fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

صحفيو غزة.. النجاة كسلعة مجانية

مع حاجتنا للبقاء على تواصل مع العالم، وجد العشرات من الصحفيين المستقلين في غزة أنفسهم على خطوط النار دون أي حماية، وأحيانًا بلا أجر
ــــــــ العمل
5 مايو 2025

في قلب الحروب تتجمد الحياة اليومية تحت وطأة القصف، وفي غزة، حيث نخضع لحصار يتحكم في استهلاكنا من الكهرباء والوقود والاتصالات والسعرات الحرارية، يصبح الإعلام أحد الخطوط القليلة الباقية مع العالم الخارجي والقادرة على كسر هذا الجمود.

هنا نعيش الحدث منذ تشكله الأول، نحن الحدث أصلًا في نهاية الأمر، بحيث بات على الصحفيين أن يعيشوا لحظة النجاة وتوثيقها في الوقت نفسه، عليهم أن يحولوا القتل والألم والجوع والعطش اليومي إلى مادة، تُقرأ وتُفهم في العالم الخارجي لدى من لا يعايش أياً من هذا.

في غزة، عندما بدأت الإبادة قبل 16 شهر، كان الحدث أكبر من أن يستوعبه مجتمع الصحفيين والمراسلين الفلسطينيين، علاوة على ذلك، اعتقلت قوات الاحتلال عدد غير محدد من الصحفيين وأخفت بعضهم قسريًا، مثل الصحفي نضال الوحيدي، هذا بالطبع غير من قتلهم الاحتلال على مدار فترة عملياته الهجومية على القطاع. أمام هذا الواقع، قررت الصحف والمؤسسات الإعلامية الدولية تكثيف البحث عن صحفيين متعاونين من القطاع بشكل عاجل، ومع حاجتنا للبقاء على تواصل مع العالم، وجد العشرات أنفسهم في علاقة عمل دائمة مع مؤسسات كبرى، لكن دون أي حقوق تُذكر، لا تأمين لوسائل الحماية كالسترة الواقية والخوذة، ولا مساعدة في تأمين خط اتصال وكاميرا، وفي بعض الأحيان العمل دون مقابل مالي.

بالنسبة لي، شأني في ذلك شأن كل السكان، عشت النزوح بكل موجاته، واجهنا الموت وجهًا لوجه لعدد مرات لا أتذكره، نجونا مصادفة عدة مرات أيضًا، وفقدت أغراض كثيرة في هذه المسيرة من بينها جهاز لابتوب.

على الرغم من صعوبة العمل المستقل تحت هذه الظروف، وما يفرضه عليك من ضرورة البقاء على خط النار الأول، وتجاوز الخسارة الشخصية والتركيز على العمل، قررت الكتابة بالقطعة مع بعض المواقع الصحفية.. التغطية في حد ذاتها لم تكن مشكلة، الصعوبة الأساسية كانت الوصول لمستحقاتنا المالية، حيث نواجه أزمة سيولة خانقة، فاضطررنا للتوجه إلى مكاتب الصرافة التي تحصّل عمولات ضخمة  تصل أحيانًا إلى  30%  من كل دفعة مالية نحصل عليها، تخيّل أن تعمل بشقاء، وتخاطر بحياتك، وفي النهاية لا يصل إليك سوى ثُلثي أجرك.

ومنذ بدأت حرب الإبادة على غزة، مُنعت السيولة المالية عن القطاع، فبات جميع السكان يتداولون نفس كمية الأموال طوال شهور الحرب. ومع تدمير البنوك والمؤسسات المالية من قبل الاحتلال، يلجأ الموظفون في غزة الذين يعتمدون على التحويلات المالية عبر البنوك إلى بعض مكاتب الصرافة المحظوظة باحتجاز قدر من السيولة المالية، ويجري صرف الحوالة نقدًا مقابل تحصيل عمولة تراوحت بين 5٪ في أول الحرب إلى 30٪ في ما بعد.

