fbpx

مصريون تحت العقوبة الأبدية

يتواصل التضييق على السجناء السياسيين في مصر حتى بعد انقضاء مُدد محكوميتهم.. قد تجد نفسك مدرجًا على قائمة الإرهاب، مستبعدًا من الوظائف العامة والخاصة، أو حتى محرومًا من فتح حساب بنكي وشراء خط اتصالات
ــــــــ ماضي مستمر
6 مارس 2025

تجاوز إضراب الأكاديمية ووالدة الناشط السياسي المصري المعتقل علاء عبد الفتاح، ليلى سويف، عن الطعام الـ 5 أشهر احتجاجًا على تمديد حبس نجلها رغم انتهاء مدة محكوميته القانونية في سبتمبر/ أيلول 2024 وإعلان السلطات استمرار حبسه حتى العام 2027.

وفي 26 يناير/ كانون أول الماضي، أنهى الناشط السياسي والمتحدث السابق لحركة 6 أبريل محمد عادل محكوميته، واستمر حبسه دون الإعلان مباشرةً عن الأسباب القانونية. سبق ذلك بأيام قليلة إرسال زوجته، روفيدة، خطابًا لرئيس الجمهورية لاستصدار عفو رئاسي عن زوجها، الذي تجاوزت مدد سجنه 11 عامًا، إذ بدأ سجن عادل في ديسمبر/ كانون الأول 2013 على خلفية التظاهر دون تصريح، وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات، ومثلهم مراقبة شرطية، يتحتم عليه فيها البقاء محتجزًا في قسم الشرطة لعدة ساعات تصل إلى 12 ساعة يوميًا. 

بعد قضائه حكم السجن كاملًا، وبعد حوالي العام ونصف من حكم المراقبة، قُبض عليه مرة أخرى في يونيو/ حزيران 2018 من داخل قسم الشرطة الذي كان يقضي فيه المراقبة، على ذمة قضية جديدة، أتهم فيها بـ «الإنضمام لجماعة إرهابية وسوء استخدام وسائل التواصل الإجتماعي ونشر أخبار كاذبة». بعد شهرين أو ثلاث من حبسه، تم التحقيق معه في قضية ثانية، بنفس إتهامات الأولى. وفي ديسمبر/ كانون أول 2020 حُقق معه في قضية ثالثة، وكان الإتهام فيها «التواصل مع عناصر جماعات إرهابية أثناء محبسه». 

تقدم محامو عادل بطلب لضم القضيتين الأولى والثانية لاشتراكهما في نفس المحضر والاتهامات، وُرفض الطلب، واستمر حبسه احتياطيًا حتى يناير/ كانون ثاني 2021، حيث حُكم عليه بإخلاء سبيل في القضية الأولى بكفالة 10 آلاف جنيه، ليبدأ حبسه وعرضه أمام النيابة في القضية الثانية، بذات اتهامات الأولى، واستمر الحبس الاحتياطي الجديد حتى مارس/ آذار 2020 حين فوجئ عادل بإحالته في القضية الأولى للمحاكمة، وصدر الحكم فيها بالحبس 4 سنوات في سبتمبر/ أيلول 2023، وفي المحصلة بقي سجينًا حتى اليوم.

هذا الوضع المربك يسمى إعلاميًا وحقوقيًا بـ «التدوير»، أي خضوع السجين للتحقيق في قضايا متتالية، ما أن يُبرأ من واحدة حتى يبدأ سجنه على ذمة الثانية، لتبدأ سلسلة لا نهائية من السجن. قصة الصحفي والمدون محمد إبراهيم رضوان، المعروف باسم محمد أكسجين، مثالًا جيدًا على ذلك الإجراء.

بدأ محمد تنفيذ فترات متشابكة من السجن منذ أبريل/ نيسان 2018 على ذمة أربعة قضايا مختلفة، جميعهم بنفس الاتهامات، أي أنه خضع للتدوير ثلاثة مرات متتالية.  في أكتوبر/ تشرين أول 2021 أحيل أكسجين للمحاكمة، على ذمة قضية جديدة مستنسخة من إحدى القضايا الثلاث التي دُور عليها، وحصل على حكم بالسجن 4 سنوات. كان من المفترض أن يخلى سبيله في سبتمبر/ أيلول 2023، غير أنه واصل السجن لفترات إضافية ماتت فيهم والدته، وحاول هو إنهاء حياته عدة مرات.  

المحامية والعضوة السابقة في المجلس القومي لحقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، تخضع كذلك للتدوير منذ حبسها في نوفمبر/ تشرين ثاني 2018، على ذمة القضية المعروفة بـ «قضية التنسيقية (المصرية للحقوق والحريات)»، واتهمت فيها بـ «الانضمام لجماعة إرهابية وتمويل الإرهاب»، وفي مارس/ آذار 2023، ومع تجاوزها مدة الحبس الاحتياطي القصوى المحددة بسنتين بمثليهما، حُكم عليها بالحبس خمسة سنوات. وفي اليوم الأخير من عقوبتها في أكتوبر 2023، تم ضمها إلى قضية ثانية، بنفس الإتهامات الواردة في القضية الأولى، ثم عادت لتدُور على ذمة قضية ثالثة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2024 بنفس إتهامات القضيتين السابقتين.

المحامي خالد بدوي، زوج هدى عبد المنعم ومحاميها، يقول «هدى متهمة بالإنضمام والتمويل وحيازة المنشورات، المحكمة برأتها في التمويل والمنشورات وحبستها 5 سنين، وانتهت العقوبة في أكتوبر 2023، ثم اتهمتها النيابة بنفس الاتهامات التلاتة، إزاي وهي في حيازتهم؟ ومحبوسة انفرادي، وممنوع عنها الزيارة؟ وتحت سجن وحيازة وزارة الداخلية؟».  

المحامي الحقوقي محمد الباقر وصف التدوير على القضايا بأنه «مخالفة صريحة للقانون، ولالتزامات مصر الدولية المرتبطة بالعدالة الجنائية، ويمثّل تضييقًا مباشرًا على المجال العام». 

وكان الباقر قد دُور شخصيًا على عدة قضايا  في سنوات حبسه، بين عامي 2019 و2023، حيث قضى سنتين حبس احتياطي على ذمة قضيته الأساسية، ثم نُسخت قضية جديدة مطابقة في الاتهامات وصدر الحكم فيها في ديسمبر/ كانون أول 2021 بالسجن 4 سنوات. وبالرغم من أن قانون الإجراءات الجنائية  ورد في نصه «يكون استنزال مدة الحبس الاحتياطي عند تعدد العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها على المتهم من العقوبة الأخف أولًا»، إلا أن ما حدث هو «تصفير العداد والبدء في قضية جديدة بالمخالفة للقانون»، على حد وصفه. وفي أغسطس/ آب 2020 عاد ووضم إلى قضية ثالثة، وفي نوفمبر/ تشرين ثاني من نفس العام ضُم إلى قضية رابعة انتهت بإدراجه على قوائم الكيانات والأشخاص الإرهابية لخمس سنوات.

المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسية طارق العوضي، والذي كان مشاركًا في جلسات الحوار الوطني الخاصة بالحبس الإحتياطي، يقول «ما يطلق عليه التدوير تم مناقشته في جلسة الحبس الإحتياطي، وطالبنا بإلغاء موضوع التدوير ده في الحوار الوطني، لأن ده إدانة لإدارة السجن، ولم تخرج تشريعات تمنع ده. تكرار نفس الاتهامات دي مسألة مهم إعادة النظر فيها»، مضيفًا أن توصيات الحوار الوطني في ملف المحبوسين لم يؤخذ بها، وأوضح أن «التوصيات كانت كويسة جدًا، والرئيس وجه بوضعها موضع التشريع لكن فوجئنا بأنها لم توضع في القانون».   

ليس التمديد وحده

 حين طُلب منه التوقيع على حكم المحكمة الصادر بحقه، علم الناشط محمد عادل أن مدة حبسه ستبدأ منذ صدور الحكم وليس منذ تاريخ حبسه احتياطيًا مثلما ينص القانون، وضع يتشابه مع الناشط السياسي والمدون علاء عبد الفتاح، المحبوس منذ ما يزيد عن 10 سنوات، قضى فيهم حكمان بالسجن لخمس سنوات. قانونيًا إنتهى الحكم الأخير بالسجن في نهاية سبتمبر 2024. إلا أن السلطات رفضت ضم فترة الحبس الاحتياطي لمدة العقوبة، تمامًا مثل حالة عادل، ليتقرر مواصلة حبسه حتى أول 2027، ما دفع والدته الدكتورة ليلى سويف إلى الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 30 سبتمبر الماضي، ولقد بدأت صحتها في التدهور بشدة مع دخولها الشهر الخامس من الإضراب.

هناك مخالفات قانونية أخرى تعرض لها سجناء آخرين، مثل المترجمة والناشطة الإنسانية مروة عرفة، التي حبست احتياطيا لما يقرب من خمس سنوات منذ أبريل 2020، قبل إحالتها للمحاكمة الجنائية في يناير الماضي فقط، وهو ما يخالف قانون الإجراءات الجنائية، والذي ينص على «لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام».

منذ حبسها في 2018، مُنعت هدى عبد المنعم من الزيارة حتى نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، بالمخالفة لقوانين ولوائح السجون، سُجنت فيهم إنفراديًا، باستثناء مرتين أو ثلاث سمح للأسرة بزيارتها بأمر المحكمة، طيلة السنوات الخمس. يقول زوجها «كانت بتبقى في قفص زجاج والمشاورة ممنوعة والكلام ممنوع والابتسام ممنوع. الزيارة بتحصل في حجرة بيكون فيها ظابط أمن وطني، مدتها نص ساعة أو ساعة إلا ربع»، لكنه في النهاية يقارن بوضع آخرين أسوأ من وضع زوجته وأسرته، ويقول «فيه أسر بقالهم 11 سنة مشافوش أهلهم».

أصيبت داخل السجن بضمور كامل في الكلية الشمال، وجلطة في القدم اليسرى، وأزمات صدرية متتالية، وضيق في شرايين الدماغ، والتهاب الأذن الوسطى، وخشونة الركبة، وأصيبت بالاغماء أكتر من مرة ونقلت إلى المركز الصحي. قدمت كتير ضد كل الإجراءات التعسفية ..

بخلاف المنع من الزيارة، أصيبت هدى بالعديد من الأزمات الصحية في محبسها، ومُنعت الأسرة من الحصول على تقاريرها الطبية، بحسب زوجها خالد بدوي. يقول «أصيبت داخل السجن بضمور كامل في الكلية الشمال، وجلطة في القدم اليسرى، وأزمات صدرية متتالية، وضيق في شرايين الدماغ، والتهاب الأذن الوسطى، وخشونة الركبة، وأصيبت بالاغماء أكتر من مرة ونقلت إلى المركز الصحي. قدمت كتير ضد كل الإجراءات التعسفية، وقدمت طلبات بالإفراج الصحي وطلبات بالحصول على التقارير الطبية، كل ما يمكن عمله قانونًا عملته.. لكن لا حياة لمن تنادي».

أما محمد عادل ففي خلال الإحدى عشر عام الماضية، عانى الكثير من التعنت في محبسه، كان آخره منعه من أداء امتحانات دبلومة القانون العام بجامعة المنصورة من مقر سجنه، ما دفعه للدخول في إضراب عن الطعام. أعقب ذلك منع زوجته من الزيارة، فتصاعد الأمر حتى الإضراب عن الطعام والمياه، فتعاملت معه إدارة السجن بالقوة، وقاموا بـ «تغريبه» أي نقله من سجن جمصة إلى سجن العاشر من رمضان، وهناك فك عادل إضرابه، بحسب زوجته، التي لم تعرف كل هذه التفاصيل إلا حين سُمح لها بزيارته في السجن الجديد في 12 يناير، بعد أسبوعين من القلق والمنع من الزيارة.

سجن العاشر من رمضان هو السجن الخامس الذي يحتجز فيه عادل في خلال 11 سنة، فقد إنتقل بين ليمان طرة وتحقيق طرة وسجن المنصورة وسجن جمصة شديد الحراسة، وهو الأسوأ بينهم، 2 وأخيرًا سجن العاشر من رمضان.

تقول زوجة عادل «زيارتنا كانت سيئة جدًا، وقتها أقل من وقت الزيارة الطبيعية، نص ساعة أو تلت ساعة، ومش بتتم مع زيارات باقي المساجين، يا قبل يا بعد. الزيارة بتتم في قفص أسود ريحته وحشة، وفي الصيف صعب جدًا. بيبقى معانا واحد أو إتنين بيسمعوا كل حاجة بتتقال.. طول الوقت كانوا بيتعمدوا إستفزازه أو إستفزازي، وبيتضايقوا جدًا من البوستات على الفيسبوك». في السجن الجديد، بالرغم من أنهم أيضًا لا يجرون الزيارة في مكانها الطبيعي، لكن الشخصان اللذان يراقبا الزيارة يجلسان على مسافة متر ونصف، وبالرغم من أن القيود في السجن الجديد تبدو أصعب فالتريض لا يتجاوز الساعة والزيارة نصف ساعة فقط، لكن الزيارة كانت أسهل عليها، تقول «أكننا روحنا دولة تانية».

لم يكن هذا هو الإضراب الأول لعادل ضد ما يتعرض له من تعنت، كان قد سبقه إضراب آخر في أغسطس/ آب 2024 استمر لما يقرب من الشهرين، للمطالبة باحتساب فترة الحبس الاحتياطي التي قضاها ضمن الحكم الصادر بحقه. سبق ذلك إضرابات أخرى لأسباب متعددة، من بينها منع دخول الكتب أو الطعام أو إفساد الطعام أثناء التفتيش أو التضييق على الزيارة.

هذا التعنت بحق عادل كان سببًا في زواجه في 2020. تقول رفيدة «من 2018 وإحنا مخطوبين، وكنا هنكمل مخطوبين لغاية ما يخرج، لكن في نهاية 2019 بدأوا يمنعوني من الزيارة، وقتها قلت لنفسي مفيش حل غير كتب الكتاب. القرار جه فجأة، لأننا مكانش فيه بينا تواصل، الجوابات كانت ممنوعة. من فبراير 2020 بدأنا الإجراءات، وأخدنا 7 شهور لما كتبنا الكتاب في نوفمبر. حاولت يبقى جوة السجن، لكنهم رفضوا، وعملناه بتوكيل في البيت عندي». تضيف «مكنتش متخيلة اني هاعمل حاجة زي دي وأنا مش مبسوطة، وهو مش معايا.. حتى كتب الكتاب هو مكانش جنبي، ومش عارفة هيخرج إمتى. مكنتش متخيلة وقتها إننا هنطول لغاية دلوقتي».

