fbpx
خطــ٣٠ // تصوير: كرم منصور

يحدث في ساحة الكرامة.. حافظ الأسد سابقاً

الحراك في السويداء يظهر جهداً في التأكيد على جذرية الاحتجاجات وعلى ضرورة استمرارها، لكن هذه الارادة يصحبها حالة من القلق على مستقبل المدينة
5 سبتمبر 2023

تبعد محافظة السويداء عن العاصمة دمشق حوالي مئة كيلو متر إلى أسفل الخارطة السورية، تسند ظهرها إلى الأردن وتتنفس اقتصادياً وخدميّاً من دمشق. كان الطريق إلى المنطقة المعروفة أيضاً باسم “جبل العرب” أو “جبل الدروز” يستغرق حوالي ساعة إلى ساعة ونصف في أحسن الأحوال، لكن منذ سنة 2012 بات الأمر متوقفاً على درجة الازدحام عند الحواجز الثلاثة التابعة للفرقة الرابعة والمخابرات العسكرية، فانكسرت مقولة “من سار على الدرب وصل” وصار الحذر والانصياع للأوامر هما الوصفة الضرورية لتجنب الاعتقال أو الابتزاز.

يبدأ الطريق عند قصر المؤتمرات جنوبي دمشق، القصر الرئاسي المخصص للاستقبالات الرسمية، بعدها علينا اجتياز أول حاجز عسكري عند البوابة الجنوبية للعاصمة، ومن هنا تبدأ أسئلة ركّاب الحافلة وأحاديثهم الهامسة، لكلّ منهم توقعات قد تكون مغلوطة -وهي على الأغلب كذلك- عن كيفية تعامل عناصر الأمن والجيش معهم. 

هل سيكون هناك تدقيق أمني؟ هل التفتيش كامل للحقائب والأمتعة؟ ماذا عن الكاميرا أو مسجل الصوت، ألن يشكّلا تهمة تأخذك إلى مكان بعيد لا تريد الذهاب إليه؟ هل عليك أن تخفي علبة الدواء الأجنبي أو المبلغ النقدي الذي في حوزتك؟ كل هذه الأسئلة تبدأ بالتدفق على الرؤوس، تتسلل إلى الذاكرة أيضاً أسماء أشخاص تعرفهم تم اعتقالهم على الحاجز واقتيادهم إلى ثكنات الجيش أو إلى السجن.

تخفف الحافلة من سرعتها لتدخل الطابور المؤدي إلى الحاجز، نبدأ جميعاً بتفقد أوراقنا الشخصية؛ البطاقة المدنية أو إخراج القيد، دفتر خدمة العلم وصفحة التأجيل الدراسي أو وثيقة الإعفاء من الجيش. قد تذهب الأوراق لـ “التفييش” وهو مصطلح ظهر بعد عام 2011، بأن يتم التدقيق الإلكتروني للمطلوبين أو المشكوك بأمرهم. وجوه الناس على الحاجز مرهقة بسبب الحرّ والانتظار المجبول بالقلق والخوف.

يبدو العسكري مبتسماً اليوم، الحمد لله، يلقي نظرة سريعة على بطاقاتنا الشخصية، يشير لنا بالعبور، نبتسم نحن أيضاً بينما يهدر صوت محرك الباص مبتعداً. 

أتذكر أحاديث الليلة الماضية مع الأصدقاء، كانوا يؤكدون أن أجهزة المخابرات تظهر تساهلاً مع أهالي السويداء خوفاً من الانجرار إلى التصعيد، لكن رغم كلّ التطمينات يبقى السفر باتجاه هذه البقعة الجغرافية محمّلاً بالمخاطر بسبب المظاهرات المنتشرة في أكثر من خمسين نقطة بالمحافظة، والتي تطالب بإسقاط النظام وتحقيق الانتقال السياسي. صحيح أنها ليست التحركات الأولى من نوعها، لكن هذه المرة يبدو كل شيء مختلفاً بعد أن أعلنت قيادات دينية من “مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز” تأييدها مطالب الاحتجاج. هناك من يخشى من قيام النظام بحملات اعتقال بالجّملة لأبناء الجبل أثناء عودتهم إليها أو من وقوع تفجيرات أو اغتيالات، فلا أحد يعلم كيف تتصرف أجهزة الأمن في مثل هذه الظروف.

