fbpx

هدير: مرة كنت رايحة الإسعاف من الدقي.

كنت مشغولة في الطريق بكلم صاحبتي

وفجأة لقينا نفسنا على كوبري أكتوبر باتجاه مدينة نصر. 

سواق الأوبر حلف ميت يمين وورانا إن الجي بي اس فعلا قاله يمشي كدة.

سواق أوبر: التغييرات اللي بتحصل في الشوارع كل يوم بصراحة الجي بي اس مش ملاحق عليها،

كل يوم بننام ونصحى بنلاقي تغييرات في الشوارع ومبنلاقيش حاجة مفيدة لينا بردو. 

هدير: مرات تانية رايحة من المعادي لوسط البلد أو رايحة من العجوزة للمنيل،

ومشغولة في التليفون كالعادة،

فجأة نلاقي نفسنا في شارع أخرته حيطة سد.

في الصحراء. في الهو. أو في منطقة معندناش أي فكرة هي إيه.

سواق أوبر: ده ممكن عايز يدخلني من باب عمارة.

مفيش حاجة اسمها كدة. يعني الطريق ماشي قدام مني،

فجأة يقولي انعطف يمينا. أنا معنديش يمين أصلا،

أنا عندي حيطة سد، يمين فين؟

أنا عندي كورنيش النيل، يقولك انعطف يمين، أخش في النيل يعني عشان أريح حضرتك،

ولا عشان خاطر مين يعني؟

هدير: الجي بي اس معذور.

اتلخبط من كتر الشوارع اللي اتفتحت والشوارع اللي اتقفلت

والمناطق اللي اتشالت والكباري اللي اتحطت. 

هدير: أكتر سواقين مخضرمين في القاهرة بقوا بيتوهوا.

إحنا بقينا دايما حاسين بالتوهة.

كأننا فقدنا الألفة مع القاهرة، كأنها مبقتش مدينتنا.

أحمد زعزع: بعد ما سبت مصر الجديدة وبعد التغيرات اللي حصلت

كنت قعدت سنة مارحتش مصر الجديدة، بشوف بس التغييرات اللي حصلت من الانترنت أو من جوجل ايرث،

وبعدين اضطريت إني أجي كنت رايح لدكتور السنان في الميريلاند،

بعد ماخلصت نزلت من عنده.

كنت في أوبر، ببص بس في التليفون، وأنا بيتي كان قريب جدا من الميريلاند.

ببص بس اتلهيت في التليفون لمدة دقيقة.

برفع عيني. اخدني الموضوع خمس ثواني.

أنا مكنتش عارف أنا فين.

انا ببص حواليا مش عارف أنا فين، خمس ثواني عشان أجمع إن أنا كنت واقف قدام بيتي.

قدام بيتنا اللي أنا اتولدت فيه واتربيت فيه ٣٠ سنة.

أنا واقف قدام البيت. أنا مش ببالغ. مش البيت مثلا كان على جنب. لأ أنا واقف قدامه.

هدير: أنا والخبير العمراني أحمد زعزع اتقابلنا في ميدان الإسماعيلية

ولفينا لحد ما وصلنا الكوربة.

اتمشينا سوا في شوارع مصر الجديدة وهو بيحكيلنا إزاي الحي اللي اتربى وعاش فيه معظم حياته إتغير.

زعزع: إحنا حاليا باصين على ميدان سفير،

وميدان سفير كان ميدان زمان،

بعدين بقى جزء من الجزيرة الوسطانية بتاعة الشارع اللي المترو بيعدي منها،

وبعدين لغوه خالص وخلوه مساحة لتحت الكوبري.

الشارع نفسه اللي معدي فيه الميدان اسمه أبو بكر الصديق،

ده الشارع اللي بيفصل بين مصر الجديدة وحي النزهة.

كان بشكل رئيسي شارع لطيف جدا.

الرصيف كان واسع. الشارع ناحيتين طبعا.

كان الموضوع لطيف وكان ينفع إن احنا نمشي ونعدي الشارع وكان فيه جناين وشجر كتير موجود.

فجأة طبعا حصل التوسعات بتاعة الشارع والشارع تحول ان هو ١٤ حارة. 

زعزع: مش مثلا مش بنقول كانت أحلى أو الذاكرة الرومانسية  كانت ألطف.

