fbpx

مرحبا أنا محمد.. أنا الآن في بلد آمن

صار عمري 35 سنة وانا هون لجرب ارجع اتواصل مع شعور إنساني أو يمكن غريزة إنسانية

بحس انها لعبت دور البطولة بكتير مسارات بحياتي

ويمكن بحياة كتير ناس، وين ما كانوا ومين ما كانوا

 

انا مع مجد الديك ورزان زيتونة وزملاء تانين عم نوثق الهجوم بغاز السارين السام يلي استهدف الغوطة الشرقية بـ 21 أغسطس 2013

 

ما سمعنا إلا صوت صاروخ طلع، قالوا لنا العالم انضرب كيماوي

اطلعوا من البيوت، اطلعوا للبنايات العالية، طلعنا واخدنا اولادنا وازواجنا، وكل أهل الحارة طلعوا لفوق..

ما في شوي نزل صاروخ تاني والعالم كلها غابت عن الوعي

لا بعرف أولادي وين ولا زوجي وين، فقت بعدين صحيت لقيت حالي هون.. في ابني الصغير عمره أربع سنين كمان ما بعرف وين هو.

مو مهم عدد الضحايا

كل روح الها حكاياها واحلامها، وبحالة الغازات السامة بقيت حيطان الحارة واقفة بس مافي حدى حي ورا بوابها.

ما بقي جيران يردوا السلام على بعض ويعزموك على كاسة شاي محلى بسكاكر الأطفال لانو الغوطة محاصرة والسكر عملة نادرة.

بقي بس الحجر وتيابهم.

 

بس انا الآن بمكان آمن

بعرف اني خبرتكم من شوي، بس ضروري ضل ذكر حالي كل شوي اني بمكان آمن وممل كمان مجد الديك بمكان آمن وغالبا ممل

بس للأسف رزان زيتون والاصدقاء سميرة الخليل وناظم ووائل حمادي المغيبين قسراً اختطفوا بمدينة دوما بكانون التاني 2013 ومصيرهم مجهول لليوم

أنصب خيمتي لحتى اقضي هالليلة بغابة بتركيا، قريبة نسبياً من مكان سكني في اسطنبول

بس بعد شوي رح تغيب الشمس وتتحول هي الغابة لمكان مختلف تماما

ورح يمنع ورق الشجر حتى ضوء القمر من انه يوصل لارض الغابة ورح يغرق المكان بالعتمة

اي انا بخاف من العتمة وخاصة بالمساحات المفتوحة.

بخاف اني بطل شوف مين الكائنات إللى عم تشاركني المكان.

صحيح عندي حطب يكفي لحتى يطلع الضوء. بس كمان اصوات العصافير رح يجي مكانها أصوات غريبة ممكن تحمل اكتر من معنى

الخوف لاعب رئيسي بكتير مسارات بحياتي

وأنا طفل، اللحظات اللي بيستغرقها ضوء الفلورسنت القديم كانت مرعبة

لإني كنت بخاف من الشغلات أو الكائنات يلي ممكن تتخبى بالعتمة

بس مع الوقت طورت طريقة فعالة للمشكلة. اكتشفت إن نقطة ضعف هي الكائنات انها ما بتقدر تعيش بالضوء.

لهيك قررت حط حد للموضوع وصرت أشعل الضوء واطفيه بشكل سريع ومتكرر اشغل واطفي لحتى ازعج هي الكائنات الشريرة و خليها تبطل تخوفني 

المرة الجاية رح تعد للمليون قبل ما تخوف واحد متلي.

كبرت شوي وطورت طرق التحايل على الخوف.

كنت روح مع مخاوفي للحد الأقصى يمكن مانها اذكى طريقة ممكنة بس كانت طريقة ناجحة

كنت اهرب من المدرسة.. لحتى ما يقول رفقاتي اني جبان.

وانا فعلا كنت جبان، بس كنت خايف من مخاوفي يلي لو استسلمت لها رح أخسر علاقتي برفقاتي أو على الأقل كنت رح صير فريسة سهلة للتنمر.

سلينا: انا ربيت اصلاً مع فكرة انه انت لازم تكون قوي و مو قوي بالمعنى انه عندك ذكاء اجتماعي. بالمعنى اللي تاخد حقك بايدك وتوقف قدام الحق ويكون عندك شهامة يعني.