المرور السلس من الحاجز الأول كان إشارة قوية إلى أن البقية قد تكون بنفس السهولة، إذ يتم التركيز في الحواجز القادمة على المركبات التجارية وحمولات البضائع ويتركون الأشخاص العاديين مثلنا يعبرون بشكل طبيعي، وهو ما حدث فعلاً.

بعد عبور الحاجز الأخير في ريف دمشق بحوالي 20 كيلو متراً تستقبلنا عبارة “محافظة السويداء ترحب بكم”. على الجانب الأيسر للطريق “ضريح الشهيد عصام زهر الدين” أحد قادة الحرس الجمهوري في جيش النظام. يبدو الضريح متروكاً لم يعد أحد يلتفت إليه أو يزوره، الأبواب مقفلة وهناك أكليل ورد جاف حدّ الاهتراء ما زال موضوعاً على القبر.

قتل العميد زهر الدين في تشرين أول (أكتوبر) عام 2017 بانفجار لغم أرضي وفق الجهات الرسمية. إعلام النظام واظب على تقديمه ضابطاً (ودرزياً) استثنائياً، قاد عمليات صعبة في حمص وريف دمشق ودير الزور ضد “الإرهاب” وتنظيم “داعش”، في حين تتهمه المعارضة بالمسؤولية عن جرائم حرب تشمل تقطيع الرؤوس والأوصال، أما أهالي السويداء فيتناقلون روايات عدّة لا مصادر لها، أبرزها أن تصفيته جرت بسبب خلافات داخلية بين أذرع النظام، ويؤكدون أن من عادة النظام التخلص حتى من الذين يعملون ضمن ماكينته إذا ما انتهى الدور المناط بهم.

بغضّ النظر عن صحة تلك الفرضيات، فإنها تعكس واقع غياب الثقة بين أهل السويداء والنظام، السويداء التي لم تخرج عن سلطة النظام تماماً، بل بقيت الدوائر الرسمية ومقارّ حزب البعث وفروع الأمن مفتوحة طوال الوقت، لكن الفصائل المحلية فيها اتخذت موقفاً متمايزاً، يمنع التحاق شباب الجبل بالخدمة العسكرية، وتبنت هذا الموقف فعاليات اجتماعية وروحية، فصارت مقولة “نحّرم الدم منّا ونحرّم الدم علينا” رائجة في عموم مضافاتها.

خطــ٣٠ // المصدر الأصلي للصورة: السويداء 24

الحياد الذي اتخذته القوى المحلية دفعت السويداء ضريبته بإغراقها بعصابات الخطف وتجارة الحشيش والكبتاجون، عصابات يديرها رموز من النظام بشكل غير مباشر معتمدين على مجموعات محلية ظلّت ترهب السكان حتى وقت قريب وتهرّب ملايين حبوب المخدرات إلى الأردن ومن ثم تغرق بها دول الخليج، وهو ما تكلمت عنه العديد من وسائل الإعلام العربية والغربية خلال الفترة الماضية.

أفتح شباك النافذة، بخلاف هواء العاصمة الثقيل، يصبح الهواء هنا عليلاً كلما صعدت بنا الحافلة منحدرات الجبال، ثمّ تبدأ محطات الراديو بالخروج عن نطاق تغطية الموجة السورية، نسمع الإذاعات الأردنية مشوشّة على موجات الراديو. ضعف البث الإذاعي يشبه كثيراً الوضع الراهن للمحافظة الآن، المزاج الشعبي لأبناء السويداء يبتعد عن دمشق دون أن يقترب من الأردن، يمكنك الآن الاستماع لأغاني سميح شقير، أو حتى الأغاني الداعمة للثورة السورية دون أن يكون ذلك تهمة، لكن الأصوات تبقى مشوشّة.

أمام مداخل العديد من القرى  آثار احتراق إطارات السيارات توحي  بموقفها من الاحتجاج الذي كانت نقطة شرارته إعلان الحكومة عن رفع الدعم عن المحروقات في منتصف آب (أغسطس) الماضي. بعدها أعلن عدد من الناشطين إضراباً، وبدؤوا في اليوم التالي الاحتجاج في الساحة العامة للسويداء. أصدرت إحدى المرجعيات الدينية، الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، بياناً يدعم فيه المتظاهرين، تلاه إعلان بقية المرجعيات (بمن فيها القريب من السلطة) بياناً حذراً، لكنه يدعم الاحتجاجات أيضاً. الدعم الديني الذي حظي به الحراك أعطى مساحة أكبر لمشاركة المجتمع المحلي الذي يرتكز على أسس دينية وعائلية في تنظيم شؤونه الداخلية. 

