fbpx
المصدر:frscspd. تحت رخصة المشاع الابداعي

أن تجد نفسك في كومة ثياب

شبان وشابات في دمشق يتصلون بالعالم من خلال شبكات عرض المسلسلات والأفلام والفرق الموسيقية.. ومن خلال الملابس المستعملة.
ــــــــ الملابس
2 سبتمبر 2021

عندما بلغت الثانية عشرة، أي قبل حوالي عشرين سنة من اليوم، شعرت رشا بأن ارتداء “ثياب الجميع” لا يتناسب مع شخصيتها. أرادت شيئاً جديداً، لكن كل متاجر الثياب عجزت عن تلبية رغبتها هذه.

في الثمانينيات والتسعينيات شهدت ثقافة الـ غوثيك انتشاراً أكبر مما كانت عليه في السابق، في الأغاني والأفلام الشهيرة مثل أفلام الأمريكي تيم بيرتون وفيلم the crow وغيرها. أرادت رشا هذا النوع من الملابس، اعتبرت أن هذا سيشبه شخصيتها ويعبر عن ذوقها الفني أكثر.

بعد عمليات بحث فاشلة، أخذها أصدقاؤها إلى سوق بالة في مدينة اللاذقية حيث كانت تقيم في ذلك الوقت، هناك رأت أكواماً من الثياب على بسطات، وثياباً معلقة تختلف كل قطعة عن جارتها، فلا يمكن أن تجد مقاساً آخر أو لوناً آخر، كل قطعة مستقلة بحد ذاتها. كانت هذه الملابس قادمة من أوروبا، وتباع في الغالب بأسعار رخيصة، عدا الأحذية الممتازة فهي أغلى من السوق النظامي عادةً.. عندما تكبر، سوف تصبح رشا واحدة من هؤلاء الباعة في سوق الملابس المستعملة.

استراحة من حملات الجمارك

لملابس البالة الأوروبية سمعة سيئة لدى البعض، إذ يرونها ثياب مستعملة ومهترئة، بينما تؤكد تاجرة البالة منال (اسم مستعار) على عكس ذلك. عملت منال لعشرين عام في تجارة البالة. ساعدها شقيقها في الحصول على البضاعة عبر تهريب أكياس البالة من لبنان إلى سوريا برّاً وخصوصاً مدينة طرابلس التي انتشرت فيها تجارة البالة منذ الخمسينيات. كانت تفتح هذه الأكياس في بيتها بحضور زبائن “مهمين” وأثرياء، يرغبون بقطع من ماركات عالمية كبرى ذات جودة عالية.

تقول منال إن قطع البالة الممتازة ليست مستعملة، إنما هي من تصفيات متاجر كبرى. قطعة البالة ذات الجودة العالية تسمى “كريم” أو كريمي. تبيع منال هذه القطع بأسعار غالية لهؤلاء الزبائن الخاصين، ثم تعرض الباقي في متجرها أو تبيعه لتجار آخرين.

غيرها من التجار يبيعون بـ الشنطة، أي يحملون معهم في حقائب “قطع الكريم” ويذهبون إلى بيوت الزبائن، لأن هذا أوفر أولاً، إذ يمكن بيع القطع الممتازة بأسعار مرتفعة للزبائن الخاصين، وثانياً لأن هذه الطريقة أكثر أماناً بسبب حظر استيراد البالة في سوريا. وسواء كان التاجر يبيع من البيت مثل “منال” أو يتنقل مع حقيبة، فإنه يعاني من جولات كر وفر مع الجمارك متى ما قررت السلطات ملاحقة الباعة، وغالباً ما تصادر البضاعة إن لم يهرب البائع مع بضاعته فور سماعه خبر اقترابهم. 

سواء كان التاجر يبيع من البيت أو يتنقل مع حقيبة، فإنه يعاني من جولات كر وفر مع الجمارك متى ما قررت السلطات ملاحقة الباعة، وغالباً ما تُصادَر البضاعة إن لم يهرب البائع مع بضاعته فور سماعه خبر اقترابهم

في عام 2018 أصدرت وزارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً بتشديد الرقابة على عمليات بيع البالة باعتبارها مهرّبة ومجهولة المصدر وتلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني، لكنها ما لبثت أن تراجعت عنه وخففت من إجراءات الملاحقة بعد عدة أيام فقط بعد جدل كبير، لكون البالة ملاذاً للفقراء وسط ارتفاع أسعار السلع في سوريا. 

