fbpx
تصوير:Colin Tsoi. وقف رخصة المشاع الإبداعي

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

عند البحث في الدراسات التوسعية لمدينة عمان والتحولات التي مرّت عليها، نجد المسنين وكبار السن في أسفل قائمة الاهتمامات. إذ يتغنى المسؤولون عادةً بأن عمّان تعد مجتمعاً فتيّاً
ــــــــ المـكـانــــــــ تقدمـ العمـر
5 أكتوبر 2021

عندما تزوجت أم صدام، عام 1988، تركت مدينة إربد حيث نشأت لتنتقل مع زوجها إلى عمّان، ومنذ ذلك الحين تقطن بيتًا يقع على أحد أدراج منطقة “راس العين”. كان انتقالها صعباً في البداية من المدينة السهلية الخصبة التي يعمل سكانها بالفلاحة غالبًا، لتعيش في العاصمة الواقعة على نحو 19 هضبة والتي بُنيت أساسًا على سبعة جبال. حيث تشمل “راس العين” على مناطق مرتفعة عديدة كجبليّ “النظيف” و”النزهة” اللذين يرتفعان نحو 840 مترًا عن سطح البحر على أقل تقدير.

اعتادت المرأة (59 عامّا) العيش وزوجها (65 عاًما) في هذا البيت الواقع على درج يصل الجبل بقاع المدينة، وعلى هذا الدرج نفسه استقرّ أبناؤها المتزوجون. وجدْتُها تجلس في إحدى ساحات “هنجر راس العين” أسفل منزلها مع أحفادها، أخبرَتني بأنها منذ أن أصيبت بالسكري والجلطة القلبية أصبحت تستصعب الخروج لقضاء مشاويرها، ما جعلها تختصر المناسبات والزيارات الاجتماعية، واقتصرت خروجاتها على جلب بعض الحاجيات من الدكان القريبة من الدرج، “لا أستطيع أن أحمل أكثر من كيلو” تقول، وتتابع “المنطقة ليست مخدومة بالمواصلات إلا باتجاه وسط البلد ورغدان، لذلك حين أود الخروج للتنزه أذهب في هذا الاتجاه فقط، أما معظم المشاوير الأخرى للمستوصف أو غيرها فلا بد من طلب تاكسي”.

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

أم صدام داخل منزلها. تصوير: رحمة حسين

أن تشيخ في مدينة شابة

هذه مدينة شابًة نسبيًا، مئة عام أو ما يزيد عن ذلك بقليل ليس بالكثير في عمر  المدن. شهدت عمّان نموّا مباغتًا وغير مسبوق في تعداد السكان، من خمسة آلاف نسمة في  عشرينيات القرن الماضي تضاعفت أربع مرات في الأربعينيات، ثم زاد العدد ضعفين  خلال عقدي الستينيات والسبعينيات. أما اليوم فيصل عدد سكانها إلى أكثر من أربعة ملايين بحسب تعداد 2015. هذا القفز السكاني جعلها واحدة من أسرع مدن العالم نموًا. وإذا فكرنا أن عدد السكان  حتى نهاية عام 2019 يزيد قليلًا عن العشرة ملايين نسمة، فإن قرابة نصف السكان يعيشون في العاصمة، من بينهم  798 ألف  من كبار السن أي من تتجاوز أعمارهم الستين، وهؤلاء يشكلون ما نسبته 7.5% من مجموع السكان.

شهدت عمّان نموّا مباغتًا وغير مسبوق في تعداد السكان، من خمسة آلاف نسمة في  عشرينيات القرن الماضي، ليصل عدد سكانها اليوم إلى أكثر من أربعة ملايين

كيف يشيخ الإنسان في مدينة شابة؟ ذلك أن النمو السريع للمدينة لا يأتي من دون ارتكاسات تؤثر على الحياة اليومية، الاكتظاظ، اختفاء المساحات الخضراء، التلوث، البناء العشوائي، تعثر إدارة النفايات وغيرها من المشكلات المرتبطة بالعيش وصعوباته. وحين نتحدث عن التقدم في العمر والشيخوخة في مجتمع فتيّ يفكر معظمنا أننا نتحدث عن أقلية لسنا من ضمنها، غافلين أننا في الوقت نفسه نتحدث عن مستقبلنا، وأن هذا المجتمع الفتي نفسه يسير في طريقه، وبالنسبة ذاتها، إلى أن يتحول إلى مجتمع هرم، سواء تحقق ذلك ببطء أو بتسارع.

