fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

على جانبي معبر رفح.. حكايات الانتظار المر

"اللي مش هيموت من الحرب، هيموت من البرد، هيموت من الجوع، المرة دي إبادة جماعية مش حرب".. فلسطيني مصري ينتظر العبور
ــــــــ جسدــــــــ حدود
17 نوفمبر 2023

تقريًبا توقفت حياة المواطن المصري سيف الدين محمد (40 سنة) منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ لم يذهب إلى عمله في مجال المبيعات الغذائية، لا يستطيع النوم، فهو تحت سيطرة القلق الشديد على أولاده الثلاثة رامي (6 سنوات)، ومحمد (4 سنوات) ومالك (سنتين)، المحاصرين تحت القصف مع والدتهم في خان يونس في قطاع غزة. كانت زوجة سيف -فلسطينية من غزة، مقيمة مع سيف في القاهرة- قد سافرت قبل الحرب بأسبوعين تقريبًا، لحضور زفاف أخيها، ولكي يقابل أولادهما العائلة في غزة. في زيارة أولى لاثنين من أطفالهما، وأتت هذه الزيارة بعد خمس سنوات، من آخر زيارة للزوجين وابنهما الأكبر رامي. 

حين تواصلتُ مع سيف -قبل ثلاثة أيام من نشر الموضوع- كان الإتصال بينه وبين زوجته وأطفاله مقطوعًا منذ الصباح، وكانت هناك أنباء عن وجود قصف إسرائيلي على خان يونس يومها، فكان يبحث بكل استطاعته عن مكان القصف بالتحديد، ليطمئن أنه بعيد عن عائلته. 

مثل سيف، توقفت حياة رضا عبد الجابر، مصرية، (38 سنة) تعمل في مجال التعبئة والتغليف، قلقًا أيضًا على أبنائها الثلاث في غزة، إذ تحاول منذ السابع من أكتوبر أن تأتي بهم إلى مصر. كانت رضا قد عاشت في مدينة غزة 11 عامًا، مع زوجها، فلسطيني الجنسية، وأبنائها عبد الكريم (10 سنوات)، وميرا (9 سنوات) ومحمد (6 سنوات)، الحاصلين على الجنسية المصرية، ولظروف اضطرارية انتقلت رضا للقاهرة قبل الحرب بفترة، ولم تستطع إحضار أبنائها معها، والآن تحاول بكل الطرق من أجل عودتهم، حتى أنها سافرت إلى العريش، لتكون في أقرب نقطة منهم، وفي انتظارهم.

تزامنًا مع بداية الحرب، التي راح ضحيتها أكثر من 11 ألف شهيد فلسطيني وما يقرب من 30 ألف مصاب وحوالي مليون ونصف نازح داخل قطاع غزة حتى اللحظة، تم إغلاق  معبر رفح، المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم، والذي فتح بشكل محدود في 21 أكتوبر الماضي، أي بعد أسبوعين من الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين المحاصرين في غزة، وبعد قصف إسرائيل المعبر أربعة مرات. نتيجة هذا الفتح المحدود للغاية وغير المنتظم تراكمت شاحنات المساعدات والمياه والوقود في الجانب المصري في انتظار دخولها رفح، وفي الجانب الفلسطيني تراكمت طلبات المواطنين المصريين والفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر مصرية ويريدون العبور إلى مصر، بل وينتظر المواطنين أنفسهم عند المعبر، دون السماح لهم بالعبور.

تفاصيل عن معبر.. وحيد 

12 كيلو متر مربع، هي طول الطريق الحدودي بين مصر وفلسطين، تحديدًا بين مصر وغزة. على طول هذه الحدود يقع معبر رفح، البوابة الوحيدة بين البلدين، والتي تفصل بين مدينتين تحملان نفس الإسم؛ رفح المصرية ورفح الفلسطينية، حتى أن الكثيرين ممن يقيمون في شمال سيناء وفي قطاع غزة يحملون نفس ألقاب العائلة، مثل عائلات قبائل السواركة والترابين وغيرهما. يتشارك البلدان العائلات والعلاقات الإجتماعية والحدود والبحر والتاريخ والمصير المشترك.

هناك سبعة معابر لقطاع غزة، ستة منها تحت سيطرة الإحتلال، معبر رفح هو الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، لوقوعه تحت سيادة مصر، ما يجعله الوحيد عمليًا، غزة واقعة تحت الحصار، ليس فقط منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر، ولكن منذ عام 2007.