سلينا أباظة. فنانة تشكيلية سورية مقيمة في أبخازيا حالياً… سلينا كمان عندها حكاية مع الخوف، ومع ضرورة محاربته بكل الطرق تحت عناوين رنانة متل القوة او الشجاعة.

لكن حكاية سلينا مع الشجاعة كانت تحطها بمواقف مو ضروري تكون نتيجتها إيجابية.

سلينا: وكان مثلا مصطلح اني حسن صبي وكذا يطلق علي بابا من باب المجاملة يعني انه ربحت مباراة بالطابة مثلا او مثلا اخدت حق حدا من أولاد الحارة كان عم ينظلم او كذا فإنه بابا يقول اني اخت رجال او حسن صبي الصغير تبعي هيك بطريقة كتير لطيفة يعني كانت.

فأنت بتكبر وانت يعني مضطر تكون قوي بكتير مطارح وبكتير زوايا وخاصة انه كمان لما بتنفصل عن اهلك وهيك.

اجباري يتضاعف هادا الاحساس لانه خلص صرت بالعالم الخارجي انت. بس وبتكون بينك وبين حالك حاسس بالفخر لانه انت تعلمت تحس بالفخر لما تكون انسان شجاع وقوي وبلابلا.

بس بلحظة معينة بتكتشف انه انا اخي ما عاد بدي كون قوي.

انا ما عاد بدي كون قوي. انا يعني انا حابب عيش حياة عادية. يعني انا عن جد حابة  اعيش حياة عادية ما ما اكون قوية. 

حابة كون حدا عادي. بس هي الشغلة فعلا يعني بتجيب معها قصص بصير انت عندك صعوبة انك تطلب المساعدة.. بصير عندك صعوبة انك تتلقى المساعدة.

من حوالي سنتين اتعرضت سلينا لحادثة مؤلمة جسدياً على الأقل..  وهي الحادثة بتطرح سؤال: لو اختارت سلينا ترضخ لخوفها بدل ما تواجهه، هل كانت حكايتها هتاخد نفس المسار؟

سلينا: الحي يلي انا كنت فيه وتعرضت فيه لهذا الموقف. كنت ساكنة فيه لمدة تلات شهور.

والشخص اللي كنت ساكنة معه يعني صاحب البيت اللي كنت ساكنة معه هو صديقي وكنا انا واياه راجعين سوا عالبيت.

وهو بوقت اللي كنت انا ساكنة عنده وهو كان عم يقل لي انه متعرض للتهديد بالحي هاد بسبب شكله وميوله وهيك..

وصار شي كتير سريع يعني نحنا كنا نازلين انا واياه بالشارع وعلى بعد تقريبا عشرين متر من البناية يعني هنن حرفيا لاطيين (ينصبون كمين) له بالبناية لهذا الشب اللي معي…

فكانوا لاطيين له تحت البناية. وفجأة يعني هن بسرعة كتير خارقة. مشيوا باتجاهنا. ما بعرف شو حكوا كلمتين بسرعة ولبطه كف

انا صوت الكف ضرب فيني عرفت!

بهاي الثانية انا كان المفروض اركض بس من الصدمة يمكن أو ما بعرف شو… بترجع للقصة اللي هلأ قلت لك عنا.. وانت صغير تبع انه انت لازم تكون شجاع وتوقف مع الحق وهي القصص وهيك.

يمكن هذا اللي خلاني انه روح لعند هاد الزلمة. وبدال ما اهرب لورا رحت لقدام

وعم قول له انه شو بك يعني ليش عم تضرب وكذا وهيك قام نزلوا تركوه للشب رفيقي.. واستلموني انا بقى يا معلم.

يعني انا في لحظة بتذكر اول كف اكلته وقتا حسيت انه انا لازم اهرب بس كان متأخر يعني. عن جد لانه الكلب اجى.

بس اه بالعودة للخوف يعني الخوف اه

بجوز انا لو كنت حدا بخاف اساسا اكتر من هيك… كنت ما بطلع بوقت متأخر من البيت مثلا.

بس انا اصلا اساسا حدا ليلي عامة يعني وما بحب اطلع بالنهار اساسا.