أن نشغل مكانًا ما ونعرفه ونألفه يعدّ مسألة حياة أو موت كما عبّر مرة الفيلسوف الفرنسي هنري لوفيفر. ويقتضي فهم ارتباط أي فرد بالمكان الذي يعيش فيه أسئلة من نوع أين المكان؟ مم يتكون؟ وما قيمته؟ فالعلاقة مع بنية المدينة وتخطيطها ليست علاقة فرد بخدمات، بل إنها كتلة اشتباكات عاطفية ونفسية واجتماعية وجسدية. من هنا، من إدراك هذه العلاقة أتى المصطلح العمراني “مدينة صديقة للتقدم في العمر” الذي ارتبط بمعنيين: الشيخوخة في المكان، والمكان في الشيخوخة.

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

مطل من جبل النظيف. تصوير: رحمة حسين

ما يحدث في الشيخوخة هو فقدان للهوية الجسدية وحلول أخرى محلها، وهذا يعني ضمنيًا أن تكون المدينة بيئة داعمة وتمكينية لكبار السن للتعويض عن هذه الخسارات. يفقد المسن مع هويته الكثير من عاداته اليومية كالخروج والتنزه والحياة الاجتماعية، ما يعني ذوبان للعلاقة مع المحيط الخارجي/المدينة، والاكتفاء بالمكوث في البيت لتجنب الصراع مع شوارع المدينة وأدراجها وازدحامها. ويمكن للتخطيط الحضري للمدينة التي يعيش فيها المسن أن يكون سببًا في تقليل الخسائر الحتمية للتقدم في العمر أو أن يفاقمها. فأحد معاني “الشيخوخة في المكان” هو القدرة على البقاء في محل الإقامة الحالي للفرد حتى عند مواجهة الحاجة المتزايدة للدعم بسبب تغيرات الحياة، مثل تدهور الصحة أو الترمل أو فقدان الدخل.

أما المكان في الشيخوخة فيعني قدرة هذا المكان على التخفيف من خسارات التقدم في العمر، وقدرة المرء على التفاوض معه، ولا يتضمن هذا التفاوض فقط المنزل المادي ولكن أيضًا إعداداته، بدءًا من المسكن وصولًا إلى المدينة بوصفها المنزل الكبير.

قد يبدو الحديث عن مدينة صديقة للتقدم في العمر مكلفًا ومعقدًا بالنسبة إلى المدن العربية ذات المشاكل الهيكيلية في تخطيطها. لكن دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية بعنوان “مدن صديقة للتقدم في العمر: دليل”، وضمّت مسحًا لـ 33 مدينة في العالم من بينها عمّان وطرابلس اللبنانية تكشف أن إجراءات بسيطة قد تغيّر الكثير في علاقة المسن بالمدينة.

يفقد المسن مع هويته الكثير من عاداته اليومية كالخروج والتنزه والحياة الاجتماعية، ويكتفي بالمكوث في البيت لتجنب الصراع مع شوارع المدينة وأدراجها وازدحامها

مثلًا مسحت الدراسات آراء مسنين في عمّان والذين تمثلت مطالبهم البسيطة في جدول مواعيد ثابتة للحافلات يسهّل عليهم تنظيم أوقاتهم والتقليل من فترات انتظارهم الطويل، لا سيما أنه وبحسب الدراسة فإن السائقين يفضّلون تجاهل كبار السن وعدم الوقوف لهم أصلًا. تذكر الدراسة جسور المشاة التي أسستها أمانة عمان على الطرق الخطرة والسريعة، لكن الصعود إلى هذه الجسور بحد ذاته محنة بسبب سلالمها المرتفعة على كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

هناك أيضًا من رأى بضرورة أن تخصص المطاعم قائمة طعام تناسب صحة المسنين المرضى بالضغط والسكر، ثمة من اقترح ضرائب سكن ومبيعات أقل على المسنين، ومراكز تدريب لهم على مهن خفيفة يعيشون منها، أو خلق مساحات خضراء وإتاحة العناية بها للمسنين في الحيّ نفسه، أو وقت أطول لقطع الطريق عند توقف إشارة المرور، مراكز صحية ورعاية بالمسنين منتشرة بين الأحياء يسهل الوصول إليها، تجمعات ونوادي صغيرة يتجمعون فيها ويمارسون بعض الأنشطة الرياضية والترفيهية.. كثير من الاقتراحات الصغيرة ولكنها تصنع فرقًا بالنسبة إليهم على ما يبدو.