لأ خالص إحنا بنتكلم في أمن أو أمان على الجسم.

إحنا بنعدي الشارع بنتخبط.

هي بشكل رئيسي مصر الجديدة كانت أحد خواصها الأساسية إنها منطقة بتسمح لمشاة كتير جدا،

وتجربة المشي مش بس أمانا كمان موضوع وجود الزرع والشجر الكتير،

وده من اكتر الحاجات اللي اتغيرت فغيرت حاجات كتير. 

سواق أوبر: الدائري اللي اتعمل من أفشل المشاريع اللي اتعملت في مصر.

الدائري لو ١٨ متر أو ٢٠ متر، انت اخدت ١٠ متر وهديت بيوت في وشك بملايين الملايين، مش ببلاش.

ده انت شردت ناس وبتقول انك هتديهم بدايل مكانها، لأ مفيش بدايل. 

هدير: كل مرة بمشي على الطريق الدائري بقعد أتأمل في اللي باقي من البيوت على الصفين. 

الواجهات اتشالت. مش فاضل غير حيطان داخلية كانت متدارية واتكشفت فجأة. 

حيطة خضرا عليها بوستر لمغني، هنا يمكن كانت أوضة مراهق.

حيطة زرقاء عليها بطوط، هنا يمكن كانت أوضة طفلة.

حيطة قيشاني بيج في بني، هنا أكيد كان فيه مطبخ.

هدير: قدام ده، فيه إنشاءات كتير على الجنبين، توسيع للطريق وحارات جديدة.

مصر بتتطور. بس هل  التطوير ده يستاهل خسارة الناس لأمانها؟ لبيوتها؟

سكان القاهرة ويمكن مصر كلها بقوا حاسين باحساس دائم بالتهديد.

ممكن نصحى الصبح منلاقيش بيتنا. مش بس مانتعرفش عليه. لأ مايكونش له وجود. 

زعزع: مؤخرا اللي القاهرة ابتدت انها  تشوفه كإزالات أخيرة.

لأ احنا بنتكلم بحجم تقريبا ماشوفناهوش قبل كدة، بأعداد أسر بتتنقل من أماكنها.

الحكومة كانت أعلنت، لو أنا مش غلطان إن already تم نقل ٢٥٠ ألف أسرة

ومخطط لنقل ٢١٠ ألف أسرة تانيين يتنقلوا في الأربع خمس سنين الجايين،

فبنتكلم في حوالي نص مليون نسمة بيتنقلوا من أماكنهم في القاهرة.

ده تقريبا ماحصلش قبل كدة.

إجمالي تقريبا المباني اللي اتهدت ١٥ ألف ونص مبنى لغاية دلوقتي.

ده رقم مالهوش أي معنى،

بس لما بنعرف إن بيروت كلها ١٨ ألف مبنى بنعرف إن اللي إتزال من القاهرة بحجم بيروت،

وده لسة  نص اللي حاصل.

ازالات حصلت بشكل كبير جدا بشكل موسع لمناطق بعينها،

إما يعاد استخدامها استثماريا أو تبقى جزء من فتح طرق أو كباري

تأهيلا ان احنا نوجه القاهرة للعاصمة الجديدة..

فجأة كدة بلدوزر دخل القاهرة قرر ان احنا هنشيل.

الكلام ده كله في قد ايه؟

في التلات أربع سنين الاخرانية مناطق بالكامل اختفت

ومناطق هيعاد تاني انتاجها مش عارفين هيبقى شكله ايه. 

 هدير: حكايات كتير اتقطمت.

وناس كتير اتخلعوا من مكانهم ومن تاريخهم، ومش بمزاجهم.

عبير واحدة من الناس دول.

اتنقلت من بيت عيلتها في نزلة السمان راحت لواحدة من أحياء الحكومة الجديدة في الصحرا.

لقيناها بصعوبة على الخريطة، منطقة اسمها حدايق أكتوبر.

من طريق الواحات في نهاية بوابات منطقة حدايق الأهرام. 

عبير: فجأة كدة لقينا فيه مجموعة نازلة من دكتورة اسمها هند ومعاها حاشية كبيرة.

احنا مش فاهمين دي منين ولا جاية منين.

بس سمعنا إن معاها ناس من قسم الهرم.