يوجد 6000 طالب فلسطيني يدرسون في مصر، جزء كبير منهم من غزة. وهناك 400 أسرة مصرية على الأقل عالقة حاليًا في غزة، ضمن مجتمع مصري كبير في غزة، قدر عدده في 2015 بحوالي 40 ألف نسمة

يمر عبر معبر رفح آلاف الفلسطينيين والمصريين والمصريين الفلسطينيين شهريًا، بالإضافة لآلاف الشاحنات، حتى لو خضع هذا العبور للكثير من الوقت والإجراءات والاغلاقات أحيانا. فمنذ العام 2007 تزايدت التضييقات على حركة المرور بالمعبر، وزادت هذه التضييقات تزامنًا مع إعلان مصر “الحرب على الإرهاب” في شمال سيناء بعد 2013. 

رغم كل هذا معبر رفح، هو الخيار الوحيد تقريبًا لأهل غزة للخروج للدراسة أو للعلاج أو حتى للانتقال إلى بلاد أخرى. يوجد 6000 طالب فلسطيني يدرسون في مصر على سبيل المثال، جزء كبير منهم من غزة. وفي المقابل هناك 400 أسرة مصرية على الأقل عالقة حاليًا في غزة، ضمن مجتمع مصري كبير في غزة، قدر عدده في 2015 بحوالي 40 ألف نسمة.   

مدينتي رفح شديدتي القرب لدرجة أن دوي القصف والتفجيرات الإسرائيلية يمكن سماعه في شمال سيناء، القرب ليس جغرافيًا فقط، ووضع أسرتي سيف ورضا المتشابك ببن مصر وفلسطين ليس وضعًا فريدًا لكنه وضع الكثيرين من أبناء البلدين، وهو لطالما كان شيئا عابرا لأجيال متعددة، لهذا هناك الكثيرون ممن يحملون الجنسيتين معًا، عالقين أيضًا على الجانب الفلسطيني، وينتظرون دورهم في السماح لهم بالعبور لمصر. المشكلة أن كل ثانية في هذا الانتظار قد يكون ثمنها حياتهم وحياة عائلاتهم.

بين الشمال والجنوب.. أكفان

قبل أربعة أشهر من بدأ العدوان ذهب أسامة عاطف لبد (34 سنة) المحاسب المصري الفلسطيني من أجل إتمام زواجه، قبل سفره كان يتحرك بين غزة والقاهرة فنصف عائلته هنا والنصف الآخر هناك، كان أسامة قد حصل على الجنسية لجدته المصرية، لذا كان يواجه قبل الحرب المشاكل “المعتادة” في الحركة على المعبر من بيروقراطية وتأخير.

مع الحرب انقسمت العائلة؛ ظل جزء في الشمال حيث كانوا يقيمون جميعًا، في منطقة المخابرات تحديًدا،  منهم جدته وأعمامه، التواصل معهم يتم بصعوبة شديدة، وليس باستطاعتهم الخروج من المنزل بسبب القصف حولهم، ولا تستطيع الجدة أن تسير على الأقدام في الممرات “الآمنة” لخمسة عشر كيلو مترًا كي تصل للجنوب. 

باقي العائلة، ومنهم أسامة مع والديه وأشقائه وابنه من زوجته السابقة ذو الثماني سنوات، نزحوا للجنوب في 13 أكتوبر الماضي، لمدينة رفح الفلسطينية، بعد قصف منازلهم.

بسبب أزمة المواصلات والحركة والقصف المتواصل، نزحت زوجة أسامة، التي تزوجها في أغسطس الماضي، مع أسرتها للجنوب أيضًا، لكن لمنطقة دير البلح، وكان من المفترض أن يذهب لإحضارها، لكن القصف الإسرائيلي سبقه، وفقد زوجته نتيجة القصف، وذهب ليحضرها في كفن ..

يصف أسامة ما وقع..  “الطريق كان خطر وكان فيه قصف، الشاحنة اللي انضربت والكل شافها على التليفزيون دي، كانت ورانا مفيش بينا وبينها غير أربع عربيات، بعد ما عديناها بخمس دقايق كده كانت اتضربت وراح أكتر من 70 واحد. مش عارف أقولك الخوف والرعب اللي حسينا بيه على ما وصلنا للمكان اللي احنا رايحين له”.  

بسبب أزمة المواصلات والحركة والقصف المتواصل، نزحت زوجة أسامة، التي تزوجها في أغسطس الماضي، مع أسرتها للجنوب أيضًا، لكن لمنطقة دير البلح، وكان من المفترض أن يذهب لإحضارها، لكن القصف الإسرائيلي سبقه، وفقد زوجته نتيجة القصف، وذهب ليحضرها في كفن. 