التفاوض مع مكان وعر

بعد نحو كيلومترين من “هنجر راس العين” يتواجد الشارع المؤدي ارتفاعاً لجبل النظيف. الجبل يعد من المناطق الشعبية المكتظة بالسكان،تملؤه الأدراج والشوارع المنحدرة، وعلى حواف واحد من هذه المنحدرات الشديدة يقف بيت أبو محمود (65 عامًا). يخرج الرجل مرة واحدة في اليوم، “نزول الدرج سهل لكن الطلوع عذاب”، وقد تسبب هذا العذاب في تركه أمر دكانه إلى أحد أبنائه. لا يوجد مواصلات مباشرة من الجبل إلى أي مكان آخر سوى إلى وسط البلد، ولكي يذهب إلى أي مكان عليه استخدام أكثر من وسيلة تنقل، سيما وأنه غير قادر على تكبد أجور سيارات التاكسي مثله مثل أم صدام.

عند البحث في الدراسات التوسعية لمدينة عمان والتحولات التي مرّت عليها المدينة، نجد المسنين وكبار السن في أسفل قائمة الاهتمامات. إذ يتغنى المسؤولون عادةً بأن عمّان تعد مجتمعاً فتيّاً؛ حيث تشكل النسبة الكبرى من الفئات العمرية لسكان عمّان من عشرة إلى أربعين عاماً.  كذلك لا توجد دراسات تُعنى بإعادة تأهيل المناطق القديمة بما يتوافق واحتياجات السكان كبار السن.

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

درج عصفور – جبل عمان. تصوير: رحمة حسين

المهندسة ريهام البطاينة التي قابلتها في أمانة عمان من قسم التخطيط الشمولي، توضح بأن إنشاء العمران على التلال المرتفعة (الجبال) في عمان يمكن أن يكون مشكلة بذاته. تقول.. “إن الدول التي تحمل تنوعات جغرافية تخطط لأبعاد مستقبلية من أجل احتياجات السكان. وتغلّبت على المعوقات الجغرافية بأن جعلت تمركز السكان في المناطق السهلية أو المنخفضة الارتفاع دون المساس بجغرافيا الجبال أو تشويهها، واستغلت المناطق الجبلية بزراعتها وتخضيرها. الآن وبعد عقود من إنشاء المدينة يصعب على المختصّين الرجوع  إلى الوراء؛ حينما تم اتخاذ القرار بإنشاء المدينة على المنحدرات”.

لكن ما يحدث اليوم يشبه تجاهل أخطاء الماضي، فأمانة عمان الكبرى التي تمضي بمشاريع التوسعة والتحضّر في المدينة تكاد تكون التفاتتها نحو الجبال السبع المكتظة بالسكان خجولة إلى حد كبير. هذه المناطق تفتقر إلى الخدمات ويعيش سكانها في جوّ أكثر تهميشاً من العديد من مناطق العاصمة.

العيش وحيداً قرب الدرج

في منطقة “جبل عمان” بالقرب من الدوار الأول، يقطن الكثير من السكان منازلهم القديمة قرب المنحدرات وعلى الأدراج الطويلة الواصلة بين شارع الرينبو ووسط البلد، منها درج عصفور الواصل بين شارعين حيويين في الجبل. يسكن بجواره العديد من العائلات وتحدّه المنازل من الطرفين. إنه أحد الأدراج الشاهدة على قِدم المنطقة، والذي لايزال سكانه يورّثون أبناءهم سكنته بعد وفاتهم.

كان كل من محمد خلف (60 عاماً) وجاره رياض (61 عاماً) يجلسان على الدرج للترويح عن أنفسهم. أخبرني محمد بأنه وعائلته سكنوا الدرج سنة 1973، قبل ذلك سكنت عائلته منطقة “جبل القلعة”، والتي تعد أيضاً من المرتفعات الحادة في عمّان. يذكر أن أمه كانت تستعين بالعمالة الوافدة من العتّالين ليجلبوا وإياها حاجيات المنزل والمياه من وسط البلد طلوعاً لجبل القلعة. يقول إن عائلته لسبب ما قررت الانتقال إلى جبل عمان حيث يسكن هو الآن وحيداً بعد وفاة كل من أبيه وأمه.

مع أن أمانة عمّان تعفي كل من هم فوق الـ 60 عاماً من دفع أجرة ركوب “باصات عمان الجديدة” المجهزة لكبار السن وذوي الإعاقة إلا أنها تطلب منهم استخراج هذه البطاقات من مركز الحافلات في مجمع الشمال الذي يُعتبر بعيداً

يقول محمد “لو احتجت علبة سردين أو دخان أو خبز أستعين بأحد من الحارة يحضرها في طريقه” ويمكن أن ينتظر مدة طويلة جائعًا دون أن يستطيع الخروج. يوضح أن حالته الصحية ساءت منذ 12 عاماً وصاحبت كِبره آلام الأقدام وغباش الرؤية. يوضّح “أغلب الأحيان بفكر كيف بدي أطلع وكيف بدي أرجع. حالة نفسية يعني”.