تحوّل الاحتجاج إلى أمر مشروع يمكن القيام به. خلال السنوات السابقة كان ذلك يوصف بأنه “فعل تخريبي” ويلقى خطاباً معادياً من المرجعيات أو عدم اكتراث بأحسن الأحوال. وهذا ما شجع العديد من الناس للنزول للشارع، فبدأت صور التحركات بالقرى والبلدات تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي.

أصلُ إلى مدينة السويداء، كان اليوم جمعة، الشوارع فارغة والمحال مغلقة، يتجمع عدد من الشبان أمام مبنى الحزب الحاكم الذي تم اغلاقه وتلحيم أبوابه من قبل المحتجين. ظهر قبل أيام فيديو مصور لعدد من الناشطين يقومون بإغلاق مقر الحزب مرددين “انتهى عصر البعث”، هذا الفعل يبدو رداً على كلام بشار الأسد في آخر مقابلاته التلفزيونية، عندما قال إن حزب البعث هو الذي أوصله للسلطة وإنه لم يرثها عن والده. إغلاق مقر الحزب كان بعدما منع العديد من المحتجين أمين فرع الحزب وعضو اللجنة الأمنية من الذهاب إلى مقري عملهما.

كلما توغلت بالمدينة باتجاه المركز تظهر أعدادٌ من الشبان، بعضهم ينتمي لفصائل مسلحة لكنه الآن من دون سلاح وبزي مدني تماشياً مع الإضراب السلمي، إلى أن نصل إلى “ساحة الكرامة”. الساحة كان يتوسطها تمثال لحافظ الأسد، تمت إزالته في عام 2015 بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس أبرز قادة الفصائل المحلية المناهضة للنظام. انفجر الغضب لدى أهالي السويداء فاقتلعوا التمثال وكتبوا على قاعدته “الكرامة” وتحول اسمها إلى “ساحة الكرامة” وإليها ندخل الآن. 

الشعور الحذر يسود في المكان، بقي نصف ساعة حتى تبدأ الاحتجاجات، أولى الوفود وصلت، يقفون بصمت يرفعون لافتات مكتوب عليها أسماء معتقلين في سجون الأسد، العديد منهم يخفي وجهه بقبعة ونظارة شمسية، الخوف ما زال هنا. 

هناك من يؤكد أن النظام اليوم لن يقدم على أي عمل عنيف، جميع عناصره تختفي وراء الأبواب الموصدة لقيادة الشرطة التي تطل على الساحة، لكن الناس تخشى العقاب من خلال إصدار قرارات بمنع السفر أو الحجز على الأموال أو تهمة الارهاب،  لهذا يسعى هؤلاء الشبان إلى الابتعاد عن عدسات الموبايلات. الصور هي دليل إثبات يواجههم به الأمن، ويصدر القضاء أحكاماً بحقهم. يبدأ عدد منهم بتنظيم أنفسهم في حلقات حاملين “البيرق” علم الدروز، يرددون قصائد من تراثهم الشعبي الغزير بمعارك مع العثمانيين والاستعمار الفرنسي، يستلهمون منها الحماسة.

ظهور العلم ذي الألوان الخمسة كان حلاً وسطاً للاقتتال الدائر بين المعارضين والمؤيدين على حيازة الرموز، فعلم المعارضة، الأخضر ذي الثلاث نجوم، لا يحظى بإجماع في الشارع بسبب الفشل السياسي للمعارضة، والعلم الأحمر ملتصق بالنظام وجرائمه، وكان مفروضاً على كافة المحال التجارية في السويداء تلوين أبوابها به، لذا كان “البيرق” علماً ثالثاً يجمع حوله العدد الأكبر من الناس، مع ذلك، هو علم طائفي لا يبدو مريحاًَ لكثير من المتظاهرين العلمانيين في السويداء، أو لسوريين يراقبون من بعيد.

تبدأ الناس بالتجمع حول حلقة الرقص، لا قائد يعلو على “سلطان باشا الأطرش” قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين هنا، هو الشخصية التاريخية الجامعة لأهالي السويداء، صورته في كل بيت ومضافة، تنتهي الأغاني التراثية، تبدأ المطالب التي تدرجت في اليومين الأولين من مطالب اقتصادية خدمية إلى أن تكثفت ووصلت إلى ذروتها بـ” الشعب يريد إسقاط النظام”.

