fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

أسعد جناح مستشفى في العالم

القفز من جسد أوشك أن يشبه جسد عمتي إلى جسد جديد لصبي مراهق بجسد لم يخلُ من مزاياه وحتى من بعض الشماتة في متوافقي الجنس
ــــــــ تقدمـ العمـر
20 أغسطس 2021

كيف يمكن لمن نشأت فتاةً أردنيةً أن تتخيل أنها ستكبر لتكون رجلاً أردنياً، أن تكون قاتلها؟ هل يمكن لفلسطيني أن يتخيل النظر في المرآة ورؤية الوجه المبتسم لجندي إسرائيلي يندمج في وجهه؟ هل يستطيع عصفور ولد للتو في العش أن يتخيل صقرًا جائعًا ينبثق من صدره؟ لأشهر بعد بدء التستوستيرون، لم أستطع النظر إليها ولم أستطع النظر إليه. كانت تحتضر وكان يقتلها. كان من المفترض أن تكون هذه أسعد لحظة في حياتي لكنني شعرت كما لو أنها جريمة شرف.

كيف يمكنني أن أشرح كل هذا للألماني العابر جنسيًا الذي كان جالسًا أمامي في المقهى في ميونيخ ينتقدني لأنني انتظرت حتى أبلغ 42 عامًا لبدء الانتقال إلى ذكر إذا كنت قد عانيت من اضطراب الهوية الجندرية طوال حياتي؟

عندما بلغت الأربعين، بدأت أشعر بتغيرات في الدورة الشهرية بالإضافة إلى الأعراض المعذبة التي أصبت بها من انتباذ بطانة الرحم، واضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي. ذات مرة في رحلة برية مع صديق، كان عليّ أن أطلب منه إيقاف السيارة بسرعة لأنني كنت أنزف من مكان مجهول، كنت أعرف أن الوقت قد حان لاستشارة جوجل.

بعد أن قرأت 34 موقعًا أدرجت أعراض انقطاع الطمث (الانتقال إلى سن اليأس) بما في ذلك الشعور بحرقة في اللسان والصدمات الكهربائية (أمر كنت قد بدأت في تجربته بالفعل)، وجدت من بين الأعراض هذه: الشعور الدائم بالرهبة والعذاب الوشيك.

أسعد جناح مستشفى في العالم

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

لم يطلب مني أحد من قبل أن أصف العيش مع اضطراب الهوية الجندرية، ومع ذلك فقد فكرت طويلًا وبصعوبة في الإجابة. يبدو الأمر وكأنك تسقط في هوّة لا نهاية لها. والآن ها هي الحياة تعدني بالرهبة والعذاب فوقها. كيف يمكنني أن أصبح مثل عمّة عجوز تتهاوى ممتلئة بالرهبة والعذاب بينما الولد الصغير داخلي لم يستمتع حتى بأن يصبح شابًا؟ ولكن بعد ذلك مرة أخرى كيف يمكنني أن أصبح العدو؟ لقد تمكنت من تجنب الاضطرار إلى الاختيار طوال حياتي إنما ينبغي علي الآن أن أقرر أو ستقرر البيولوجيا نيابة عني.

لجأت يائسًا/يائسة إلى صديقاتي النسويات المقروءات جيدًا اللواتي أوضحن لي بصبر أنه ليس كل النساء يتصرفن بطرق نسوية (حتى اللواتي ادعين أنهن نسويات) وأن الذكورة ليست كلها أذى.

الذكورة ليست كلها أذى؟؟

لا شيء مما جربته في حياتي أعدّني لفهم أو تصديق هذا الجزء الأخير. إذا كان ما يقولونه صحيحًا، فهذه أخبار جيدة حقًا، بتطير العقل، ولكنها أيضًا أخبار سيئة. لقد نهبتني البطريركية، سرقتني مرارًا وتكرارًا كامرأة وكرجل، كرهت نفسي طوال هذه السنوات من أجل لا شيء.

***

ثم كان أن طمأنتني تلك الصديقة، بعد أن أحست بخوفي من التحول وكراهيتي لذاتي، وقالت مازحةً بأنني حتى بدون أن آخذ التستوستيرون سيظهر لي شارب قريبًا في كل الأحوال، كلنا ينبت لنا شارب مع العمر.