هناك من يستضيف أسامة وعائلته في رفح، لكنهم يواجهون الكثير من الصعوبات والمخاطر، مثل كل المقيمين في غزة حاليًا، من شح الطعام والشراب ودخول الشتاء والقصف الإسرائيلي المتواصل، بخلاف أن شقيقة زوجته قد تلد في أي وقت، ولا يعرف كيفية التصرف حينها. 

أما والدته فلديها مشكلات صحية متعددة . في أثناء محادثتنا التي أجريناها بصعوبة عبر واتساب، سجل لي أسامة صوت الأمطار الرعدية الشديدة في غزة.. “اللي مش هيموت من الحرب، هيموت من البرد، هيموت من الجوع، المرة دي إبادة جماعية مش حرب”.  

يحكي أسامة عن يومه: “يوم كله بيكون قلق من أول ما تطلع الشمس بندور على أي حد عنده ألواح طاقة شمسية علشان نشحن الموبايلات.. وما بين محاولة تدبير الأكل اللي أغلبه معلبات أو نواشف والاطمئنان على أهلنا واحد واحد لأن الشبكة صعبة جدًا، بتفضل تحاول عشرين مرة علشان يمسك الخط على واحد في شمال غزة.. طبعا من قبل المغرب بنكون دخلنا الاوضة اللي الناس قعدتنا فيها. وبنفضل نشوف أخبار المعبر”.

حكاية ليست فريدة

لينه محمد (31 سنة) مصرية فلسطينية، والدها مصري الجنسية ووالدتها فلسطينية، تقيم هي الأخرى بين القاهرة وغزة، والآن هي عالقة مع 11 فردًا من عائلتها في مدينة رفح الفلسطينية. ربما حظ لينه أفضل قليلًا لأنهم لم ينزحوا، فهم بالأساس من مدينة رفح. 

في مايو الماضي سافرت لينه مع قسم أسرتها المقيم في القاهرة إلى غزة، لتناقش رسالة الماجستير الخاصة بها في مجال الرياضيات، عاد المقيمون في القاهرة لمصر بعدها، وبقت لينه مع باقي أسرتها في غزة في انتظار الحصول على شهادة الماجستير، كي تتمكن من التقدم لنيل درجة الدكتوراه في مصر، وحصلت على شهادتها بالفعل، وكانت في انتظار عودتها للقاهرة لكن اندلع العدوان.

مراسلات وانتظار قوائم

يراسل أسامة السفارة المصرية في رام الله، ورئيس الجالية المصرية في غزة، وسلطات المعبر، وقدمت شقيقته طلبًا في مصر للخارجية المصرية لإجلاء عائلتها. 

عدد المصريين في كشوفات الإجلاء اليومية محدود جدًا، معظم الأسماء من الأجانب. في السنوات السابقة، بحسب أسامة، كان إجلاء المصريين يتم بدون تسجيل، فقط يذهبون للمعبر ويمرون بإثبات الجنسية.

تقول لينه: “قدمنا في كل مكان كانوا يقولوا عنه. على إيميل السفارة المصرية في رام الله، وبعتنا على أرقام الواتس آب اللي تم الإعلان عنها، وكمان سجلنا في صفحة الجالية المصرية.  بقالنا شهر مسجلين معاهم كلهم وأخويا في القاهرة راح للخارجية وقدم ورقنا وللأسف لحد دلوقتي مفيش حاجة حصلت ولا اسم مننا نزل.. القصف بكل حتة، الحمد لله احنا لحد دلوقتي بخير، عشان كدة بنناشد تلحقونا قبل ما تترحموا علينا ولا تنقطع رجلنا ولا ايدينا بسبب القصف”.

أنا دلوقتي في شقتي في مصر الجديدة مع أهلي وأنا لما بسمع صوت عربية بتمشي بفكرها قصف أو صاروخ، من كتر ما عندنا صدمة من اللي حصلنا في قطاع غزة. حاجة قمة في الرعب، كان الدمار في كل مكان، كنا حاسين في كل لحظة إن احنا هنموت. كل شوية بنتخيل إنه ممكن صاروخ ينزل علينا

تضيف لينه أن من حقها ومن حق باقي العالقين العودة لمصر فورًا وبدون أنتظار قوائم، موضحة أن صديقتها التي تحمل جواز سفر كنديًا، كانت تتلقى اتصال يومي من سفارتها حتى تم إجلائهم بأمان من غزة.. “في المقابل المصريين بيجروا ورا سفارتهم ومحدش سائل فيهم”. 

