أصوات المطاوي والسكاكين القادمة من شارعنا دفعتني للجري إلى النافذة. الفوضى تعمّ، النساء تصرخ، وأبناء جارتنا حنان عارون إلا من ملابس داخلية تستر عوراتهم ويتعاركون مع رجال آخرين عرفت لاحقًا أن بينهم ثأر قديم.
تحكي جارتنا حنان عن أبنائها بفخر، تقول إنهم رجال حقًا وإنّها لا تعرف رجالًا آخرين في الحي غيرهم، ضاربة بذلك سهمًا طائشًا أصاب كل الجارات في رجالهن. كنت صغيرة، في السابعة من عمري، وكان هذا أول درس أتعلمه في حياتي عن معنى الرجولة.
لسنوات أعجبت بشخصية فريد شوقي في أفلام الأبيض والأسود، وفتوّتها؛ رجل يبحث عن الحقّ والعدل، وهبه الله قوة جسمانية، عنده غريم شرير وبطلة تحبّه وتتغزل به وتغني له، ووحده تتمناه رجلًا لها من بين كلّ الرجال.
يجذب فريد شوقي الجمهور، الرجال منهم تحديدًا، لأنّه طافح بكلّ مقوّمات الذكورة الخام، أما عبدالحليم حافظ مثلًا فهو بطل رومانسي تغرم به النساء أكثر من الرجال لأنّه نموذج مختلف، تحرّكه المشاعر لا العضلات.
أُغرم الجمهور بالبطل الشعبي، التهموا تلك الوجبة الدسمة من الرجولة والجدعنة والوفاء للنظام الجندري. بطل مخلّص يستردّ الحق بالدراع (فريد شوقي) وينتصر على الشرير (محمود المليجي، زكي رستم، توفيق الدقن) ويحظى بالنساء وحبّهن (هدى سلطان، هند رستم، صباح).
تلك المعادلة متوارثة في السينما والدراما المصرية حتى اليوم، وهي مستندة إلى تصوراتٍ جندريّة صلبة، فيها بطل رمز يضرب ويخوض المعارك بيديه وجسده، وبطلة تراقبه من نافذةٍ بعيدة وتقع في حبّه.
فتوات التيك توك
عندما تركت الحي الشعبي الذي تربيت فيه، انتقلت للعيش في آخر هادئ يبعد عن قلب القاهرة. ما من بلطجية هنا، والأزقّة تخلو من المعارك.. لكنّ الرجال المشاكسين ما زالوا يلاحقونني، في المسلسلات، الأفلام، وعلى منصة التيك توك التي أقضي أمامها استراحات يومية بحثًا عن الترفيه، فأقع على بلطجية هم مزيج من فريد شوقي ومحمد رمضان وأحمد السقا وأحمد العوضي ومنذر رياحنة.. وأبناء جارتنا حنان.
بدأت مسيرة دراما التيك توك بمقاطع قصيرة، يعيد فيها الممثّلون وأصحاب الحسابات تمثيل مشاهد من أبطال الدراما التلفزيونية: جعفر العمدة، العتاولة، فهد البطل، ملوك الجدعنة. أدرك أبطال دراما الشارع اللعبة؛ الممثلون يتقمصون شخصياتهم وحكاياتهم الواقعية، يحتلون شوارعهم ويدعون الزعامة، فلماذا لا يفجرون مواهبهم التمثيلية أيضًا؟ منافسة ممثلين الصف الأول ليست مسألة صعبة.
لكلّ قصة تيكتوكية بطل أوحد وأعداء وأصدقاء وحبيبة عند النافذة، تنويعات لتيمات موضوعية معينة: الانتقام، حق أخويا راجع، أسد الغلابة، مثلث الخيانة، المظلوم، معلمي السوق، الفتوة والشقيان، أسد الأسود، غضب رجل، ابن البلد.
