fbpx

البلاد كما (لن) نعرفها

منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول 2024، استشرت في الأرض ثقوبٌ عملاقة بفضل الصواريخ الذكيّة التي ألقتها الطائرات الإسرائيلي
18 فبراير 2025

تأخذ جولةً في السيارة لتنزّه عينيك، كمن يمدّ يداً ليتأكّد أنّ الهواء والتراب والأرض والمياه لا تزال على حالها هنا منذ اليوم السابق. قد يبقى الجدار جداراً، والأرض أرضاً.. وحين يكون كلّ ما حولك متصدّعاً، يصيب الخلل وجهتك بأكملها.

لم تكن الأزمة الاقتصادية عام 2019، الضربة القاضية على اللبنانيين الذين اختبروا نوعاً مختلفاً من الاختفاء حين ابتُلعت أموالهم من المصارف. في الرابع من آب سنة 2020، انفجر المرفأ بوجه العاصمة وسكّانها، مخلّفاً ارتجاجاً هائلاً سيبقى عالقاً في ذاكرة الأرض والبحر. ومنذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول 2024، استشرت في الأرض ثقوبٌ عملاقة بفضل الصواريخ الذكيّة التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية.

أغلق الشاعر اللبناني وديع سعادة قصيدته “كيف؟” على سؤال واحد فقط “كيف للسابح أن يصل/ والبحر يغرق؟”. هذا سؤال بحجم قصيدة. وإذ ينهي قوله بعلامة استفهام، فإنّه يورد عبارته كإجابة خفرة، بلا تململ، كما لو أنّه يكتب نشيداً خافتاً للبلاد.

يغرق البحر، ومثله تنزلق الأرض تحت قدميك. الأرض التي اخترت البقاء فيها، ستجد نفسك تردّد أسئلةً مكرّرة حولها، كتعويذة للبقاء فيها وسط الراحلين.

كيف للقدمين ألا تضلّا طريقيهما والأرض تنزلق من تحتهما؟ كيف يصمد جسدك وسط الأجسام الغائبة موتاً أو هجرةً؟ ما هو صوت المدينة الراكدة؟ كيف تتخلّص المدينة من ذاكرتها، والطريق من ثقوبها والرأس من أصوات الفزع؟

الشمس التي تقفز في البحر مع المغيب باتت الحركة الثابتة الوحيدة، تراها من سيّارتك التي تقودها في كلّ الاتجاهات لكي تتجنّب بحراً غارقاً، ربّما..