اعمل مجانًا.. واصمت

مع ذلك، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية، بدأت تخرج شهادات شخصية عن ظروف سيئة يعمل تحتها العديد من الزميلات والزملاء، كشهادة ولاء أبو جامع، التي قالت فيها “من وأنا صغيرة وأنا بتابع إذاعة BBC عربي من لندن، كنت دائمًا من محبين مدرسة الـ BBC وأحكي أنها لوحدها مدرسة إعلامية متكاملة، لغاية ما اشتغلت معها (..) من بداية الحرب حتى يومي هذا لم أتقاض شيكل واحد منها، رغم التزامي اللامتناهي بالعمل وإتقانه”.

تقول ولاء: “بدأت حكايتي مع هيئة الإذاعة البريطانية  BBC  في ديسمبر  2023،  بينما كانت غزة تشتعل بالحرب، والسماء تمطر قنابل لا تنطفئ، ففي تلك اللحظة التي فقد فيها كثيرون صوتهم، شعرت أن عليّ واجبًا أن أروي ما يحدث، أن أكون عينًا ترى وتوثّق، وصوتًا لا يخاف من إيصال الحقيقة”.

توضح أن إدارة الهيئة تواصلت معها عبر تطبيق “واتساب”وطلبوا منها إرسال مقاطع صوتية وأخرى فيديو، “اتفقنا شفاهيةً على العمل، تحت شروط واضحة وبسيطة، أرسل المواد، وهم يجرون التحرير والنشر، ومن ثم تحول لي مستحقاتي المالية مباشرة”.

تستطرد ولاء: الحرب لا تنتظر أحد، علي العمل فورًا وانتظار المستحقات وقتما تصل. بدأت توثيق مشاهد النزوح والمجازر، تسجيل أصوات الاستغاثة من تحت الأنقاض، الحديث عن الأطفال الذين فقدوا أهلهم، والبيوت التي تهدمت على ساكنيها. كل يوم أحمل هاتفي وأخرج، مهما كانت الأحداث على الأرض، ولأن الإنترنت لم يكن متوفرًا في منطقتي، كنت أقطع ما يقارب كيلومترين مشيًا على الأقدام، لأصل إلى نقطة فيها تغطية تمكنني من رفع المواد التي طلبوها، أعود متعبة، مغطاة بالغبار، وفي داخلي شعور واحد: أنني قمت بواجبي.

مع مرور الوقت، بدأت ولاء تتساءل عن حقوقها، منذ بدأت العمل لم يصلها دفعة مالية واحدة، تقول إنها في البداية كانت تتفهم أن الحرب أثرت على الجميع حتى لو كانوا خارج غزة، وربما هناك تأخير إجرائي، لكن الأشهر مضت، والتجاهل استمر، فبدأت تطالب بلطف، ثم بإصرار، ولكن الردود كانت دائمًا مراوغة، وعندما طلبت التواصل مع المدير المباشر، قيل لها إن هذا قد يُفقدها العمل، وأن من الأفضل أن تبقى صامتة.

تقول ولاء: لم أحتمل الظلم أكثر، ففي لحظة انسدت فيها كل الطرق، كتبت منشورًا على فيسبوك حكيت فيه كل شيء، بكل وضوح وصدق، دون تجنٍ على أحد، فقط طالبت بحقي، خلال أقل من ساعتين، تواصل معي المدير نفسه، ذلك الذي كان من الصعب الوصول إليه طوال الأشهر السابقة، وأرسلوا لي دفعة مالية واحدة طوال عام ونصف من العمل، وحتى تلك الدفعة لم تغطي كل ما عملت عليه.

بدأت تطالب بلطف، ثم بإصرار، ولكن الردود كانت دائمًا مراوغة، وعندما طلبت التواصل مع المدير المباشر، قيل لها إن هذا قد يُفقدها العمل، وأن من الأفضل أن تبقى صامتة ..

