fbpx

بيوت للمرة الأولى

جولة بين عدد من البيوت في مدينة طرابلس الليبية.. لكل منها طريقة مختلفة للتعامل مع أحوال الوباء
ــــــــ البيت
6 ديسمبر 2020

ربما تختلف الصور والظلال والقصص المحكية. لكن يظل البيت محور الخلاف والوئام ومكان الحرب والسلام ومصدر الذكريات التي قد تثيرها خربشات أو رائحة في زاوية من زواياه. ودفع هجوم الوباء على العالم الجميع إلى بيوتهم، ليكتشف البعض بيته للمرة الأولى، أو ليبدأ معه علاقة جديدة، أو يبحث عن مساحات بديلة يمكنها أن تصبح بيتًا ولو لفترة محدودة من اليوم.

نتجول هنا بين عدد من البيوت في مدينة طرابلس الليبية، كي نرى طرقًا وتجارب مختلفة في التعامل مع تلك المساحة التي نسميها البيت، نعرف أن كل فرد قد ابتكر طريقة للتعامل مع أحوال الوباء، لكننا نعرف أيضا أن كل طريقة هي تجربة تستحق النظر والتأمل.

القفص / العارف

كنت أؤمن أن البيت مصدر الطمأنينة والحب فهو المكان الذي تضفي عليه ذاكرتي مظاهر أسطورية حين كنت أعيش في مخيال طفل ولم أكن أرغب في التحرر منه، وأنا بطبعي أحب المنزل وإن كنت لا أطيل البقاء فيه ولكن من الجميل أن هناك دائمًا مكانًا وأسرة تنتظرك. غير أن صور المنزل التقليدي تلاشت اليوم ولم يبق منها سوى بضع روائح بصرية خافتة علقت بذاكرة اهترأت بفعل الزمن والأحداث التي أضحت جزءًا من تاريخنا المشحون بالألم.

بيوت للمرة الأولى

حياتنا تغيرت في بدايات انتشار فيروس كورونا، كانت أمي رغم مرضها لا تكاد تترك شيئا يدخل البيت إلا وعقمته. كنا منهكين في حالة يحكمها ما يشبه الوسواس القهري لاسيما خلال الحظر واضطرارنا للبقاء في البيوت.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

انقطاع الكهرباء المستمر والمتكرر واستطالة فترات الحظر غيّر من أولوياتنا وصار الشغف مركونًا على الرفوف المهملة. ولم يعد الحظر، أو حتى التعقيم أمرًا مهمًا .

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

سيارتي صارت بيتًا عدة مرات. أمي لاذت بغرفتها وتلفازها أو برفقة القط الذي يقضي جل وقته في بانيو الحمام أما أختي فاستنجدت بسجادتها ومسبحاتها.


تحولت بيوتنا إلى صناديق عزلة وإلى سجون متعددة الطبقات كلما تحررنا من طبقة نجد أخرى فوقها، وربما ساعد بقاؤنا كعائلة في تخفيف الأمر، ولكن هذا لم يمنع أن ننعزل كل في غرفته ينتظر او يتحسر أو يتمنى. 

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

السكينة/ هاديا 

أرادت هاديا أن تفصل بين بيتها الذي تسكنه، وبيت علي قانا الثقافي مشروعها الواعد الذي أقامته تكريمًا لوالدها الفنان والنحات الراحل على قانا (1936- 2006) فهل نجحت؟ ورغم أن المكانين واحد لا يفصل بينهما سوى باب إلا أن كل منهما يفضي إلى مشاعر وروائح بصرية مختلفة.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

فيروس كورونا بالنسبة إلى هاديا الفنانة والخزافة ليس أكثر من فسحة للهدوء والعزلة حيث تستمتع برفقة كتبها ومشاريعها وأحاديثها مع الموتى كما تقول مازحة.. لا يوجد ما يوحي بتأثير الفيروس عدا كمامتها الزرقاء.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