تخفيف وتيرة الحملات على بائعي البالة سمحت لـ منال وغيرها من التجار بالتقاط أنفاسهم قليلاً، لكن تجارتهم بقيت غير قانونية وبقيوا تحت أنظار الجمارك، يمارسونها بكثير من الحذر والاحترازات.

أن تجد نفسك في كومة ثياب

تصوير: شهد محمد قيس

نصلّي ونحب الميتال

قبل نحو عامين اشتكى أصحاب ورش ومعامل ألبسة في سوريا أن صناعتهم العريقة تتجه إلى طريق الموت، ففي كل يوم تغلق عشر معامل صغيرة ومتوسطة الحجم لتصنيع الملابس وفق تصريحات غرفة صناعة دمشق بسبب ارتفاع تكلفة القماش والخيوط والمازوت الصناعي، أو بسبب ضعف حركة البيع والشراء في السوق المحلي بعد أن فقدت الليرة السورية في الأعوام الأخيرة قيمتها، مما يجعل البالة في هذه الحالة الخيار الوحيد لشرائح واسعة من الناس.

أكياس مغلقة بداخلها ثياب لا يعرف أحد سوى نوعيتها، كنزات أو فساتين أو معاطف وغيرها، أما أشكالها فهي متنوعة ومختلفة ولا يمكن توقعها، تصنّف فقط كصيفية أو شتوية، لكن الموديلات غير معروفة. في هذه الأكياس قد تجد فستاناً هندياً، أو كنزة لفريق بيسبول أمريكي، أو قبعة صينية.

بسبب هذا التنوع، عرفت رشا أنها ستجد ضالتها إذا ما بحثت جيداً. وبالفعل بدأت بإيجاد قطع مناسبة لستايل الغوثيك، ولستايل فتيات الأنمي الياباني اعتمدته إضافة للغوثيك لاحقاً. بعد فترة صارت تلفت انتباه أشخاص مهتمين بهذا النوع من الثياب وصاروا يطلبون منها أن تبيعهم ملابسها.

أكياس مغلقة بداخلها ثياب لا يعرف أحد سوى نوعيتها، كنزات أو فساتين أو معاطف وغيرها، أما أشكالها فهي متنوعة ومختلفة ولا يمكن توقعها، تصنّف فقط كصيفية أو شتوية، لكن الموديلات غير معروفة. في هذه الأكياس قد تجد فستاناً هندياً، أو كنزة لفريق بيسبول أمريكي، أو قبعة صينية

في عام 2020 مع كورونا نشطت جروبات على فيسبوك تبيع ثياب البالة الأوروبية، فخطر لرشا فكرة أن تبيع ملابساً شبيهة بالذي ترتديه هي أيضاً، وحرصت على أن تكون هذه الملابس مناسبة للثقافات الفرعية مثل الغوثيك والميتال والبوهيميان وغيرها، بالإضافة إلى محبي فرق الروك والأنمي والأفلام. بعد فترة اشتهرت رشا على أنها الفتاة التي تبيع ثياباً تلائم الثقافات الفرعية في دمشق حيث تقيم الآن.

بوب شاب ثلاثيني يتابع ما تبيعه رشا أملاً في الحصول على كنزة لفرقة أوبث. بالنسبة إليه، فإن بيع هذا النوع من الثياب علناً حلم يتحقق. فقبل عدّة سنوات فقط، كانت تهمة عبادة الشيطان تلاحق كل من يرتدي ملابس سوداء من ستايل الغوثيك والميتال والإيمو. بالنسبة للمجتمع السوري كان هؤلاء عبدة شيطان. 

يرى بوب أن تصرفات المراهقين في بداية الألفين سببت هذا الذعر، وتطور الأمر حتى صار أي شخص يسمع موسيقى الميتال متهماً بعبادة الشيطان. أراد بوب أن يرتدي كنزة فرقه الموسيقية المفضلة، لأنها منحته طرق تفكير جديدة، وعبأت فراغاً روحياً كان يعاني منه في مرحلةٍ ما. بالنسبة إليه فإن هذه الكنزات تعني ارتباطه بهذه الموسيقى، لكن ليس من الضروري أن يتبع ستايل الميتال طول الوقت.