العلم نفسه دحض ثنائية الجنس، وأعتقد أنه مع تقدمنا في العمر فإننا جميعًا نغير الجندر بالفعل. جندر الطفلة ليس نفسه جندر المراهقة، وهذا ليس جندر المرأة الشابة، والتي ليست من نفس جندر المرأة الحامل، وهذه ليس لها جندر العمة نفسه، وليس لهذه نفس جندر جدتي التي نبت لها شارب. وحتى ضمن كل هذه الفئات، يكون كل جندر فريدًا ومعقدًا وربما غير مستقر.

لم يكن جندر الفتيات “النيردز” (المجتهدات) في مدرستي الثانوية نفسه جندر الفتيات المحبوبات ذوات الشعبية.

أتذكر فتاة واحدة، نادين، التي تمكنت من أن تكون الاثنتين: الفتاة الـ “نيرد” وصاحبة الشعبية في آن، كان ذلك رائعًا.

أقنعتني أشياء أخرى كثيرة أيضًا بالقيام بهذه القفزة. مجرد ملاحظة بسيطة. بدءًا من الثلاثينيات من العمر، أصبح العديد من صديقاتي أمهات. سألت نفسي كيف أن التحول أقل غرابة من خروج إنسان آخر تمامًا من مهبلك؟ الجسد الأنثوي قادر على نحو مذهل على التحول. ولادة نفسي ذكرًا هو أكثر ما فعلته أنثوية في حياتي.

أسعد جناح مستشفى في العالم

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

خضعت الشهر الماضي لعملية استئصال الثدي والرحم في مستشفى بمدينة هامبورج بعد عشرين عامًا من حلمي فيها وتخيلي لها. ولإثبات وجهة نظري، تم إلحاق الجناح الذي أجريت فيه العملية بجناح الولادة. حتى جراحنا كان طبيب نسائية وتوليد. ذات ليلة، كنت أتجول في الممرات في محاولة للتخلص من آلام ما بعد الجراحة، سمعت انفجارًا مفاجئًا لبكاء طفل ولد للتو. سمعته في قلبي.

كانت الممرضات في جناحنا أسعد ممرضات رأيتهن في حياتي. أفترض أنه على عكس، جناح السرطان آخر الردهة مثلًا، يختار عابرو الجندر الدخول في هذا الجناح ويغادرونه وهم في حالة من النشوة. الممرضات يناديننا “يا شباب”، نداء يليق بنشوة صدورنا المسطحة. نحن الشباب يمكن رؤيتنا بينما نسير في الردهات حاملين على صدورنا أكياس تصريف مليئة بالدم.

البعض منا يمشي في أزواج وهم يتعرقون ويضحكون بعصبية حول الممرضات مثل الأولاد المراهقين في قاعات المدرسة. أفترض أنني أكبر الأولاد هنا. ابن الأربعة والأربعين ذو الخمسة عشرة عاماً. في الواقع، إذا سألني أي أحد عن عمري، فسوف أشعر بوتر شديد قبل أن أتمكن من الإجابة بدقة. أنا حقًا لم أعد أفهم. لقد أرسل التستوستيرون صوتي متصدعًا، وشعر أنفي ينمو، وجسدي وعواطفي في زوابع سن البلوغ الثاني التي قايضت بها سن اليأس.

عندما يولد  العابرون لا أحد يحتفل. لا يوجد استحمام طفل. لا أحد يوزع “المغلي” على العائلة والأصدقاء. أنا أتعلم الحلاقة من يوتيوب. لا أعرف أي امرأة متحولة أخذها والداها لشراء فستان جديد. كثير منا تبرأت منه عائلاتنا. الخطر والتشرد والهشاشة هي الأشياء التي نعرفها أفضل من أي شيء آخر.

يبلغ معدل البطالة الوطني في ألمانيا 6.1 في المائة وبين الأشخاص العابرين جنسياً هناك حوالي 60 في المائة.