حسينا نفسنا اتحطينا قدام الأمر الواقع.

خلاص يعني مفيش مفر.

ورانا اتهد واللي جنبينا اتهد وأصبحنا احنا في قلب، مش عايزة اقول خراب، في قلب البيوت المهدودة كلها..

قلنا خلاص نلحق قبل ما نتحط في موقف صعب،

وانتوا خدوا بالكم ده قرار رئاسي ولازم تمشوا بدل مايجيلكوا بالقوة الجبرية..

يعني هي ابتدت من أول ٩ وهي عمالة تزن علينا، واحنا جينا هنا حاجة وعشرين ٩.

بالكتير قوي اسبوعين.

والأسبوعين دول كلنا  قعدنا من أشغالنا والبلد فيها توتر وزحمة

وجابولنا اسعاف وجابولنا أمن مركزي والعربيات بقى الضخمة دي، فالحالة عاملالك رعب..

قاعدة كأنك دولة محتلة. احنا بنشيل الحاجة وهم بيهدوا في البيت.

بقى التراب كدة نازل علينا واحنا بنشيل في الحاجة. 

هدير: خبراء العمران بيتكلموا إن كتير من المناطق اللي اتزالت ابتدى الكلام عليها من الحكومة

إن عدد محدود من البيوت بس اللي هيتشال.

مثلث ماسبيرو كان هيتشال منها مربع، وفي الآخر اتزالت كلها.

سور مجرى العيون كان المفروض ١٤ بيت بس يتهدوا فيها،

دلوقتي كل البيوت اللي ورا السور مالهاش وجود.

نفس الشئ مع نزلة السمان، سن العجوز بس اللي كان مقرر ليها الإزالة،

دلوقتي كتير من المنطقة اتشال والباقي مهدد بالإزالة. 

عبير: جينا هنا بقى لقينا الدنيا هس هس صحراء. مفيش محلات.

مفيش خدمات. مفيش جامع. مفيش مستشفى. مفيش مدرسة.

انتي بقيتي قدام حالة انتي تايهة. انتي كنتي فين.

كأنك فقدتي الذاكرة وجتلك لما جيتي هنا..

طب أنا ايه اللي خلاني أسيب بيتي.

الضغط اللي عملوه عليا، وحالة الرهبة اللي ادوهاني خلتني اجي هنا،

طب ماشي جينا ومكان كويس ومفيش مشاكل،

بس فين خدماتي؟ أنا دلوقتي تعبت أروح فين؟

ولادي عشان يروحوا المدرسة أصرفلي ٣٠ جنيه مواصلات.

فين وفين لما جابولنا كشك للعيش بالبطاقة. قلنا ماشي الحال.

الخضار مفيش. لسة يدوبك من كام يوم ابتدت فيه رجل،

بس رجل ايه، مش ان الحاجة قدامك متاحة،

لأ انتى مضطرة تاخدي من ده وخلاص،

بسعره بحاجته، مضطرة تتعاملي معاه هو وبس. 

جينا بعد أسبوعين كدة لقيناها جاية تعالوا امضوا على العقود.

جيت بقي قرينا العقد لقينا عشرين بند كلها بتنص ان الشقة مش بتاعتي. 

هدير: المنطقة إللي ساكنة فيها عبير دلوقتي منطقة شبه كل الإسكان الحكومي القديم زي ١٥ مايو

أو الجديد زي الأسمرات.

بلوكات سكنية وفي النص مربع صغير فيه نجيلة.

عمارات ما بين خمس وعشر أدوار.

العمارات شوية منها مبني والباقي لسة بيتبني.

طوب ورمل وأسمنت وجرارات وعمال انشاءات حوالين المنطقة.

شفت علامات بسيطة للحياة.

كشك أمان من بتوع وزارة الداخلية بصورة كبيرة للسيسي

وموقف سيرفيس وزاوية جامع “الرحمة” وملعب كورة صغير.

كلهم في مدخل المنطقة.

جوة المنطقة علامات الحياة بتقل.

دورية شرطة بتلف، لقطتني وعرفت إني غريبة عن المكان.

وأطفال وشباب كل فين وفين قاعدين عالنجيلة أو باصين من البلكونات. 

عبير: بصي زي مانتي شايفة المكان ده ١٠٤ عمارة سكنوا خمسين والباقي فاضي.