لم تعد الآن تهمة عبادة الشيطان كما كانت من قبل، خصوصاً أنه لا يوجد قانون واضح بخصوصها. يرى بوب أن السوشل ميديا هي السبب، إذ استطاع الناس معرفة أنها مجرد موسيقى وأنه “يمكن لشخص مؤمن يصوم ويصلي أن يحب الميتال”. مع ذلك بقيت الأسواق النظامية السورية على طبيعتها المحافظة، خصوصاً بعد خروج الماركات الماركات العالمية من سوريا مثل زارا وبيرشكا وبونيتون وغيرها بسبب انخفاض القدرة الشرائية. 

كلّ الملابس غربيّة

ملابس الأسواق جميعها تشبه الموضة العامة. لا شيء مناسب لمن يمتلك ذوقاً خاصاً أو هوية جديدة قريبة لشخصيته. الاختلاف يؤدي إلى اتهامات فورية، مثل عبادة الشيطان والجنون والإدمان، وبالطبع تهمة تقليد الغرب. كانت هذه الاتهامات تأتي جاهزة مع قوالب وألقاب. 

يتذكر حسّان أنه كان يوصم الشبّان الذين يرتدون مثل الهيبيز بالحشاشين المتثاقفين، كان يراهم عادةً قرب كلية الفنون الجميلة أو في ساحة الأمويين عند المعهد العالي للفنون المسرحية. في المقابل كان يحترم من يرتدون ملابس موسيقيي الميتال، لأنهم كانوا برأيه شجعاناً، يتمنى لو يفعل مثلهم، لكن عائلته لن توافق. وحتى إن وافقت عائلته لم يكن يعرف من أين يأتون بهذه الملابس. 

مؤخراً فقط عرف أن سوق البالة هو مصدر أغلب هذه الملابس. يسمع من أصدقائه عن سوق البالة في منطقة الإطفائية والشيخ سعد وجرمانا في دمشق، لكنه لم يعد بمقدوره استكشافها لأنه اليوم لاجئ يعيش في أوروبا.

اليوم يسخر حسان من فكرة “تقليد الغرب” لأن الملابس التي يرتديها الجميع هي غربية أصلاً، وموضتها تُحدَّد من الغرب إذا استثنينا الملابس الدينية أو التقليدية مثل المانطو والعباية، لكنها صارت اليوم مقبولة وهي المعيار الطبيعي، وحتى لو وجدنا شخصاً يرتدي زياً دمشقياً قديماً فإنه سيواجه بالاستغراب ذاته. كما أن على العالم أن يتقبل تأثر الشباب بثقافات وأفكار مختلفة في هذا العصر، منذ اختراع التلفزيون، والآن أكثر مع الانترنت.

أن تجد نفسك في كومة ثياب

تصوير: شهد محمد قيس

لا تكترث آليس التي تتبع ستايل الـ فنتج vintage لهذا الاستغراب. تعّرف آليس الفنتج على أنه الشيء القديم الذي يحمل قيمة وذاكرة ما، وبالنسبة لها فإن هذا الستايل يجعلنا نشعر بطاقة القدماء وأرواحهم بداخلنا. تجد آليس هذه الملابس في صناديق والدتها التي لا تتخلص من الثياب التي لم تعد رائجة، كما يمكن إيجاد قطع مرّ عليها عشرون عاماً أو أكثر في البالة. 

لا تبحث آليس عن ثيابها في الأسواق النظامية، لأنها ترى أن الحداثة شوّهت الجمال، وصار مجرد نسخ متشابهة لا قيمة لها، بينما في ملابس العصور الماضية يمكننا أن نرى ثقافة وفكر وفن تظهر في هذه الملابس. وبالنسبة لراقصة مسرحية، كل هذه التفاصيل الفنية مهمة. يلقبها أصدقاؤها بآليس في بلاد العجائب لطريقة لباسها، لكن ما تشعر به هي هو الذي يهم.

تستخدم آليس ثياباً قديمة احتفظت بها والدتها منذ وقت طويل أو تشتري من البالة، إذ لا تجد أيضاً في الأسواق النظامية ما يلائم ذوقها، أما البالة فيمكن إيجاد قطع تعود موضتها لعشرين سنة مضت أو أكثر، وبهذه الثياب القديمة تصنع أزياءها بعيداً عن النسخ الحديثة الموجودة في الأسواق.