لكن بالعودة إلى الوراء، فإن القفز من جسد أوشك أن يشبه جسد عمتي إلى جسد جديد لصبي مراهق بجسد جديد لم يخلُ من مزاياه وحتى من بعض الشماتة في متوافقي الجنس. لقد تخلصت من ثديي المترهلين ولن يكون لي أبدًا صدر عمتي الذي سحبته  الجاذبية إلى أسفل، ولا صدر جدتي التي رأيتها عارية مرة وكان ثدياها يصلان إلى خصرها، ولن يكون عندي ثديان دهنيان مثلما حدث لأصدقائي الذكور.

أسعد جناح مستشفى في العالم

الصورة: رافاييل خوري

أتذكر صديقي فادي في بيروت وهو يقول لي ذات يوم، “انظر! لقد حدث ذلك أخيرًا!

“ماذا؟” سألته دون أن أفهم.

“ذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية اليوم وعندما رأيت الشباب من حولي في غرفة تغيير الملابس، أدركت أن لدي دهون على الثديين الآن. أنا عجوز رسميًا، لقد انتهى الأمر!

“ألا يمكنك التمرّن واستعادة شكلهما؟ ‘ أسأل.

يقول “كلا، إنها إلى الأبد”.

هذه أيضًا، أعراض لشيخوخة جندر آخر ولكن لا داعي لأن أقلق بشأنها لفترة طويلة جدًا، وربما أبدًا، فصدري الآن صدر فتى.لا أحد يعرف حقًا كم يبلغ عمر العابرين جنسيًا أو حتى كم من الوقت يعيشون. لا أعرف أي عابر فوق سن 45.

ما زلنا نتعلم كيف نكون صغارًا والمؤسسة الطبية تتعلم معنا. لم أر أبدًا جسدًا عابرًا في كتاب الأحياء.

قضيت المدرسة الابتدائية في رسم صور لرجال ذوي عضلات كبيرة. لم أكن أعرف حتى أن العبور كان احتمالًا حقيقيًا، لكنني لم أتخيل أبدًا أنني سأكبر لأصبح امرأة. في المدرسة الثانوية عندما نبتت منحنيات أجساد زميلاتي في الصف، ظل صدري مسطحًا ولم أبلغ دورتي الشهرية حتى الصف الثاني عشر. كان جسدي يعبر من تلقاء نفسه من خلال البقاء على حاله. لقد تعرضت للتنمر بلا رحمة، كان لشكلي ما نطلق عليه الآن شكل العابرين جنسياً. صليّت بلا نهاية لأبدو مثل فتيات أخريات للتخفيف من الاكتئاب والقلق من التعرض للتنمر، لكن حين أنظر إلى الوراء أحس بالفخر بذلك. كان جسمي يخترق نفسه، كان متقدمًا على زمنه وعليّ بكثير.

أسعد جناح مستشفى في العالم

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

في عام 1966، حين كان عمره 15 عامًا، كتب لو سوليفان، وهو ناشط أمريكي وأول رجل عابر جنسيًا يعيش كرجل مثلي صراحة، في مذكراته: “أريد أن أبدو مثل ما أنا عليه ولكن لا أعرف كيف يبدو شخص مثلي. أعني، عندما ينظر الناس إليّ، أريدهم أن يفكروا – هناك واحد من هؤلاء […] لديه تفسيره الخاص للسعادة. هذا ما أنا عليه”.

توفي لو بالإيدز وعمره 39 عامًا.

***

أخبرني العديد من الأصدقاء العابرين جنسياً عن النشوة التي سأشعر بها، حين أرتدي التيشيرت لأول مرة بعد استئصال الثديين. شعرت ببعض من ذلك، ولكن ما زال الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو ومضات الفرح التي غمرتني فجأة لمجرد وجودي في العالم. هل كانت تلك الشجرة دائمًا بهذه الخضرة؟ لقد غيرت أجزاء من جسدي ولكن ماذا عن روحي؟ هل يمكن اختراقها أيضًا؟ هل يمكنني العبور إلى شخص سعيد بعد كل هذا الضرر؟ تخيل الوقوف على خط البداية لسباق الماراثون من جديد بعد أن تكون أنهيت واحدًا للتو. تخيل أنك تجري للخلف. تخيل أنك تبدأ من المنتصف. تخيل أن تكون شابًا إلى هذا الحد وكبيرًا إلى هذه الدرجة.