لو كنت بدي أتجاوب مع الخوف من زمان كنت تجاوبت ووفرت على حالي كتير مشاكل تانية مو بس هَي.

محمد: وبالمقابل؟

سلينا: اي اضرب انا وهالعيشة يعني قبلانة انا هيك ماعندي مشكلة يعني

محمد: بقولوا انه الخوف ما بيقتل بس بيمنع الحياة

سلينا: وهاد أسوأ من القتل برأيي

 

غريب شو بتتغير الصفات أو الاحكام يلي ممكن نطلقها على الخوف بحسب اللحظة والموقف واحيانا هالغرابة بتحمل معها تناقض كبير.

أحيانا الخوف بيكون عدو. وأحيانا بيكون صديق.

أنا هلق بالغابة وعم فكر: بالله شو عم تعمل بالغابة اذا بتخاف من العتم؟

الحقيقة إني مازلت هاد الطفل اللي بيحاول يواجه الكائنات الليلية بمفتاح الضوء… أي، لسا بخاف. لكن في نفس الوقت بقدر قول إن علاقتي بخوفي اتغيرت تماما.

أصلا حكايتنا نحن السوريين مع الخوف مشربكة شوي.. يمكن متل حال كتير دول بيحكمها دكتاتور

حكاية بتشبه لوحة بالمسلسل السوري الشهير بقعة ضوء عنونها “طموح”

اي وفعلاً ببلدنا الطبيعي انك تكون أرنب وأنك تخاف  من الشرطة من أستاذ المدرسة من موظف شركة الكهرباء ومن اي حدى بيلبس يونيفورم ..شو السبب؟؟ 

بصراحة مو ضروري يكون في سبب.. أو بقدر قول ان الاسباب يمكن ما تكفيها هالسهرة.. بنخاف من يلي بيلبسوا ثياب موحدة يونيفورم لانهم بيشبهوا الشرطة وبنخاف من الشرطي لانه حامل سلاح مبدئيا.. ولان ممكن يكون مفتري..

ومن أستاذ المدرسة لانه حامل عصاية.. ومن موظف الدولة لانه بيقدر يعرقل معاملتي اذا ما دفعت له رشوة  ويلي مانه خايف من هالشغلات رح يكون خايف يخسر المكتسبات يلي حصلها بهاد البلد المحكوم بالخوف..

ومع بدايات الربيع العربي يتونس ومصر بلش النظام السوري يحط خطط لمنع الثورة بسوريا قبل ما تبدأ ووحدة من الخطط بتعتمد بشكل أساسي على تكريس الخوف 

سلينا: النظام كان عم يلعب على قصة الخوف من زاويتين يعني من زاوية انه الناس تخاف على هاي المكتسبات البسيطة يللي قدرت تلما بسبب علاقتها بالنظام. وخوف تاني هو كان يزرعه من الآخر.

بـ2011 يعني كنا لسا بمراحل مبكرة جدا اعتقد بالشهر الرابع او الخامس. يعني لسا هلأ عطسنا. عرفت؟

فكانت اعتقد هي احد الاستراتيجيات كانت سردية النظام قبل ما يخترع قصة المتطرفين الإسلاميين هي انه عصابات مسلحة ونشترية و قتالين قتلة وهيك الجو يعني انه هدول هن المتظاهرين.

سلينا في هي الفترة كانت مقيمة بمكان قريب من مساكن ديماس، بدمشق

مساكن الديماس معظم سكانها من الطائفة العلوية وهي منطقة عشوائية فقيرة، سلينا كان عندها فرصة انها تشهد بعنيها على نتائج زرع الخوف

سلينا: المدخل تبع المساكن تحول بالشهر الرابع يعني عم نحكي او الخامس. تحول لجبهة.. يعني صار في مو حاجز صار جبهة… يعني في دشم أسمنتية ورشاشات بي كي سي وصورة كبيرة لبشار الاسد تبع في احساس انه انت بتفوت على هذا المكان وهذا المكان مرهونة حمايته ووجوده أصلا مرهون بهاي الصورة.