طول مدة الحبس تحت هذه الظروف أوصل عادل إلى حالٍ شاقة، تقول رفيدة «هو كأنه ميت، سلب حقوقه كاملة عامله حالة غضب. كان بيقولي إن الدراسة هي الحاجة الوحيدة اللي مصبراه. إن الوقت بيمر مش بيشتغل ومش بيعمل حاجة. عادل مش بيحب يظهر الأسى اللي هو فيه، لكن بحس بكلامه إنه زعلان على نفسه.. المتعب طبعًا في الموضوع إننا مش عارفين كل دة هينتهي امتى، ولو خرج هيتدارك اللي حصل في الدنيا إزاي؟ حتى في شغله، يعني هو مبرمج ومش متابع التحديثات، وده هيحتاج وقت كبير، واللي حصل في الحياة والناس. هو حاسس بخسارة كبيرة، وأنا حاسة بده أكتر منه الصراحة، بس مكملين، هنعمل إيه؟».. بعد هذه السنوات والمخالفات والتعنت، لم تعد رفيدة ترى جدوى من الشكاوى أو التحركات القانونية بصفة عامة، تفسر ذلك «من كتر ما عملنا حاجات وما بتجيبش نتيجة.. هم فوق القانون، وإحنا برة القانون. لا هم بيتعاملوا معانا بالقانون، ولا إحنا هناخد حقنا بالقانون».

عقوبات تطال الأسر أيضًا

تعرضت رفيدة نفسها لمضايقات أثناء التفتيش في الزيارات أكثر من مرة، تقول «أوقات التفتيش الذاتي يبقى متوصي إنه يبقى تفتيش حقير، أشبه بالتحرش. في مرة كان الموضوع أوفر فمسكت أيد اللي بتفتش وضميت رجليا، فراحت قالتلي إيه ده هو انتي بنت؟ ده حصلي في سجن المنصورة».

أحيانًا يصحب رفيدة في زيارات زوجها والدته أو والده أو شقيقته. قبل وباء كورونا كانت الزيارة مرة أسبوعيًا، وبعد تطبيق الإجراءات الاحترازية تقلصت إلى مرة واحدة شهريًا، رغم أن لائحة السجون تحدد الزيارات باثنتين شهريًا. تتحمل أسرة عادل العبء الأكبر من تكلفة الزيارات، وهي تكلفة كبيرة للغاية، بحسب رفيدة. تقول «لما باجيب شوية حاجات إضافية بتبقى تكلفة. لو أسرة عندها أطفال هتبقى حاجة صعبة. أي زيارة عادية مش أقل من 4 آلاف جنيه غير الحاجات الشخصية، وفلوس المواصلات، كل حاجة بقت غالية، غير الفلوس اللي بتتصرف في يوم السجن نفسه».

بخلاف العبء المالي، فإن تحضير الزيارة نفسه يكون مرهقًا. التحضير يبدأ من اليوم السابق، والزيارة نفسها تبتلع اليوم كله، ثم في اليوم التالي يتراكم ثقل الزيارة النفسي والجسدي، تقول «بابقى مكسرة، ونفسيًا بابقى مش قادرة أشوف حد ولا أتعامل مع حد». رفيدة التي حصلت بصعوبة على ماجستير الأدب والنقد في ظل هذه الظروف، تعمل كمدرسة لغة عربية ومصححة لغوية حرة، تقول «الشغل متدمر مع السجن، بشتغل بـ 20٪ من طاقتي، وبضطر أشتغل بشكل حر، عشان مفيش مكان هيقبل باللي احنا فيه».

غياب السجين نفسه له أثر كبير على الأسر، يقول المحامي خالد بدوي زوج هدى عبد المنعم «هدى بالنسبة لنا كل حاجة، فهم أخدوا كل حاجة.. إحنا حياتنا تكاد تكون انتهت بغياب ربة البيت، دينامو البيت وإدارته.. الإهتمام بشؤوني الخاصة والعامة.. إحنا قوم أظلم بيتنا بغياب صاحبته، وشلت أطرافنا بغياب صاحبته». يضيف «البنات إتكسروا، إحساسهم بفقدان أمهم وهي على قيد الحياة أفقدهم توازنهم.. ومع التدهور الصحي ومنع الزيارات المحنة أصعب.. بناتي بيبقوا كل يوم عايزين يقولولي يا بابا إنت مش عارف تعمل حاجة».

فدوى خالد، إبنة المحامية هدى عبد المنعم، تكتب بشكل شبه يومي تقريبًا عن والدتها، عن الغياب، عن تطورات الوضع مطالبةً بحريتها حتى لو بإفراج صحي لتدهور صحتها. شقيقتها جهاد تقوم بالمثل تقريبًا، وتحاول لفت إنتباه العالم لقضية والدتها، إعلاميًا وحقوقيًا. لكن بخلاف العبء المرتبط بالسجن نفسه، أحيانًا ما تستهدف السلطات ذوي المحبوسين والمعارضين بشكل مباشر.

أوقات التفتيش الذاتي يبقى متوصي إنه يبقى تفتيش حقير، أشبه بالتحرش. في مرة كان الموضوع أوفر فمسكت أيد اللي بتفتش وضميت رجليا، فراحت قالتلي إيه ده هو انتي بنت؟ ده حصلي في سجن المنصورة ..

في 18 ديسمبر/ كانون أول الماضي، توفي أستاذ الجيولوجيا والمناضل السياسي يحيى القزاز، واعتبر البعض أنه مات قهرًا، فقد كتب بيانًا قبل وفاته بأسبوعين يشكو فيه ما تتعرض له أسرته من عقوبات إدارية بسببه، مثل منع أبناءه وزوجته من السفر ووضعهم على قوائم الاشتباه. وقال في بيانه «من واجبي أن أدافع عن أسرتي في حدود إمكانياتي، وأتحمل مسئولية ما لحقهم بسببي، وأدير مفتاح تصفية الحسابات معهم إلى شخصي»، متمنيًا أن «أن يصدر الرئيس توجيهًا أو إيحاء أو قرار بإلقاء القبض على وسجني أو اغتيالي، ورفع أسماء أسرتي من على قوائم الاشتباه والممنوعين من السفر». وكان القزاز قد أعتقل بين أغسطس 2018 ومايو 2019 في قضية رأي، وبالرغم من إخلاء سبيله، إلا أن التنكيل به استمر إداريًا، حيث أحيل للتأديب في الجامعة أكثر من مرة بين عامي 2019 و2020 للتحقيق معه في اتهامات سياسية.

