اختفت رفيقتي يوم العاصفة الماطرة. لم أشهد مثلها من قبل. تركت شباك المكتب مواربًا فابتل، والأوراق فوقه. حرمني ذلك وقفتي المعتادة لمراقبة قطة الشارع السمينة. أزعجني صوت الرعد والبرق والمطر نهارًا ولكني ليلًا خفت.
أنا وحدي في بيت بالكاد بدأت اعتاده.
حين عادت ظهر اليوم التالي وضعت لي مزيدًا من الطعام الجاف. كان الشارع صامتًا على غير عادته. الغريب أنه ظل صامتًا أيامًا طالت بعد ذلك. الصمت صار حياتنا الجديدة. كان البيت يعج بالزوار. أحب الجلوس مراقبة وسط اللغط. أفضل تربيتهم على رأسي وعنقي وأقبل لمساتهم على ظهري أحيانا. فقط أخاف الأطفال. وقتها أختبئ تحسبًا من حركاتهم العشوائية المؤذية.
أين ذهبوا؟ صارت أيامنا وحيدة إلا من زيارات خاطفة نادرة، عادة تبدأ بمناداة أسفل الشباك وتنتهي عند الباب. أبتهج حين يدخل أي من الاثنين اللذين يأتيين بأكياس الخضراوات والفاكهة. يلاعباني وأشاكسهما. لكن أين ذهب البقية وصخبهم؟
صرنا نحيا في عزلة وأضحى لنا نمط يومي جديد. تصحو وتحضر قهوتها. تصل غرفة المكتب. تلتهم موزة وتبتلع حبة دواء. أنتظر بفارغ الصبر أن تأتي بكوب الزبادي الصباحي. أقنعتها بسهولة أن عليها اقتسامه معي. تجلس أمام شاشة الكومبيوتر معظم النهار، وأمام شاشة التلفزيون في الليل. لا تغير من ملابس النوم. حين بدأت بالخروج مرة ثانية كان غيابًا يوميًا قصيرًا. يتلوه حمام وغسيل ملابس. يومًا واحدا في الأسبوع تتأخر. ذكرى غامضة تلوح ورائحة محببة.
حاولت رفيقتي اصطحابي معها لنزهتها اليومية. عادت منها يومًا ملابسها ممزقة وركبتها دامية. كانت تبكي. لعقت جرحها وعجبت أنها وحدها. أما أنا أكره الخروج.
اعتدت المنزل الجديد وحياتنا البطيئة معًا. صار لي أركان مفضلة في معظم الغرف. بقي لي أن أكتشف ما بداخل الخزائن. رفيقتي تغلقهم جيدًا. قبلت بفرح دعوتها للتمشية وبعض المرح في بئر السلم. ذلك أن مدخل العمارة صار الصالون. هناك أتسلى ببعض البشر الزائرين.
بدأت بتنظيف البيت يوميًا بعدها تمسك بزجاجة رشاشة تزعجني رائحتها. البيت مليء بتلك الزجاجات وبعض العلب. ينافسنني في أماكن تخصني في غرف البيت والحمام.
اكتسبت بعض المميزات من عزلتنا سويا هذه. صارت تطبخ وتأكل كل يوم في نفس الموعد. وتطعمني. أفضله عن الطعام الجاف. صرت أسبقها الى المطبخ وأنتظر الوجبة الساخنة اليومية.
أحيانا تأتي بالخضروات بالقرب من شاشة الكومبيوتر تقشرها وتقطعها هناك. لم يفدني ذلك فأنا لا أفضلها لكن أنتظر الدواجن والأسماك بفارغ الصبر. بعد الغذاء نذهب للغرفة الغربية. الغرفة الوحيدة التي ترى السماء. تتمدد على الأريكة وتقرأ. أتمدد أنا بالقرب منها متمتعة بأشعة شمس قصيرة. تغفو قليلا وتقوم تخاطب صورًا في التليفون وأسمع أصواتهم وأنا أكمل نومي سعيدة بالقرب.
أرى الحقيبة الجلدية الكبيرة والملابس مبعثرة على سريرغرفة النوم. تمر شهور وتتغير الفصول. بعد صيف طويل ما زلنا في عزلتنا. أنا وهي.