معظم من قابلتهم تحدثوا عن احتمالات قطع الإتصالات تمامًا الخميس، وهو ما تم بالفعل يوم 16 نوفمبر، وأن هذا سيصعب جدًا ليس فقط التواصل، بل أيضًا الوصول لقوائم المصريين الذين سيتم إجلائهم. 

يبعد المعبر حوالي 5 كيلو متر من محل إقامتي أسامة ولينه، لكنهما لن يكون بإمكانهما الوصول إليه بسهولة، لا مواصلات، والمشي شديد الخطورة، لن يكون بإمكانهما الذهاب يوميًا للمعبر والعودة سيرًا على الأقدام.

صوت القصف لم ينقطع

ماجد خالد (27 سنة) مصري فلسطيني، يحمل الجنسية المصرية لوالدته، يعمل في مجال التسويق، ومقيم في غزة، هو أحد المحظوظين الذين نجحوا في المرور من المعبر. مثل أسامة ولينه، الأسرة تعيش بين القاهرة وغزة. قبل الحرب، في بداية أكتوبر، تجمعت الأسرة في القاهرة للاحتفال بتخرج شقيقته من الجامعة، أما هو وزوجته ووالده لم يتمكنوا من الذهاب، فعلقوا في غزة بعد اندلاع العدوان.  بيوتهم جميعًا في مدينة غزة، لا يعرفون أن كانت لا تزال باقية. 

نزحت الأسرة إلى الجنوب. راسل ماجد السفارة المصرية في الضفة الغربية قبل شهر تقريبًا لإجلائهم، وتابع القوائم الخاصة بالمعبر، وحين وجد اسمه واسم والده، فلسطيني الجنسية، قبل يومين، توجها بالفعل للمعبر، ويقول أن العبور تم بسرعة وبسهولة، مقارنة بالأسابيع الماضية. 

الآن ماجد في القاهرة، لكن أثر الحرب لم ينتهي يقول.. “أنا دلوقتي في شقتي في مصر الجديدة مع أهلي وأنا لما بسمع صوت عربية بتمشي بفكرها قصف أو صاروخ، من كتر ما عندنا صدمة من اللي حصلنا في قطاع غزة. حاجة قمة في الرعب، كان الدمار في كل مكان، كنا حاسين في كل لحظة إن احنا هنموت. كل شوية بنتخيل إنه ممكن صاروخ ينزل علينا. بصراحة الوضع سئ جدًا، يعني فوق ما ممكن حد يتخيله”.

حتى الآن.. لا رد

من ضمن من تواصلت معهم بصعوبة في غزة، سامي حجازي (55 سنة) مصري فلسطيني، طبيب ونازح بمستشفى بلسم في خان يونس، هو وأسرته. يحمل سامي وأولاده وأشقائه وشقيقاته الجنسية المصرية، لوالدتهم المصرية، نزح هو وزوجته ووالدته وأبنائه السبعة وشقيقه وشقيقته من بيتهم إلى المستشفى، للاحتماء بها، بينما كانت المنطقة المحيطة بالمستشفى تتعرض لقصف متواصل، ونحن نتواصل عبر تطبيق الواتساب. 

منذ الأسبوع الأول للعدوان، قام سامي بتسجيل الطلبات للإجلاء من غزة، في كافة الروابط الإلكترونية والمواقع المتاحة للتسجيل، ولم تأتيه ردود حتى اللحظة. أنهينا حديثنا سريعًا بسبب فوضى القصف والجرحى لديه في المستشفى. في الأسابيع الماضية قصفت إسرائيل العديد من المستشفيات ومحيطها، واقتحمت قبل أيام، أكبر مستشفى في قطاع غزة، مستشفى الشفاء.  

بينما ينتظر سامي وأسامة ولينه تحت القصف، يحاول كلا من سيف ورضا فعل المستحيل لإعادة أبنائهما من غزة. في المجموعات التي يتواصل فيها العالقين وأهاليهم سويًا، في محاولة لنشر قضيتهم أو الإطمئنان، يسود الكثير من التوتر والقلق والترقب، كلما صار قصفًا في مكان. الجميع في انتظار “كشوفات المعبر”، التي لا تصدر بانتظام. الجميع في انتظار ذويهم هناك، ومع انقطاع الاتصالات والإنترنت يوم الخميس انقطعت الأخبار وتعاظم الرعب.