الاتساع في معاقبة السياسيين والحقوقيين والصحفيين وذويهم لا يتوقف في مصر، في يناير/ كانون ثاني الماضي، قُبض على الأكاديمية ندى مغيث، زوجة رسام الكاريكاتير والمترجم أشرف عمر، المحبوس احتياطيًا منذ يوليو/ تموز الماضي، على خلفية حوار أجرته مع الصحفي بموقع «ذات مصر» أحمد سراج، الذي قبض عليه كذلك بالتزامن مع ندى. وفيما أخلي سبيلها بكفالة 5 آلاف جنيه، صدر القرار بحبس سراج. أعتبر البعض هذا تصعيدًا ضد أهالي المعتقلين والصحفيين. وفي حادث مشابه، في أبريل/ نيسان 2023 قُبض على نعمة هشام، زوجة المحامي الحقوقي محمد الباقر بعد نشرها أخبارًا عن الإعتداء على زوجها وآخرين منهم محمد أكسجين وأحمد دومة  ومحمد القصاص في السجن، وأفرج عنها بعد ساعات.

بخلاف كل ما سبق من استهداف للأسر بشكل مباشر وغير مباشر، يبقى الأثر النفسي عظيمًا على المحبوسين وذويهم.  يقول المحامي خالد بدوي «لن أحدثك عن العجز الذي أشعر به، بعد ٤١ سنة من القانون، مش عارف أنقذ زوجتي ولا غيرها.. وقفت في أحد الجلسات أمام المستشار محمد شيرين فهمي وقلت أنا على إستعداد أن أدخل مكان زوجتي ويخلى سبيلها، أو أقعد مع مسئول كبير في الدولة عشان أحل المشكلة».

أما رفيدة فتتمنى أن يخرج زوجها محمد عادل بعفو، حتى لو بقيود أسوة ببعض الحالات المشابهة، تقول « مفيش حاجة تضاهي وجود حد جوة السجن. لما بقارن نفسي بمحمد، عندي مشاكل كتير في حياتي الشخصية بسبب وجوده في السجن، بفكر أني ممكن مالحقش أخلف، لكن ده لا يضاهي وجوده في السجن. لما بتضايق بقدر أتمشى على البحر، أو أقفل عليا الأوضة، أو أتكلم مع حد. هو محروم من كل ده، محروم من عيلته، طول الوقت في ضغط، سلب حرية تام. مش عارفة هنبدأ حياتنا إمتى؟».

واحدة كذلك من حالات استهداف الأسر في السنوات الأخيرة، هي حالة المحامي إبراهيم متولي، الناشط في الدفاع عن المختفين قسريًا منذ إختفاء ابنه في يوليو/ تموز 2013. وقُبض عليه في سبتمبر/ أيلول 2017 من مطار القاهرة، قبل توجهه لجنيف لتقديم شهادته لمجموعة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري،  باعتباره والد أحد ضحايًا هذه الجريمة ومنسق لرابطة أسر المختفين قسرًا، وتم تدويره في قضية ثانية في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019، تضمنت الاتهامات نفسها الخاصة بالقضية الأولى. وفي أغسطس/ آب 2020 فوجئ بوضعه على ذمة قضية ثالثة.

العفو الرئاسي لا يعني الحرية

العفو عن السجناء متوقف منذ فترة بحسب المحامي طارق العوضي، موضحًا «آخر عهدنا بالعفو كانت مجموعة أحمد دومة (في أغسطس/ آب 2023)، وبعد كدة لم يستجيبوا لأي طلبات قدمناها» مضيفًا أنهم وفي أثناء عمل اللجنة (لجنة العفو الرئاسي) كانت تقدم كل ما يردها من أسماء، فبالرغم من أن عمل اللجنة الرئيسي كان يشمل المحكوم عليهم لأن العفو عنهم من سلطة رئيس الجمهورية، إلا أنهم قدموا توصيات للأجهزة الأمنية والقضائية والرئاسة تخص المحبوسين احتياطيًا.

منذ حوالي العام، قرر العوضي الإنسحاب من اللجنة، يقول: «شفت إن مفيش دور بنعمله، فقررت أرجع لدوري الأصلي في المطالبة بالحرية لكل سجناء الرأي». وعند سؤاله عن وضع اللجنة حاليًا قال: «بقالها سنة مافيش ليها دور ولا فيه ردود على حاجة بنبعتها.. هل صدر قرار بإلغائها؟ بتجميدها؟ هل هي مكملة معرفش.. قبل كده كان فيه تفاعل وكان فيه قوائم بتخرج.. واضح إن الإرادة السياسية تغيرت في الشأن ده، ودلوقتي مثلًا فيه إحالات لكل القضايا».

في النهاية وصف العوضي ملف سجناء الرأي بأنه «ملف مزعج للجميع، ومفيش مصلحة للدولة في استمرار الملف ده».  لكن حياة من حصلوا على العفو، ليست أفضل كثيرًا، مثلما سيتضح من القصص التالية.

في يوليو/ تموز 2023، حصل المحامي الحقوقي محمد الباقر على عفو رئاسي دون أن يُرفع اسمه من قوائم الإرهاب، التي كان قد أدرج عليها في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020. يقول «أنا طالع بعفو رئاسي، يعني الأجهزة الأمنية ورئاسة الجمهورية معندهاش مشاكل معايا، بناء عليه قرروا صدور عفو رئاسي وعدم استكمال العقوبة، وخروجي إلى الحياة عشان أتعافى وأستعيد حياتي السابقة.. وبالتالي شئ بديهي إنه أكون اتشالت من قوائم الإرهاب، وانتظرت إن أنا أتشال وده محصلش». بعد خروجه تقدم الباقر بطلب للنائب العام لرفع اسمه من قوائم الإرهاب استنادًا لقرار العفو الرئاسي، ولم يتم الرد على طلبه منذ ذلك الحين، قبل أكثر من عام.  بحسب الباقر الإدراج يشمل المنع من السفر، التحفظ على الأموال، المنع من الترشح والتصويت، والمنع من المناصب العامة (العمل في الحكومة).

منذ خروجه يعاني الباقر من عراقيل في أموره المالية.  يقول «عايز افتح حساب بنكي وعايز يبقى ليا ذمتي المالية الخاصة اللي موجودة في البنوك، وعايز يبقى عندي فودافون كاش زيي زي أي مواطن عادي خالص، ويبقي معايا كريديت كارد، الكلام ده بعض الناس ممكن تحس إنه كوميدي وبسيط، لكن هو مهم جدًا.. عايز حد يحولي فلوس وأقدر أحول فلوس ضمن منظومة الشمول المالي عادي خالص.. عايز أؤسس شركة وأفتح جمعية أهلية.. حقي كمواطن يعيش حقوق طبيعية ومقدرش اعمل ده».

تعجب العوضي من وضع محمد الباقر وآخرين مثل الصحفي هشام فؤاد والمحامي هيثم محمدين ممن خرجوا بعد حبسهم بعفو رئاسي، ولكن العفو لم يشمل رفعهم من قوائم الإرهاب. يقول «المفروض إن العفو يشمل العقوبة الرئيسية والتابعة.. الإدراج على القائمة عقوبة، فلو صدر عفو عن عقوبتي على الجريمة الأساسية، فالمنطق أن يشملها قرار العفو.. وفيه ناس كتير اترفعت»، مضيفًا أنه ربما يحتاج الأمر منهم لإتخاذ إجراء قانوني لرفع الإدراج.