ولكن مع ذلك فقد ألقى الفيروس بظلاله الشاحبة على أرجاء المكان الذي كان يومًا ما مزدحمًا بالضيوف وورش العمل الفنية المتنوعة.. وظل محترفها ينتظر في الفراغ الواقع بين البيتين، فيما الفرن الحراري أصبح مخزن لأكل القطط.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

أشارت إلى رفش مركون إلى الحائط قائلة إنها حاليًا تركز على الإهتمام بالحديقة. لكنها أشغال مؤقتة قبل أن تعود الأمور إلى زخمها. وهي لاتزال تقيم بعض الورش المحدودة وتستقبل زيارات فردية لبيت “علي قانا” الثقافي والذي يحوى متحفًا يضم أعمال والدها، وجاليري فني، ومساحة عمل، وركن للأطفال ومقهى أنيق.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

الملاذ/ محمد 

“ولكن إلى متى يظل ملاذًا؟” هكذا يصف محمد البيت الذي اعتبره مكانًا للنوم فقط، بعد أن جردته الظروف من صفاته كمنزل، فلا كهرباء ولا إحساس بالأمن إلا بالقدر الذي توفره كمامة بسيطة تحمي الفم، ومصباح شحن.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

ورغم أن بيت محمد كبير، ولكن مع اتساعه فإنه يراه بمثابة غرفة  صغيرة.. تضيق عليه شيئًا فشيئا كلما استطال أمد الحظر المفروض بسبب الوباء.
محمد فنان حروفي، وشخص لا يحب الخروج كثيرًا، ولكنه لا يجد بدًا من تحدي الحظر والبحث عن الأماكن المفتوحة والهواء النقي، ومحاولة التأقلم مع الظروف القديمة المتجددة.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

كيف يمكن للمرء أن يبعد عنه شبح الإحساس بالسجن بغير الانغماس في الفن.. لقد انتقل العمل من مرسمه الموجود بالقبو إلى كل غرف المنزل تقريبًا. كأنما هو يستدعي صور ملونة من الذاكرة ليغرق المكان بالمزيد من الخصوصية الفنية محولًا  إياه إلى معمل لتجاربه الفنية. التي هي ملاذه المحبب.
محمد يستقبل عدد محدود من طلاب الفن في المنزل بعد توقف الدراسة، ويعتقد أن هذا أفضل الحلول في الوقت الحالي.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

الأسرة / وائل وبسمة  

يدير الزوجين وائل وبسمة شركة للدعاية والتسويق، ويجدان الوقت دائمًا للاهتمام بولديهما محاولين ألا يتأثروا بأي ظروف حولهم، لاسيما وأنها قد تنقلا إلى أكثر من بيت قبل أن يستقر بهما المقام في هذا البيت الرحب، والذي سينتقلان منه قريبًا بحثًا عن منزل آخر أكثر ملاءمة.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

الروائح البصرية في البيت تكاد تكون منفصلة عنه ومتعلقة بالأفراد أنفسهم وتأثرهم وتفاعلهم بما يدور حولهم، إذ مع عبء الخوف من الفيروس كان بيتهم على خط النار أثناء الحرب وكانت السماء فوقه معبرًا  للصواريخ.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

الهواجس والكوابيس حلت محل أي ذكريات جميلة، يحاول الزوجان الاحتفاظ بها لأطفالهم الذين تأثروا هم أيضًا بالحرب والتنقل، وتفاعلهم كان متباينًا، حيث يقاوم أحد الطفلين باللعب والمرح، والآخر بالغضب والإكتئاب في بعض الأحيان.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

و لكن انسجامهم، تفهمهم وقدرتهم على الضحك في أحلك الأوضاع، قد نجح في رسم صور زاهية يمكنهم دائمًا العودة إليها، والاعتماد عليها حين الحاجة للإحساس بأنهم رغم كل شىء أحياء. المؤلم أن كلا الزوجين يفكران في ترك البلد والهجرة.

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى

بيوت للمرة الأولى