر زوج أمها، كما أنها تحرم عليه، وبالتالي فإن سبب سقوط الحضانة بالزواج «من غير محرم من الصغير» لم يعد موجوداً.
من ناحية أخرى، تقول خويص، تجيز المحكمة بقاء الصغير في حضانة أمه في حال موافقة الأب على ذلك، بغض النظر عن كون زوج الأم محرم من الصغير أم لا، فهل تعطي موافقة الأب رخصة لمخالفة ما نصت عليه الشريعة إلا إذا كانت الشريعة بالأصل تبيح ذلك بينما تمنعه التشريعات؟
تشير محريز رئيسة «تضامن النساء» إلى أن كثيراً من الآباء يستخدمون هذا الحق لمجرد التعسف ومناكفة طليقاتهم على الرغم من انشغالهم وعدم اهتمامهم الفعلي بوجود الأبناء في حضانتهم، فينتهي الأمر بالأبناء عند زوجة أبيهم أو عند جدتهم لأبيهم بلا رعاية كافية وفي ذلك إضرار كبير بمصلحة الأطفال.
تؤكد محريز على أن مؤسسات معنية بحقوق الطفل والمرأة حاولت كثيراً التفاوض مع الجهات المشرعة لتغيير القانون بما يسمح ببقاء الصغار في حضانة أمهم في حالة زواجها بعد الطلاق وذلك تحقيقاً لمصلحة الصغار ببقائهم في رعاية أمهم وهي الأولى بهم من جهة، ومن جهة أخرى تحقيقاً للعدالة بين الأم والأب في ما يتعلق بهذه الناحية.. “هذه المحاولات كانت دائماً تُرفض وكثيراً ما كانت تُهاجم بدعوى أنها تخالف الشرع الإسلامي وأن المطالبة بوجود الصغيرة الأنثى على وجه الخصوص في بيت رجل أجنبي فيه مساس بالشرف”. وتتسائل عن سبب غض الطرف عن هذه الجوانب التي تحمل هذه الحساسية في حالة موافقة الأب على بقاء الصغار مع أمهم بعد زواجها، الأمر الذي يدل برأيها على أن مرد كل ذلك هو التعصب لمجموعة من الأفكار والأعراف التي ينتج عنها قوانين وصفتها بالمتحيزة ضد الأم.
تلفت محريز إلى أن هذا الوضع أدى إلى ارتفاع عدد حالات الزواج العرفي، حيث تلجأ الأمهات المطلقات إلى عدم تسجيل الزواج الثاني رسمياً خوفاً من فقدان حضانة الأبناء، مشيرة إلى أن الزواج غير المسجل رسمياً يضيع الكثير من حقوق الزوجة والأبناء، وعلى رأسها ثبوت نسب الأبناء لأبيهم، بالإضافة للحق بالمطالبة بالنفقات للأبناء والزوجة، والميراث في حالة الوفاة، ومؤخر الصداق في حالة الطلاق، وغيرها، ويتسبب ذلك في كثير من الاختلالات الاجتماعية.
زيارات سرية
«شعرت أنني وحيدة، كان عمري 25 عاماً عندما وقع الطلاق بيني وبين والد طفليّ، أردت أن أكمل حياتي مع رجل كأي امرأة طبيعية، ولكن المعضلة كانت في أنني سأجبر على مفارقتهما، وقد كانا صغيرين فالكبير عمره 4 أعوام والصغيرة لم تتجاوز العامين، أحسست بأن روحي سوف تنتزع مني»، هكذا تصف مها صراعها الداخلي بعد الطلاق لحتمية تخليها عن طفليها بسبب زواجها.
لم يوافق والد الطفلين على بقائهما معها رغم عدم ممانعة الزوج، فلجأت مها إلى إدخال أمها كطرف ثالث في القضية لتطالب بحضانتهما حيث تعطي التشريعات جدة الصغار لأمهم حق حضانتهم بعد الأم، تليها أم الأب، وتستمر حضانة الصغار للنساء من غير أمهم حتى إتمامهم سن 10 سنوات تؤول الحضانة بعدها إلى الأب إلا إذا تنازل عنها، وذلك حسب مضمون المادتين 170 و173 – أ من القانون.