في أغسطس/ آب 2023 صدر قرارًا رئاسيًا بالعفو عن الناشط والشاعر أحمد دومة، وذلك بعد عشرة سنوات من حبسه على ذمة عدد من القضايا، كان أقصى العقوبات فيهم هي السجن المشدد لـ 15 عام والغرامة 6 مليون جنيه الصادرة ضده في يناير/ كانون ثاني 2019 في قضية «أحداث مجلس الوزراء» التي تعود إلى ديسمبر/ كانون أول 2011، وأيدتها محكمة النقض في يوليو/ تموز 2020. وضع العفو نهاية لعقوبة الحبس، لكن استمرت العقوبات بحق دومة بأشكال مختلفة.

بالنسبة لدومة، كان قرار العفو واضحًا باشتماله على جميع القضايا، وعددهم أربعة، بما في ذلك العقوبات الرئيسية والتابعة، ومع ذلك بعد خروجه بعفو إكتشف أن حكم الغرامة، الذي كان 18 مليون جنيه (أكثر من مليون دولار آنذاك)، وخُفف إلى 6 ملايين جنيهًا في النقض، لم يلغى، وإكتشف حجزًا على حسابه البنكي على ذمة الغرامة. الأكثر من ذلك أنه منذ إخلاء سبيله وهو ممنوع من أي تعاملات بنكية ومن فتح حسابات جديدة، ولم يفلح في الحصول على أي قرار رسمي بهذا المنع.

بخلاف التعاملات البنكية والمالية، عانى كلًا من الباقر ودومة منذ خروجهما مع استخراج أوراق رسمية أساسية. حين حاول دومة استخراج بطاقة شخصية في أكثر من مقر للسجل المدني قوبل طلبه بالرفض، وفي المحاولة الثالثة في مقر ثالث نظر موظف السجل المدني في أوراقه وتركه وأغلق الشباك ورحل، فقرر دومة الإعتصام حتى يحل الموقف، وقابل بالفعل مسؤول، وحصل على البطاقة بعد بضعة اتصالات ووساطات ودية. لكن الوساطات لم تفلح في موضوع الفيش والتشبيه (السجل الجنائي)، الذي لم يحصل عليه بعد محاولات عدة، وهو ضروري للتقديم على عمل أو دراسة أو سفر. في جواز السفر أيضًا، لم يُسمح له حتى بالتقديم على إستمارة تجديده. في أثناء محاولته تجديد جواز السفر علم بوجود مشكلة في التجنيد، وحين ذهب إلى التجنيد وجدوا صفحته بيضاء، بلا أي تفاصيل عن السجن أو العفو، ومن ثم أخبروه أنه يعد هاربًا من آداء الخدمة العسكرية ويجب إحالته للمحاكمة، وذلك حتى بعد أن أعطاهم قرار العفو.

نفس رحلة الفيش والتشبيه واجهها محمد الباقر، ووجد صفحته بيضاء، وطلبوا منه الذهاب لإدارة الأدلة الجنائية، وبعد قضائه يومًا كاملًا هناك ظهر على «السيستم» إنه مازال محبوس. ذهب مجددًا ومعه صورة من العفو الرئاسي، فطلبوا منه «شهادة من واقع الجدول» من نيابة أمن الدولة العليا، تشمل حبسه والعفو عنه عنه وتنفيذ العفو، تقدم الباقر بعدة طلبات للحصول على هذه الشهادة ولم يحصل عليها حتى اللحظة. أما أمورًا روتينية أخرى مثل إستخراج رخصة سيارة، والتي تستغرق يومًا واحدًا باتت بالنسبة للباقر أمرًا في غاية التعقيد يستغرق أكثر من شهرين.

يقول الباقر: «عشان أطلع الرخصة لازم آخد إذن الأول.. رحت مقر للنائب العام في الرحاب، وقدمت طلب فيه صورة البطاقة بتاعتي وصورة الرخص… بعد أسبوع عشر أيام قالولي الطلب اتصدر لإدارة مرور القاهرة اللي في التجمع، فخدت بعضي وخدت رقم الصادر وطلعت على إدارة مرور القاهرة، وقعدت يوم كامل عشان يتفتحلي السيستم عشان يتشاف عليا غرامات ولا لأ، وخدت إذن من النيابة بده.. مكانش عليا غرامات ولا مخالفات، فقلتلهم ادوني الورق بقى، قالي لأ. إنت بتمسكش حاجة بإيدك، احنا بنبعت الورق ده لإدارة مرور الواحات، عشان يتسجل هناك، فبتروح إدارة مرور الواحات، تخش هناك لمسؤول المرور تقوله أنا فلان الفلاني ومُدرج، وفيه إخطار جه من إدارة مرور القاهرة برقم كده، عشان حضرتك تأشر والسيستم بيتفتح.. بتروحله مرة أو مرتين بردو، والموضوع بياخدله أسبوع، عشر أيام.. يقولك اوكي خلاص هنبعت إحنا الورق تاني لإدارة المرور اللي في القاهرة، فيبعت برقم صادر لإدارة مرور القاهرة.. فإدارة مرور القاهرة تستنى مندوب يجيلها من المرور اللي أنا تابع ليه، وبعدين تدي للمندوب الورق.. خد أسبوع.. عشان يقولي أروح لمرور التجمع، اللي كان المفروض أروح له من أول لحظة.. رحت التجمع وماشي في إجراءات أنا معرفهاش لغاية ما بيديني الرخصة». لكن الأمر لا يتوقف هنا، فمن غير المسموح للمدرجين على قوائم الإرهاب بتجديد الرخص لأكثر من سنة واحدة، يبدأ من تاريخ تقديم الطلب، بدلًا عن ثلاثة سنوات، ما يعني عمليًا التقديم على رخصة كل بضعة أشهر، وبالمثل هناك حد أقصى لرخصة القيادة الشخصية ثلاث سنوات بدلًا عن عشرة سنوات.

من ناحية أخرى فوجئ الباقر بمشكلة تخص هاتفه، وإكتشف أنه يستقبل مكالمات فقط دون إرسال، وغير مسموح له بإستخدام الإنترنت وحين تقدم بشكاوى لشركة الإتصالات التابع لها خطه، أخبروه بأن هناك قرارًا من البنك المركزي يمنعه من التعامل على «محفظة فودافون كاش»، ومع ذلك مُنع من خدمات أخرى، ليست مدرجة في القرار. استغرق الأمر 4 شهور للبحث عن سبب الحجب عن الإتصالات، فاكتشفوا حجبًا على بطاقة الرقم القومي. توجه الباقر للأحوال المدنية لاستخراج بطاقة رقم قومي، وبعد شهور أخرى من تكرار الذهاب، والرد بأن «السيتسم معموله بلوك.. هذه البيانات معلقة» بسبب الإدراج على قوائم الإرهاب، واحتجازه لساعات في إحدى تلك الزيارات بحجة وجود مذكرة استيقاف ضده، حرر باقر مذكرة استعلام للأمن الوطني للسؤال عن سبب الحجب، وقعه وأخلي سبيله، وبعد شهر من هذه الواقعة اتصلت به مباحث الأحوال المدنية للذهاب للإفادة في طلبه، وبعد ساعات أخبروه أن «الملحوظة» رفعت عن بطاقة الرقم القومي، ومن ثم تم رفع الحجب عليها وعلى خط الاتصالات الخاص به. عام كامل ليتمكن الباقر من استخدام هاتفه بشكل طبيعي.