حتى مع استلامها جزء بسيط من مستحقاتها المالية لدى هيئة الإذاعة البريطانية، إلا أن حظ ولاء يبدو أفضل من غيرها من الزميلات. مثل الصحفية هلا بن عصفور، التي كتبت على فيسبوك: “منذ بداية الحرب على غزة، ونحن نحمل أرواحنا على أكفّنا ونخرج إلى الميدان لننقل الحقيقة، تركنا بيوتنا، عائلاتنا، وأهلنا، لنكون صوت الناس في لحظات الخطر والقصف والموت.

خلال هذه الرحلة، عملت مع عدة جهات، من بينها قناة “بي بي سي العربية”، حيث كُلّفت بمهام تغطية ميدانية أثناء الحرب، وقمت بها بأعلى درجات المهنية والالتزام. دخلنا مناطق خطرة، وصلنا عمق الميدان، خاطرنا بحياتنا لنوصل الصورة والصوت.

ورغم كل هذا، لم نتلقَ مستحقاتنا المالية حتى الآن. من بداية الحرب حتى هذه اللحظة، لم يُصرف لنا أي مبلغ. كثير من الأحيان كنّا نخرج للتصوير ولا نملك حتى وسيلة مواصلات، في ظلّ واقع معقد وحروب ونزوح وخطر دائم.

تواصلنا مرارًا مع أصحاب الشأن في القناة، وكان الرد دائمًا: سيتم حل الأمر قريبًا (..) نطالب بحقوقنا، نطالب باحترام تضحياتنا. نطالب بعدم دفن أصواتنا مرتين: مرة تحت القصف، ومرة في أدراج الإهمال”.

المشاكل المالية لم تطل كل من تعاملت معهم الـ BBC في غزة، كانت تجربة منى داود بكر مثالًا على تجاوز تلك الصعوبات، إذ كانت تتلقى تحويلاتها المالية على حسابها عبر تطبيق الهاتف، ومع ذلك عانت من غياب التدريبات المتخصصة والدعم التقني والتعويض عن الخسائر في المعدات.

تقول منى: بدأت التعاون كمراسلة ميدانية مع الإذاعة منذ ديسمبر 2023، بحسب اتفاق شفهي ودون أي عقود رسمية، لكن ذلك منحني قدر جيد من المرونة والتفاهم في العمل، الأجور كانت نوعًا ما جيدة، لكن في كل الأحوال أسعار السلع والخدمات في ظل الحرب ترتفع لدرجات غير محتملة.

استقرار التحويلات المالية لمنى لم يعوضها عن الخسائر المالية المرتبطة بالحرب، فمع تدمير منزلها فقدت الكثير من المعدات اللازمة، وتحولت لاستخدام أساليب بدائية في التصوير والتسجيل، واضطرت للمشي عدة كيلومترات لتبحث عن منطقة فيها تغطية انترنت تمكنها من الإرسال. كل تلك الأمور، والتي تتطلب تدريبات خاصة على العمل تحت الظروف القاسية، والحفاظ على السلامة الجسدية والنفسية في الحروب، وتأمين معدات مناسبة والتعويض عن الخسائر، لا توفرها علاقات العمل الشفهية، التي تحاسب المتعاون بحسب ما ينتهي من إنجازه فقط.

على خط النار الأول، وحدك

لا تعني خسارة المعدات الصحفية بالنسبة للصحفي دائمًا الاضطرار إلى حلول بديلة، بل قد يصل الأمر إلى التعطل التام، وهذا يعني أولًا: انقطاع الإعلان عن الكثير من حكايات وأخبار حرب الإبادة الدائرة، وثانيًا: تعطل الصحفي تمامًا عن العمل.