تدخل سيارة زراعية تحمل خلفها مكبّراً للصوت ومولدة كهربائية حيث لا كهرباء، ومع مضي كل ساعة ترسخ ملامح التنظيم أكثر. الأمر بدأ بأصوات معارضة دعمتها الطبقة الدينية، الآن تصدح الأصوات على مكبرات الصوت، يملأ صداها أرجاء المدينة، بل إن بعض المشاركين كانوا في السابق  يرفضون الاحتجاج ويقومون بالتضييق على المحتجين ويتهمونهم بالتخريب. 

التنظيم واضح أيضاً في عمليات نقل المتظاهرين. في رابع يوم من الإضراب تشكلت صناديق في عدد من القرى لتأمين الوصول إلى ساحة الكرامة يوم الجمعة. تكاتف الأهالي بجمع المال اللازم، فهم يحتاجون من القرى المحيطة بالسويداء حوالي مئة دولار لتأمين حافلة نقل. أقفُ قريباً من الساحة حيث حافلة تحمل شباناً ونساءً من القرى والبلدات المجاورة وأخرى تسير وراءها.

يلتف الجميع حول السيارة التي تحمل مكبر الصوت ويبدؤون الهتاف، تتحول السيارة إلى منصة لإلقاء الخطب والهتافات وإرسال التحيات إلى السوريون في مختلف المناطق على اختلاف القوى التي تسيطر عليها، يدعونهم للتضامن معهم، يطلبون من سكان حلب والعاصمة النزول إلى الشارع لإسقاط الطاغية، مشهد يعيد إلى الأذهان بداية الربيع العربي، لكن بعد 12 عاماً. 

بقيت المظاهرة حوالي الساعتين، انتهت بأصوات مبحوحة وأجساد مبتلة بالعرق. بدأت الصور تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ الدعم والمساندة يصل من خلال التعليقات، عادت صور المظاهرات إلى الساحات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ترحب بالموقف العلني للسويداء ضد النظام. عاد السوريون يجتمعون في ساحات الدول التي لجؤوا فيها دعماً للسويداء التي كان يندر ذكرها خلال السنوات الماضية. 

هناك تعليقات على السوشال ميديا عددها أقل نسبياً استغربت هذا الخروج المتأخر، “بكير يا شباب”، أو “معلش أن تصل متأخراً خير من ألا تصل”، وثالثة تتساءل عن ماهية هذا العلم الملوّن، العلم غريب الشكل، يرونه للمرة الأولى، “أهذا هو علم المثليين”؟ يسأل أحدهم.

خطــ٣٠ // تصوير: كرم منصور

بدأت وفود من عائلات السويداء، بزيارة شيخ العقل حكمت الهجري، أحد القادة الدينيين في المحافظة، معلنة تأييدها له بعد أن تم الاتفاق عليه كمرجعية اجتماعية لضمان شعبية الحراك. الوقفات الاحتجاجية أصبحت طقساً يومياً يحتل مكانه الواضح وسط المدينة وفي ساحات القرى ولديه مواعيد محددة من كل يوم عند الساعة الحادية عشر صباحاً، وهناك سهرات مسائية، كذلك تم تشكيل لجنة للتنظيم تحمل بطاقات تعريفية، تقوم بتجهيز الساحة قبيل الاحتجاجات، تسعى لمنع أي خرق يمكن أن يعطل الاحتجاجات وشكلها السلمي الحالي.

في الجمعة الثانية من بدء الاحتجاجات، الأول من أيلول (سبتمبر)، شهدت السويداء أكبر مظاهرة ضد النظام في تاريخها. قبيل الساعة الحادية عشر بدأت أعداد المحتجين تتزايد، تعاملهم مع بعضهم بات أكثر دفئاً، المكبر الذي كان يعتلي السيارة الزراعية برفقة مولدة الكهرباء في المرات السابقة اعتلى مكان تمثال حافظ الأسد واختلطت به أصوات الناس في مشهد سريالي. أهالي الضحايا الذين قضوا على يد النظام وجدوا في هذه اللحظات فرصة للتعبير عن انتصار وجهة نظرهم، من نفس المكان الذي كان يقف به الرعب متجسداً على هيئة تمثال. 