في العمل، فكثير من اتفاقات التوظيف تلغى لاحقًا، بسبب إتصال أو تهديد من الأمن، على حد قوله. بل أن التهديد أحيانًا يصل لمقاهي ومطاعم يجلس بها، بأنها ستغلق لو سمحت بدخوله ..

التضييقات الشبيهة تحرم أحمد دومة من الدراسة. حاول التقديم في أكثر من جامعة للدراسات العليا، وإما كان غير مرحب به، أو يُطلب منه أوراق رسمية بديهية هو غير قادر على الحصول عليها. أما في العمل، فكثير من اتفاقات التوظيف تلغى لاحقًا، بسبب إتصال أو تهديد من الأمن، على حد قوله. بل أن التهديد أحيانًا يصل لمقاهي ومطاعم يجلس بها، بأنها ستغلق لو سمحت بدخوله. الأمر يمتد لأدق تفاصيل الحياة، يقول دومة «بسكن في بيت مش بتاعي عشان مش عارف اشتري أو استأجر.. بعض المعارف بيجيلهم تهديدات عشان ماقعدش عندهم.. حتى المشي والقهوة، فيه حد على كتافك بيصورك، إما مراقبة أو متابعة من بعيد، حتى إلكترونيًا حساباتي حاولوا يخترقوها.. أنا موجود في مدينة ساحلية معزولة، وطول الوقت فيه أشخاص بتراقبني. اشتبكت أحيانًا لكن ده لا يتوقف. الفارق بس في كثافته وقربه. إنه يقل أو يزيد ويشكل تهديد». يضيف «مش عارف يكون عندي علاقات طبيعية لأني خايف الأشخاص اللي هم الأصدقاء والعائلة يتعرضوا للتهديد».

إلى جانب كل هذا يتواصل استهدافه على كل ما يكتبه أو ينشره، يقول «كل ما بكتب حاجة بيكون فيه تهديد ليا ولأسرتي. حملات بتحركها أجهزة لما بكتب أو بنشر مقال. تهديد وتشويه ووصلت لبلاغات وتكفيرات وتخوينات واتهامات واستخدام صور لناس من أسرتي وتهديدهم، ولما قدمت بلاغات ضد شخص مثبت تهديده ليا ولأسرتي، رفضوا إستلام بلاغي، احتجزوا محاميتي في المديرية أثناء تقديمه، وبعد تقديمه في النهاية، لم ينظر فيه».

أحدث هذه الاستهدافات كان سحب ديوانه الأخير «كيرلي» من الأسواق بعد تقديم بلاغات ضده لتكفيره ولمصادرة الكتاب، وجاء ذلك بعد وقت قصير من تعرضه لاعتداء في منطقة الزمالك. وأيضًا حين بدأ النشر عن معتقلين وسجناء سياسيين زاملهم في السجن، تصاعدت التهديدات والتضييقات ضده.

لم يقف الأمر هنا، ففي نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، اُستدعي دومة للتحقيق على ذمة قضية جديدة، واجه فيها إتهامات بـ «نشر أخبار كاذبة في الداخل والخارج» على خلفية ما نُسب إليه من إعادة نشر تغريدات عن سفن إسرائيلية وأخرى داعمة للاحتلال الإسرائيلي عبرت من المياه مصر. أُخلي سبيله على ذمة القضية، بكفالة 20 ألف جنيه.

كانت خطة دومة الرئيسية بعد خروجه السفر للخارج، للتعافي من تجربة السجن وآثارها المتعددة وللدراسة. خرج دومة من تجربة السجن بالكثير من الأمراض، يقول «عديت على على 6 أو 7 تخصصات، ومحتاج أكتر من عملية»، هذا بخلاف الأثر الشخصي والنفسي، يضيف «طلعت من غير بيت ولا زوجة ولا أسرة ولا شغل، وخسرت عملي الصحفي والإعلامي»، ومُنع بعد كل ذلك من مجرد استخراج جواز سفر.

العمل في لجنة العفو الرئاسية كان من المفترض أن يشمل إعادة دمج المعفو عنهم في المجتمع بعد خروجهم، يقول العوضي إنهم واجهوا بعض المشكلات في هذا الصدد «إحنا اصطدمنا بلوائح خاصة ببعض الأماكن زي الجامعات أو الشركات بترفض عودة الطلبة لدراستها أو الناس لعملهم، دي حاجة بتحتاج تعديلات تشريعية.. وفيه أصحاب أعمال كانوا بيخافوا يشغلوا ناس.. وفي موضوع المنع من السفر، فيه ناس كانت ممنوعة من السفر، بس مش بأمر قضائي، فمكانش عندنا حل».

لا ترتبط كل الممنوعات المفروضة علي الباقر بموضوع إدراجه على قوائم الإرهاب، فبعضها قانوني وبعضها «تجويد» من موظفين بسبب خوفهم أو جهلهم، على حد قوله، ولكنها جميعًا تعطل حياته. يصف الباقر الوضع قائلًا «شروخ إنسانية وآلام إجتماعية على لا شئ». يضيف «تقعد تلف على أصحابك وقرايبك عشان تبعت لحد تحويل إنستا باي ولا فودافون كاش ولا تحول لحد فلوس عشان صيانة عربية ولا فواتير، ليه تبقى حِمل مباشر أو غير مباشر على اللي حواليك.. ليه تخش أي مكان تتعامل مع كارت فيزا اللي حواليك.. منشآت حكومية كتير بتتعامل بالديبيت كارد، فتبقي رايح بفيزا حد أو تطلب من حد في الطابور، تدفعله كاش وتاخد الفيزا بتاعته.. انت إنسان تُعامل كناقص للأهلية.. ممنوع يكون عندك حسابات بنكية، ممنوع تتملك، ممنوع تبيع، ممنوع تتوكل، ممنوع توكل، ممنوع تترشح، ممنوع تسافر».

«لو كل ده مش حاصل كنت أحب أذاكر وأكتب وأسمع مزيكا، وحاجات ربما أكثر مللَا.. أنا بشكل شخصي بحاول أتعالج، بس مش عارف قوي مع استمرار نفس الظروف. شئ يبدو جنوني». العداء لدومة واضح سببه، هو عداء للثورة ورموزها، وكأن التخلص منه ومن رموز الثورة، سيخلص الدولة من «الكابوس اللي اسمه ثورة يناير»، فلا يتم الاكتفاء بمسح الصور والحوارات والفيديوهات وكل ما يوثق الثورة من الأرشيف، بل يمتد لمسح الناس أنفسهم، وكأن الثورة ستختفي، أو بجعلهم عبرة بممارسات انتقامية لتخويف الآخرين. يقول «فلنكن عبرة، ولكن بإرادتنا زي ما بيقول علاء عبد الفتاح».