المنطقة تعجّ بكبار السن بحسب ما يخبرنا الجيران، ويوضحون أنه مع ذلك ولكن محلات التموين بعيدة عن الحي، أقرب دكان للدرج يبعد 500 مترًا، ولكنه يتطلب جهداً كثيراً حيث إنه ليس على أرض مستوية وإنما على منحدر الجبل نزولاً. يشير محمد إلى أن أقرب دكان من الدرج تحتاج من الوقت ربع ساعة للذهاب وربع ساعة للرجوع، و”إذا لقيتها مسكرة بروح على اللي بعدها. بصير بدي ساعة روحة رجعة”.

يشاركنا في الحديث صديق طفولته رياض، يقول إنهم اعتادوا سكنة الدرج وإن غير المعتادين لا يستطيعون العيش بنفس الطريقة. العم رياض أيضاً يعيش وحيداً. تُصاحبه عُكازه منذ الطفولة كونه وُلد بإعاقة في إحدى قدميه. لذا يساعد الجيران  في جلب احتياجاته كلما أرادوا الذهاب إلى مراكز التموين.

ومع أن أمانة عمّان تعفي كل من هم فوق الـ 60 عاماً من دفع أجرة ركوب “باصات عمان الجديدة” المجهزة لكبار السن وذوي الإعاقة إلا أنها تطلب منهم استخراج هذه البطاقات من مركز الحافلات في مجمع الشمال الذي يُعتبر بعيداً، وهذا ما يعيق محمد وغيره من استخراجها.

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

إحدى أدراج جبل النظيف. تصوير: رحمة حسين

لنبدأ من الترميم والدرابزين

يقول الأنثروبولوجي، محمد الشناق، إن تضاريس العاصمة ليست صديقة لكبار السن، ومع ذلك فإن الدول الأخرى التي تتشكل على الجبال المنفصلة وعلى الأدراج تخصص من ميزانياتها ما يسهل الحركة في هذه الجغرافيا، فمثلاً؛ تفتقر أدراج عمان للدرابزين الذي يستند عليه المسنين. وتفتقر المدينة كذلك للسيارات والحافلات الصديقة لكبار السن وذوي الإعاقة، وهي موجودة بشكل نموذجي بأسعار منخفضة في اليونان رغم ركودها الاقتصادي ومديونيتها المرتفعة. “علم العمارة مرتبط باحتياجات السكان وببيئة المكان، لهذا نجد طرقًا في هذا العلم تعرفنا وتوجهنا إلى كيفية التعامل مع التضاريس الصعبة دون الحاجة لإزالة العمران القديم أو محو ذاكرة المكان” يقول الشناق، وهو ما لم يكن موجوداً بالفعل ضمن اعتبارات إعادة تأهيل العمران لأمانة عمان، على الأقل من الجانب المتعلق بالمسنين.

تفتقر أدراج عمان للدرابزين الذي يستند عليه المسنين. وتفتقر المدينة كذلك للسيارات والحافلات الصديقة لكبار السن وذوي الإعاقة

اللافت هو أن الأدراج المكتظة بالسكان في عمان كثيراً ما تعاني من الحاجة للترميم والتأهيل الإصلاح. درج عصفور الممتلئ بالحفر قد يسبب خطراً لأي من المارّة وتحديداً كبار السن تحديداً في الليل وفي الشتاء. “قبل شهر صابني التواء حاد بالرجل بسبب الدرج” يقول محمد، وأخبره الطبيب بأن الأدوية وحدها لن تكون مجدية دون راحة، ولكن أخذ قسط من الراحة لمدة طويلة يعد مستحيلاً بالنسبة لمكان سكنه وظروفه الصعبة.

جبال يعيش أهلها بظروف مخيم

أبو زياد (75 عامًا) يعيش في منطقة مخيم جبل الجوفة، حينما قابلته كان يشتري الخضار من العم عبيد حماد، 90 عاماً، رغم كبر سنّهما إلا أنها يقضيان كل احتياجاتهما مشياً على الأقدام ولمسافات طويلة. وقد لا يكون جبل الجوفة مليئاً بالأدراج الطويلة إلا أن ارتفاعه يبلغ 850-750 متراً فوق سطح البحر وهو مكتظ بالسكان والمنازل المتلاصقة.