بدأت عبارات السخرية من النظام في الجمعة الثانية من الإضراب تكثر، رفع المحتجون لافتات أكثر اتقاناً في الخط والشعارات، قاموا بصياغات ردود على جميع التعليقات والأحداث التي كانت تجري خلال الأسبوع الماضي. عدد من النسوة قمن بتوزيع السندويشات على المتظاهرين مغلفة بورقة كُتب عليها “خبز الحرية” في رد فعل على ما كان يردده إعلام النظام في عام 2011، بأن جهات خارجية كانت تضع الدولارات داخل السندويش لشراء ذمم المتظاهرين ودفعهم إلى الخروج. 

الأعداد التي خرجت زادت من يقين الناس بأن الاحتجاج سيستمر للأيام القادمة، ولن يخبو مثلما كان يحصل سابقاً، خصوصاً بعد انتشار صور اغلاق مقرات الفرق الحزبية في معظم قرى وبلدات السويداء، في محاولة لجعل النظام مرحلة ماضية يجب تجاوزها والانطلاق إلى ما بعدها، أما بقية المؤسسات الخدمية والصحيّة فبدأت استئناف عملها بشكل جزئي، بينما بقيت بلدية مدينة السويداء والقصر العدلي مغلقين بسبب رفض النظام إعادة العمل فيهما.

دوام المدارس صباح يوم الأحد بدأ دون وجود أي تأثير للإضراب. شعارات البعث رددها الطلاب في الاجتماع الصباحي رغم بيان تجمع سُمّي بـ “المعلمين الأحرار” الذي أعلن تأييده مطالب المحتجين، في حين أصدرت وزارة التربية قراراً منع أي استقالة أو إجازة أو إذن سفر خارج القطر دون أخذ موافقة الوزير حصراً، في محاولة من النظام لوقف النزيف الحاصل في القطاع العام جراء تدهور الحالة الاقتصادية. 

لم يصدر حتى اليوم أي تصريح رسمي، كان التجاهل هو أبرز ردة فعل  لإعلام النظام في تغطية الاحتجاجات في المحافظة جنوبي البلاد. اكتفى بإطلاق العنان لعدد من الموالين له على منصات التواصل الاجتماعي للتخوين وكيل الاتهامات وتهديد المتظاهرين. على الأرض، أرسل مبعوثيه إلى المدينة، محافظ ريف دمشق ورئيس فرع أمن الدولة وعدد من زعماء العشائر زاروا المرجعيات الدينية وحاولوا الضغط عليها لتغيير موقفها، لكن دون الوصول إلى نتيجة واضحة. 

أما التطور الأبرز لدى النظام فكان إلغاء محاكم الميدان العسكرية بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية في 3 أيلول (سبتمبر). هذه المحكمة التي كانت سبباً بإعدام آلاف السوريين المعارضين الذين اعتقلوا على مدار 55 عاماً  بتهمة الخيانة، خطوة ربما يسعى من خلالها إلى إعطاء انطباع بمرونته، وإرسال رسالة إلى الداخل والخارج بأنه يسعى إلى تغيير سلوكه.

رافق هذا القرار عدد من الإجراءات بدت وكأنها موجّهة إلى كوكب آخر بالمقارنة مع المطالبات التي يصدح بها الشارع، إذ أصدر قراراً بتوزيع الحقائب المدرسية والقرطاسية على أولاد الشهداء مجاناً، كذلك أصدر قراراً بإعفاء المداجن ومقابر الأموات من الضرائب.

خلال الأسبوع الماضي أظهر المنتفضون جهداً في التأكيد على جذرية الاحتجاجات، من خلال الالتزام بالإضراب، وإزالة رموز النظام عن المنشآت العامة، وتثبيت عدد من اللافتات في الساحات، وقبيل الانتهاء من كتابة هذه السطور نصب المحتجون خيمة في ساحة الكرامة في محاولة لخلق حيز مكاني ثابت للاحتجاج، وإرسال رسالة أن هناك إرادة في الاستمرار.

لكن هذه الارادة يصحبها حالة قلق على مستقبل المدينة، وكيف ستكون علاقتها مع النظام خلال الفترة القادمة، ومخاوف من تدهور الوضع الأمني أو قطع الطريق الواصل بين العاصمة والجبل. النقاشات تشغل الناس في السويداء بينما تبقى أعينهم على الزعامات الدينية، وسؤالهم هو: هل تستمر الزعامات في تأييدها للحراك أم أنها ستخضع في مرحلة ما للضغوطات، وتترك الناس فريسة مثلما كان يجري خلال كامل السنوات العشر الماضية؟

خطــ٣٠ // المصدر الأصلي للصورة: السويداء 24