محمد لوشا هو الأشهر بين ممثلي دراما تيك توك، إنّه امتداد للبطل الشعبي، دائرة مغلقة ومزيج من البطولات الدرامية لنجوم السينما، شهرته بالملايين، بطولته كاسحة، فيديوهاته مسلسلات قصيرة ممتعة. يحكم لوشا منطقة السيدة زينب في القاهرة، ويتعامل الناس في الشارع وعلى تيك توك مع شخصيته التمثيلية باعتبارها حقيقة، ويلقّبونه بالأسد. لوشا الأسد ليس الأوحد بين نجوم دراما التيك توك، يوجد مثله الكثيرون: جوكر شبرا، ظباطا، الغول، ناصر الجرن، وعشرات الحسابات التي يتابعها الآلاف ويشاهدها الملايين ويديرها شباب غوايتهم الفن. لكن السؤال يتجدد: لماذا تحتفي الجماهير بهؤلاء الأبطال؟
حنجرة الشارع
حاجة الجمهور إلى البطل الشعبي واستهلاك تلك الدراما هي انعكاس لتغيرات المجتمع؛ تأثيرات السياسة والحالة الاقتصادية والاجتماعية على شبكة علاقاتهم. يخلقون نموذجًا أمثلًا لبطلٍ يخوض رحلة صعود تشبه ما يتمنّونه لأنفسهم، ويتماهون مع أحلامه. بطل فقير جاء من قاع المدينة وربما من مدينةٍ بعيدةٍ عن مركزية القاهرة، يسعى ويعمل ويرتقي اجتماعيًا، يصيبه الحظ بالغنى السريع والثروة، بالمال يكسب السطوة والسيطرة ويمتلك قلب النساء ويحظى بالقوة والانتصار.
المختلف هذه المرة في دراما تيك توك أن أبناء الشارع وأصحابه هم الذين يحكون.. يتأثّرون بالسينما، ثم تعيدون تطوير آلياتها فينتجون حكايات من واقعهم الحقيقي مثل مغامرات تجّار المخدرات مع الحكومة
هدف البطل أن يحاكي ذكورتهم والتي هي مزيج من القوّة البدنية، والجيوب الممتلئة، والقدرة على النيل من قلوب النساء، من دون أن يتخلّى عن أخلاقه، وتحديدًا أخلاق أولاد البلد، والحق والأصول المتعارف عليها بينهم. إنّه نموذج يتماهون معه ويشعرون بالانتماء إليه ويساعد على استكمال بناء الهوية الذكورية السلطوية. السلطة أيضًا تكون مطمئنة، لحاجة الجماهير لمشاهدة نموذج البطل الأوحد المخلّص.
المختلف هذه المرة في دراما تيك توك أن أبناء الشارع وأصحابه هم الذين يحكون. يتأثّرون بالسينما، ثم تعيدون تطوير آلياتها فينتجون حكايات من واقعهم الحقيقي مثل مغامرات تجّار المخدرات مع الحكومة. إنّه عصر جديد من الفتوات الذين لا نعرف عنهم الكثير.
الفتوات الجدد هم نجوم الطبقة العاملة والأقل من متوسطة، يحتلون قلب مدينة القاهرة القديمة، ربما لا يقدمون جديدًا لكن جديدهم هو المحتوى السريع الذي يتناسب مع باقة الإنترنت ويصلح لتمضية وقت للتسلية بين ساعات العمل وفي المواصلات وبعد يوم عمل طويل.
العاديون غزاة الشاشة الجدد
كأنما التلفزيون سلّم هذه الوصفة السحرية لملامح البطل إلى أبناء التيك توك، قبل أن يتخفّف منها تدريجيًا. فبعد سنوات من تضخم استهلاك دراما الأبطال الشعبيين والفتوات والأشقياء، وحكايات المعارك والبطولات ونصرة المظلوم، والمعالجات المتكررة لقصة سيدنا يوسف، أصيب الجمهور بتخمة، وزاد تعطشهم لحكايات واقعية تمسهم أكثر. أدرك بعضهم الخدعة ووقعوا في فخّ التكرار. قلّت الحاجة إلى البطل الأوحد المنتصر، وعلت الأصوات الباحثة عن أبطال عاديين يملكون مشاعر تخطئ وتصيب، وربّما تخيب أكثر مما تصيب، أبطال يشبهونهم ربّما أكثر من دون قدرات خارقة.