انتقل عبيد للمخيم في الستينيات. يقول إن الجوفة كانت عبارة عن جبل وفيه كروم زراعية، وكانت أقل اكتظاظاً بالسكان. اليوم يُعرف عن المنطقة بناؤها العشوائي الآيلة بعضها للانهيار كما حدث في 2017 حينما انهار عدد من المباني وأُخلي 15 مبنى خوفاً من التصدعات التي قد تتسبب بكارثة يوماً.

يوضح أبو زياد أن العيش في المنطقة بات متعباً مع تقدم العمر، ولكن البقاء في المخيم هو الخيار الوحيد. يتعالج أبو زياد في جبل التاج الذي يبعد كيلو ونصف عن جبل الجوفة، يذهب لهذا المشوار الاضطراري بتاكسي، بينما يمشي لوسط البلد سيراً على الأقدام عندما تكون حالته الصحية أفضل قليلاً. وكذلك الأمر بالنسبة للعم عبيد؛ فهو يتعالج في مستشفى علياء العسكري الذي يبعد عن الجوفة نحو عشرة كيلو متر. فلا يستطيع الذهاب إلا بتاكسي. ومع ذلك فهذه هي الرحلة الوحيدة التي يسمح لنفسه بأن يذهب إليها عبر التاكسي، نظراً لصعوبة الوضع الاقتصادي.

عمّان أدراجها ومسنّيها.. صداقة قد تبدأ من درابزين

أبو زياد وعبيدحماد – جبل الجوفة. تصوير: رحمة حسين

تفتخر أمانة عمان بشبكة مواصلات جيدة، ولكن الحقيقة أنها لا ترتقي إلى هذا الحد من الجودة. الحافلة العامة التي تمر في إحدى منحدرات جبل الجوفة والتي تحمّل فوق الطاقة الاستيعابية، تأخذ ركابها في نقطة عند منتصف المنحدر، ولا يكاد يتأكد السائق من نزول راكب ورجله معلقة بالهواء حتى ينطلق بأسرع ما لديه، هذه المواصلات تحمل خطورةً عالية تفوق تعب المشي من جبل إلى جبل مشياً على الأقدام. كبار السن ممن يعتمدون على الحافلات المتوسطة يضطرون أحياناً للوقوف ضمن “الشباب” في ممر الباص حتى تجلس الفتيات بحمولة زائدة على نفس المقعد. عدا عن ندرة وجود مواقف للحافلات التي تقي الركّاب من الحرّ أو البرد. هذا المشهد ينطبق على الكثير من الأحياء العمّانية الفقيرة.

عندما سألت أبو زياد وعبيد أين يتنقلون للترفيه عن أنفسهم؟ قال أبو زياد معترضاً “بعمرنا ما في تسلاية”، الذي يكمل جملته ويحمل أكياس الخضار ويتجّه لمنزله مشياً تحت درجة حرارة عالية.

يضطر كبار السن ممن يعتمدون على الحافلات المتوسطة أحياناً للوقوف ضمن “الشباب” في ممر الباص حتى تجلس الفتيات بحمولة زائدة على نفس المقعد. عدا عن ندرة وجود مواقف للحافلات التي تقي الركّاب من الحرّ أو البرد. هذا المشهد ينطبق على الكثير من الأحياء العمّانية الفقيرة

عام 2008 نشرت أمانة عمان ما يسمى بـ “خطة عمان” لتحسين البنية التحتية والحديث عن التطلعات المستقبلية. يقول التقرير إن الأمانة تتطلع إلى جعل منطقة وسط البلد محوراً  للتجديد الحضري ، فهو قلب المدينة، وهو نقطة التقاء بين “عمان الشرقية والغربية”. فهو وعمان القديمة بحاجة إلى إنعاش اقتصادي، خاصة وأن معظم الاستثمارات التي أتت إلى الأردن وتنفق على التطوير العقاري لا تستهدف منطقة وسط البلد.

منذ ذلك الوقت ركّزت الأمانة على تحسين وترميم الأدراج والمناطق المرئية من قبل المستثمرين في وسط البلد وأماكن أخرى باعتبارها ميزات جمالية لابد من الاهتمام بها.

ولكن الشق الآخر من التوصيات المذكورة بأن يتم تجديد المواقع المنسية داخل المدينة، وكذلك النظر إلى ما وراء وسط المدينة إلى مناطق مثل جبل الجوفة، والأشرفية وغيرها، وتحسين شبكات النقل، لم يتم الاعتناء به كما هو متطلعٌ إليه كون تلك المناطق لا تشكل أهدافاً استثمارية.