تقول مها: «أمي سيدة كبيرة في السن وقد أنهكتها الحياة، وكانت فكرة وجود طفلين في رعايتها عبئاً كبيراً عليها، لكنني كنت مضطرة لذلك لأضمن وجود أطفالي بقربي وفي رعاية والدتي. كانت أمي أحياناً تحضرهم إليّ ليبيتوا في حضني ليلة أو ليلتين، ولكن بالسر ودون أن يلاحظ ذلك أحد، فإذا علم والدهما بالأمر بإمكانه أن يطالب بالطفلين وهذا بالنسبة لي كان أمراً مرعباً».
اضافت، «بعد نحو سنتين توفيت أمي، وحصل طليقي على حضانة الطفلين وانتقلا للعيش معه، وصرت لا أراهما إلا في موعد اللقاء الأسبوعي الذي حددته المحكمة ولم يعد بالإمكان أن أصطحبهما إلى بيتي».
أما قصة عبير فقد تكون أكثر تعقيداً، فهي الأخرى طُلقت عندما كان عمرها 22 عاماً وكان لديها ابنة رضيعة لم تبلغ العام، جاءتها فرصة للزواج وضغط عليها أهلها للقبول بها، وأبدت والدة عبير استعدادها لحضانة الطفلة شرط أن تقوم بفطامها، وكان بيت الزوجية الجديد في مدينة أخرى غير التي تسكنها الجدة.
تقول عبير: «كان قراراً صعباً للغاية، طفلتي كانت صغيرة جداً وقد انتزعت من حضني، كانت أمي تحضرها لتنام عندي في بيتي أحياناً بالخفية، لكن الأمر كان صعباً ومعقداً لبعد المسافة، وعندما بدأت ابنتي بالكلام كنت دائماً أخاف أن تقول لأبيها وتفضح الأمر».
تابعت: «عشت سنوات على أعصابي، لم أشعر بالراحة يوماً، عندما تكون بعيدة أكون قلقة عليها ومشتاقة لها، وعندما تحضرها أمي إليّ أمضي الوقت بتحذيرها من إخبار أبيها خوفاً من فقدانها أو أن يتسبب لنا أباها بمزيد من المشكلات، وعندما انتقلت حضانتها إلى أبيها لإتمامها عشر سنوات صرت أراها مرة واحدة في الأسبوع لبضع ساعات فقط، ولا أستطيع اصطحابها معي إلى البيت، اشتقت لأن أطعمها وجبة من طبيخي أو أن أمشط شعرها بيدي، أنا أراها خارج البيت فقط كالغريبة».
المحامية لطيفة خويص ترى أن التمييز ضد الأم في التشريعات وتطبيقاتها يتجاوز مسألة إسقاط حضانة الأم بمجرد الزواج إلى منع الأم من اصطحاب أطفالها إلى بيت الزوجية إذا كانت متزوجة من رجل أجنبي عن الأطفال عند تنفيذ الزيارة الدورية التي تعطيها لها المحكمة، إلا إذا وافق الأب على ذلك، بينما يستطيع الأب أخذ أبنائه إلى بيته بعد الزواج من أخرى غير الأم ومبيتهم عنده الأوقات التي تخصصها له المحكمة إذا لم تكن الحضانة بيده.
تشير خويص إلى أن الوضع التشريعي الحالي وتطبيقاته الذي يحرم الأم من الاحتفاظ بحضانة أبنائها عند الزواج، والذي يمنعها أيضاً من اصطحابهم إلى المنزل بين الحين الآخر يتسبب في تشوهات كثيرة في شكل العلاقة بين الأم وأبنائها التي ينبغي أن تكون سلسة ومتصلة، مؤكدة أن ذلك يتسبب بضرر نفسي كبير ليس فقط للأم وإنما للأبناء بدرجة أكبر.
تعطي المادة 181 من القانون لكل من الأب والأم ممن ليس في يده الحضانة الحق في رؤية المحضون وزيارته واصطحابه مرة في الأسبوع، وبعد بلوغ المحضون السابعة من عمره يضاف إلى ذلك الحق في مبيت المحضون عند الطرف غير الحاضن خمس ليال متفرقة أو متصلة شهرياً.
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft
معاناة لتعليم الأبناء
«كادت ابنتي ترسب في المدرسة لأن إدارة المدرسة تعدها من بين المتغيبات منذ فترة طويلة في الوقت الذي كانت فيه منتظمة بالحضور على مقاعد الدراسة في مدرسة أخرى» بهذه الجملة التي تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى تصف تمارا ما حدث معها.