محاولات للوصول

بخلاف العديد من المنصات ومواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام، خاطب كلا من سيف ورضا كل الجهات الرسمية. ذهب سيف للخارجية المصرية أكثر من مرة، ولم يلقى معاملة جيدة، قال له أحد الموظفين هناك “لما نعرف ندخل المساعدات نبقى نجيبلك عيالك، ولو جبنالك عيالك مش هنجيبلك مراتك”، وفي المرة الثانية التي ذهب فيها أراد موظف آخر شطب اسم زوجته الفلسطينية من الطلب، قدم أيضًا طلب إجلاء في السفارة المصرية في رام الله، وزوجته أيضًا راسلتهم من غزة، وحاول التحرك مع باقي أهالي العالقين، حيث قابلوا مسئولين في وزارة الهجرة.

في رفح، رفضوا دخولها عند المعبر، فتوجهت إلى عدة جهات عسكرية بالإضافة إلى المخابرات العامة، وقدمت طلبات هناك، حتى أنها قابلت محافظ شمال سيناء للتدخل. لكنها لم تسمع أخبارًا عن أطفالها بعد، ولم تجد أسمائهم في القوائم ..

 أما رضا فبعد مقابلات مع الخارجية والهجرة، نصحها أحد المسئولين بالذهاب إلى معبر رفح، لتقديم شهادات ميلاد أطفالها، لأن أوراقهم الثبوتية قصفت في غزة. وصلت رضا نفق الشهيد أحمد حمدي وأعادوها لعدم وجود تصريح أمني، توجهت إلى الإسماعيلية للحصول على تصريح أمني من “المخابرات”، على حد قولها، وأعطوا لها إشارة بالمرور، ومع ذلك، انتظرت ثلاثة ساعات كاملة عند النفق، ثم أخذت أكثر من مواصلة حتى وصلت العريش قبل عشرة أيام. تضيف رضا أنها في رفح، رفضوا دخولها عند المعبر، وتوجهت إلى عدة جهات عسكرية بالإضافة إلى المخابرات العامة، وقدمت طلبات هناك، حتى أنها قابلت محافظ شمال سيناء للتدخل. لكنها لم تسمع أخبارًا عن أطفالها بعد، ولم تجد أسمائهم في القوائم. 

حين تواصلت مع رضا، كانت الاتصالات منقطعة بزوجها وأطفالها منذ خمسة أيام، لا تعرف عنهم شيئًا، تعرف أنهم نزحوا إلى الجنوب. تقول: “كل ثانية بتعدي مش عارفة بتعدي إزاي.. الاتصال بيفصل بسرعة مش عارفة أتصل بيهم..كل يومين على ما بيلقط، ويدوبك ألو انتوا بخير ويفصل”. اضطرت رضا للبقاء في فندق بالعريش كي تكون بالقرب من أولادها، كانت لديها ميزانية لتعويضهم عن هولات الحرب، بعد قدومهم إلى مصر، لم تعد تملك شيء. تقول “قاعدة في فندق كل يوم بدفع ٣٠٠ جنيه (ما يقرب من 10 دولارات) مستنزفة ماديا وبدنيًا. لو خلصت فلوسي هاقعد في الشارع المهم عيالي تيجي”.

بعد ساعة.. مش عارفين

أما سيف، فحياته وحياة والدته في قلق شديد. سيف مهدد بالفصل من عمله، لأن شركته لم تتفهم وضعه الحرج؛  يقول: “أنا مبعرفش أنام إلا لو الكشوفات نزلت.. ولما بنام بحلم بكوابيس.. طول اليوم سجاير وشاي وقهوة ولو هاكل هاكل بسكوتة. بقيت في توهة.. بستنى ثانية أشوف مراتي فاتحة الماسنجر عشان أسمع صوتها، ولو لقيتها فاتحة، مش بتكمل الدقيقة. ولادي في فزع.  ابني رامي بيبعتلي فويس نوت يقولي بابا احنا بنشوف أطفال بتموت.. ابني مالك جاله حروق في دماغه من القنابل، ومراتي رجلها اتلوت وهي بتجري ومش عارفة تعالجها.. كل يوم بحاول أتواصل معاهم إما مكالمة أو فويس نوت وقاعد على الأخبار، ولما بسمع خبر قصف في خان يونس بتجنن لحد ما أعرف القصف بعيد عنهم ولا لأ. مراتي بتقولي البسكوتة بنتمناها. لما الاتصالات انقطعت، سبت بيتي، أنا مستضيف فلسطينيين عالقين، منهم قرايب مراتي، ورحت لوالدتي وقعدت مكان ما والدي كان بيقعد وقعدت أعيط واقول يارب، ولسه بقول يارب.. دلوقتي هم في أمان، بعد ساعة يمكن مش في أمان”.