حصار على الحياة

في يناير/ كانون ثاني الماضي، أُخلي سبيل الصحفي والحقوقي حسام بهجت بكفالة 20 ألف جنيه، بعد تحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا في الاتهامات المعتادة «مشاركة جماعة إرهابية وتمويلها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة». وكانت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» التي يديرها بهجت، قد نشرت إحصاء قبل التحقيق معه بعدد مرات ملاحقة المبادرة قانونيًا منذ 2011، وسجلت أربعة قضايا جنائية ضدها والعاملين فيها فقط في السنوات الأربعة الأخيرة.

المحامية الحقوقية ماهينور المصري، عانت من استهدافات متكررة أيضًا منذ 2011، تمثلت في سجنها أربعة مرات، الأولى بين أبريل/ نيسان وسبتمبر/ أيلول في العام 2014، والثانية بين مايو/ أيار 2015 وحتى أغسطس/ آب 2016، والثالثة بين نوفمبر/ تشرين ثاني 2017 ويناير/ كانون ثاني 2018، ثم الرابعة بين سبتمبر/ أيلول 2019 وحتى يوليو/ تموز 2021 تقول ساخرة «لما دخلت في 2019 قلتلهم أنا كنت قلقانة على أمن الوطن لأني متعودة اتحبس كل سنة»، هذه السخرية تخفي وراءها معاناة حياتية ومهنية ترتبط بالسجن المتكرر. تصف ماهينور هذا الوضع قائلة «إحساس بتاع بيتك آيل للسقوط وحاطة شنطة جنبك طول الوقت.. ما أقدرش أعمل خطط طويلة أيا ما كانت».

«موضوع السجن كذا مرة ده بيبقى فيه مشكلة أساسية إنه فيه بعد سيزيفي كده»، توضح ماهينور كيف أثر السجن المتكرر والقضايا الكثيرة التي توضع على ذمتها طيلة الوقت على حياتها وتقول أنها حين سجنت في المرة الأولى في 2014 تعطلت دراساتها العليا في الجامعة الأمريكية، والتي كانت تقدم عليها حينها، ولم تتمكن من إستكمال الأوراق أو الدراسة في السجن، لكنها أصرت على الدراسة وساعدتها أسرتها على التقديم على دبلومة وهي في السجن دون أن تتمكن من استكمالها بسبب تزامن خروجها مع موعد الإمتحانات.

وبالرغم من إخلاء سبيلها في 2015، إلا أنها كانت موضوعة على ذمة قضية أخرى، فكانت تنتظر عودتها للسجن مرة ثانية، ما عطلها مهنيًا، وجعلها غير قادرة على فتح مكتب محاماة، تقول «معرفتش آخد الخطوة دي ولا أمسك قضايا عشان أنا شايفة إني هاتسجن. صعب آخد توكيل وبعدين يتقبض عليا». بعد الحبسة الثانية في 2016، فتحت ماهينور مكتب بمشاركة محامي حقوقي آخر لفترة قصيرة، ولم يستمر المكتب طويلًا.  حاولت مجددًا وفتحت مكتب آخر في 2017، لكن بعد حبسها لحوالي ثلاثة شهور بين تعرض المكتب للتضييق، حيث قامت مالكة الشقة بإلغاء عقد الإيجار فجأة. وفي محاولة ثالثة، فتحت ماهينور مكتبًا مع زميل لها، إلا أنه هو من قبض عليه هذه المرة في ديسمبر/ كانون أول 2018، وبعد عدة شهور قبض عليها هي أيضًا في سبتمبر/ أيلول 2019. مازالت ماهينور تحاول حتى اللحظة أن يكون لديها مكتب محاماة، لكنها مازالت تتخوف من تولي «القضايا الطويلة».

هذا التعطل المهني أخر درجتها في المهنة، تقول «أنا المفروض أبقى محامية إستئناف بس مخصوم مني خمس سنين. في 2016 إتعمل تعديلات في قانون المحاماة، للتضييق على المحامين في رأيي، وبقى بيتطلب من المحامين دليل إشتغال. قانونًا اللي في السجن طالما مش إتهامات شرف وأمانة فبتجيبي ورقة بالحبس وبيتحسب الوقت. نيابة أمن الدولة مكانتش بتدي الورق ده… كان الحل إني أدفع غرامة وأقلل خمس سنين، وأبتدي من وقت ما اشتغلت في 2019». هذا جعل ماهينور محامية محاكم إبتدائية وليس استئناف، ما حرمها من تمثيل موكلين بدرجات التقاضي المختلفة، وأيضًا من المثول أمام مجلس الدولة.

بخاف من الصداقات.. المفروض مثلًا كنت أطلع سفرية مع أصدقاء وقررت ماروحش عشان ما أشبههمش لو كمين وقفنا.  فبقرر أسافر مع ناس في نفس وضعي، عشان محدش يتحط تحت الميكروسكوب بسببي ..

لهذا السجن المتكرر آثار أخرى على الحياة الشخصية، تقول ماهينور «عمري ما فكرت أدخل علاقة عاطفية مثلًا، لأني بحس إن ده عبء على آخرين، لأنها حاجة مش مستقرة. لو عندي عائلة متضررة مش لازم يبقوا أكتر». للسجن المتكرر تأثير يمتد حتى للصداقات، تقول ماهينور «بخاف من الصداقات.. المفروض مثلًا كنت أطلع سفرية مع أصدقاء وقررت ماروحش عشان ما أشبههمش لو كمين وقفنا.  فبقرر أسافر مع ناس في نفس وضعي، عشان محدش يتحط تحت الميكروسكوب بسببي».

الأمر لا ينتهي هنا، فماهينور أيضًا ممنوعة من السفر بقرار من النائب العام. توضح أن الأمر بدأ في 2018 حين سحبت السلطات جواز سفرها بشكل غير رسمي، فاستخرجت جواز سفر «بدل فاقد» وسافرت به، قبل أن يقبض عليها في 2019، وبعد خروجها في 2021 حاولت أن تستخرج جواز سفر جديد، ونجحت بصعوبة في ذلك، بعد رفض من الأمن الوطني. وفي أكتوبر/ تشرين أول 2022 وأثناء توجهها لإيطاليا للحصول على جائزة «أورورا للعمل الإنساني»، مُنعت من السفر على ذمة قضية حُررت ضدها وهي في السجن في عام 2020.

تظلمت ماهينور على القرار قانونًا، وقدمت عدة طلبات للحصول على «شهادة من واقع الجدول» وهي ورقة تثبت فترات الحبس، ويحتاجها الناس الذين يسجنون على ذمة قضايا أمن دولة، للعودة إلى أشغالهم مثلًا، ولكن نيابة أمن الدولة ترفض إصدارها، على حد قولها. وصل الأمر لرفع دعوى أمام مجلس الدولة لإلزام نيابة أمن الدولة بتقديم الورقة، ورفضت الدعوى بسبب عدم الاختصاص الولائي، أي أن قرار نيابة أمن الدولة بالامتناع عن إصدار هذه الشهادات غير قابل للطعن عليه، بحسب ماهينور.

تصف ماهينور هذه الممارسات قائلة «فيه آداء كيد.. كلنا فاهمين إن إحنا موجودين تحت نظام سياسي انتقامي.. هي حاجة انتقامية بس مش لكل الناس، ومش بالضرورة تكون جاية من سلطات عليا». لكن السجن وبالذات الممتد أو المتكرر، ليس هو الشكل الوحيد لمعاقبة الأشخاص، فما تعرضت له الصحفية والكاتبة رشا عزب في الشهور الماضية، يعكس أشكالًا مختلفة من حصار المعارضين وتهديد حياتهم.