يوم الأكياس الجديدة

لا تستطيع الأسواق السورية النظامية مجاراة أزياء الثقافات الفرعية لأنها وبحسب مصمم أزياء أراد إبقاء هويته سرية، تعتمد على تقليد ما هو رائج في الغرب لكن مع جرأة أقل، ويبحث التاجر عمّا سينال إعجاب أكبر شريحة ممكنة من الزبائن سواء قام باستيراده أو صناعته، ولا يهتم بأي أذواق قد تكون مختلفة. 

أضاف مصمم الأزياء المقيم في دمشق أن أغلب تجار الملابس النظامية محافظين جداً، ولن يتقبلوا شيئاً مختلفاً، “لكن هذا لم يعد مهماً بسبب الانترنت، حيث يستطيع الناس متابعة بعض الفيديوهات وإيجاد طرق لصناعة الستايل الخاص بهم”. 

في دمشق يوجد نوعان من الأسواق، السوق النظامي باختلاف أنواعه في شارع الحمراء والشعلان والصالحية وسوق الحميدية والمجمعات التجارية وغيرها. ويمكن تقسيمها اقتصادياً أو نوعياً. فهناك متاجر تختص بالملابس المحتشمة، وأخرى بالسبور. أما أسواق البالة فلا تكون دائماً كسوق متكامل.

لا تستطيع الأسواق السورية النظامية مجاراة أزياء الثقافات الفرعية لأنها تعتمد على تقليد ما هو رائج في الغرب لكن مع جرأة أقل، ويبحث التاجر عمّا سينال إعجاب أكبر شريحة ممكنة من الزبائن سواء قام باستيراده أو صناعته، ولا يهتم بأي أذواق قد تكون مختلفة

بالطبع هناك بالة الإطفائية وهي أكبر سوق بالة في دمشق داخل حارات منطقة القنوات القديمة. حارات ضيقة بالكاد تستطيع سيارة أن تمر داخلها مليئة بالبسطات على الجانبين تتكوم فوقها الملابس بشكل فوضوي وبأسعار رخيصة، وهناك الدكاكين خلف البسطات التي تعلق الثياب وتكويها وتبيعها بأسعار أغلى. 

ثلاث حارات تقريباً مزدحمة بالملابس والمتسوقين كل يوم خصوصاً يوم السبت الذي يعرف أنه اليوم الذي تفتح فيه الأكياس الجديدة. في المزة الشيخ سعد سوق البالة أصغر ولا يتعدى شارعاً واحداً من بسطات ودكاكين تقع بينها بعض المحلات المختلفة لبيع الأطعمة. في المناطق الأخرى يمكن إيجاد الدكاكين التي تبيع البالة بشكل عشوائي تقريباً خصوصاً في منطقة جرمانا، وتتموضع البسطات بشكل أكثر عشوائية، لكنها لا توجد في الغالب وسط الأسواق النظامية المعروفة.

أن تجد نفسك في كومة ثياب

تصوير: شهد محمد قيس

فانز.. وصيادون

كانت للبالة قبل سنوات الحرب سمعة سيئة متعلقة بكونها “سوق ملابس مستعملة”، فبعيداً عن الباحثين عن قطع مميزة غير موجودة في السوق، يفضل الكثير شراء ملابس بجودة سيئة واقتصادية على الذهاب لسوق البالة، لكن مؤخراً ومع الوضع الاقتصادي المتردي في دمشق، دعت الضرورة الكثيرين للجوء إليها، وأدى هذا إلى انفتاح وقبول أكبر بشأنها. 

يفاخر البعض بالسعر المنخفض للثياب الأنيقة التي حصل عليها من البالة، كما صارت متعة التسوق من البالة أشبه بعملية صيد. من بين ثياب مهترئة وقديمة، يحصل صياد البالة على ثياب مميزة وأنيقة ولا يوجد مثلها في السوق. قطع أوروبية ذات جودة عالية تتفوق على الصناعة المحلية، في أحيان قليلة تكون أغلى منها خصوصاً الأحذية. 

