fbpx

في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا

لطالما كان التصوير في الشارع -وما يزال- بالنسبة لي أشبه بقراءة قصيدة شعر، تسمح بقراءات عديدة، والدخول إليها من زاويا مختلفة، والتعرف على مستويات أكثر عمقًا أو أكثر خفاءً في كل مرة
20 فبراير 2024

أمشي في الشارع وأفكر.. لو كان الحزن مدينة لكانت القاهرة، أعرف أنهم يجرون استطلاعات حول أكثر المدن سعادة ولا أظن هناك دراسات حول أكثر المدن حزنًا، لكني هنا أرى الحزن واقعًا نمشي فيه جميعًا.

هل الحزن هو الكلمة المناسبة؟ نتحرك في مزيج من الحزن، والكآبة، والسوداوية، والانسحاق، والمأساة، والخسران.. ربما تبدو كلمة الميلانكوليا هي اللفظة الأقرب لاستيعاب كل هذا وأكثر، وفي حالة القاهرة الميلانكوليا ليست خيارًا.

ليس الأمر شعورًا شخصيًا، لكن أراه وأشعر به بين أبناء جيلي، أيضًا التقطه عبر عدستي في الشارع، لا في مكان واحد، لكنه شيء يخيم على جميع شوارع المدينة، في نظرات عيون العابرين والجالسين على جوانب الطرقات، في قسمات المحتفلين بشيء ما إذا وجدت فرصة للاحتفال، في وجوه الغاضبين.. إذا سُمح لهم بالتعبير على الغضب، حتى في الأشياء الملقاة بإهمال في الشارع لأن أحدًا لم يعد يرغب فيها.

بالتأكيد سيكون الأمر سطحيًا إذا وقفت أمام المرأة في حجرة مجهزة الإضاءة والتقطت صورًا بعيون سارحة أحاول أن أعبر بها عن حزننا الجماعي، لا نحتاج لكل هذا، يكفي أن تنزل إلى الشارع وأن تتطلع في وجوه من حولك.

الحركة في شوارع القاهرة لا تعطي انطباعًا بأن الحياة تستمر، أو تتجدد، الحركة في شوارع القاهرة تبدو كأنها بحث في متعلقات صديق راحل، ربما بقيت الأشياء لكن صاحبها رحل، وبالتالي فقدت كل الأشياء معناها حتى وإن ظلت موجودة، بل أضحت شديدة الثقل.

كيف نتعامل مع هذا الحزن الجماعي والأحاسيس التي يخلقها فينا؟ هل نكافح من أجل قبولها أم أننا نعيش في حالة إنكار؟ هل يجعلنا هذا أقوى أم أكثر بلادة أم أكثر قلقًا وضعفًا؟ أهذا هو هدوء العاصفة أم ضجيج الصمت؟ هل نختبئ من الواقع أم نكشف عن حقيقته؟ ما الذي بقي وما حجم ما تم تدميره؟ ماذا سينسى وماذا سيبقى في الذاكرة؟ هل هذه بداية لشيء جديد؟ أو نهاية لكل ما كان من قبل؟

لطالما كان التصوير في الشارع -وما يزال- بالنسبة لي أشبه بقراءة قصيدة شعر، تسمح بقراءات عديدة، والدخول إليها من زاويا مختلفة، والتعرف على مستويات أكثر عمقًا أو أكثر خفاءً في كل مرة، في كل مرة أتجول في منطقة من المناطق التي عرفتها وعهدتها يحاصرني من جانب التغيير الشديد في طبيعتها، أعمال إنشاءات، إزالة، جسور تقتحم كل مكان كأنها تريد أن تقيد المدينة تحتها، ومن ناحية أخرى تطل على الميلانكوليا لتذكرني أن الأمر لا يخصني وحدي ولكنه يطحن الجميع.

في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا
في القاهرة.. الميلانكوليا ليست خيارًا