في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بدأت رشا ملاحظة ممارسات عديدة تضيق على حياتها وتهددها. بدأت هذه الممارسات قبل شهور، مع تضييقات على تعاملاتها البنكية، وهي وسيلتها الوحيدة لتقاضي مستحقاتها على ما تكتبه من مقالات، لكن ما تعرضت له مؤخرًا شكل تصعيدًا جديدًا «يهدد الأمن والسلامة الشخصية»، على حد قولها. توضح «الملاحقة في الشارع، بمعنى أنه فيه حد بيراقبك و انتي حاسة إنك متراقبة، فده نوع من التهديد المباشر، وفي نفس الوقت أثناء محاولة إني أشتري شقة، كل المحاولات كانت تفشل، لمدة سنة وأنا مكنتش عارفة ليه، لحد ما عرفت بالصدفة إنهم كانوا بيبقوا ورا كل خطوة بعملها، وغالبًا بيوقفوا كل حاجة بحاول اخلصها في حياتي. وبالنسبة للعربية، إختفت بعد 24 ساعة من آخر مظاهرة اتعملت على سلم نقابة الصحفيين يوم 3 نوفمبر الماضي، ومن ساعتها مفيش أي أخبار عنها».

في ديسمبر/ كانون ثاني الماضي، وبعض بلاغات قدمتها رشا ونقابة الصحفيين ضد سرقة السيارة وضد الأشخاص الذين لاحقوها، دون جدوى، قررت الاعتصام في نقابة الصحفيين لأكثر من أسبوعين احتجاجًا على ما تعرضت له من مضايقات وملاحقات، وأيضًا ضد الممارسات العنيفة ضد المعارضين وأصحاب الرأي. حصلت في النهاية في يناير/ كانون ثاني الماضي، وبعد عدة شهور من اتباع الإجراءات القانونية، على صورة من محضر الشرطة لسرقة السيارة.

لهذه الممارسات أثر موتر، اعتبرته رشا «توقيف وحصار متكامل لحياة الناس، والهدف منه بالنسبة لي معروف، وهو إحداث هذا التوتر، وإحداث هذا الخلل في بنية الحياة للتعطيل عن دور الدولة شايفة إنه مزعج دلوقتي، وهو الدور اللي برز مرة أخرى بعد حرب غزة وبعد عدد من الوقفات الاحتجاجية اللي تمت على سلم النقابة». هذه الممارسات التعسفية ليست فريدة في رأي رشا، بل تحدث بحق المعارضين وأصحاب الرأي في مصر، وهي كلها ممارسات تمارس في أنظمة استبدادية، بحسب وصفها.

يلجأ النظام لأشكال مختلفة من العقاب مع المعارضين، بحسب رشا التي تشرح أكثر «الإعتقال، الإختفاء القسري، المنع من السفر، التضييق على العمل.. دي كلها حاجات بتخلي حياة الإنسان بلا معنى». كثير من الأشخاص تعرضوا لمثل هذه الممارسات والتهديدات، على حد قولها واختفوا من الحياة العامة بعد تهديدهم أو تركهم البلاد، هذا بخلاف الأشخاص الذين تتعرض حياتهم للتدمير المستمر حتى بعد اعتقالهم. «النظام المصري باعتباره إنه عتيق في الإستبداد فهو فاهم كويس قوي وعندهم تراث في كيفية تدمير حياة الناس»، تقول رشا، موضحة أنها تعرضت لممارسات متعددة استهدفت حصارها، على مدار حياتها، حيث قبض عليها أكتر من مرة في بعض الإحتجاجات، وأحيلت للنيابة أكثر من مرة، ووضعت على ذمة بعض القضايا، من بينها قضية «سب وقذف» المخرج اسلام العزازي الذي خرجت ضده شهادات عنف جنسي، وحرر بلاغًا ضد رشا وآخرين واتهمهم بالسب والقذف والإضرار بسمعته بعد تضامنهن مع الناجيات.

في أثناء جلسة المراجعة الدورية الشاملة الخاصة بمصر، التي عقدت يناير/ كانون ثاني الماضي أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تحدث الوفد المصري من مسؤولين حكوميين وقضائيين عن «إنجازات» مصر في ملف حقوق الإنسان في السنوات الخمس الماضية، منذ آخر مراجعة، ومن بينها، إلغاء حالة الطوارئ وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق ما سمي بـ «الحوار الوطني» وإطلاق إستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعديلات تشريعية من بينها مشروعي قانون لجوء الأجانب والإجراءات الجنائية، واللذان تعرضا لانتقادات حقوقية شديدة، كما أشار ممثل النيابة العامة في الوفد أنه من ضمن الإنجازات، أنه «لا يوجد في مصر شخص واحد محبوس بالمخالفة لأحكام القانون».

كنا قد تواصلنا مع وكيل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين محمد عبدالعزيز لسؤاله عن وضع حقوق الإنسان في مصر، وبالرغم من أننا أرسلنا له بعض أسئلتنا نصًا، بناء على طلبه، إلا أنه لم يستجب حتى اللحظة. وكان عبدالعزيز قد قال في تصريحات صحفية  سابقة، أنه «لا يوجد دولة فى العالم مثالية فيما يخص ملف حقوق الإنسان، ولكن الدولة المصرية اتخذت الكثير من الخطوات وليس خطوة واحدة مما يؤكد أننا على الطريق الصحيح».

انتهت جلسة المراجعة الدورية الشاملة لمصر بتوصيات من 137 دولة منها: التحقيق في جرائم التعذيب والعمل على حماية المواطنين منه، الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية الأفراد من الاختفاء القسري، ووقف سياسة التدوير، والالتزام بالحد الأقصى للحبس الاحتياطي ووقف استخدمه بإفراط، وضمان حماية واستقلال الصحافة ورفع القيود عنها، هذا بخلاف إلغاء أو تعطيل عقوبة الإعدام. وكان عدد من المنظمات الحقوقية قد أصدر بيانًا مشتركًا بعد جلسة المراجعة جاء فيه «أن وضع حقوق الإنسان في مصر الآن أسوأ من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، وأن الحكومة المصرية تمتلك القدرة والسلطة للاستجابة لهذه التوصيات واتخاذ تدابير فعالة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكن العقبة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية».

في الثالث من مارس/ آذار الجاري، نتيجة حملة التضامن الواسعة والتحركات السياسية داخليًا وخارجيًا من أجل الإفراج عن علاء عبد الفتاح، وافقت ليلى سويف على تحويل إضرابها من كلي إلى جزئي، بالاعتماد على شرب سوائل لا تزيد عن 300 سعر حراري يوميًا. الأطباء بمستشفى سان توماس بلندن أخبروا الأسرة أن هذا لن يمنع عودتها للمستشفى مرة أخرى، فيما أخبرتهم ليلى أن هذه الخطوة لن تمنع عودتها للإضراب الكلي مرة أخرى، إن شعرت باليأس مجددًا من خروج ابنها. الآن لديها أمل ورغبة في أن تعيش وترى خروج علاء بنفسها، بحسب ما نشرته إبنتها سناء سيف.