تمارا (37 عاماً)، هي سيدة مطلقة وأم لطفلة كانت تقيم مع طليقها في إحدى دول الخليج المجاورة، وبعد وقوع الطلاق بينهما عادت إلى الأردن وبقي والد الطفلة في دولة الجوار حيث عمله، وكانت الطفلة صغيرة لم تدخل المدرسة. عندما بلغت سن الدراسة حاولت الأم التواصل مراراً معه لتسجيل ابنته بمدرسة مناسبة لكنه لم يستجب، فقامت بتسجيل ابنتها في مدرسة خاصة في الحي الذي تسكنه مع عائلتها.
انتظمت الصغيرة بالدراسة، ثم أقامت الأم دعوى لتطالب الأب بنفقة التعليم، فرفض الأب تحمل نفقات التعليم الخاص لأنه لم يُستأذن بتسجيل الصغيرة في المدرسة الخاصة. حاولت الأم إثبات قدرة الأب المالية ولكن المحكمة لم تأخذ بذلك فاختيار نوعية التعليم حق للأب بغض النظر عن قدرته المالية. استمرت الأم بالمطالبة فما كان من الأب، الذي لم ير ابنته منذ 9 سنوات، إلا أن أرسل بوكالة إلى جد الطفلة وقام الأخير بسحب ملفها من مدرستها وتسجيلها في مدرسة حكومية دون علم الأم.
تفاجأت الأم بعد فترة باتصال من وزارة التربية والتعليم ينذرها بأن ابنتها ستعتبر راسبة بسبب تغيبها، لتفهم بعد ذلك ما حدث، وتضطر للدخول في صراع مع الزمن ومع القضاء لتثبت كيدية ما قام به والد الفتاة، وإقامته خارج البلاد، وانتظام ابنتها في الدراسة بمدرسة أخرى، وإقرارها بأنها ستتكفل بتسديد رسوم المدرسة الخاصة على سبيل التبرع ودون الرجوع بها على الأب، لتحصل بصعوبة على حجة وصاية مؤقتة محدودة الغاية لتصويب وضع ابنتها حتى لا تفقد حقها في السنة الدراسية.
قصة تمارا هي واحدة من مئات القصص الشبيهة فيما يتعلق بقضايا تعليم الأبناء التي ترتبط جميعها بإعطاء الأب الحق في اختيار نوع التعليم ومكانه بشرط أن يكون في محل إقامة الحاضنة، وفق المادة 184 من القانون.
تروي “سمية” (31 عاماً) بحرقة معاناتها في عدم تمكنها من نقل ابنتها إلى مدرسة قريبة من منزلها عندما قامت بتغيير مكان السكن إلى شقة أقل كلفة، وتقول: «ذهبت إلى مدرسة ابنتي وطلبت ملفها لنقلها لكن إدارة المدرسة رفضت وطلبت حضور الأب لأنه الولي وصاحب الحق الوحيد في ذلك، وللأسف لم يكن الأب متعاوناً في أي شيء، تواصلت معه مراراً لكنه ظل يماطل، وبقيت المدرسة ترفض طلبي حتى كادت البنت تفقد حقها الدراسي في تلك السنة، فاضطررت للجوء إلى القضاء».
وتتساءل سمية: «لماذا أجبر على دخول طريق المحاكم الوعرة التي كنت دائماً أتجنبها؟ ماذا فعلت لأجل ذلك؟ كل ما أردته هو نقل ابنتي إلى مدرسة قريبة بكل هدوء، لكنني لا أملك الحق في شأن كهذا يخص ابنتي في الوقت الذي أتحمل فيه أنا كامل المسؤولية عن رعايتها».
ويرى المحامي أبو بكر أن إعطاء الأب الحق منفرداً باتخاذ القرارات المتعلقة باختيار نوعية التعليم هو أمر غير منصف وغير منطقي، حيث أن الطرف الذي يتكبد عناء متابعة شؤون الأبناء هو الحاضن وهو في الغالب الأم وبالتالي ينبغي أن تكون الأم شريكة في هذا القرار.
تتفق خويص مع أبو بكر في أن اختيار نوع التعليم يجب ألا يكون متروكاً لرغبة أي شخص وإنما يجب أن يكون وفق ما يضمن تحقيق مصلحة الأبناء، ومرتبطاً بالقدرة المالية للأب والمستوى المعيشي والاجتماعي للأبوين، والبيئة التي يعيش فيها الأبناء.
تملص من المسؤوليات
يلزم قانون الأحوال الشخصية بموجب المادة 190 الأب الموسر بنفقة تعليم أولاده في جميع المراحل التعليمية بما في ذلك السنة التمهيدية قبل الصف الأول الأساسي وإلى أن ينال الولد شهادة جامعية على أن يكون الولد ذا أهلية للتعليم.