هذا ما حصل مع الصحفية المستقلة آية دلول، التي تستذكر بداية عملها جيدًا: في صباح اليوم الأول من عام  2024،  وبينما كانت سماء غزة ما زالت مكتظّة بالدخان والغبار، بدأت رحلتي المهنية الأصعب كصحفية ميدانية، وكنت قد بدأت تعاوني مع مؤسسات إعلامية خارجية مباشرة بعد اندلاع الحرب، بدافع المسؤولية أكثر من كونه قرارًا مهنيًا. شعرت أن من واجبي إيصال صورة الواقع كما هو، لا كما يُعرض من بعيد، فلم يكن التواصل مع تلك المؤسسات مسبق التخطيط، بل جاء كاستجابة مباشرة لحاجة العالم لمعرفة ما يجري، وحاجتي الشخصية لأن أكون صوتًا لأهلي وسط هذا الجحيم.

تكمل آية: بدأت العمل مع قناة الجزيرة مباشر، عبر إنتاج تقارير مكتوبة ومصورة، ومع الوقت، امتد تعاوني ليشمل “تي آر تي عربي”، “سكاي نيوز بريطانيا”، ومنصة ساحات. في البداية، تلقيت توجيهات من أحد المدراء ساعدتني على تطوير أدواتي الصحفية، خاصة وأن طبيعة التغطية في أجواء الحرب مختلفة تمامًا، وكنت أتنقّل بكاميرتي بين الأحياء المدمّرة، أبحث عن شهادة حيّة، أو لحظة إنسانية تختصر المأساة، فما واجهته لم يكن عملًا صحفيًا بالمعنى التقليدي، بل تجربة متكاملة بين ممارسة المهنة وإدارة المشاعر وابتداع حيل البقاء.

البقاء وحده مهمة معقدة كل خطوة فيها هي مخاطرة كبرى. تتنقل آية بين النقاط الساخنة وسط قصف متواصل، وفي ظل غياب أي منطقة آمنة، لا شيء يضمن لها النجاة، لا خوذة ولا سترة صحفية، ولا أي التزامات ملزمة لجهة العمل التي اتفقت معها على “التعاون” دون توقيع أية عقود.

من الناحية العملية كان على آية العمل لأكثر من جهة لتوفير وضع مادي مناسب، بدأت الحرب وهي تستخدم جهاز آيفون متقدم ولابتوب ومايكروفون بسيط للتسجيل، لكن سرعان ما تعرّضت هذه المعدات للتلف بفعل الهجوم الإسرائيلي المكثّف.

تتذكر آية: استعرّت هاتفًا من والدتي لأكمل عملي، دون أن أتلقّى مساعدة من أي جهة، ولم تزوّدني أي مؤسسة بمعدات بديلة، ولم يُعرض عليّ أي دعم تقني. وعندما فقدت كل أدواتي، اضطررت للتوقف عن العمل لشهر كامل، فقضيت تلك الفترة في محاولة لإيجاد دعم من أي جهة إعلامية أو إنسانية، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل.

رغم تلك الظروف تصر آية على مواصلة العمل، وتقول: أعترف أنني مررت بلحظات شعرت فيها أن الحياة بأكملها فقدت معناها، لكن في المقابل، وجدت في كل قصة أرويها سببًا جديدًا للاستمرار، سأبقى أروي حكايات غزة، حكايات شعب لم يفقد كرامته رغم كل شيء،  لأن الإعلام، بالنسبة لي، ليس مجرد مهنة بل وعد بألّا ننسى.

الصحفية صافيناز اللوح تعاني كذلك من غياب أي نوع من الحماية والتأمين، غير الضيق المالي رغم انتظام وصول مستحقاتها المالية شهريًا، لكنها تشير إلى أن المقابل المالي الذي تتقاضاه عن التقرير الواحد، وهو لا يتجاوز الخمسين دولار، لا يكفي لتأمين أي من متطلبات الحياة في ظل الارتفاع القياسي في أسعار السلع وندرتها.