لم تعد مواجهة الخير في مقابل الشر جذابة ربّما، تلك الثنائية الكلاسيكية باتت حكاية أسطورية مقابل وجود أعمال تنصرف إلى تحليل أصول وجذور الشر والإيذاء أو حتى هشاشة الشخصيات الدرامية التي باتت من لحم ودم، نماذج حقيقية يسهل التماس معها، بل بات ضرورة ملحة تواكب أسئلة الجمهور وتغيراتهم تجاه العلاقات الإنسانية وتعقيداتها، في قصص لم يعد من الضروري أن تنتهي بانتصار الخير. تجلّى ذلك في الدراما الرمضانية المصرية التي لم تخذلني هذه السنة. ربّما لم تملأني بالرضا، لكنها فعلت شيئًا آخر. أصابتني بالدهشة من تراجع شعبية الأبطال الفتوات في مقابل الاحتفاء بشخصيات عادية لا تطمح من العالم إلا القليل، تعيش في مستويات اجتماعية معقولة، همومها قريبة، وتبحث عن الحب.
رجل ساذج بقلب مثالي للحب
في أول تجمّع عائلي خلال شهر رمضان، تحدّث كل منّا عن مسلسلاته المفضلة في الموسم الرمضاني، فبادرت ماما إلى اختيار “قلبي ومفتاحه” (تأليف تامر محسن ومها الوزير – إخراج تامر محسن) ووصفته بأنّه “هادي أوي وسط مسلسلات كلها بتزعق”. لن أجد كلمات أكثر بلاغة من ذلك الوصف الذي يعبر عن انطباع جمهور المسلسل وصناعه على السواء.
محمد عزت (يؤدّي دوره الممثّل آسر ياسين)، اسم عادي لبطل درامي غير مميّز، أربعيني من الطبقة المتوسطة المصرية التي تضررت من الأزمات الاقتصادية الأخيرة فانتقل من عمله كأستاذ للفيزياء إلى العمل كسائق على تطبيق التوصيل DIDI. يطوف في شوارع المدينة ويقع في الحب من النظرة الأولى، فيتولّد الصراع مع غريمه أسعد طليق حبيبته. وأسعد هو المعادل المعاصر لأغنياء الحرب، المترقي اجتماعيًا بسبب متاجرته في العملة الأجنبية الذي يركب أغلى سيارة لا تناسب الحي الذي يسكنه، يشتري جنسية من بلد أجنبية، منجم ذهب، مظاهر ثراء تبدو في ظاهرها غريبة على صاحب محلات تجارية في حي اللبيني بمنطقة الجيزة.
الدراما في “قلبي ومفتاحه” مبنية على ثلاثة أعمدة هي خلاصة مثلث الحب: محمد عزت، أسعد، ميار، رجلان يتصارعان على امرأة.
انتقد الجمهور عزت على سلبيته، على سذاجته في اتخاذ القرارات، وانصياعه وراء قلبه. ربّما لم يعتد الجمهور التماهي مع شخصيات هشة أو متصالحة مع هشاشتها، مقابل بحثهم لسنوات عن الأقوى والأنجح والأغنى والأكثر جاذبية الذي يحكمه عقله لا هواه.
يرفض عزت في أحد المشاهد التي تجمعه مع حبيبته ميار أن يصفه الناس بأنه ساذج أو “طيب أوي”، يقولها ببساطة “أنا علشان محترم ممكن الناس تستغفلني وتضحك عليا”. هو متصالح مع طيبته الزائدة فتبدو اختيارًا غير منطقي في عالم يحكمه منطق الغابة. عزت ليس ضعيفًا بالكامل، بل يقويه أنه محب مخلص يهدم مقولة أن النساء يعشن من أجل الحب بينما الرجال تشغلهم أمور أهم.
لم يعتد الجمهور التماهي مع شخصيات هشة أو متصالحة مع هشاشتها، مقابل بحثهم عن الأقوى والأنجح والأغنى والأكثر جاذبية الذي يحكمه عقله لا هواه
أما شخصية أسعد -غريم البطل- فهي امتداد للبطل الشعبي الكلاسيكي، انعكاس للذكورة المهيمنة وأبطال المسلسلات المنافسة لمسلسل “قلبي ومفتاحه” المعتمدة على “الفتونة” و”شبحنة” البطل الشعبي. رسم شخصية أسعد يخدم قصدية صناع العمل الذين ينتصرون في حكايتهم لنوع آخر من الأبطال، وفي النهاية وجد الجمهور نفسه متعاطفًا مع البطل العادي جدًّا البسيط المحترم الذين لا يلتفت إليه أحد.