ولا يملك الولي المكلف بالإنفاق على المحضون إذا اختار تعليمه في المدارس الخاصة عدا السنة التمهيدية حق الرجوع عن ذلك إلا إذا أصبح غير قادر على نفقات التعليم الخاص أو وجد مسوغ مشروع لذلك حسب المادة 191 – أ من القانون.
لكن، وعلى الرغم من هذا الإلزام، تشير المحامية لطيفة خويص إلى أن كثيراً من الآباء يتملصون من تحمل مسؤولياتهم في تعليم الأبناء أو مواصلة تعليمهم في القطاع الخاص حتى لو كانوا منخرطين به منذ سنوات قبل الطلاق، حيث يدعي الأب الإعسار بمجرد الطلاق ولا تتحرى المحاكم عن وضعه المالي بشكل كاف.
وتروي خويص مثالاً على ذلك في قضية وكلت فيها للمطالبة بنفقة تعليم الأبناء في المدارس الخاصة التي يدرس فيها الأبناء منذ سنوات، وكان الوالد رجلاً ثرياً يمتلك سلسة محال مجوهرات شهيرة، لكنه بعد الطلاق قام بنقل ملكية هذه المحال لأخيه، ولم تتمكن خويص وموكلتها من إثبات الحالة المالية الميسورة جداً للأب، ولم تحكم المحكمة سوى بمبلغ بسيط للنفقة، واضطرت الأم إلى تغيير مدارس الأبناء إلى أخرى أقل كلفة وبمستوى تعليمي أقل رغم ما يترتب على ذلك من إضرار بمصلحة الأبناء، كما اضطرت على استكمال مصاريف تعليمهم على نفقتها الخاصة.
تشهد المحاكم حالات عديدة لآباء امتنعوا عن دفع نفقات التعليم الخاص لأبنائهم من مطلقاتهم، وفي الوقت ذاته يعلّمون أبناءهم من الزواج الثاني بعد الطلاق في مدارس خاصة، وعلى الرغم من أن الأصل في الأمور المساواة بين الأبناء، إلا أن الأمهات المطلقات في هذه الحالات لا ينجحن في تحصيل نفقات التعليم الخاص لأبنائهن لمجرد إدعاء الأب بأن زوجته الجديدة هي من تقوم بتسديد الرسوم ..
ويؤكد المحامي أبو بكر على ما تقوله خويص بأن كثير من الحالات يقوم فبها الأب بادعاء الإعسار رغم ثرائه بقيامه بنقل ملكية أمواله إلى أحد أقاربه، وتفشل الأم ووكيلها في إثبات حالة الأب المالية، مشيراً إلى أن الأم تتكبد عناءً كبيراً في إثبات حالة الأب بشكل عام خصوصاً عندما يكون عمله حراً ولا يوجد له مرتب ثابت من وظيفة محددة ولا تقوم المحكمة بأي جهود للتحري عن ذلك.
وتشهد المحاكم حالات عديدة لآباء امتنعوا عن دفع نفقات التعليم الخاص لأبنائهم من مطلقاتهم، وفي الوقت ذاته يعلّمون أبناءهم من الزواج الثاني بعد الطلاق في مدارس خاصة، وعلى الرغم من أن الأصل في الأمور المساواة بين الأبناء، إلا أن الأمهات المطلقات في هذه الحالات لا ينجحن في تحصيل نفقات التعليم الخاص لأبنائهن لمجرد إدعاء الأب بأن زوجته الجديدة هي من تقوم بتسديد رسوم مدارس أبنائها، وتأخذ المحكمة بذلك ولا تلزم الأب بالنفقات.
تصف محريز رئيسة ” تضامن النساء” انفراد الأب بقرار اختيار نوع التعليم بموجب القانون وتمكنه من التملص من مسؤولياته بالنفقة بأنه ظلم للأبناء ويحمل الأم أعباء كبيرة، مشيرة إلى أن ذلك يضمن لمعظم الأبناء الذين يحصل الطلاق بين أبويهم وهم على مقاعد الدراسة إكمال دراستهم في نفس المستوى تقريباً، بينما يسلب معظم الأبناء الذين يقع الطلاق بين أبويهم قبل دخول المدرسة الحق في التعلم بمستوى مناسب، إذ يتعنت كثير من الآباء برفض التعليم الخاص رغم قدرتهم عليه.