وبرغم كلفتها المنخفضة، ترتفع أسعار الملابس في سوق البالة نظراً للطلب المتزايد. تعزو منال ذلك إلى تدخل أشخاص تسميهم مافيات البالة في تحديد الأسعار. يقرر أحد كبار التجار في البالة متوسط أسعار الجينز الجيد وعلى الجميع أن يحذو حذوه وإلا خسر حقه في بيع الثياب.

أخلاقيات تتسرب من الشاشة 

مؤخراً بدأت متاجر جديدة بالظهور تحاول بيع كنزات للمعجبين بالفرق الموسيقية والأفلام وغيرها. تعتمد هذه المتاجر على الطباعة الحرارية. كنزة سادة مع صورة مطبوعة لشيء ما يطلبه الزبون، ورغم أن هذه الطباعة ليست جديدة، فقد كان من يرغب بطباعة أي شيء يتوجه لمحلات التصوير ليحصل على طلبه، لكن أسلوب الترويج الآن في المحال الصغيرة يعتمد تماماً على جذب الفانز بطباعة صور أكثر المسلسلات أو الأنمي أو الأغاني الشعبية مثل محل “فريندز” الذي روّج لنفسه من خلال كنزات ولوحات واكسسوارات تحمل صور مسلسلات وأعمال شهيرة تعرض على خدمة نيت فليكس وسكاي تيكيت وأمازون برايم وغيرها، مثل مسلسل الأنمي الهجوم على العمالقة.

في الغالب تكون جودة هذه الكنزات منخفضة، فالصورة المطبوعة تختفي مع الغسيل عدّة مرات، أو أن القماش نفسه من نوعية رديئة، في مقابل الموجود في البالة الذي يتميز بجودة عالية تجعل الراغبين بها يدفعون ضعف سعر الكنزة المطبوعة محلياً.

أيضاً يساهم الانترنت في نشر ثقافة البالة عالمياً ولكن في سوريا أيضاً، فرغم وطأة الظروف المعيشية، تتسرب عبر الشاشات تلك الأخلاقيات التي تصاحب عملية التسوق من متاجر الثياب المستعملة، أو ربما تقدم لنا أسباب إضافية لارتداء تلك الثياب، فصناعة الملابس الجاهزة تؤثر على البيئة وتعني قتل مزيد من الحيوانات واستهلاك كميات كبيرة من المياه وأجوراً منخفضة لعمال المصانع.

رغم وطأة الظروف المعيشية، تتسرب عبر الشاشات الأخلاقيات التي تصاحب عملية التسوق من متاجر الثياب المستعملة، أو ربما تقدم لنا أسباب إضافية لارتدائها، فصناعة الملابس الجاهزة تؤثر على البيئة وتعني قتل مزيد من الحيوانات واستهلاك كميات كبيرة من المياه وأجوراً منخفضة لعمال المصانع

توجد الكثير من الفيديوهات على اليوتيوب عن التسوق من متاجر الثياب المستعملة أو البالة، بالإضافة إلى أغنية thrift shop الشهيرة والتي تظهر كم التنوع في هذه المتاجر.

وفي مسلسل friends الشهير ترتدي شخصية فيبي ثياباً تظهر بشكل واضح من غرابتها وقدمها أنها من البالة، كما أنها ظهرت في إحدى الحلقات ترتدي بنطال سانتا كلوز الذي اشترته من متجر ثياب مستعملة، وحتى قطع الأثاث من هذه المتاجر لأنها يجب أن تكون “فريدة”. تهتم فيبي بحقوق الحيوان والبيئة، كما تتمتع بشخصية غريبة محببة تظهر في طريقة لباسها أيضاً.

بينما تسير الموضة العالمية في خط يتطور بشكل مستمر، تعيش البالة على مخلفات هذه الموضة بشكل عشوائي وفوضوي وتنتقل عبر العالم بهذه العشوائية متجاوزةً ضوابط الموضة وثقافة المكان والتقاليد، فتتجمع عدّة عصور وهويات وأعمار ومقاسات على بسطة واحدة.

ربما لا يزال أغلب الناس حتى من متسوقي البالة يبحثون عن ثياب تلائم موضة العصر، لكن هذا الطلب لا يؤثر على من يريدون أشياء مختلفة. أكوام من الثياب تجد فيها ما لا تتوقعه، لا تبحث هي عن ذوقك، إنما أنت من عليه البحث في هذه الكومة.

 

أن تجد نفسك في كومة ثياب

تصوير: شهد محمد قيس