كما أنه حرّك بداخلهم سؤالًا حقيقيًا عن صدق نموذج الرجل المحب المخلص، لذلك تختار ميار عزت وترفض العودة إلى أسعد، وكأنها وصلت إلى أول الخيط في إجابة السؤال. هذا هو معنى الرجل الحقيقي.
تحطيم الفالوس المقدس
مثلث الحب ذاته رُسمت خطوطه في مسلسل “ظلم المصطبة” (كتابة أحمد فوزي صالح وإخراج هاني خليفة): حسن، حمادة كشري، هند. تحمل هند عبء ذكورية زوجها، تخضع لسلطته وظلمه ورغبته في كسرها وتملكها، لغته الوحيدة هي الإهانة، الطعن في شرفها، والضرب الذي يحفر على وجهها خرائط مشوهة من الألم والعنف، ويحوّلها إلى جسد قليل الحيلة، وعندما تدافع هند عن نفسها وتطعن زوجها بالسكين يشعر المشاهد بشيء من الانتصار على ذلك الرجل المعنّف الذي لا يردعه شيء. هكذا ينجح المسلسل في كسر هيمنة الرجل المتسلط.
تهرب هند مع حبيبها الأول حسن بعدما ظنّت أنها قتلت زوجها لتبدأ رحلة تكتشف فيها مع حسن معنى جديد للحب، للذكورة التي يغلفها الأمان والرحمة بعيدًا عن خرائب الماضي وقسوته. في سياق موازٍ يجد الجمهور نفسه متورطًا عاطفيًا ونفسيًا مع حسن وهند، تمامًا مثل عزت وميار في “قلبي ومفتاحه”.
تحلّل الكاتبة النسوية الهولندية أنيا مولينبيلت (في كتابها “ماذا تعرف النسويات عن الحب؟”) أن سبب صعوبة تغيير وضع النساء في المجتمعات الذكورية هو ارتباط المرأة العاطفي بالرجل، باسم الحب تقبل النساء بمنزلتها الدونية، ترضى بالسلطوية والخضوع، وثروتها الكبرى في الحياة هي حصول رجلها على كافة امتيازاته.
على امتداد حلقات “ظلم المصطبة”، نسأل أنفسنا عن سبب تماهينا مع حسن وتفضيلنا له على حساب حمادة كشري؟ يلعب حسن دور المخلّص في حياة امرأته، لأول مرة تشعر هند بالأمان في وجوده، مفهوم جديد يضاف إلى قاموسها -بجانب الحب- كامرأة عاشت لسنوات مع زوج معنّف ومسيطر ومتلاعب، والعنف ضد الزوجة دائمًا ما يحدث في البيت الذي هو محلّ الأمان الوحيد.
لم يحتج حسن لاستخدام العنف ليعبر عن رجولته، بل فعل العكس، احترم حبيبته ورغباتها ودفعها لطلب الطلاق لتتخلص من شراسة زوجها حمادة. يرفض حسن العنف والقسوة الذكورية التي تكون غالبًا إحدى سمات الرجال ووظيفتهم الاجتماعية، وأحد الدروس التي يتعلمها الرجال مبكرًا في معنى أن يكونوا رجالًا.
سبب إعجاب المشاهدين بكتابة أحمد فوزي صالح –كاتب وصاحب القصة– أنهم وجودوا شخصيات من لحم ودم وأبطال لا يحملون خيرًا وشرًّا مطلقين. تعاطفوا مع حسن واحتراموا موقفه الملتزم بالسلام والمحبة، لأن العنف ليس غريزة ذكورية بل اختيارًا إنسانيًا، وهو أمر يرفض الكثيرون تصديقه. أما حمادة كشري، فيذكرنا بسلطوية الفالوس، القضيب المقدس، ضرورة عبادة النساء للرجال. في مجتمعاتنا الأبوية الرافضة للعاطفة أن تكون حمادة كشري/ أسعد خير من أن تكون حسن/ محمد عزت.