وتضطر الأم في هذه الحالات إما بالقبول بالتعليم الحكومي للأبناء بما ينطوي عليه من سلبيات من أبرزها عدم توفر المواصلات وتدني مستوى الخدمة، أو تعليمهم في المدارس الخاصة ذات المستوى المناسب لهم على نفقتها الخاصة، ودون أن تتمكن من مطالبة الأب بأية مبالغ لاحقاً.
علاج حسب المزاج
لم تتمكن نهلة من إجراء عملية جراحية لعلاج العصب السمعي لابنها الذي تحضنه وعمره 7 سنوات، حيث اشترطت المستشفى حضور الأب والتوقيع على موافقة خطية لإجراء العملية، وحين طلبت الأم من والد الطفل الحضور أو تزويدها بموافقة خطية لم يستجب ولم يوافق.
توجهت الأم إلى مكتب المحامي عمر أبو بكر لمساعدتها في إيجاد حل، فحاول إصدار حجة وصاية مؤقتة لها من المحكمة لإجراء التدخل الجراحي، قامت المحكمة باستدعاء الأب لسؤاله عن سبب عدم موافقته، فأجاب بأنه من الممكن الاستعاضة عن العملية بوضع سماعة أذن خارجية مستشهداً برأي طبيب قد استشاره، لكن الأم كانت متحفظة بشدة على هذا الخيار لأنها تسعى لحل المشكلة بشكل جذري وفي وقت مبكر قبل أن تتفاقم.
كان الطبيب الذي تراجعه الأم لعلاج ابنها يوصي بإجراء العملية لأن وضع سماعة يمكن أن يصاحبه بعض السلبيات كتضخيم الأصوات أحياناً، وكون الطفل صغير السن وكثير الحركة فهذا ليس الخيار المثالي، كما أن وضع سماعة للطفل من وجهة نظر الأم سيزعجه ويتسبب له بإحراج أمام زملائه لتأثيره على المظهر.
لم تأخذ المحكمة بوجهة نظر الأم ورغبتها المستندة على رأي طبي، ولم تصدر لها الحجة التي تحتاجها لإجراء العملية نتيجة عدم موافقة الأب، واضطرت الأم للرضوخ للخيار الذي اختاره الأب وحسب رغبته.
تتحدث المحامية لطيفة خويص عن وجود حالات لأمهات يواجهن صعوبات متعددة في كل مرة تتجه فيها إحداهن لعلاج الأبناء خصوصاً في حالات علاج الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى إجراءات من قبيل غسيل الكلى وتغيير الدم وما شابه، حيث يطلب كثير من المعالجين والعاملين في إدارات المستشفيات موافقة الأب شخصياً لإجراء العلاج على الرغم من تعديل قانون العقوبات قبل بضعة أعوام لإعطاء الأم حق الموافقة على العلاجات الطبية والإجراءات الجراحية، لكن التعديل ظل بلا تطبيق كامل على أرض الواقع.
كانت المادة 62 – ج من قانون العقوبات تنص سابقاً على أنه «لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة في العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط إجرائها برضا العليل أو رضا ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة».
وطالبت منظمات مجتمع مدني وحقوقيون على مدار سنوات بتعديل نص المادة لإعطاء الأم الحق باتخاذ هذه الإجراءات أسوة بالأب، وتعالت تلك المطالب بعد وفاة رضيع أردني جراء رفض والده إجراء تدخل جراحي له بسبب خلافات مع والدة الطفل.
وتم تعديل القانون عام 2017 بإضافة عبارة «أو رضى أحد والديه» إلى المادة أعلاه لتعطي بذلك للأم حقاً مساوياً للأب للموافقة على العلاجات الطبية والعمليات الجراحية للأبناء.
نهى محريز رئيسة «تضامن النساء» ترى أن الأمور أصبحت أفضل بكثير من السابق في هذا الجانب، إلا أن المحاميين أو بكر خويص يؤكدان أنهما تلقيا الكثير من الشكاوى من أمهات ما زلن يواجهن صعوبات لدى مراجعة الجهات الطبية لعلاج الأبناء حيث ما زالت بعض تلك الجهات تشترط موافقة الأب بسبب عدم علمهم بالتعديلات أو بسبب الأعراف السائدة.