وتقول صافيناز: “في الأيام الأولى للحرب على غزة، لم يكن من السهل أن أبدأ عملي كصحفية،  فانتقلت إلى حي النصر، ومع بدء القصف المكثف، لجأت إلى مستشفى الشفاء، وهناك بدأت أولى تغطياتي الميدانية لتوثيق المجازر، التي بدأت تتوالى لأتنقل بين المستشفيات والمواقع المستهدفة لأسابيع دون توقف. وجدنا كصحفيين ملجأ مؤقتًا في خيمة صغيرة أقامها المكتب الإعلامي الحكومي داخل ساحة مستشفى الأقصى بالمحافظة الوسطى، كانت تلك الخيمة محطة الانطلاق لاستمرار عملنا رغم كل شيء، وهناك شعرت أن مهمتي لم تعد فقط مهنية، بل إنسانية ومصيرية.

تعاني صافيناز بالفعل من إصابات جسدية سابقة من جراء استهداف الاحتلال أثناء تغطية مسيرات العودة في العامين 2018 و 2019، ثم جاءت الضربة الكبرى حين قتل الاحتلال الإسرائيلي شقيقها الصحفي أحمد اللوح

العمل تحت الإبادة ليس كأي عمل، تعاني صافيناز بالفعل من إصابات جسدية سابقة من جراء استهداف الاحتلال أثناء تغطية مسيرات العودة في العامين 2018 و2019، ثم جاءت الضربة الكبرى حين قتل الاحتلال الإسرائيلي شقيقها الصحفي أحمد اللوح، المصور في قناة الجزيرة.

وعلى مدار الحرب الإسرائيلية المفتوحة على قطاع غزة من السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023 قتل الاحتلال أكثر من 200 صحفي فلسطيني من بينهم 27 صحفية، واعتقل وأخفى قسريًاعدد غير معلوم من الصحفيين، وهو الأمر الذي أقرت به الأمم المتحدة الشهر الماضي، في بيان جاء به أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة سجّل “ارتفاعًا هائلًا” في عمليات القتل والاعتقال والرقابة ضد الصحفيين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وأضاف: “شهدنا تدمير مكاتب ومقرات وسائل الإعلام بالكامل. وفي كل من غزة والضفة الغربية، تم اعتقال العديد من الصحفيين الفلسطينيين أيضا. وسجلنا وتلقينا تقارير عن سوء معاملة قد تصل إلى حد التعذيب للصحفيين المعتقلين، بالإضافة إلى تهديدات مزعجة بالعنف الجنسي ضد الصحفيات، وكذلك الرجال والنساء على حد سواء”.

تكمل صافيناز: تعرضت مع زملائي لاستهدافات مباشرة، وكنا تحت ملاحقة طائرات الكوادكوبتر التي لم تكن تكتفي برصدنا، بل كانت تبث الرعب فينا، فكنا نعلم أنها قادرة على استهدافنا بصاروخ في أي لحظة، ورغم ذلك، واصلت توثيق كل ما أستطيع، وجدت نفسي أعمل بعدة أدوار مصورة، محررة، منتجة، ومراسلة، وكنت أُعد تقاريري بنفسي، أُمنتجها على أجهزة بسيطة، وأرسلها للقنوات، هكذا بدأت علاقتي المهنية مع قناتي أصيل والكوثر، بعد أن تواصل معي أحد الزملاء وقدّم لي فرصة لم أكن لأرفضها وسط هذا الجنون.

في غزة، لا ينتهي اليوم بانتهاء الضوء، بل يبدأ صراع جديد ما بين الحياة والموت، ما بين الكاميرا والمايكروفون والركام، هناك، حيث تُكتب الحقيقة باللحم الحي، بدم شهداء، وبصوت ناقل خبر قد يتحول في لحظة إلى رماد، ويصبح هو نفسه مجرد خبر.

ورغم كل ما فُقد، بقيت إرادة هؤلاء، ومعهم العشرات من المصورين والصحفيين والمدونين، على توصيل رسالة واضحة إلى فضاء صامت: كنّا هنا، وهذا ما حصل، ونحن قلنا كل ما يجب أن يُقال.