نساء يعبرن من الظل إلى النور
“قلبي ومفتاحه” و”ظلم المصطبة” نوعان دراميان مختلفان، الأول رومانسي والثاني واقعي، كلاهما ينظران إلى سؤال الذكورة والحب من زاوية جديدة، كما استطاعا تحريك مشاعر الجمهور وأسئلته: ما هي الذكورة حقًا؟ وما هو الحب؟ وهل توقف بحث مدينتنا عن الحب؟
من الظلم أن يقتصر سؤال الحب والذكورة على الرجال وحدهم، النساء مساهمات رئيسيات في بناء الذكورة ومعناها، إنّهن جزء من تلك المنظومة، يستطعن كسر دوائر القهر ليتحررن، ويعبرن من الظل إلى النور. نماذج الحبيبات في بعض الأعمال الدرامية المصرية لهذا العام، نجحت في التحرر والانتصار للحب الصحي والعاطفة في النهاية، تلك هي لحظة التنوير في مسار الشخصيات النسائية، ومن ناحية أخرى لم يعد الجمهور مستعدًا لاستقبال شخصيات أنثوية ضعيفة وخاضعة.
يتربى البطل الشعبي على ثوابت معينّة، الحب في ذاته شر يجب ترويضه ومحاربته، الحب ضعف، والقوي لا يخضع قراراته لهواه بل لعقله وذراعه
لا أثر للحب في شوارع المدينة وحاراتها الشعبية، عيون الناس تراقب الحبيبة وتعاقبها، الحب هو “ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام” كما كتبت أمينة جاهين في قصيدتها “في الشارع” التي افتتحت فيلم “الحريف” (1983) لمحمد خان:
فيه ناس بتلعب كورة في الشارع
وناس تمشـي تغني
تاخد صـوره في الشارع..
فيه ناس بتشتم بعض
بتضرب بعض..
تقتل بعض في الشارع
فيه ناس تنام ع الارض في الشارع
فيه ناس تبيع العرض في الشارع
وفي الشارع
أخطـاء كتـيره صبحت صحيـحة
لكــن صحيح حتكون فضيحـة
لو يوم نسـينا و بوسنا بعض في الشارع
في أحد مقاطع “جوكر شبرا” على تيك توك يتحدّث بويكا عن الحب “حب إيه يا بو حب! زمان الكلام ده واحنا صغيرين. دلوقتي مفيش حب، فيه مصلحة، فيه money”.
يتربى البطل الشعبي على ثوابت معينّة، الحب في ذاته شر يجب ترويضه ومحاربته، الحب ضعف، والقوي لا يخضع قراراته لهواه بل لعقله وذراعه. تحكي روزاليند مايلز عن تاريخ النساء في مملكة العالم القديم، حينها كانت النساء تحكم وتسيطر قبل أن يفعل الرجال. اكتسبت المرأة قدسيتها بسبب الإنجاب والأمومة والعاطفة، الأم هي الملكة والقائدة واهبة الحياة، لكن تغيرت المعادلة بعد سطوة الذكور، وبدلًا من أن نكون ذكورًا وإناثًا فرَضَ التضاد الجندري سطوته، وتطوّر تعريف الرجل على أنه “من يتحكم بكل المهارات والمقدرات البشرية أما المرأة فهي النقيض الذي لم يتطور كفاية ولم ينضج”.
وبدلاً من التساوي الجندري أصبحت الأنثى تشكل خطورة على الرجل وقدسيته، أصبح “الدور الاجتماعي الطبيعي” أن الأنثى “مجرّد تابعة ثانوية تقدم المساندة للذكر”، وهذا ما نراه في الواقع، وفي كل قصص أفلام السينما، وحكايات التيك توك الشعبية.
حاولت دراما رمضان هذا العالم أن تعيد رسم شخصيات جديدة خارجة عن المألوف، تطرح أسئلة الحب الأولى كأننا نكتشفه للمرة الأولى، نفتح له النافذة فتزول الحواجز ونسمح بوجوده بيننا. تجاوب الجمهور مع الأبطال الجدد، العاديون، ولم يجدوا غرابة في تماهيهم مع شخصيات محبة وبشريّة. يبدو أن العطش للحب سيدفع الدراما إلى تغيير حكاياتها بعيدًا عن سطوة الفتوات الذين يعيشون عصرهم الذهبي على تيك توك.