أشارت خويص إلى ضرورة أن يكون هناك جدية أعلى في تطبيق التعديلات القانونية، وأن يكون هناك مساءلة للجهة الطبية التي تتعنت، وتشديد العقوبات على العاملين في تلك الجهات في حالة تعليق المعالجة الطبية على موافقة الأب مهما كانت الأسباب، وإلا فإن الأمور سوف تبقى مرهونة بوعي الطبيب المعالج أو الجهة الطبية بالقانون وستظل مربوطة في النهاية بموافقة الأب، ويمكن أن يترتب على ذلك إضرار بصحة الأطفال سيؤدي بالتأكيد إلى تضييق شديد على الأمهات.
الموافقة شرط لتسديد المصاريف
يروي لنا المحامي أبو بكر صوراً أخرى لاستخدام آباء المحضونين لحقوقهم أو لبعض الاجتهادات القضائية بطرق تنطوي على «غبن» بحق مطلقاتهم وفق تعبيره، ومن أبرزها ربط مسألة إلزام الأب بنفقات العلاج بموافقته بالأساس على هذا العلاج ما يجعل الأمور تعود بالأمهات إلى المربع الأول وهو ضرورة الحصول على موافقة الأب لتتمكن فيما بعد من الحصول على التعويض عن المصاريف.
تحدث أبو بكر عن عدد من الحالات التي يكون فيها الطلاق قد وقع بين الزوجين بعد حمل الزوجة وقبل الولادة، فيقوم الطليق بإرسال إنذار عدلي استباقي للأم الحامل يعلمها خلاله أنه غير موافق على خضوعها لإجراءات الولادة في مستشفى خاص، وبأنه قام بإجراءات الحجز وجميع الترتيبات اللازمة في إحدى المستشفيات الحكومية، وينذرها بأنها إذا وضعت حملها في مستشفى خاص فإنه لن يكون مسؤولاً عن أي نفقات مترتبة على الولادة.
يضيف أبو بكر بأن المحكمة في هذه الحالة، لا تلزم الأب بدفع أية نفقات للولادة حتى لو احتاجت هي أو المولود لعلاجات طبية لاحقة إذا وضعت الأم حملها في مستشفى خاص لعدم موافقة الأب المسبقة على ذلك، حتى لو كان الأب مقتدراً وحتى لو كانت الأم معتادة في السابق على تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة قبل الطلاق على نفقة زوجها مشيراً إلى أنه لا يمكن مقارنة مستوى الخدمة بين القطاعين فالهوة بينهما شاسعة جداً.
تلزم المادة 192 من القانون الأب بنفقة علاج أولاده الذين تلزمه نفقتهم، بينما تنص المادة 193 من القانون على أنه «إذا كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة الطبيب أو العلاج أو نفقة التعليم وكانت الأم موسرة قادرة على ذلك تلزم بها على أن تكون ديناً على الأب ترجع بها عليه حين اليسار، وكذلك إذا كان الأب غائباً يتعذر تحصيلها منه».
أبو بكر أشار إلى أن ربط إلزام الأب بنفقات علاج الأبناء بشكل عام بموافقته على العلاج باستثناء الحالات الطارئة يستند إلى اجتهادات قضائية، ولا يمكن للأم عادة تحصيل نفقات علاج الأبناء حتى لو قدمت فواتير وتقارير طبية بتلك النفقات إذا قدم الأب عند التقاضي دفوعاً بأن العلاج لم يقترن بموافقته.
تمارا، الأم المطلقة الحاضنة لابنتها، التي روت لنا معاناتها مع طليقها في موضوع تعليم ابنتهما، كان لديها تجربة أيضاً في محاولات تحصيل نفقات علاج الفتاة من أبيها، لكنها كذلك باءت بالفشل.
تقول تمارا: «منذ طلاقي قبل 14 عاماً احتاجت طفلتي في مرات عديدة للعلاج فليس هناك طفل لا يمرض، واحتاجت إلى نظارات طبية وتقويم أسنان وأمور أخرى، حاولت في البداية كثيراً تحصيل بعض النفقات الطبية من والدها لكنني لم أنجح في أي مرة، فقررت ألا أعود إلى طريق المحاكم، الشاقة، الطويلة، التي لم أصل يوماً إلى نهايتها، والاعتناء بابنتي والإنفاق على احتياجاتها من دخلي والاكتفاء بالحدود التي أقدر على تغطيتها».
ختمت تمارا حديثها قائلة: «بالنسبة لي، تمكنت من ذلك لأنني أعمل رغم أن دخلي محدود جداً، لكن ماذا تفعل الأمهات غير العاملات؟؟ كيف تدبر الأم التي ليس لديها أي دخل احتياجات أبنائها؟ حقاً أنا لا أستطيع تخيل الأمر لصعوبته».