العمارات كلها مهجورة.

حتى الزرع. يعني الريس كان هنا مقولكيش عالنضافة والجمال.

الريس مشي من هنا شايفة الزبالة والتراب؟

الأرض نشفت، بيبقى هاين عليا أمد خرطوم عشان اسقي الزرع.

صعبان عليا هيموت من قلة المياه…

العمارات دي أصلا عشر أدوار مين هيطلع الدور العاشر؟

خمس أدوار مفيش اسانسير.

مفيش أي حاجة. زي مانتي شرفتيني وطلعتي على رجلك..

لو ست كبيرة في السن استحالة يقعدوها في الخامس أو في السادس أو في العاشر زي دي.

تطلع ازاي؟ لأ هنا مفيش أمان أصلا. انتي قاعدة في وسط صحراء.

أي حد ممكن يخبط عليكي بالليل..

المغرب لو أذن عليا بخاف أمشي في الحتة دي. بتبقى بالليل ضلمة كحل.

بيستخسروا حتى يفتحوا العماويد علشان استهلاك الكهرباء. 

زعزعالألفة طبعا حاجة مهمة جدا بالنسبة للمكان، مش حاجة حلوة عشان بتحسسنا بالراحة،

لأ هي ليها مردود اقتصادي.

مانا لو عارف المكان عارف ارخص مكان هاشتري فيه شئ بأعلى جودة،

عارف أقصر طريق فين، إن أنا أبني ده من الأول ده مكلف ذهنيا وجسديا وماديا.

بس الحقيقة مش بس الألفة، ناس كانوا في وسط المكان عارفين بعض، فده معناه ايه معناه الأمان،

والأمان ده مش معيار صغير. 

هدير: الشوارع مبقتش بتاعتنا.

زعزع: حالة إن محدش مأمن كدة على مكانه حالة عامة.

هدير: غربتنا مع المكان زادت.

زعزع: فكرة ان احنا بنبص للمدينة  النهاردة كخريطة وانا بشد قلم يتحول يبقي شارع يفصل بين منطقتين،

يتحول يبقى هدم، يبقى أسوار.

واحنا مش عارفين خالص هو ايه اللي بيحصل. دي كتل بشرية عمالين ننقلهم ونوديهم ونجيبهم. 

هدير: فقدنا علاقتنا الحميمة بمدينتنا اللي عشنا فيها طول حياتنا.

علاقتنا بشكلها الواسع اللي معناها ذكرياتنا وألفتنا وخبرتنا بالمكان والناس،

وعلاقتنا بشكلها المباشر اللي معناها البيت والعيلة والجيران ومصدر رزقنا والأمان. 

القاهرة.. عمران قاهر

لكن الـ"جي بي اس" معذور في القاهرة، لم يعد فعّالًا وهو يرشدك في خريطة تغيّرت معالمها.. وسط الشوارع التي فُتِحت و تلك القديمة التي صارت سدًا..
26 يوليو 2022

في القاهرة فقط، وخلال السنوات الأخيرة، هدمت الحكومة أزيد من 15 ألف مسكن ورُحِّل أصحاب هذه المناطق إلى وسط الصحراء على أطراف القاهرة الكبرى و خلال مدةٍ زمنية قصيرة هُدِمت مدينةٌ داخل المدينة. ماذا يعني هذا الرقم لو قارنّاه بمدينة أخرى؟ فبيروت -مثلًا- كلها تضّم 18 ألف مسكنًا.

لم يعُد الشعور بالألفة متوفرًا، تغيّر شكل الشوارع والأماكن، ولو تبحث عن بيتٍ عِشتَ فيه منذ سنوات فمن المحتمل أن تجده قد هُدِم.. هذا إن وجدت المنطقة، ولم تته في الشوارع، فحتى الـ”جي بي إس” صار متاهةً افتراضية موازية لمتاهة الواقع.

لكن الـ “جي بي اس” معذور في القاهرة، لم يعد فعّالًا وهو يرشدك في خريطة تغيّرت معالمها.. وسط الشوارع التي فُتِحت و تلك القديمة التي صارت سدًا.. مناطق كاملة هُدمت وجسورٌ جديدة تخترق جسد المدينة وتُقَطّع أوصالها.