بهاي البدلة العسكرية. وأنه انا عم احميكم طيب من شو عم تحميهم؟

لكن… بمحلات تانية لعب الخوف دور عكسي تماماً

الخوف من استمرار الحياة على ماهي عليه كان دافع جنوني لكتير ناس لحتى تثور  

انا وكتار من جيلي كنا نلوم جيل أهلي لانهم سكتوا على مجازر النظام القديمة وبطريقة ما صرت خاف اسكت لحتى ما كون شريك بصناعة مستقبل مرعب لاولادي ممكن يلوموني عليه

سلينا: العالم قاعدة عم تنطوط ع التمثال وتكسره وتشقفه وتزت عليه شحاطات وقصص.. بقى عرفت فانه يعني شو تكسر تمثال حافظ الاسد انت متخيل؟

انت متخيل انه عم تفكر هاي الفكرة مثلا بسوريا بـ الفين وتسعة يعني الفكرة نفسها بتخوف يا زلمة تفكر فيها بينك وبين حالك بركي في شي عنصر أمن بين دماغك و جمجمتك.

بالنسبة الي كان عندي خوف مرعب

كابوس انهم يجبروني على الخدمة العسكرية

حياة الجيش مرعبة بالنسبة إلي. ما بتحمل دورة تدريبية هدفها متل ما بقولو كسر النفسية، وتعويد المدني على تلقي الأوامر وطاعة القادة

أوامر وطاعة وقادة شي مرعب بما يكفي

بس.. في اسوأ من هيك بكتير

بالشهر الرابع سنة 2012 اعتقولني وأجبروني على الخدمة العسكرية بالوقت يلي كان الجيش السوري عم يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين.

ما عاد مهم كرامتي وكسر نفسيتي. هلئ في حياة على المحك، حياة بشر.

الحل الوحيد اني اهرب من الخدمة العسكرية

ممكن يكشفوني واخسر حياتي بس ببلد مخابراتي متل بلدي، يمكن ما بتوقف القصة عند حياتي.. احتمال كبير اذا هربت عرض حياة أهلي للخطر

حياة امي وابوي واخواتي وحتى رفقاتي كلهم ممكن يعتقلوا أو الأسوأ…

صارت الحسبة مو إني وازن ما بين الخوف والأمان. كان لازم أختار بين الخوف – والخوف. ما بين الخوف على حياتي وحياة أهلي. وبين الخوف من التورط في جرائم قتل.

أخذت قراري وهربت

أنا هلق في مكان آمن. على الأقل نسبياً آمن.

بس بصراحة ما بعرف لأي درجة بقدر ضل شوفه آمن ولو نسبياً، وأنا بعرف انه يومياً في لاجئين سوريين عم يتم ترحيلهم من تركيا لأسباب غير عادلة.. يمكن يكون دوري بكرا

عموما في عتمة الغابة، الخوف بيتحول لدهشة ومتعة بلحظة فهم ما وراء هي الاصوات الغريبة..

مكان آمن مو معناه بالضرورة إنه مكان خالي من الخوف. المهم إنه أنا ما عدت أخاف من هاد الخوف نفسه.

 

أنا في نقطة آمنة.. حتى الآن على الأقل

مقاطع من تاريخ شخصي مختصر للخوف، الخوف من العتمة عند ساعات النوم، الخوف من الشارع، من الحرب والهجرة، الخوف من الخوف نفسه
15 مارس 2022

يقول مثلٌ قديم “من خاف سَلِم ومن سَلِم سعُدت أيامه”، لكن الخوف قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى المزيد من الخوف، وإلى خيارات محصورة بين الخوف والخوف. وهكذا كانت حياة الملايين في سوريا، طيلة عقود، صوت أوحد وخوف، وعندما انفرط الخوف انفجر في وجه الجميع مع الثورة.

تتداخل أصوات المشي الهادئ في غابة تركية مع أرشيف صوتي لقصف مدن سوريا وبين النقطتين تواريخ شخصية للخوف.. من العتمة في البيت عند ساعة النوم وصولاً للخوف من الشارع والأهل والمجتمع، ثم العيش وسط رُعب الحرب التي صارتها الثورة فالبلدُ الآمن.. مؤقتًا، ولمن نجا ولم يفقد حياته.

الصورة الرئيسية من لوحة Guernica لبيكاسو